*3* باب حذف التشكيل
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمَ تَحْتَبِسُونَ عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ الرَّجُلُ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ النِّدَاءَ تَوَضَّأْتُ فَقَالَ أَلَمْ تَسْمَعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ
الشرح:
قوله: (باب) كذا في الأصل بغير ترجمة، وهو كالفصل من الباب الذي قبله، ووجه تعلقه به أن فيه إشارة إلى الرد على من ادعى إجماع أهل المدينة على ترك التبكير إلى الجمعة لأن عمر أنكر عدم التبكير بمحضر من الصحابة وكبار التابعين من أهل المدينة.
ووجه دخوله في فضل الجمعة ما يلزم من إنكار عمر على الداخل احتباسه مع عظم شأنه، فإنه لولا عظم الفضل في ذلك لما أنكر عليه، وإذا ثبت الفضل في التبكير إلى الجمعة ثبت الفضل لها.
قوله: (إذ دخل رجل) سماه عبيد الله بن موسى في روايته عن شيبان " عثمان بن عفان " أخرجه الإسماعيلي ومحمد بن سابق عن شيبان عند قاسم بن أصبغ، وكذا سماه الأوزاعي عند مسلم وحرب بن شداد عند الطحاوي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير، وصرح مسلم في روايته بالتحديث في جميع الإسناد.
وقد تقدمت بقية مباحثه في " باب فضل الغسل يوم الجمعة".
*3* باب الدُّهْنِ لِلْجُمُعَةِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب الدهن للجمعة) أي استعمال الدهن، ويجوز أن يكون بفتح الدال فلا يحتاج إلى تقدير.
الحديث:
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ ابْنِ وَدِيعَةَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى
الشرح:
قوله: (عن ابن وديعة) هو عبد الله، سماه أبو علي الحنفي عن ابن أبي ذئب بهذا الإسناد عند الدارمي، وليس له في البخاري غير هذا الحديث، وهو تابعي جليل، وقد ذكره ابن سعد في الصحابة، وكذا ابن منده، وعزاه لأبي حاتم.
ومستندهم أن بعض الرواة لم يذكر بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أحدا، لكنه لم يصرح بسماعه، فالصواب إثبات الواسطة.
وهذا من الأحاديث التي تتبعها الدار قطني على البخاري وذكر أنه اختلف فيه على سعيد المقبري فرواه ابن أبي ذئب عنه هكذا، ورواه ابن عجلان عنه فقال: عن أبي ذر بدل سلمان، وأرسله أبو معشر عنه فلم يذكر سلمان ولا أبا ذر، ورواه عبيد الله العمري عنه فقال: عن أبي هريرة اهـ.
ورواية ابن عجلان المذكور عند ابن ماجه ورواية أبي معشر عند سعيد بن منصور ورواية العمري عند أبي يعلى، فأما ابن عجلان فهو دون ابن أبي ذئب في الحفظ فروايته مرجوحة، مع أنه يحتمل أن يكون ابن وديعة سمعه من أبي ذر وسلمان جميعا، ويرجح كونه عن سلمان وروده من وجه آخر عنه، أخرجه النسائي وابن خزيمة من طريق علقمة بن قيس عن قرثع الضبي، وهو بقاف مفتوحة وراء ساكنة ثم مثلثة، قال: وكان من القراء الأولين، وعن سلمان نحوه ورجاله ثقات، وأما أبو معشر فضعيف، وقد قصر فيه بإسقاط الصحابي، وأما العمري فحافظ وقد تابعه صالح بن كيسان عن سعيد عند ابن خزيمة، وكذا أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عن رجل عن سعيد، وأخرجه ابن السكن من وجه آخر عن عبد الرزاق وزاد فيه مع أبي هريرة عمارة بن عامر الأنصاري ا هـ.
وقوله "ابن عامر " خطأ، فقد رواه الليث عن ابن عجلان عن سعيد فقال " عمارة بن عمرو بن حزم " أخرجه ابن خزيمة، وبين الضحاك بن عثمان عن سعيد أن عمارة إنما سمعه من سلمان ذكره الإسماعيلي.
وأفاد في هذه الرواية أن سعيدا حضر أباه لما سمع هذا الحديث من ابن وديعة، وساقه الإسماعيلي من رواية حماد بن مسعدة وقاسم بن يزيد الجرمي كلاهما عن ابن أبي ذئب عن سعيد عن ابن وديعة ليس فيه عن أبيه، فكأنه سمعه مع أبيه من ابن وديعة، ثم استثبت أباه فيه فكان يرويه على الوجهين.
