*3* باب مَنْ اشْتَرَى هَدْيَهُ مِنْ الطَّرِيقِ وَقَلَّدَهَا حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب من اشترى هديه من الطريق وقلدها) تقدم قبل ثمانية أبواب " من اشترى الهدي من الطريق " وأورد فيه حديث ابن عمر هذا من وجه آخر، وإنما زادت هذه الترجمة التقليد، وقد تقدم القول فيه مستوفى في " باب من قلد القلائد بيده " وحديث ابن عمر يأتي الكلام عليه مستوفى في أبواب المحصر إن شاء الله تعالى.
لكن قوله في هذه الرواية " عام حجة الحرورية " وفي رواية الكشميهني " حج الحرورية في عهد ابن الزبير " مغاير لقوله في " باب طواف القارن " من رواية الليث عن نافع " عام نزول الحجاج بابن الزبير لأن حجة الحرورية كانت في السنة التي مات فيها يزيد بن معاوية سنة أربع وستين وذلك قبل أن يتسمى ابن الزبير بالخلافة، ونزول الحجاج بابن الزبير كان في سنة ثلاث وسبعين وذلك في آخر أيام ابن الزبير، فأما أن يحمل على أن الراوي أطلق على الحجاج وأتباعه حرورية لجامع ما بينهم من الخروج على أئمة الحق، وإما أن يحمل على تعدد القصة.
وقد ظهر من رواية أيوب عن نافع أن القائل لابن عمر الكلام المذكور هو ولده عبيد الله كما تقدم في " باب من اشترى الهدي من الطريق " وسيأتي في أول الإحصار مزيد بيان لذلك إن شاء الله تعالى.
*3* باب ذَبْحِ الرَّجُلِ الْبَقَرَ عَنْ نِسَائِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِنَّ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن) أما التعبير بالذبح مع أن حديث الباب بلفظ النحر فإشارة إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الذبح، وسيأتي بعد سبعة أبواب من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد، ونحر البقر جائز عند العلماء إلا أن الذبح مستحب عندهم لقوله تعالى (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) وخالف الحسن بن صالح فاستحب نحرها، وأما قوله " من غير أمرهن " فأخذه من استفهام عائشة عن اللحم لما دخل به عليها، ولو كان ذبحه بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام، لكن ليس ذلك دافعا للاحتمال، فيجوز أن يكون علمها بذلك تقدم بأن يكون استأذنهن في ذلك، لكن لما أدخل اللحم عليها احتمل عندها أن يكون هو الذي وقع الاستئذان فيه وأن يكون غير ذلك فاستفهمت عنه لذلك.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لَا نُرَى إِلَّا الْحَجَّ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ قَالَتْ فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالَ نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ قَالَ يَحْيَى فَذَكَرْتُهُ لِلْقَاسِمِ فَقَالَ أَتَتْكَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ
الشرح:
قوله: (عن عمرة) في رواية سليمان المذكورة حدثتني عمرة.
قوله: (لا نرى) بضم النون أي لا نظن.
قوله: (إلا الحج) تقدم القول فيه في الكلام على " باب التمتع والإفراد والقران".
وقوله (فدخل علينا) بضم الدال على البناء للمجهول.
قوله: (بلحم بقر) قال ابن بطال: أخذ بظاهره جماعة فأجازوا الاشتراك في الهدي والأضحية، ولا حجة فيه لأنه يحتمل أن يكون عن كل واحدة بقرة وأما رواية يونس عن الزهري عن عمرة عن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن أزواجه بقرة واحدة " فقد قال إسماعيل القاضي: تفرد يونس بذلك، وقد خالفه غيره ا هـ.
ورواية يونس أخرجها النسائي وأبو داود وغيرهما، ويونس ثقة حافظ، وقد تابعه معمر عند النسائي أيضا ولفظه أصرح من لفظ يونس قال " ما ذبح عن آل محمد في حجه الوداع إلا بقرة " وروى النسائي أيضا من طريق يحيي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال " ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن " صححه الحاكم، وهو شاهد قوي لرواية الزهري وأما ما رواه عمار الدهني عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت " ذبح عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حججنا بقرة بقرة " أخرجه النسائي أيضا فهو شاذ خالف لما تقدم، وقد رواه المصنف في الأضاحي ومسلم أيضا من طريق ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ " ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر " ولم يذكر ما زاده عمار الدهني، وأخرجه مسلم أيضا من طريق عبد العزيز الماجشون عن عبد الرحمن لكن بلفظ " أهدى " بدل " ضحى " والظاهر أن التصرف من الرواة لأنه ثبت في الحديث ذكر النحر فحمله بعضهم على الأضحية، فإن رواية أبي هريرة صريحة في أن ذلك كان عمن اعتمر من نسائه فقويت رواية من رواه بلفظ " أهدى " وتبين أنه هدي التمتع فليس فيه حجة على مالك في قوله لا ضحايا على أهل منى، وتبين توجيه الاستدلال به على جواز الاشتراك في الهدي والأضحية والله أعلم.
