*3* باب إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت) أي هل يجب عليها طواف الوداع أو يسقط، وإذا وجب هل يجبر بدم أم لا؟ وقد تقدم معنى هذه الترجمة في كتاب الحيض بلفظ " باب المرأة تحيض بعد الإفاضة " قال ابن المنذر: قال عامة الفقهاء بالأمصار: ليس على الحائض التي قد أفاضت طواف وداع.
وروينا عن عمر بن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضا لطواف الوداع، وكأنهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة إذ لو حاضت قبله لم يسقط عنها.
ثم أسند عن عمر بإسناد صحيح إلى نافع عن ابن عمر قال " طافت امرأة بالبيت يوم النحر ثم حاضت، فأمر عمر بحبسها بمكة بعد أن ينفر الناس حتى تطهر وتطوف بالبيت " قال: وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك، وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة.
يشير بذلك إلى ما تضمنته أحاديث هذا الباب.
وقد روى ابن أبي شيبة من طريق القاسم بن محمد " كان الصحابة يقولون.
إذا أفاضت المرأة قبل أن تحيض فقد فرغت، إلا عمر فإنه كان يقول: يكون آخر عهدها بالبيت " وقد وافق عمر على رواية ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره، فروى أحمد وأبو داود والنسائي والطحاوي - واللفظ لأبي داود - من طريق الوليد بن عبد الرحمن عن الحارث بن عبد الله بن أوس الثقفي قال: " أتيت عمر فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض، قال: ليكن آخر عهدها بالبيت.
فقال الحارث كذلك أفتاني - وفي رواية أبي داود هكذا حدثني - رسول الله صلى الله عليه وسلم " واستدل الطحاوي بحديث عائشة وبحديث أم سليم على نسخ حديث الحارث في حق الحائض.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاضَتْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ قَالُوا إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ قَالَ فَلَا إِذًا
الشرح:
قوله: (حاضت) أي بعد أن أفاضت يوم النحر كما تقدم في " باب الزيارة يوم النحر".
قوله: (فذكر) كذا في هذه الرواية بضم الذال على البناء للمجهول، وقد تقدم في الباب المذكور من وجه آخر أن عائشة هي التي ذكرت له ذلك.
قوله: (أحابستنا) أي مانعتنا من التوجه من مكة في الوقت الذي أردنا التوجه فيه، ظنا منه صلى الله عليه وسلم أنها ما طافت طواف إفاضة، وإنما قال ذلك لأنه كان لا يتركها ويتوجه، ولا يأمرها بالتوجه معه وهي باقية على إحرامها، فيحتاج إلى أن يقيم حتى تطهر وتطوف وتحل الحل الثاني.
قوله: (قالوا) سيأتي في الطريق التي في آخر الباب أن صفية هي قالت " بلى " وفي رواية الأعرج عن أبي سلمة عن عائشة التي مضت في باب الزيارة يوم النحر " حججنا فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفية، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله فقلت: يا رسول الله إنها حائض " الحديث، وهذا مشكل لأنه صلى الله عليه وسلم إن كان علم أنها طافت طواف الإفاضة فكيف يقول أحابستنا هي؟ وإن كان ما علم فكيف يريد وقاعها قبل التحلل الثاني؟ ويجاب عنه بأنه صلى الله عليه وسلم ما أراد ذلك منها إلا بعد أن استأذنه نساؤه في طواف الإفاضة فأذن لهن فكان بانيا على أنها قد حلت، فلما قيل له إنها حائض جوز أن يكون وقع لها قبل ذلك حتى منعها من طواف الإفاضة فاستفهم عن ذلك فأعلمته عائشة أنها طافت معهن فزال عنه ما خشيه من ذلك والله أعلم.
وقد سبق في كتاب الحيض من طريق عمرة عن عائشة أنه قال لهم " لعلها تحبسنا، ألم تكن طافت معكن؟ قالوا: بلى " وسأذكر بقية اختلاف ألفاظ هذه القصة في آخر الباب إن شاء الله تعالى.
قوله: (فلا إذا) أي فلا حبس علينا حينئذ، أي إذا أفاضت فلا مانع لنا من التوجه لأن الذي يجب عليها قد فعلته.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ سَأَلُوا ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ امْرَأَةٍ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ قَالَ لَهُمْ تَنْفِرُ قَالُوا لَا نَأْخُذُ بِقَوْلِكَ وَنَدَعُ قَوْلَ زَيْدٍ قَالَ إِذَا قَدِمْتُمْ الْمَدِينَةَ فَسَلُوا فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَسَأَلُوا فَكَانَ فِيمَنْ سَأَلُوا أُمُّ سُلَيْمٍ فَذَكَرَتْ حَدِيثَ صَفِيَّةَ رَوَاهُ خَالِدٌ وَقَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ
الشرح:
قوله: (حماد) هو ابن زيد.
