*1*المجلد الرابع
*2*أَبْوَابُ الْمُحْصَرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ
الشرح:
قوله: (باب المحصر وجزاء الصيد) ثبتت البسملة للجميع، وذكر أبو ذر " أبواب " بلفظ الجمع، وللباقين " باب " بالإفراد.
*3* وَقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ حذف التشكيل
وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وَقَالَ عَطَاءٌ الْإِحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَحْبِسُهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ حَصُورًا لَا يَأْتِي النِّسَاءَ
الشرح:
قوله: (وقول الله تعالى: فإن أحصرتم) أي وتفسير المراد من قوله: (فإن أحصرتم) وأما قوله (ولا تحلقوا رءوسكم) فسيأتي في الباب الذي يليه.
وفي اقتصاره على تفسير عطاء إشارة إلى أنه اختار القول بتعميم الإحصار، وهي مسألة اختلاف بين الصحابة وغيرهم، فقال كثير منهم: الإحصار من كل حابس حبس الحاج من عدو ومرض وغير ذلك، حتى أفتى ابن مسعود رجلا لدغ بأنه محصر، أخرجه ابن جرير بإسناد صحيح عنه.
وقال النخعي والكوفيون: الحصر الكسر والمرض والخوف، واحتجوا بحديث حجاج بن عمرو الذي سنذكره في آخر الباب.
وأثر عطاء المشار إليه وصله عبد بن حميد عن أبي نعيم عن الثوري عن ابن جريج عنه قال في قوله تعالى (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى) قال: الإحصار من كل شيء يحبسه.
وكذا رويناه في تفسير الثوري رواية أبي حذيفة عنه.
وروى ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه، ولفظه " فإن أحصرتم، قال: من أحرم بحج أو عمرة ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عدو يحبسه فعليه ذبح ما استيسر من الهدى، فإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها، وإن كانت حجة بعد الفريضة فلا قضاء عليه " وقال آخرون: لا حصر إلا بالعدو، وصح ذلك عن ابن عباس، أخرجه عبد الرزاق عن معمر، وأخرجه الشافعي عن ابن عيينة كلاهما عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال " لا حصر إلا من حبسه عدو فيحل بعمرة، وليس عليه حج ولا عمرة"، وروى مالك في " الموطأ " والشافعي عنه عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال " من حبس دون البيت بالمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت " وروى مالك عن أيوب عن رجل من أهل البصرة قال " خرجت إلى مكة حتى إذا كنت بالطريق كسرت فخذي، فأرسلت إلى مكة - وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والناس - فلم يرخص لي أحد في أن أحل، فأقمت على ذلك الماء تسعة أشهر ثم حللت بعمرة"، وأخرجه ابن جرير من طرق وسمى الرجل يزيد بن عبد الله بن الشخير، وبه قال مالك والشافعي وأحمد.
قال الشافعي: جعل الله على الناس إتمام الحج والعمرة، وجعل التحلل للمحصر رخصة، وكانت الآية في شأن منع العدو فلم نعد بالرخصة موضعها.
وفي المسألة قول ثالث حكاه ابن جرير وغيره، وهو أنه لا حصر بعد النبي، وروى مالك في " الموطأ " عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه " المحرم لا يحل حتى يطوف".
أخرجه في " باب ما يفعل من أحصر بغير عدو".
وأخرج ابن جرير عن عائشة بإسناد صحيح قالت " لا اعلم المحرم يحل بشيء دون البيت " وعن ابن عباس بإسناد ضعيف قال " لا إحصار اليوم " وروى ذلك عن عبد الله بن الزبير، والسبب في اختلافهم في ذلك اختلافهم في تفسير الإحصار، فالمشهور عن أكثر أهل اللغة - منهم الأخفش والكسائي والفراء وأبو عبيدة وأبو عبيد وابن السكيت وثعلب وابن قتيبة وغيرهم - أن الإحصار إنما يكون بالمرض، وأما بالعدو فهو الحصر وبهذا قطع النحاس، وأثبت بعضهم أن أحصر وحصر بمعنى واحد، يقال في جميع ما يمنع الإنسان من التصرف قال تعالى (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض) وإنما كانوا لا يستطيعون من منع العدو إياهم، وأما الشافعي ومن تابعه فحجتهم في أن لا إحصار إلا بالعدو اتفاق أهل النقل على أن الآيات نزلت في قصة الحديبية حين صد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت، فسمى الله صد العدو إحصارا، وحجة الآخرين التمسك بعموم قوله تعالى (فإن أحصرتم) .
