*3* باب الْإِذْخِرِ وَالْحَشِيشِ فِي الْقَبْرِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب الإذخر والحشيش في القبر) أورد فيه حديث ابن عباس في تحريم مكة، وفيه " فقال العباس إلا الإذخر لصاغتنا وقبورنا " وسيأتي الكلام على فوائده في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
وجوز ابن مالك في قوله " إلا الإذخر " الرفع والنصب، وترجم ابن المنذر على هذا الحديث طرح الإذخر في القبر وبسطه فيه، وأراد المصنف بذكر الحشيش التنبيه على إلحاقه بالإذخر وأن المراد باستعمال الإذخر البسط ونحوه لا التطيب، ومراده بالحشيش ما يجوز حشه من الحرم إذا لم يقيده في الترجمة بشيء.
وقد تقدم في " باب إذا لم يجد كفنا " في قصة مصعب بن عمير لما قصر كفنه أن يغطى رأسه وأن يجعل على رجليه من الإذخر، ولأحمد من طريق خباب أيضا أن حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه حتى مدت على رأسه وجعل على قدميه الإذخر.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَّا الْإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ إِلَّا الْإِذْخِرَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا وَقَالَ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ
الشرح:
قوله: (وقال أبو هريرة إلخ) هو طرف من حديث طويل فيه قصة أبي شاه وقد تقدم موصولا في كتاب العلم.
قوله: (وقال أبان بن صالح إلخ) وصله ابن ماجه من طريقه وفيه " فقال العباس إلا الإذخر، فإنه للبيوت والقبور".
قوله: (وقال مجاهد إلخ) هو طرف من الحديث الأول، وسيأتي موصولا في كتاب الحج، وأورده لقوله فيه " لقينهم " بدل لقبورهم، والقين بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون هو الحداد، وكأنه أشار إلى ترجيح الرواية الأولى لموافقة رواية أبي هريرة وصفية، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
*3* باب هَلْ يُخْرَجُ الْمَيِّتُ مِنْ الْقَبْرِ وَاللَّحْدِ لِعِلَّةٍ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة) أي لسبب، وأشار بذلك إلى الرد على من منع إخراج الميت من قبره مطلقا أو لسبب دون سبب، كمن خص الجواز بما لو دفن بغير غسل أو بغير صلاة، فإن في حديث جابر الأول دلالة على الجواز إذا كان في نبشه مصلحة تتعلق به من زيادة البركة له، وعليه يتنزل قوله في الترجمة " من القبر"، وفي حديث جابر الثاني دلالة على جواز الإخراج لأمر يتعلق بالحي لأنه لا ضرر على الميت في دفن ميت آخر معه، وقد بين ذلك جابر بقوله " فلم تطب نفسي " وعليه يتنزل قوله " واللحد " لأن والد جابر كان في لحد، وإنما أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام لأن قصة عبد الله بن أبي قابلة للتخصيص، وقصة والد جابر ليس فيها تصريح بالرفع، قاله الزين بن المنير، ثم أورد المصنف فيه حديث عمرو - وهو ابن دينار - عن جابر في قصة عبد الله بن أبي، وقد سبق ذكره في " باب الكفن في القميص " وزاد في هذه الطريق " وكان كسا عباسا قميصا " وفي رواية الكشميهني " قميصه " والعباس المذكور هو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا قَالَ سُفْيَانُ وَقَالَ أَبُو هَارُونَ يَحْيَى وَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَانِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلْبِسْ أَبِي قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ قَالَ سُفْيَانُ فَيُرَوْنَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ قَمِيصَهُ مُكَافَأَةً لِمَا صَنَعَ
الشرح:
قوله: (قال سفيان: وقال أبو هرون إلخ) كذا وقع في رواية أبي ذر وغيرها، ووقع في كثير من الروايات " وقال أبو هريرة " وكذا في مستخرج أبي نعيم وهو تصحيف، وأبو هرون المذكور جزم المزي بأنه موسى بن أبي عيسى الحناط بمهملة ونون المدني، وقيل هو الغنوي واسمه إبراهيم بن العلاء من شيوخ البصرة، وكلاهما من أتباع التابعين، فالحديث معضل.
وقد أخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان فسماه عيسى ولفظه " حدثنا عيسى بن أبي موسى " فهذا هو المعتمد.