قوله: (أن أهل المدينة) أي بعض أهلها وقد رواه الإسماعيلي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب بلفظ " أن ناسا من أهل المدينة".
قوله: (قال لهم تنفر) زاد الثقفي " فقالوا: لا نبالي أفتيتنا أو لم تفتنا، زيد بن ثابت يقول لا تنفر".
قوله: (فكان فيمن سألوا أم سليم) في رواية الثقفي " فسألوا أم سليم وغيرها فذكرت صفية " كذا ذكره مختصرا، وساقه الثقفي بتمامه قال " فأخبرتهم أن عائشة قالت لصفية.
أفي الخيبة أنت؟ إنك لحابستنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ذاك؟ قالت عائشة: صفية حاضت، قيل إنها قد أفاضت، قال: فلا إذا.
فرجعوا إلى ابن عباس فقالوا وجدنا الحديث كما حدثتناه".
قوله: (رواه خالد) يعني الحذاء (وقتادة عن عكرمة) أما رواية خالد فوصلها البيهقي من طريق معلى بن منصور عن هشيم عنه عن عكرمة عن ابن عباس قال " إذا طافت يوم النحر ثم حاضت فلتنفر " وقال زيد بن ثابت " لا تنفر حتى تطهر وتطوف بالبيت.
ثم أرسل زيد بعد ذلك إلى ابن عباس: إني وجدت الذي قلت كما قلت " وأما رواية قتادة فوصلها أبو داود الطيالسي في مسنده قال: حدثنا هشام هو الدستوائي عن قتادة عن عكرمة قال " اختلف ابن عباس وزيد بن ثابت في المرأة إذا حاضت وقد طافت بالبيت يوم النحر، فقال زيد: يكون آخر عهدها بالبيت.
وقال ابن عباس: تنفر إن شاءت، فقالت الأنصار: لا نتابعك يا ابن عباس وأنت تخالف زيدا، فقال: سلوا صاحبتكم أم سليم - يعني فسألوها - فقالت: حضت بعدما طفت بالبيت فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنفر، وحاضت صفية فقالت لها عائشة حبستنا فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنفر " ورواه سعيد بن أبي عروبة في كتاب المناسك الذي رويناه من طريق محمد بن يحيى القطعي عن عبد الأعلى عنه قال: عن قتادة عن عكرمة نحوه.
وقال فيه " لا نتابعك إذا خالفت زيد بن ثابت " وقال فيه " وأنبئت أن صفية بنت حيي حاضت بعدما طافت بالبيت يوم النحر فقالت لها عائشة: الخيبة لك حبستنا، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تنفر " وهكذا أخرجه إسحاق في مسنده عن عبدة عن سعيد وفي آخره " وكان ذلك من شأن أم سليم أيضا".
(تنبيه) : طريق قتادة هذه هي المحفوظة، وقد شذ عباد بن العوام فرواه عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مختصرا في قصة أم سليم أخرجه الطحاوي من طريقه انتهى.
ولقد اختصر البخاري حديث عكرمة جدا، ولولا تخريج هذه الطرق لما ظهر المراد منه، فلله الحمد على ما أنعم به وتفضل.
وقد روى هذه القصة طاوس عن ابن عباس متابعا لعكرمة، أخرجه مسلم والنسائي والإسماعيلي من طريق الحسن بن مسلم عن طاوس " كنت مع ابن عباس إذ قال له زيد بن ثابت: تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت؟ فقال ابن عباس: أما لا فسل فلانة الأنصارية هل أمرها النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال فرجع إليه فقال: ما أراك إلا قد صدقت " لفظ مسلم، وللنسائي " كنت عند ابن عباس فقال له زيد بن ثابت أنت الذي تفتي " وقال فيه " فسألها، ثم رجع وهو يضحك فقال: الحديث كما حدثتني " وللإسماعيلي بعد قوله أنت الذي إلخ " قال: نعم.
قال: فلا تفت بذلك.
