2*كتاب الاعتكاف
*3* باب الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالِاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا حذف التشكيل
لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
الشرح:
قوله: (باب الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها) أي مشروطية المسجد له من غير تخصيص بمسجد دون مسجد.
قوله: (لقوله تعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) الآية) ووجد الدلالة من الآية أنه لو صح في غير المسجد لم يختص تحريم المباشرة به، لأن الجماع مناف للاعتكاف بالإجماع، فعلم من ذكر المساجد أن المراد أن الاعتكاف لا يكون إلا فيها.
ونقل ابن المنذر الإجماع على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع، وروى الطبري وغيره من طريق قتادة في سبب نزول الآية: كانوا إذا اعتكفوا فخرج رجل لحاجته فلقي امرأته جامعها إن شاء فنزلت.
واتفق العلماء على مشروطية المسجد للاعتكاف، إلا محمد بن عمر ابن لبابة المالكي فأجازه في كل مكان، وأجاز الحنفية للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها وهو المكان المعد للصلاة فيه، وفيه قول للشافعي قدم، وفي وجه لأصحابه وللمالكية يجوز للرجال والنساء لأن التطوع في البيوت أفضل، وذهب أبو حنيفة وأحمد إلى اختصاصه بالمساجد التي تقام فيها الصلوات، وخصه أبو يوسف بالواجب منه وأما النفل ففي كل مسجد.
وقال الجمهور بعمومه من كل مسجد إلا لمن تلزمه الجمعة فاستحب له الشافعي في الجامع، وشرطه مالك لأن الاعتكاف عندهما ينقطع بالجمعة، ويجب بالشروع عند مالك، وخصه طائفة من السلف كالزهري بالجامع مطلقا وأومأ إليه الشافعي في القديم، وخصه حذيفة بن اليمان بالمساجد الثلاثة، وعطاء بمسجد مكة والمدينة وابن المسيب بمسجد المدينة، واتفقوا على أنه لا حد لأكثره واختلفوا في أقله فمن شرط فيه الصيام قال أقله يوم، ومنهم من قال يصح مع شرط الصيام في دون اليوم حكاه ابن قدامة، وعن مالك يشترط عشرة أيام، وعنه يوم أو يومان، ومن لم يشترط الصوم قالوا أقله ما يطلق عليه اسم لبث ولا يشترط القعود، وقيل يكفي المرور مع النية كوقوف عرفة، وروى عبد الرزاق عن يعلى أمية الصحابي " إني لأمكث في المسجد الساعة وما أمكث إلا لأعتكف"، واتفقوا على فساده بالجماع حتى قال الحسن والزهري: من جامع فيه لزمته الكفارة، وعن مجاهد: يتصدق بدينارين، واختلفوا في غير الجماع: ففي المباشرة أقوال ثالثها إن أنزل بطل وإلا فلا.
ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث:
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ
الشرح:
قوله "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان " وقد أخرجه مسلم من هذا الوجه وزاد: قال نافع: وقد أراني عبد الله بن عمر المكان الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف فيه من المسجد، وزاد ابن ماجة من وجه آخر عن نافع: أن ابن عمر كان إذا اعتكف طرح له فراشه وراء أسطوانة التوبة.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ
الشرح:
حديث عائشة مثل حديث ابن عمر وزاد " حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده"، فيؤخذ من الأول اشتراط المسجد له، ومن الثاني أنه لم ينسخ وليس من الخصائص.
وأما قول ابن نافع عن مالك: فكرت في الاعتكاف وترك الصحابة له مع شدة اتباعهم للأثر فوقع في نفسي أنه كالوصال، وأراهم تركوه لشدته ولم يبلغني عن أحد من السلف أنه اعتكف إلا عن أبي بكر بن عبد الرحمن ا ه.
وكأنه أراد صفة مخصوصة، وإلا فقد حكيناه عن غير واحد من الصحابة، ومن كلام مالك أخذ بعض أصحابه أن الاعتكاف جائز، وأنكر ذلك عليهم ابن العربي وقال: إنه سنة مؤكدة، وكذا قال ابن بطال: في مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على تأكيده.
