*3* باب الِادِّلَاجِ مِنْ الْمُحَصَّبِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب الإدلاج من المحصب) وقع في رواية لأبي ذر الإدلاج بسكون الدال والصواب تشديدها فإنه بالسكون سير أول الليل وبالتشديد سير آخره وهو المراد هنا، والمقصود الرحيل من مكان المبيت بالمحصب سحرا وهو الواقع في قصة عائشة، ويحتمل أن تكون الترجمة لأجل رحيل عائشة مع أخيها للاعتمار فإنها رحلت معه من أول الليل فقصد المصنف التنبيه على أن المبيت ليس بلازم وأن السير من هناك من أول الليل جائز، وسيأتي الكلام على حديث عائشة قريبا في أبواب العمرة.
الحديث:
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ فَقَالَتْ مَا أُرَانِي إِلَّا حَابِسَتَكُمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْرَى حَلْقَى أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قِيلَ نَعَمْ قَالَ فَانْفِرِي قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النَّفْرِ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلْقَى عَقْرَى مَا أُرَاهَا إِلَّا حَابِسَتَكُمْ ثُمَّ قَالَ كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَانْفِرِي قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ أَكُنْ حَلَلْتُ قَالَ فَاعْتَمِرِي مِنْ التَّنْعِيمِ فَخَرَجَ مَعَهَا أَخُوهَا فَلَقِينَاهُ مُدَّلِجًا فَقَالَ مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا
الشرح:
قوله: (حدثنا أبي) هو حفص بن غياث والإسناد كله إلى عائشة كوفيون، وليس في المتن الذي ساقه من طريق حفص مقصود الترجمة، وإنما أشار إلى أن القصة التي في روايته وفي رواية محاضر واحدة.
وقد تقدم لكلام على قصة صفية قريبا.
قوله: (وزادني محمد) وقع في رواية أبي علي بن السكن " محمد بن سلام " ومحاضر بضم الميم وجاء مهملة خفيفة وبعد الألف ضاد معجمة لم يخرج عنه البخاري في كتابه إلا تعليقا، لكن هذا الموضع ظاهر الوصل، ويأتي الكلام على حديث عائشة مستوفي إن شاء الله تعالى.
وقوله فيه " فخرج معها أخوها " هو عبد الرحمن بن أبي بكر كما سيأتي، وقوله فيه " فلقيناه " أي إنهما لقيا النبي صلى الله عليه وسلم (مدلجا) هو بتشديد الدال أي سائرا من آخر الليل، فإنهما لما رجعا إلى المنزل بعد أن قضت عائشة العمرة صادفا النبي صلى الله عليه وسلم متوجها إلى طواف الوداع، وقوله "موعدك كذا وكذا " أي موضع المنزلة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
(خاتمة) اشتمل كتاب الحج من أوله إلى أبواب العمرة على ثلثمائة واثني عشر حديثا، المعلق منها سبعة وخمسون حديثا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وأحد وتسعون حديثا والخالص منها مائة وأحد وعشرون حديثا، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث جابر في " الإهلال " " إذا استقلت الراحلة " وحديث أنس في " الحج على رحل رث " وحديث عائشة " لكن أفضل الجهاد حج مبرور " وحديث ابن عباس في نزول (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) ، وحديث عمر " حد لأهل نجد قرنا " وحديثه " وقل عمرة في حجة " وحديث ابن عباس " انطلق من المدينة بعدما ترجل وادهن " وحديثه أنه سئل عن متعة الحج، وحديث أبي سعيد " ليحجن البيت وليعتمرن بعد يأجوج ومأجوج " وحديث ابن عباس في هدم الكعبة على يد الأسود، وحديثه في ترك دخول الكعبة وفيها الأصنام، وحديث ابن عمر في استلام الحجر وتقبيله، وحديث عائشة في طوافها حجرة من الرجال، وحديث ابن عباس " مر برجل يطوف وقد خزم أنفه " وحديث الزهري المرسل " لم يطف إلا صلى ركعتين " وحديث ابن عباس " قدم فطاف وسعى " وحديث عائشة في كراهة الطواف بعد الصبح، وحديث ابن عباس في الشرب من سقاية العباس، وحديث ابن عمر في تعجيل الوقوف، وحديث ابن عباس " ليس البر بالإيضاع " وحديثه في تقديم الضعفة، وحديث عمر في إفاضة المشركين من مزدلفة، وحديث المسور ومروان في الهدي، وحديث ابن عمر في النحر في المنحر، وحديث جابر في السؤال عن الحلق قبل الذبح، وحديث ابن عمر " حلق في حجته " وحديث ابن عباس " أخر الزيارة إلى الليل " وحديث عائشة في ذلك، وحديث جابر في رمي جمرة العقبة ضحى وبعد ذلك بعد الزوال، وحديث ابن عمر في هذا المعنى، وحديثه " كان يرمي الجمرة الدنيا يسبع ويكبر مع كل حصاة " وحديثه في نزول المحصب، وحديث ابن عباس " كان ذو المجاز وعكاظ".
وفيه من الآثار الموقوفة عن الصحابة والتابعين ستون أثرا أكثرها معلق.
والله أعلم.
الحديث:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَبْوَابُ الْعُمْرَةِ
الشرح:
قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم - أبواب العمرة.
باب وجوب العمرة وفضلها) سقطت البسملة لأبي ذر، وثبتت الترجمة هكذا في روايته عن المستملي، وسقط عنده عن غيره " أبواب العمرة " وثبت لأبي نعيم في المستخرج " كتاب العمرة " وللأصيلي وكريمة " باب العمرة وفضلها " حسب.