قال: فسل فلانة " والباقي نحو سياق مسلم، وزاد في إسناده عن ابن جريج قال: وقال عكرمة بن خالد عن زيد وابن عباس نحوه وزاد فيه " فقال ابن عباس سل أم سليم وصواحبها هل أمرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؟ فسألهن، فقلن: قد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك " وقد عرف برواية عكرمة الماضية أن الأنصارية هي أم سليم، وأما صواحبها فلم أقف على تسميتهن.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا أَفَاضَتْ قَالَ وَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ إِنَّهَا لَا تَنْفِرُ ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لَهُنَّ
الشرح:
قوله: (حدثنا مسلم) هو ابن إبراهيم، ووهيب هو ابن خالد وابن طاوس هو عبد الله.
قوله: (رخص) بضم الراء على البناء لما لم يسم فاعله، ووقع في رواية يحيى بن حسان عن وهيب عند النسائي " رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قوله: (قال وسمعت ابن عمر) القائل ذلك هو طاوس بالإسناد المذكور، بينه النسائي في روايته المذكورة.
قوله: (ثم سمعته يقول بعد) سيأتي أن ذلك كان قبل موت ابن عمر بعام.
قوله: (إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهن) هذا من مراسيل الصحابة، وكذا ما أخرجه النسائي والترمذي وصححه والحاكم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال من حج فليكن آخر عهده بالبيت، إلا الحيض رخص لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم " فإن ابن عمر لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وسنوضح ذلك، فعند النسائي من طريق إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عمر أنه كان يقول قريبا من سنتين عن الحائض لا تنفر حتى يكون آخر عهدها بالبيت.
ثم قال بعد: أنه رخص للنساء.
وله وللطحاوي من طريق عقيل عن الزهري عن طاوس أنه سمع ابن عمر يسأل عن النساء إذا حضن قبل النفر وقد أفضن يوم النحر فقال: إن عائشة كانت تذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخصة لهن وذلك قبل موته بعام.
وفي رواية الطحاوي قبل موت ابن عمر بعام.
وروى ابن أبي شيبة أن ابن عمر كان يقيم على الحائض سبعة أيام حتى تطوف طواف الوداع، قال الشافعي: كأن ابن عمر سمع الأمر بالوداع ولم يسمع الرخصة أولا ثم بلغته الرخصة فعمل بها، وقد تقدم شيء من الكلام على هذا الحديث في أواخر الحيض.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ فَقَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَمْ يَحِلَّ وَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَطَافَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَحَلَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ فَحَاضَتْ هِيَ فَنَسَكْنَا مَنَاسِكَنَا مِنْ حَجِّنَا فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ لَيْلَةُ النَّفْرِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ أَصْحَابِكَ يَرْجِعُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ غَيْرِي قَالَ مَا كُنْتِ تَطُوفِينَ بِالْبَيْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا قُلْتُ لَا قَالَ فَاخْرُجِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ وَمَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَخَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ وَحَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْرَى حَلْقَى إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا أَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ بَلَى قَالَ فَلَا بَأْسَ انْفِرِي فَلَقِيتُهُ مُصْعِدًا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ وَقَالَ مُسَدَّدٌ قُلْتُ لَا تَابَعَهُ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ فِي قَوْلِهِ لَا
الشرح:
قوله: (عن منصور) هو ابن المعتمر، وإبراهيم هو النخعي والأسود هو خاله وهو نخعي أيضا، وقد سبق الكلام على حديث عائشة فيما يتعلق بطواف الحائض في " باب تقضي الحائض المناسك إلا الطواف " ويأتي الكلام على حديث عمرتهما في أبواب العمرة.
قوله: (ليلة الحصبة) في رواية المستملي " ليلة الحصباء " وقوله بعده " ليلة النفر " عطف بيان لليلة الحصباء، والمراد بتلك الليلة التي يتقدم النفر من منى قبلها فهي شبيهة بليلة عرفة، وفيه تعقب على من قال كل ليلة تسبق يومها إلا ليلة عرفة فإن يومها يسبقها، فقد شاركتها ليلة النفر في ذلك.
قوله فيه (ما كنت تطوفين بالبيت ليالي قدمنا مكة؟ قلت لا) كذا للأكثر.
وفي رواية أبي ذر عن المستملي " قلت بلى " وهي محمولة على أن المراد ما كنت أطوف.
قوله: (وحاضت صفية) أي في أيام منى، سيأتي في أبواب الإدلاج من المحصب أن حيضها كان ليلة النفر، زاد الحاكم عن إبراهيم عند مسلم " لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفر إذا صفية على باب خبائها كئيبة حزينة، فقال عقرى " الحديث، وهذا يشعر بأن الوقت الذي أراد منها ما يريد الرجل من أهله كان بالقرب من وقت النفر من منى، واستشكله بعضهم بناء على ما فهمه أن ذلك كان وقت الرحيل، وليس ذلك بلازم لاحتمال أن يكون الوقت الذي أراد منها ما أراد سابقا على الوقت الذي رآها فيه على باب خبائها الذي هو وقت الرحيل، بل ولو اتحد الوقت لم يكن ذلك مانعا من الإرادة المذكورة.