واستدل به على أن الإنسان قد يلحقه من عمل غيره ما عمله عنه بغير أمره ولا علمه، وتعقب باحتمال الاستئذان كما تقدم في الكلام على الترجمة، وفيه جواز الأكل من الهدي والأضحية، وسيأتي نقل الخلاف فيه بعد سبعة أبواب.
قوله: (قال يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري بالإسناد المذكور كله إليه.
قوله: (فذكرته للقاسم) يعني ابن محمد بن أبي بكر الصديق.
قوله: (فقال أتتك بالحديث على وجهه) أي ساقته لك سياقا تاما لم تختصر منه شيئا، وكأنه يشير بذلك إلى روايته هو عن عائشة فإنها مختصرة كما قدمت الإشارة إليها في هذا الباب.
*3* باب النَّحْرِ فِي مَنْحَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب النحر في منحر النبي صلى الله عليه وسلم بمنى) قال ابن التين: منحر النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة الأولى التي تلي المسجد انتهى.
وكأنه أخذه من أثر أخرجه الفاكهي من طريق ابن جريج عن طاوس قال " كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم بمنى عن يسار المصلي".
قال وقال غير طاوس من أشياخنا مثله وزاد " وأمر بنسائه أن ينزلن جنب الدار بمنى، وأمر الأنصار أن ينزلوا الشعب وراء الدار".
قلت: والشعب هو عند الجمرة المذكورة.
قال ابن التين: وللنحر فيه فضيلة على غيره لقوله صلى الله عليه وسلم "هذا المنحر، وكل منى منحر " انتهى.
والحديث المذكور أخرجه مسلم من حديث جابر ولفظه " نحرت هاهنا"، ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم " وهذا ظاهره أن نحره صلى الله عليه وسلم بذلك المكان وقع عن اتفاق، لا لشيء يتعلق بالنسك، ولكن ابن عمر كان شديد الاتباع.
وقد روى عمر بن شبة في كتابه من طريق ابن جريج عن عطاء قال " كان ابن عمر لا ينحر إلا بمنى " وحكى ابن بطال قول مالك في النحر بمنى للحاج والنحر بمكة للمعتمر، وأطال في تقرير ذلك وترجيحه، ولا خلاف في الجواز وإن اختلف في الأفضل.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ خَالِدَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَنْحَرُ فِي الْمَنْحَرِ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ مَنْحَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
قوله: (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) هو المعروف بابن راهويه، وكذلك أخرجه في مسنده.
وأخرجه من طريقه أبو نعيم.
قوله: (قال عبيد الله) أي ابن عمر بالإسناد المذكور، والمعنى أن مراد نافع بإطلاق المنحر منحر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روى المصنف هذا الحديث في الأضاحي أوضح من هذا ولفظه " حدثني محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا خالد بن الحارث " فذكر الحديث قال " قال عبيد الله يعني منحر النبي صلى الله عليه وسلم " ولهذا أردفه المصنف هنا بطريق موسى بن عقبة عن نافع المصرحة بإضافة المنحر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس الخبر، وأفادت رواية موسى زيادة وقت بعث الهدي إلى المنحر وأنها من آخر الليل.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ مِنْ جَمْعٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ حَتَّى يُدْخَلَ بِهِ مَنْحَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ حُجَّاجٍ فِيهِمْ الْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ
الشرح:
قوله "مع حجاج " بضم المهملة جمع حاج، وقوله "فيهم الحر والمملوك " معناه أنه لا يشترط بعث الهدي مع الأحرار دون الأرقاء، وسيأتي في الأضاحي من طريق كثير بن فرقد عن نافع عن ابن عمر " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلي " وهذا محمول على الأضحية بالمدينة.