قوله: (قال سفيان: فيرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله قيمصه مكافأة لما صنع بالعباس) هذا القدر متصل عند سفيان، وقد أخرجه البخاري في أواخر الجهاد في " باب كسوة الأسارى " عن عبد الله بن محمد عن سفيان بالسند المذكور قال " لما كان يوم بدر أتي بأسارى وأتي بالعباس ولم يكن عليه ثوب فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر عليه فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه، فلذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه " ويحتمل أن يكون قوله " فلذلك " من كلام سفيان أدرج في الخبر، بينته رواية علي بن عبد الله التي في هذا الباب، وسأستوفي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ دَعَانِي أَبِي مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ مَا أُرَانِي إِلَّا مَقْتُولًا فِي أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَا أَتْرُكُ بَعْدِي أَعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ غَيْرَ نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا فَاقْضِ وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا فَأَصْبَحْنَا فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِي قَبْرٍ ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الْآخَرِ فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أُذُنِهِ
الشرح:
قوله: (حدثنا حسين المعلم عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر) هكذا أخرج البخاري هذا الحديث عن مسدد عن بشر بن المفضل عن حسين، ولم أره بعد التتبع الكثير في شيء من كتب الحديث بهذا الإسناد إلى جابر إلا في البخاري، وقد عز على الإسماعيلي مخرجه فأخرجه في مستخرجه من طريق البخاري، وأما أبو نعيم فأخرجه من طريق أبي الأشعث عن بشر بن المفضل فقال " عن سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن جابر " وقال بعده: ليس أبو نضرة من شرط البخاري.
قال: وروايته عن حسين عن عطاء عزيزة جدا.
قلت: وطريق سعيد مشهورة عنه، أخرجها أبو داود وابن سعد والحاكم والطبراني من طريقه عن أبي نضرة عن جابر، واحتمل عندي أن يكون لبشر بن المفضل فيه شيخان، إلى أن رأيته في " المستدرك " للحاكم قد أخرجه عن أبي بكر بن إسحاق عن معاذ بن المثنى عن مسدد عن بشر كما رواه أبو الأشعث عن بشر، وكذا أخرجه في " الإكليل " بهذا الإسناد إلى جابر ولفظه لفظ البخاري سواء، فغلب علي الظن حينئذ أن في هذه الطريق وهما، لكن لم يتبين لي ممن هو، ولم أر من نبه على ذلك، وكأن البخاري استشعر بشيء من ذلك فعقب هذه الطريق بما أخرجه من طريق ابن أبي نجيح عن عطاء عن جابر مختصرا ليوضح أن له أصلا من طريق عطاء عن جابر.
والله أعلم.
قوله: (ما أراني) بضم الهمزة بمعني الظن، وذكر الحاكم في " المستدرك " عن الواقدي أن سبب ظنه ذلك منام رآه أنه رأى مبشر بن عبد المنذر - وكان ممن استشهد ببدر - يقول له: أنت قادم علينا في هذه الأيام، فقصها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه الشهادة.
وفي رواية أبي نضرة المذكورة عند ابن السكن عن جابر أن أباه قال له: إني معرض نفسي للقتل.
الحديث.
وقال ابن التين: إنما قال ذلك بناء على ما كان عزم عليه، وإنما قال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة إلى ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أن بعض أصحابه سيقتل كما سيأتي واضحا في المغازي.
قوله: (وأن علي دينا) سيأتي مقداره في علامات النبوة.
قوله: (فاقض) كذا في الأصل بحذف المفعول.
وفي رواية الحاكم " فاقضه".
قوله: (بأخواتك) سيأتي الكلام على ذكر عدتهن ومن عرف اسمها منهن في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى.
قوله: (ودفن معه آخر) هو عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام الأنصاري، وكان صديق والد جابر وزوج أخته هند بنت عمرو، وكأن جابرا سماه عمه تعظيما.
قال ابن إسحاق في المغازي " حدثني أبي عن رجال من بني سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين أصيب عبد الله بن عمرو وعمرو بن الجموح: اجمعوا بينهما فإنهما كانا متصادقين في الدنيا " وفي " مغازي الواقدي " عن عائشة أنها رأت هند بنت عمرو تسوق بعيرا لها عليه زوجها عمرو بن الجموح وأخوها عبد الله بن عمرو بن حرام لتدفنهما بالمدينة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برد القتلى إلى مضاجعهم.
وأما قول الدمياطي إن قوله " وعمي " وهم فليس بجيد، لأن له محملا سائغا، والتجوز في مثل هذا يقع كثيرا.
وحكى الكرماني عن غيره أن قوله " وعمي " تصحيف من " عمرو " وقد روى أحمد بإسناد حسن من حديث أبي قتادة قال " قتل عمرو بن الجموح وابن أخيه يوم أحد فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلا في قبر واحد " قال ابن عبد البر في التمهيد: ليس هو ابن أخيه وإنما هو ابن عمه، وهو كما قال فلعله كان أسن منه.