قوله: (عقرى حلقى) بالفتح فيهما ثم السكون وبالقصر بغير تنوين في الرواية، ويجوز في اللغة التنوين وصوبه أبو عبيد، لأن معناه الدعاء بالعقر والحلق، كما يقال سقيا ورعيا ونحو ذلك من المصادر التي يدعى بها، وعلى الأول هو نعت لا دعاء، ثم معنى عقري عقرها الله أي جرحها وقيل جعلها عاقرا لا تلد، وقيل عقر قومها.
ومعنى حلقي حلق شعرها وهو زينة المرأة، أو أصابها وجع في حلقها، أو حلق قومها بشؤمها أي أهلكهم.
وحكى القرطبي أنها كلمة تقولها اليهود للحائض، فهذا أصل هاتين الكلمتين، ثم اتسع العربي في قولهما بغير إرادة حقيقتهما كما قالوا قاتله الله وتربت يداه ونحو ذلك، قال القرطبي وغيره: شتان بين قوله صلى الله عليه وسلم هذا لصفية وبين قوله لعائشة لما حاضت منه في الحج " هذا شيء كتبه الله على بنات آدم " لما يشعر به من الميل لها والحنو عليها بخلاف صفية.
قلت: وليس فيه دليل على اتضاع قدر صفية عنده، لكن اختلف الكلام باختلاف المقام، فعائشة دخل عليها وهي تبكي أسفا على ما فاتها من النسك فسلاها بذلك، وصفية أراد منها ما يريد الرجل من أهله فأبدت المانع فناسب كلا منهما ما خاطبها به في تلك الحالة.
قوله: (فلا بأس انفري) هو بيان لقوله في الرواية الماضية أول الباب " فلا إذا " وفي رواية أبي سلمة " قال اخرجوا " وفي رواية عمرة " قال اخرجي " وفي رواية الزهري عن عروة عن عائشة في المغازي " فلتنفر " ومعانيها متقاربة، والمراد بها كلها الرحيل من منى إلى جهة المدينة.
وفي أحاديث الباب أن طواف الإفاضة ركن، وأن الطهارة شرط لصحة الطواف، وأن طواف الوداع واجب وقد تقدم ذلك، واستدل به على أن أمير الحاج يلزمه أن يؤخر الرحيل لأجل من تحيض ممن لم تطف للإفاضة، وتعقب باحتمال أن تكون إرادته صلى الله عليه وسلم تأخير الرحيل إكراما لصفية كما احتبس بالناس على عقد عائشة.
وأما الحديث الذي أخرجه البزار من حديث جابر وأخرجه البيهقي في فوائده من طريق أبي هريرة مرفوعا " أميران وليسا بأميرين: من تبع جنازة فليس له أن ينصرف حتى تدفن أو يأذن أهلها، والمرأة تحج أو تعتمر مع قوم فتحيض قبل طواف الركن فليس لهم أن ينصرفوا حتى تطهر أو تأذن لهم " فلا دلالة فيه على الوجوب إن كان صحيحا، فإن في إسناد كل منهما ضعفا شديدا.
وقد ذكر مالك في " الموطأ " أنه يلزم الجمال أن يحبس لها إلى انقضاء أكثر مدة الحيض، وكذا على النفساء.
واستشكله ابن المواز بأن فيها تعريضا للفساد كقطع الطريق، وأجاب عياض بأن محل ذلك مع أمن الطريق كما أن محله أن كون مع المرأة محرم.
قوله: (وقال مسدد: قلت لا.
وتابعه جرير عن منصور في قوله لا) هذا التعليق لم يقع في رواية أبي ذر وثبت لغيره، فأما رواية مسدد فرويناها كذلك في مسنده رواية أبي خليفة عنه قال " حدثنا أبو عوانة " فذكر الحديث بسنده ومتنه وقال فيه " ما كنت طفت ليالي قدمنا؟ قلت: لا " وأما رواية جرير فوصلها المصنف في " باب التمتع والقران " عن عثمان بن أبي شيبة عنه وقال فيه " ما كنت طفت ليالي قدمنا مكة؟ قلت: لا " وهذا يؤيد صحة ما وقع في رواية المستملي حيث وقع عنده بلى موضع لا كما تقدم، وتقدم توجيهه.