والعمرة في اللغة الزيارة، وقيل إنها مشتقة من عمارة المسجد الحرام، وجزم المصنف بوجوب العمرة، وهو متابع في ذلك للمشهور عن الشافعي وأحمد وغيرهما من أهل الأثر، والمشهور عن المالكية أن العمرة تطوع وهو قول الحنفية، واستدلوا بما رواه الحجاج بن أرطأة عن محمد بن المنكدر عن جابر " أتى أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن العمرة أواجبة هي؟ فقال: لا، وأن تعتمر خير لك " أخرجه الترمذي، والحجاج ضعيف.
وقد روى ابن لهيعة عن عطاء عن جابر مرفوعا " الحج والعمرة فريضتان " أخرجه ابن عدي، وابن لهيعة ضعيف ولا يثبت في هذا الباب عن جابر شيء، بل روى ابن الجهم المالكي بإسناد حسن عن جابر " ليس مسلم إلا عليه عمرة " موقوف على جابر، واستدل الأولون بما ذكر في هذا الباب وبقول صبي بن معبد لعمر " رأيت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما.
فقال له: هديت لسنة نبيك " أخرجه أبو داود.
وروى ابن خزيمة وغيره في حديث عمر سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام فوقع فيه " وإن تحج وتعتمر " وإسناده قد أخرجه مسلم لكن لم يسق لفظه، وبأحاديث أخر غير ما ذكر، وبقوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) أي أقيموهما.
وزعم الطحاوي أن معنى قول ابن عمر " العمرة واجبة " أي وجوب كفاية، ولا يخفى بعده مع اللفظ الوارد عن ابن عمر كما سنذكره، وذهب ابن عباس وعطاء وأحمد إلى أن العمرة لا تجب على أهل مكة وإن وجبت على غيرهم.
*3* باب وُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَفَضْلِهَا حذف التشكيل
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ
الشرح:
قوله: (وقال ابن عمر) هذا التعليق وصله ابن خزيمة والدارقطني والحاكم من طريق ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر كان يقول " ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة وعمرة واجبتان من استطاع سبيلا، فمن زاد شيئا فهو خير وتطوع " وقال سعيد بن أبي عروبة في المناسك عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال " الحج والعمرة فريضتان".
قوله: (وقال ابن عباس) هذا التعليق وصله الشافعي وسعيد بن منصور كلاهما عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمعت طاوسا يقول سمعت ابن عباس يقول " والله إنها لقرينتها في كتاب الله: وأتموا الحج والعمرة لله " وللحاكم من طريق عطاء عن ابن عباس " الحج والعمرة فريضتان " وإسناده ضعيف، والضمير في قوله " لقرينتها " للفريضة وكان أصل الكلام أن يقول لقرينته لأن المراد الحج.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ
الشرح:
قوله: (عن سمي) قال ابن عبد البر: تفرد سمي بهذا الحديث واحتاج إليه الناس فيه فرواه عنه مالك والسفيانان وغيرهما حتى أن سهيل بن أبي صالح حدث به عن سمي عن أبي صالح فكأن سهيلا لم يسمعه من أبيه، وتحقق بذلك تفرد سمي به فهو من غرائب الصحيح.
قوله: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) أشار ابن عبد البر إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر قال: وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى تعميم ذلك، ثم بالغ في الإنكار عليه، وقد تقدم التنبيه على الصواب في ذلك أوائل مواقيت الصلاة.
واستشكل بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر يكفر فماذا تكفر العمرة؟ والجواب أن تكفير العمرة مقيد بزمنها، وتكفير الاجتناب عام لجميع عمر العبد، فتغايرا من هذه الحيثية.
وأما مناسبة الحديث لأحد شقي الترجمة وهو وجوب العمرة فمشكل، بخلاف الشق الآخر وهو فضلها فإنه واضح، وكأن المصنف والله أعلم أشار إلى ما ورد في بعض طرق الحديث المذكور وهو ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعا " تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابع بينهما تنفي الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد.
وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة " فإن ظاهره التسوية بين أصل الحج والعمرة فيوافق قول ابن عباس " إنها لقرينتها في كتاب الله " وأما إذا اتصف الحج بكونه مبرورا فذلك قدر زائد، وقد تقدم الكلام على المراد به في أوائل الحج.
ووقع عند أحمد وغيره من حديث جابر مرفوعا " الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بر الحج؟ قال إطعام الطعام وإفشاء السلام " ففي هذا تفسير المراد بالبر في الحج، ويستفاد من حديث ابن مسعود المذكور المراد بالتكفير المبهم في حديث أبي هريرة، وفي حديث الباب دلالة على استحباب الاستكثار من الاعتمار خلافا لقول من قال يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة كالمالكية ولمن قال مرة في الشهر من غيرهم واستدل لهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة، وأفعاله على الوجوب أو الندب، وتعقب بأن المندوب لم ينحصر في أفعاله، فقد كان يترك الشيء وهو يستحب فعله لرفع المشقة عن أمته، وقد ندب إلى ذلك بلفظه فثبت الاستحباب من غير تقييد.
واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن لم يكن متلبسا بأعمال الحج، إلا ما نقل عن الحنفية أنه يكره في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، ونقل الأثرم عن أحمد: إذا اعتمر فلا بد أن يحلق أو يقصر، فلا يعتمر بعد ذلك إلى عشرة أيام ليمكن حلق الرأس فيها، قال ابن قدامة: هذا يدل على كراهة الاعتمار عنده في دون عشرة أيام.
وقال ابن التين: قوله " العمرة إلى العمرة " يحتمل أن تكون إلى بمعنى مع فيكون التقدير العمرة مع العمرة مكفرة لما بينهما، وفي الحديث أيضا إشارة إلى جواز الاعتمار قبل الحج وهو من حديث ابن مسعود الذي أشرنا إليه عند الترمذي وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه.