*3* باب اسْتِلَامِ الرُّكْنِ بِالْمِحْجَنِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب استلام الركن بالمحجن) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم بعدها نون، هو عصا محنية الرأس، والحجن الاعوجاج، وبذلك سمي الحجون، والاستلام افتعال من السلام بالفتح أي التحية قاله الأزهري، وقيل من السلام بالكسر أي الحجارة والمعنى أنه يومئ بعصاه إلى الركن يصيبه.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَيَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ تَابَعَهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ
الشرح:
قوله: (عن عبيد الله) كذا قال يونس وخالفه الليث وأسامة بن زيد وزمعة بن صالح فرووه عن الزهري قال " بلغني عن ابن عباس " ولهذه النكتة استظهر البخاري بطريق ابن أخي الزهري فقال " تابعه الدراوردي عن ابن أخي الزهري وهذه المتابعة أخرجها الإسماعيلي عن الحسين بن سفيان عن محمد بن عباد عن عبد العزيز الدراوردي فذكره ولم يقل " في حجة الوداع " ولا " على بعير " وسيأتي البحث في مسألة الطواف راكبا بعد خمسة عشر بابا.
قوله: (يستلم الركن بمحجن) زاد مسلم من حديث أبي الطفيل " ويقبل المحجن " وله من حديث ابن عمر أنه " استلم الحجر بيده ثم قبله " ورفع ذلك، ولسعيد بن المنصور من طريق عطاء قال " رأيت أبا سعيد وأبا هريرة وابن عمر وجابرا إذا استلموا الحجر قبلوا أيديهم.
قيل: وابن عباس؟ قال: وابن عباس، أحسبه قال كثيرا " وبهذا قال الجمهور أن السنة أن يستلم الركن ويقبل يده فإن لم يستطع أن يستلمه بيده استلمه بشيء في يده وقبل ذلك الشيء فإن لم يستطع أشار إليه واكتفى بذلك، وعن مالك في رواية لا يقبل يده، وكذا قال القاسم.
وفي رواية عند المالكية يضع يده على فمه من غير تقبيل.
*3* باب مَنْ لَمْ يَسْتَلِمْ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ حذف التشكيل
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ قَالَ وَمَنْ يَتَّقِي شَيْئًا مِنْ الْبَيْتِ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ هَذَانِ الرُّكْنَانِ فَقَالَ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَسْتَلِمُهُنَّ كُلَّهُنَّ
الشرح:
قوله: (باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين) أي دون الركنين الشاميين، واليماني بتخفيف الياء على المشهور لأن الألف عوض عن ياء النسب فلو شددت لكان جمعا بين العوض والمعوض، وجوز سيبويه التشديد وقال إن الألف زائدة.
قوله: (وقال محمد بن بكر أخبرنا ابن جريج) لم أره من طريق محمد بن بكر، وقد أخرجه الجوزقي من طريق عثمان بن الهيثم به، و " من " في قوله " ومن يتقي " استفهامية على سبيل الإنكار.
قوله: (وكان معاوية يستلم الأركان) وصله أحمد والترمذي والحاكم من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبي الطفيل قال " كنت مع ابن عباس ومعاوية فكان معاوية لا يمر بركن إلا استلمه، فقال ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستلم إلا الحجر واليماني، فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجورا " وأخرج مسلم المرفوع فقط من وجه آخر عن ابن عباس، وروى أحمد أيضا من طريق شعبة عن قتادة عن أبي الطفيل قال " حج معاوية وابن عباس، فجعل ابن عباس يستلم الأركان كلها، فقال معاوية: إنما استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذين الركنين اليمانيين، فقال ابن عباس: ليس من أركانه شيء مهجور " قال عبد الله بن أحمد في العلل سألت أبي عنه فقال: قلبه شعبة، وقد كان شعبة يقول: الناس يخالفونني في هذا، ولكنني سمعته من قتادة هكذا انتهى.
وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة على الصواب أخرجه أحمد أيضا، وكذا أخرجه من طريق مجاهد عن ابن عباس نحو، وروى الشافعي من طريق محمد بن كعب القرظي " إن ابن عباس كان يمسح الركن اليماني والحجر، وكان ابن الزبير يمسح الأركان كلها ويقول: ليس شيء من البيت مهجورا، فيقول ابن عباس (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ، ولفظ رواية مجاهد المذكورة عن ابن عباس أنه " طاف مع معاوية، فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجورا، فقال له ابن عباس (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) فقال معاوية: صدقت " وبهذا يتبين ضعف من حمله على التعدد، وأن اجتهاد كل منهما تغير إلى ما أنكره على الآخر، وإنما قلت ذلك لأن مخرج الحديثين واحد وهو قتادة عن أبي الطفيل؛ وقد جزم أحمد بأن شعبة قلبه فسقط التجويز العقلي.