قوله: (قال أبو عبد الله: حصورا لا يأتي النساء) هكذا ثبت هذا التفسير هنا في رواية المستملي خاصة، ونقله الطبري عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد، وقد حكاه أبو عبيدة في " المجاز " وقال: إن له معاني أخرى فذكرها، وهو بمعنى محصور لأنه منع مما يكون من الرجال، وقد ورد فعول بمعنى مفعول كثيرا.
وكأن البخاري أراد بذكر هذه الآية الإشارة إلى أن المادة واحدة، والجامع بين معانيها المنع، والله أعلم.
*3* باب إِذَا أُحْصِرَ الْمُعْتَمِرُ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب إذا أحصر المعتمر) قيل غرض المصنف بهذه الترجمة الرد على من قال التحلل بالإحصار خاص بالحاج بخلاف المعتمر فلا يتحلل بذلك بل يستمر على إحرامه حتى يطوف بالبيت، لأن السنة كلها وقت للعمرة فلا يخشى فواتها بخلاف الحج، وهو محكي عن مالك، واحتج له إسماعيل القاضي بما أخرجه بإسناد صحيح عن أبي قلابة قال: خرجت معتمرا، فوقعت عن راحلتي فانكسرت، فأرسلت إلى ابن عباس وابن عمر فقالا: ليس لها وقت كالحج يكون على إحرامه حتى يصل إلى البيت.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ قَالَ إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ
الشرح:
قوله: (أن عبد الله بن عمر حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة) هذا السياق يشعر بأنه عن نافع عن ابن عمر بغير واسطة، لكن رواية جويرية التي بعده تقتضي أن نافعا حمل ذلك عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما حيث قال فيها: عن جويرية عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر، فذكر القصة والحديث، هكذا قال البخاري عن عبد الله بن محمد ابن أسماء، ووافقه الحسن بن سفيان وأبو يعلى كلاهما عن عبد الله، أخرجه الإسماعيلي عنهما، وتابعهم معاذ بن المثني عن عبد الله بن محمد بن أسماء، أخرجه البيهقي.
لكن في رواية موسى بن إسماعيل عن جويرية عن نافع أن بعض بني عبد الله بن عمر قال له، فذكر الحديث.
وظاهره أنه لنافع عن ابن عمر بغير واسطة، وقد عقب البخاري رواية عبد الله برواية موسى لينبه على الاختلاف في ذلك، واقتصر في رواية موسى هنا على الإسناد، وساقه في المغازي بتمامه.
وقد رواه يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع كذلك ولفظه " أن عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله كلما عبد الله، فذكر الحديث " أخرجه مسلم، وقد أخرجه البخاري في المغازي عن مسدد عن يحيى مختصرا قال فيه عن نافع عن ابن عمر أنه أهل فذكر بعض الحديث.
وفي قوله عن نافع عن ابن عمر دلالة على أنه لا واسطة بين نافع وابن عمر فيه كما هو ظاهر سياق مسلم، وأخرجه البخاري كما سيأتي بعد باب من طريق عمر بن محمد عن نافع مثل سياق يحيى عن عبيد الله سواء، وأخرجه في المغازي من طريق فليح وفيما مضى من الحج من طريق أيوب والليث كلهم عن نافع، وأعرض مسلم عن تخريج طريق جويرية ووافق على طريق تخريج الليث وأيوب عن عبيد الله ابن عمر، وكذا أخرجه النسائي من طريق أيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية كلهم عن نافع عن ابن عمر بغير واسطة.