وإذا تقرر ذلك عرف أن الطريق التي اختارها البخاري أتقن الروايات، وبقيتها إما موافقة لها أو قاصرة عنها أو يمكن الجمع بينهما.
وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق، فإن ثبت أن لابن وديعة صحبة ففيه تابعيان وصحابيان كلهم من أهل المدينة.
قوله: (ويتطهر ما استطاع من الطهر) في رواية الكشميهني " من طهر " والمراد به المبالغة في التنظيف، ويؤخذ من عطفه على الغسل أن إفاضة الماء تكفي في حصول الغسل، أو المراد به التنظيف بأخذ الشارب والظفر والعانة، أو المراد بالغسل غسل الجسد، وبالتطهير غسل الرأس.
قوله: (ويدهن) المراد به إزالة شعث الشعر به وفيه إشارة إلى التزين يوم الجمعة.
قوله: (أو يمس من طيب بيته) أي إن لم يجد دهنا، ويحتمل أن يكون " أو " بمعنى الواو، وإضافته إلى البيت تؤذن بأن السنة أن يتخذ المرء لنفسه طيبا ويجعل استعماله له عادة فيدخره في البيت.
كذا قال بعضهم بناء على أن المراد بالبيت حقيقته، لكن في حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود " أو يمس من طيب امرأته " فعلى هذا فالمعنى إن لم يتخذ لنفسه طيبا فليستعمل من طيب امرأته، وهو موافق لحديث أبي سعيد الماضي ذكره عند مسلم حيث قال فيه " ولو من طيب المرأة".
وفيه أن بيت الرجل يطلق ويراد به امرأته.
وفي حديث عبد الله بن عمرو المذكور من الزيادة " ويلبس من صالح ثيابه".
وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعد هذا.
قوله: (ثم يخرج) زاد في حديث أبي أيوب عند ابن خزيمة " إلى المسجد " ولأحمد من حديث أبي الدرداء " ثم يمشي وعليه السكينة".
قوله: (فلا يفرق بين اثنين) في حديث عبد الله بن عمرو المذكور " ثم لم يتخط رقاب الناس".
وفي حديث أبي الدرداء " ولم يتخط أحدا ولم يؤذه".
قوله: (ثم يصلي ما كتب له) في حديث أبي الدرداء " ثم يركع ما قضى له " وفي حديث أبي أيوب " فيركع إن بدا له".
قوله: (ثم ينصت إذا تكلم الإمام) زاد في رواية قرثع الضبي " حتى يقضي صلاته " ونحوه في حديث أبي أيوب.
قوله: (غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) في رواية قاسم بن يزيد " حط عنه ذنوب ما بينه وبين الجمعة الأخرى " والمراد بالأخرى التي مضت، بينه الليث عن ابن عجلان في روايته عند ابن خزيمة ولفظه " غفر له ما بينه وبين الجمعة التي قبلها"، ولابن حبان من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة " غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام من التي بعدها " وهذه الزيادة أيضا في رواية سعيد عن عمارة عن سلمان، لكن لم يقل من التي بعدها، وأصله عند مسلم من حديث أبي هريرة باختصار وزاد ابن ماجه في رواية أخرى عن أبي هريرة " ما لم يغش الكبائر " ونحوه لمسلم.
وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا كراهة التخطي يوم الجمعة، قال الشافعي: أكره التخطي إلا لمن لا يجد السبيل إلى المصلي إلا بذلك اهـ.
وهذا يدخل فيه الإمام ومن يريد وصل الصف المنقطع إن أبي السابق من ذلك ومن يريد الرجوع إلى موضعه الذي قام منه لضرورة كما تقدم، واستثنى المتولي من الشافعية من يكون معظما لدينه أو علمه أو ألف صلى الله عليه وسلم مكانا يجلس فيه أنه لا كراهة في حقه، وفيه نظر، وكان مالك يقول: لا يكره التخطي إلا إذا كان الإمام على المنبر.
وفيه مشروعية النافلة قبل صلاة الجمعة لقوله " صلى ما كتب له " ثم قال " ثم ينصت إذا تكلم الإمام " فدل على تقدم ذلك على الخطبة، وقد بينه أحمد من حديث نبيشة الهذلي بلفظ " فإن لم يجد الإمام خرج صلى ما بدا له " وفيه جواز النافلة نصف النهار يوم الجمعة، واستدل به على أن التبكير ليس من ابتداء الزوال لأن خروج الإمام يعقب الزوال فلا يسع وقتا يتنفل فيه.
وتبين بمجموع ما ذكرنا أن تكفير الذنوب من الجمعة إلى الجمعة مشروط بوجود جميع ما تقدم من غسل وتنظف وتطيب أو دهن ولبس أحسن الثياب والمشي بالسكينة وترك التخطي والتفرقة بين الاثنين وترك الأذى والتنفل والإنصات وترك اللغو.