وقال أبو داود عن أحمد: لا أعلم عن أحد من العلماء خلافا أنه مسنون.
قوله: (عن ابن شهاب) زاد معمر فيه: عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، خالفه الليث عن الزهري فقال: عن عروة عن عائشة موصولا وعن سعيد مرسلا.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ قَالَ مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فَبَصُرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ
الشرح:
حديث أبي سعيد، قد تقدمت مباحثه في الباب الذي قبله.
*3* باب الْحَائِضِ تُرَجِّلُ رَأْسَ الْمُعْتَكِفِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب الحائض ترجل رأس المعتكف) أي تمشطه وتدهنه.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ
الشرح:
قوله: (يصغي إلى) بضم أوله أي يميل.
قوله: (وهو مجاور) في رواية أحمد والنسائي " كان يأتيني وهو معتكف في المسجد فيتكئ على باب حجرتي فأغسل رأسه وسائره في المسجد " وقد تقدمت فوائده في كتاب الحيض، ويؤخذ منه أن المجاورة والاعتكاف واحد، وفرق بينهما مالك.
وفي الحديث جواز التنظف والتطيب والغسل والحلق والتزين إلحاقا بالترجل، والجمهور على أنه لا يكره فيه إلا ما يكره في المسجد، وعن مالك تكره فيه الصنائع والحرف حتى طلب العلم.
وفي الحديث استخدام الرجل امرأته برضاها، وفي إخراجه رأسه دلالة على اشتراط المسجد للاعتكاف، وعلى أن من أخرج بعض بدنه من مكان حلف أن لا يخرج منه لم يحنث حتى يخرج رجليه ويعتمد عليهما.
*3* باب لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب لا يدخل) أي المعتكف (البيت إلا لحاجة) كأنه أطلق على وفق الحديث.
الحديث:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُدْخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا
الشرح:
قوله: (عن عروة) أي ابن الزبير (وعمرة) كذا في رواية الليث جمع بينهما، ورواه يونس عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة وحده، ورواه مالك عنه عن عروة عن عمرة، قال أبو داود وغيره لم يتابع عليه وذكر البخاري أن عبيد الله بن عمر تابع مالكا، وذكر الدار قطني أن أبا أويس رواه كذلك عن الزهري، واتفقوا على أن الصواب قول الليث وأن الباقين اختصروا منه ذكر عمرة، وأن ذكر عمرة في رواية مالك من المزيد في متصل الأسانيد.
وقد رواه بعضهم عن مالك فوافق الليث أخرجه النسائي أيضا، وله أصل من حديث عروة عن عائشة كما سيأتي من طريق هشام عن أبيه وهو عند النسائي من طريق تميم بن سلمة عن عروة.
قوله: (وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة) زاد مسلم إلا لحاجة الإنسان وفسرها الزهري بالبول والغائط، وقد اتفقوا على استثنائهما، واختلفوا في غيرهما من الحاجات كالأكل والشرب، ولو خرج لهما فتوضأ خارج المسجد لم يبطل.
ويلتحق بهما القيء والفصد لمن احتاج إليه، ووقع عند أبي داود من طريق عبد الرحمن بن إسحاق الزهري عن عروة عن عائشة قالت " السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه، قال أبو داود غير عبد الرحمن لا يقول فيه البتة، وجزم الدار قطني بأن القدر الذي من حديث عائشة قولها " لا يخرج إلا لحاجة " وما عداه ممن دونها، وروينا عن علي والنخعي والحسن البصري إن شهد المعتكف جنازة أو عاد مريضا أو خرج للجمعة بطل اعتكافه، وبه قال الكوفيون وابن المنذر في الجمعة.
وقال الثوري والشافعي وإسحاق إن شرط شيئا من ذلك في ابتداء اعتكافه لم يبطل اعتكافه بفعله وهو رواية عن أحمد.