والذي يترجح في نقدي أن ابني عبد الله أخبرا نافعا بما كلما به أباهما وأشارا عليه به من التأخير ذلك العام، وأما بقية القصة فشاهدها نافع وسمعها من ابن عمر لملازمته إياه، فالمقصود من الحديث موصول، وعلى تقدير أن يكون نافع لم يسمع شيئا من ذلك من ابن عمر فقد عرف الواسطة بينهما وهي ولدا عبد الله ابن عمر سالم وعبد الله وهما ثقتان لا مطعن فيهما، ولم أر من نبه على ذلك من شراح البخاري.
ووقع في رواية جويرية المذكورة عبيد الله بن عبد الله بالتصغير.
وفي رواية يحيى القطان المذكورة عبد الله بالتكبير، وكذا في رواية عمر بن محمد عن نافع، قال البيهقي: عبد الله - يعني مكبرا - أصح.
قلت: وليس بمستبعد أن يكون كل منهما كلم أباه في ذلك، ولعل نافعا حضر كلام عبد الله المكبر مع أخيه سالم ولم يحضر كلام عبيد الله المصغر مع أخيه سالم أيضا بل أخبراه بذلك فقص عن كل ما انتهى إليه علمه.
قوله: (معتمرا) في الموطأ من هذا الوجه " خرج إلى مكة يريد الحج.
فقال: إن صددت " فذكره، ولا اختلاف، فإنه خرج أولا يريد الحج فلما ذكروا له أمر الفتنة أحرم بالعمرة ثم قال: ما شأنهما إلا واحدا فأضاف إليها الحج فصار قارنا.
قوله: (في الفتنة) بينه في رواية جويرية فقال " ليالي نزل الجيش بابن الزبير " وقد مضى في " باب طواف القارن " من طريق الليث عن نافع بلفظ " حين نزل الحجاج بابن الزبير " ولمسلم رواية في يحيى القطان المذكورة " حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير " وقد تقدم في " باب من اشترى هديه من الطريق " من رواية موسى بن عقبة عن نافع " أراد ابن عمر الحج عام حج الحرورية".
وتقدم طريق الجمع بينه وبين رواية الباب.
قوله: (إن صددت عن البيت) هذا الكلام قاله جوابا لقول من قال له.
إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت، كما أوضحته الرواية التي بعد هذه.
قوله: (كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية موسى بن عقبة " فقال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، إذن اصنع كما صنع " زاد في رواية الليث عن نافع في " باب طواف القارن " " كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم " ونحوه في رواية أيوب عن نافع في " باب طواف القارن".
قوله: (فأهل) يعني ابن عمر، والمراد أنه رفع صوته بالإهلال والتلبية، زاد في رواية جويرية التي بعد هذه " فقال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فحال كفار قريش دون البيت، فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه وحلق رأسه".
قوله: (من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية) .
قال النووي: معناه أنه أراد إن صددت عن البيت وأحصرت تحللت من العمرة كما تحلل النبي صلى الله عليه وسلم من العمرة.
وقال عياض: يحتمل أن المراد أهل بعمرة كما أهل النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة، ويحتمل أنه أراد الأمرين أي من الإهلال والإحلال وهو الأظهر.
وتعقبه النووي، وليس هو بمردود.
قوله: (بعمرة) زاد في رواية جويرية " من ذي الحليفة " وفي رواية أيوب الماضية " فأهل بالعمرة من الدار " والمراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة، ويحتمل أن يحمل على الدار التي بالمدينة ويجمع بأنه أهل بالعمرة من داخل بيته، ثم أعلن بها وأظهرها بعد أن استقر بذي الحليفة.
قوله: (عام الحديبية) سيأتي بيان ذلك وشرحه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى، وأورده المصنف بعد بابين عن إسماعيل - وهو ابن أبي أويس - عن مالك فزاد فيه " ثم إن عبد الله بن عمر نظر في أمره فقال: ما أمرهما إلا واحد " أي الحج والعمرة فيما يتعلق بالإحصار والإحلال، فالتفت إلى أصحابه فذكر القصة.