ووقع في حديث عبد الله بن عمرو " فمن تخطى أو لغا كانت له ظهرا " ودل التقييد بعدم غشيان الكبائر على أن الذي يكفر من الذنوب هو الصغائر فتحمل المطلقات كلها على هذا المقيد، وذلك أن معنى قوله " ما لم تغش الكبائر " أي فإنها إذا غشيت لا تكفر، وليس المراد أن تكفير الصغائر شرطه اجتناب الكبائر صلى الله عليه وسلم إذ اجتناب الكبائر بمجرده يكفرها كما نطق به القرآن، ولا يلزم من ذلك أن لا يكفرها إلا اجتناب الكبائر، وإذا لم يكن للمرء صغائر تكفي رجى له أن يكفر عنه بمقدار ذلك من الكبائر، وإلا أعطى من الثواب بمقدار ذلك، وهو جار في جميع ما ورد في نظائر ذلك، والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ طَاوُسٌ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا وَأَصِيبُوا مِنْ الطِّيبِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَّا الْغُسْلُ فَنَعَمْ وَأَمَّا الطِّيبُ فَلَا أَدْرِي
الشرح:
قوله: (ذكروا) لم يسم طاوس من حدثه بذلك، والذي يظهر أنه أبو هريرة فقد رواه ابن خزيمة وابن حبان والطحاوي من طريق عمرو بن دينار عن طاوس عن أبي هريرة نحوه، وثبت ذكر الطيب أيضا في حديث أبي سعيد وسلمان وأبي ذر وغيرهم كما تقدم.
قوله: (اغتسلوا يوم الجمعة وإن لم تكونوا جنبا) معناه اغتسلوا يوم الجمعة إن كنتم جنبا للجنابة، وإن لم تكونوا جنبا للجمعة.
وأخذ منه أن الاغتسال يوم الجمعة للجنابة يجزئ عن الجمعة سواء نواه للجمعة أم لا، وفي الاستدلال به على ذلك بعد.
نعم روى ابن حبان من طريق ابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث " اغتسلوا يوم الجمعة إلا أن تكونوا جنبا " وهذا أوضح في الدلالة على المطلوب، لكن رواية شعيب عن الزهري أصح.
قال ابن المنذر: حفظنا الإجزاء عن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين اهـ.
والخلاف في هذه المسألة منتشر في المذاهب، واستدل به على أنه لا يجزئ قبل طلوع الفجر لقوله " يوم الجمعة " وطلوع الفجر أول اليوم شرعا.
قوله: (واغسلوا رءوسكم) هو من عطف الخاص على العام للتنبيه على أن المطلوب الغسل التام لئلا يظن أن إفاضة الماء دون حل الشعر مثلا يجزئ في غسل الجمعة، وهو موافق لقوله في حديث أبي هريرة " كغسل الجنابة " ويحتمل أن يراد بالثاني المبالغة في التنظيف.
قوله: (وأصيبوا من الطيب) ليس في هذه الرواية ذكر الدهن المترجم به، لكن لما كانت العادة تقتضي استعمال الدهن بعد غسل الرأس أشعر ذلك به، كذا وجهه الزين بن المنير جوابا لقول الداودي: ليس في الحديث دلالة على الترجمة، والذي يظهر أن البخاري أراد أن حديث طاوس عن ابن عباس واحد ذكر فيه إبراهيم بن ميسرة الدهن ولم يذكره الزهري، وزيادة الثقة الحافظ مقبولة.
وكأنه أراد بإيراد حديث ابن عباس عقب حديث سلمان الإشارة إلى أن ما عدا الغسل من الطيب والدهن والسواك وغيرها ليس هو في التأكد كالغسل، وإن كان الترغيب ورد في الجميع، لكن الحكم يختلف إما بالوجوب عند من يقول به أو بتأكيد بعض المندوبات على بعض.
قوله: (قال ابن عباس: أما الغسل فنعم، وأما الطيب فلا أدري) هذا يخالف ما رواه عبيد بن السباق عن ابن عباس مرفوعا " من جاء إلى الجمعة فليغتسل وإن كان له طيب فليس منه " أخرجه ابن ماجه من رواية صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عبيد، وصالح ضعيف، وقد خالفه مالك فرواه عن الزهري عن عبيد بن السباق بمعناه مرسلا، فإن كان صالح حفظ فيه ابن عباس احتمل أن يكون ذكره بعد ما نسيه أو عكس ذلك، وهشام المذكور في طريق ابن عباس الثانية هو ابن يوسف الصنعاني.