قوله: (إنه) الهاء للشأن.
قوله: (لا يستلم هذان الركنان) كذا للأكثر على البناء للمجهول، وللحموي والمستملي " لا نستلم هذين الركنين " بفتح النون ونصب هذين الركنين على المفعولية.
قوله: (وكان ابن الزبير يستلمهن كلهن) وصله ابن أبي شيبة من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير أنه رأى أباه يستلم الأركان كلها وقال " إنه ليس شيء منه مهجورا " وأخرج الشافعي نحوه عنه من وجه آخر كما تقدم، وفي " الموطأ " عن هشام بن عروة بن الزبير أن أباه " كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها"، وأخرجه سعيد بن منصور عن الدراوردي عن هشام بلفظ " إذا بدأ استلم الأركان كلها وإذا ختم".
ثم أورد المصنف حديث ابن عمر قال: " لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين " وقد تقدم قول ابن عمر " إنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركنين الشاميين لأن البيت لم يتمم عل قواعد إبراهيم " وعلى هذا المعنى حمل ابن التين تبعا لابن القصار استلام ابن الزبير لهما لأنه لما عمر الكعبة أتم البيت على قواعد إبراهيم انتهى، وتعقب ذلك بعض الشراح بأن ابن الزبير طاف مع معاوية واستلم الكل، ولم يقف على هذا الأثر وإنما وقع ذلك لمعاوية مع ابن عباس، وأما ابن الزبير فقد أخرج الأزرقي في " كتاب مكة " فقال: إن ابن الزبير لما فرغ من بناء البيت وأدخل فيه من الحجر ما أخرج منه ورد الركنين على قواعد إبراهيم خرج إلى التنعيم واعتمر وطاف بالبيت واستلم الأركان الأربعة، فلم يزل البيت على بناء ابن الزبير إذا طاف الطائف استلم الأركان جميعها حتى قتل ابن الزبير.
وأخرج من طريق ابن إسحاق قال: بلغني أن آدم لما حج استلم الأركان كلها، وأن إبراهيم وإسماعيل لما فرغا من بناء البيت طافا به سبعا يستلمان الأركان.
وقال الداودي: ظن معاوية أنهما ركنا البيت الذي وضع عليه من أول، وليس كذلك، لما سبق من حديث عائشة، والجمهور على ما دل عليه حديث ابن عمر، وروى ابن المنذر وغيره استلام جميع الأركان أيضا عن جابر وأنس والحسن والحسين من الصحابة وعن سويد بن غفلة من التابعين.
وقد يشعر ما تقدم في أوائل الطهارة من حديث عبيد بن جريج أنه قال لابن عمر " رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها " فذكر منها " ورأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين " الحديث بأن الذين رآهم عبيد بن جريج من الصحابة والتابعين كانوا لا يقتضرون في الاستلام على الركنين اليمانيين.
وقال بعض أهل العلم: اختصاص الركنين مبين بالسنة ومستند التعميم القياس، وأجاب الشافعي عن قول من قال ليس شيء من البيت مهجورا بأنا لم ندع استلامهما هجرا للبيت، وكيف يهجره وهو يطوف به، ولكنا نتبع السنة فعلا أو تركا، ولو كان ترك استلامهما هجرا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرا لها ولا قائل به، ويؤخذ منه حفظ المراتب وإعطاء كل ذي حق حقه وتنزيل كل أحد منزلته.
(فائدة) : في البيت أربعة أركان، الأول له فضيلتان: كون الحجر الأسود فيه، وكونه على قواعد إبراهيم.
وللثاني الثانية فقط، وليس للآخرين شيء منهما، فلذلك يقبل الأول ويستلم الثاني فقط ولا يقبل الآخران ولا يستلمان، هذا على رأي الجمهور.
واستحب بعضهم تقبيل الركن اليماني أيضا.
(فائدة أخرى) : استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الأركان جواز تقبيل كل من يستحق التنظيم من آدمي وغيره، فأما تقبيل يد الآدمي فيأتي في كتاب الأدب، وأما غيره فنقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيل قبره فلم ير به بأسا، واستبعد بعض اتباعه صحة ذلك، ونقل عن ابن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين وبالله التوفيق.