وبين في رواية جويرية أن ذلك وقع بعد أن سار ساعة، وهو يؤيد الاحتمال الأول الماضي في أن المراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة.
ووقع في رواية الليث " أشهدكم أني قد أوجبت عمرة.
ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال: ما شأن الحج والعمرة إلا واحد".
ولو كان إيجابه العمرة من داره التي بالمدينة لكان ما بينها وبين ظاهر البيداء أكثر من ساعة.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَيَالِيَ نَزَلَ الْجَيْشُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَحُجَّ الْعَامَ وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَقَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْعُمْرَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْطَلِقُ فَإِنْ خُلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ طُفْتُ وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا شَأْنُهُمَا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي فَلَمْ يَحِلَّ مِنْهُمَا حَتَّى حَلَّ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَهْدَى وَكَانَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافًا وَاحِدًا يَوْمَ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ لَوْ أَقَمْتَ بِهَذَا
الشرح:
قوله (فلم يحل منهما حتى حل يوم النحر) زاد في رواية الليث " فنحر وحلق " ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول.
وهذا ظاهره أنه اكتفى بطواف القدوم عن طواف الإفاضة، وهو مشكل.
ووقع في رواية إسماعيل المذكورة " ثم طاف لهما طوافا واحدا ورأى أن ذلك مجزئ عنه " وقد تقدم البحث في ذلك في آخر " باب طواف القارن".
قوله في رواية جويرية (أشهدكم أني قد أوجبت) أي ألزمت نفسي ذلك، وكأنه أراد تعليم من يريد الاقتداء به، وإلا فالتلفظ ليس بشرط.
قوله: (وإن حيل بيني وبينه) أي البيت - أي منعت من الوصول إليه لأطوف - تحللت بعمل العمرة، وهذا يبين أن المراد بقوله " ما أمرهما إلا واحد " يعني الحج والعمرة في جواز التحلل منهما بالإحصار أو في إمكان الإحصار عن كل منهما، ويؤيد الثاني قوله في رواية يحيى القطان المذكورة بعد قوله ما أمرهما إلا واحد " إن حيل بيني وبين العمرة حيل بيني وبين الحج " فكأنه رأى أولا أن الإحصار عن الحج أشد من الإحصار عن العمرة لطول زمن الحج وكثرة أعماله فاختار الإهلال بالعمرة، ثم رأى أن الإحصار بالحج يفيد التحلل عنه بعمل العمرة فقال " ما أمرهما إلا واحد".
وفيه أن الصحابة كانوا يستعملون القياس ويحتجون به.
وفي هذا الحديث من الفوائد أن من أحصر بالعدو بأن منعه عن المضي في نسكه حجا كان أو عمرة جاز له التحلل بأن ينوي ذلك وينحر هديه ويحلق رأسه أو يقصر منه.
وفيه جواز إدخال الحج على العمرة وهو قول الجمهور، لكن شرطه عند الأكثر أن يكون قبل الشروع في طواف العمرة، وقيل إن كان قبل مضي أربعة أشواط صح، وهو قول الحنفية، وقيل بعد تمام الطواف وهو قول المالكية، ونقل عبد البر أن أبا ثور شذ فمنع إدخال الحج على العمرة قياسا على منع إدخال العمرة على الحج.
وفيه أن القارن يقتصر على طواف واحد، وقد تقدم البحث فيه في بابه.
وفيه أن القارن يهدي، وشذ ابن حزم فقالا: لا هدي على القارن.
وفيه جواز الخروج إلى النسك في الطريق المظنون خوفه إذا رجى السلامة، قاله ابن عبد البر.
قوله في رواية موسى بن إسماعيل (أن بعض بني عبد الله) قد تقدم اسمه في الرواية التي قبلها وأنه سالم بن عبد الله أو أخوه عبيد الله أو عبد الله، ولم يظهر لي من الذي تولى مخاطبته منهم.