قوله: (فاستخرجته بعد ستة أشهر) أي من يوم دفنه وهذا يخالف في الظاهر ما وقع في الموطأ عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين كانا قد حفر السيل قبرهما، وكانا في قبر واحد، فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس، وكان بين أحد ويوم حفر عنهما ست وأربعون سنة، وقد جمع بينهما ابن عبد البر بتعدد القصة، وفيه نظر لأن الذي في حديث جابر أنه دفن أباه في قبر وحده بعد ستة أشهر وفي حديث الموطأ أنهما وجدا في قبر واحد بعد ست وأربعين سنة، فإما أن يكون المراد بكونهما في قبر واحد قرب المجاورة، أو أن السيل خرق أحد القبرين فصارا كقبر واحد، وقد ذكر ابن إسحاق القصة في المغازي فقال " حدثني أبي عن أشياخ من الأنصار قالوا: لما ضرب معاوية عينه التي مرت على قبور الشهداء انفجرت العين عليهم فجئنا فأخرجناهما - يعني عمرا وعبد الله - وعليهما بردتان قد غطي بهما وجوههما وعلى أقدامهم شيء من نبات الأرض، فأخرجناهما يتثنيان تثنيا كأنهما دفنا بالأمس".
وله شاهد بإسناد صحيح عند ابن سعد من طريق أبي الزبير عن جابر.
قوله: (فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أذنه) وقال عياض في رواية أبي السكن والنسفي " غير هنية في أذنه " وهو الصواب بتقديم " غير " وزيادة " في " وفي الأول تغيير، قال ومعنى قوله " هنية " أي شيئا يسيرا، وهو بنون بعدها تحتانية مصغرا، وهو تصغير " هنة " أي شيء، فصغره لكونه أثرا يسيرا انتهى.
وقد قال الإسماعيلي عقب سياقه بلفظ الأكثر.
إنما هو " عند".
قلت: وكدا وقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني، لكن يبقى في الكلام نقص، ويبينه ما في رواية ابن أبي خيثمة والطبراني من طريق غسان بن مضر عن أبي سلمة بلفظ " وهو كيوم دفنته، إلا هنية عند أذنه " وهو موافق من حيث المعني لرواية ابن السكن التي صوبها عياض.
وجمع أبو نعيم في روايته من طريق أبي الأشعث بين لفظ " غير " ولفظ " عند " فقال " غير هنية عند أذنه " ووقع في رواية الحاكـم المشار إليها " فإذا هو كيوم وضعته غير أذنه " سقط منها لفظ " هنية " وهو مستقيم المعنى.
وكذلك ذكره الحميدي في " الجمع " في أفراد البخاري، والمراد بالأذن بعضها.
وحكى ابن التين أنه في روايته بفتح الهاء وسكون التحتانية بعدها همزة ثم مثناة منصوبة ثم هاء الضمير، أي على حالته.
وقد أخرجه ابن السكن من طريق شعبة عن أبي مسلمة بلفظ " غير أن طرف أذن أحدهم تغير"، ولابن سعد من طريق أبي هلال عن أبي مسلمة " إلا قليلا من شحمة أذنه " ولأبي داود من طريق حماد بن زيد عن أبي مسلمة " إلا شعرات كن من لحيته مما يلي الأرض " ويجمع بين هذه الرواية وغيرها بأن المراد الشعرات التي تتصل بشحمة الأذن، وأفادت هذه الرواية سبب تغير ذلك دون غيره، ولا يعكر على ذلك ما رواه الطبراني بإسناد صحيح عن محمد بن المنكدر عن جابر " أن أباه قتل يوم أحد ثم مثلوا به فجدعوا أنفه وأذنيه " الحديث، وأصله في مسلم، لأنه محمول على أنهم قطعوا بعض أذنيه لا جميعهما والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُ فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ
الشرح:
قوله: (عن ابن أبي نجيح عن عطاء) كذا للأكثر، وحكى أبو علي الجياني أنه وقع عند أبي علي بن السكن " عن مجاهد " بدل " عطاء " قال: والذي رواه غيره أصح.
قلت: وكذا أخرجه ابن سعد والنسائي والإسماعيلي وآخرون كلهم من طريق سعيد بن عامر بالسند المذكور فيه وهو الصواب.
وفي قصة والد جابر من الفوائد: الإرشاد إلى بر الأولاد بالآباء خصوصا بعد الوفاة، والاستعانة على ذلك بإخبارهم بمكانتهم من القلب.
وفيه قوة إيمان عبد الله المذكور لاستثنائه النبي صلى الله عليه وسلم ممن جعل ولده أعز عليه منهم.
وفيه كرامته بوقوع الأمر على ما ظن، وكرامته بكون الأرض لم تبل جسده مع لبثه فيها، والظاهر أن ذلك لمكان الشهادة.
وفيه فضيلة لجابر لعمله بوصية أبيه بعد موته في قضاء دينه كما سيأتي بيانه في مكانه.