(تنبيه) وقع في رواية القعنبي عن مالك في أول أحاديث الباب في آخر قصة ابن عمر زيادة وهي " وأهدى شاة " قال ابن عبد البر: هي زيادة غير محفوظة، لأن ابن عمر كان يفسر ما استيسر من الهدي بأنه بدنة دون بدنة أو بقرة دون بقرة فكيف يهدي شاة.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ وَجَامَعَ نِسَاءَهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا
الشرح:
قوله (حدثنا محمد) كذا في جميع الروايات غير منسوب، فجزم الحاكم بأنه محمد بن يحيى الذهلي، وأبو مسعود بأنه محمد بن مسلم بن وارة، وذكر الكلاباذي عن ابن أبي سعيد أنه أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، وذكر أنه رآه في أصل عتيق، ويؤيده أن الحديث وجد من حديثه عن يحيى بن صالح المذكور، كذلك أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق أبي حاتم، ورواية البخاري عنه في باب الذبح فإنه روى عنه البخاري.
قلت: ويحتمل أن يكون هو محمد بن إسحاق الصغاني فقد وجدت الحديث من روايته عن يحيى بن صالح كما سأذكره.
قوله: (عن عكرمة قال فقال ابن عباس) هكذا رأيته في جميع النسخ وهو يقتضي سبق كلام يعقبه قوله " فقال ابن عباس " ولم ينبه عليه أحد من شراح هذا الكتاب ولا بينه الإسماعيلي ولا أبو نعيم لأنهما اقتصرا من الحديث على ما أخرجه البخاري، وقد بحثت عنه إلى أن يسر الله بالوقوف عليه، فقرأت في " كتاب الصحابة " لابن السكن قال " حدثني هارون بن عيسى حدثنا الصغاني هو محمد بن إسحاق أحد شيوخ مسلم حدثنا يحيى بن صالح حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت عكرمة فقال: قال عبد الله بن رافع مولي أم سلمة إنها سألت الحجاج بن عمرو الأنصاري عمن حبس وهو محرم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من عرج أو كسر أو حبس فليجزئ مثلها وهو في حل " قال فحدثت به أبا هريرة فقال: صدق، وحدثته ابن عباس فقال: قد أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق ونحر هديه وجامع نساءه حتى اعتمر عاما قابلا"، فعرف بهذا السياق القدر الذي حذفه البخاري من هذا الحديث، والسبب في حذفه أن الزائد ليس على شرطه لأنه قد اختلف في حديث الحجاج بن عمرو على يحيى بن أبي كثير عن عكرمة مع كون عبد الله بن رافع ليس من شرط البخاري فأخرجه أصحاب السنن وابن خزيمة والدار قطني والحاكم من طرق عن الحجاج الصواف عن يحيى عن عكرمة عن الحجاج به.
وقال في آخر " قال عكرمة فسألت أبا هريرة وابن عباس فقالا صدق".
ووقع في رواية يحيى القطان وغيره في سياقه " سمعت الحجاج " وأخرجه أبو داود والترمذي من طريق معمر عن يحيى عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجاج قال الترمذي: وتابع معمرا على زيادة عبد الله بن رافع معاوية بن سلام، وسمعت محمدا يعني البخاري يقول: رواية معمر ومعاوية أصح، انتهى.
فاقتصر البخاري على ما هو من شرط كتابه، مع أن الذي حذفه ليس بعيدا من الصحة، فإنه إن كان عكرمة سمعه من الحجاج بن عمرو فذاك، وإلا فالواسطة بينهما - وهو عبد الله بن رافع - ثقة وإن كان البخاري لم يخرج له.
وبهذا الحديث احتج من قال: لا فرق بين الإحصار بالعدو وبغيره كما تقدمت الإشارة إليه، واستدل به على أن من تحلل بالإحصار وجب عليه قضاء ما تحلل منه وهو ظاهر الحديث.
وقال الجمهور: لا يجب، وبه قال الحنفية.
وعن أحمد روايتان.
وسيأتي البحث فيه بعد بابين إن شاء الله تعالى؟