*3* باب هَدْمِ الْكَعْبَةِ حذف التشكيل
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَيُخْسَفُ بِهِمْ
الشرح:
قوله: (باب هدم الكعبة) أي في آخر الزمان.
قوله: (وقالت عائشة) في رواية غير أبي ذر " قالت " بحذف الواو، وهذا طرف من حديث وصله المصنف في أوائل البيوع من طريق نافع بن حبير عنها بلفظ " يغزو جيش الكعبة، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم " وسيأتي الكلام عليه هناك، ومناسبته لهذه الترجمة من جهة أن فيه إشارة إلى أن غزو الكعبة سيقع، فمرة يهلكهم الله قبل الوصول إليها وأخرى يمكنهم، والظاهر أن غزو الذين يخربونه متأخر عن الأولين.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَخْنَسِ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا
الشرح:
قوله: (عبيد الله بن الأخنس) بمعجمة ونون ثم مهملة وزن الأحمر، وعبيد الله بالتصغير كوفي يكنى أبا مالك.
قوله: (كأني به) كذا في جميع الروايات عن ابن عباس في هذا الحديث، والذي يظهر أن قي الحديث شيئا حذف، ويحتمل أن يكون هو ما وقع في حديث علي عند أبي عبيد في " غريب الحديث " من طريق أبي العالية عن علي قال: " استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه، فكأني برجل من الحبشة أصلع - أو قال أصمع - حمش الساقين قاعد عليها وهي تهدم " ورواه الفاكهي من هذا الوجه ولفظه " أصعل " بدل أصلع وقال " قائما عليها يهدمها بمسحاته " ورواه يحيى الحماني في مسنده من وجه آخر عن علي مرفوعا.
قوله: (كأني به أسود أفحج) بوزن أفعل بفاء ثم حاء ثم جيم، والفحج تباعد ما بين الساقين، قال الطيبي وفي إعرابه أوجه: قيل هو حال من خبر كان وهو باعتبار المعنى الذي أشبه الفعل، وقيل هما حالان من خبر كان وذو الحال إما المستقر المرفوع أو المجرور والثاني أشبه أو هما بدلان من الضمير المجرور، وعلى كل حال يلزم إضمار قبل الذكر، وهو مبهم يفسره ما بعده كقولك رأيته رجلا، وقيل هما منصوبان على التمييز.
وقوله "حجرا حجرا " حال كقولك بوبته بابا بابا، وقوله في حديث علي " أصلع أو أصعل أو أصمع " الأصلع من ذهب شعر مقدم رأسه، والأصعل الصغير الرأس، والأصمع الصغير الأذنين.
وقوله "حمش الساقين " بحاء مهملة وميم ساكنة ثم معجمة أي دقيق الساقين، وهو موافق لقوله في رواية أبي هريرة " ذو السويقتين " كما سيأتي في الحديث الذي بعده.
قوله: (يقلعها حجرا حجرا) زاد الإسماعيلي والفاكهي في آخره " يعني الكعبة".
الحديث:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ
الشرح:
قوله: (عن ابن شهاب) كذا رواه الليث عن يونس، وتابعه عبد الله بن وهب عن يونس عند أبي نعيم في المستخرج، وخالفهما ابن المبارك فرواه عن يونس عن الزهري فقال عن سحيم مولى بني زهرة عن أبي هريرة رواه الفاكهي من طريق نعيم بن حماد عن ابن المبارك، فإن كان محفوظا فيكون للزهري فيه شيخان عن أبي هريرة.
قوله: (ذو السويقتين) تثنية سويقة وهي تصغير ساق أي له ساقان دقيقان.
قوله: (من الحبشة) أي رجل من الحبشة، ووقع هذا الحديث عند أحمد من طريق سعيد بن سمعان عن أبي هريرة بأتم من هذا السياق ولفظه " يبايع للرجل بين الركن والمقام، ولن يستحل هذا البيت إلا أهله، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب، ثم تجيء الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدا، وهم الذين يستخرجون كنزه " ولأبي قرة في " السنن " من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا " لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة " ونحوه لأبي داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وزاد أحمد والطبراني من طريق مجاهد عنه " فيسلبها حليتها ويجردها من كسوتها، كأني أنظر إليه أصيلع أفيدع يضرب عليها بمسحاته أو بمعوله".
وللفاكهي من طريق مجاهد نحوه وزاد " قال مجاهد: فلما هدم ابن الزبير الكعبة جئت أنظر إليه هل أرى الصفة التي قال عبد الله بن عمرو فلم أرها " قيل: هذا الحديث يخالف قوله تعالى (أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا) ولأن الله حبس عن مكة الفيل ولم يمكن أصحابه من تخريب الكعبة ولم تكن إذ ذاك قبلة، فكيف يسلط عليها الحبشة بعد أن صارت قبلة للمسلمين؟ وأجيب بأن ذلك محمول على أنه يقع في آخر الزمان قرب قيام الساعة حيث لا يبقى في الأرض أحد يقول الله الله كما ثبت في صحيح مسلم " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله " ولهذا وقع في رواية سعيد بن سمعان " لا يعمر بعده أبدا " وقد وقع قبل ذلك فيه من القتال وغزو أهل الشام له في زمن يزيد بن معاوية ثم من بعده في وقائع كثيرة من أعظمها وقعة القرامطة بعد الثلاثمائة فقتلوا من المسلمين في المطاف من لا يحصى كثرة وقلعوا الحجر الأسود فحولوه إلى بلادهم ثم أعادوه بعد مدة طويلة، ثم غزي مرارا بعد ذلك، كل ذلك لا يعارض قوله تعالى (أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا) لأن ذلك إنما وقع بأيدي المسلمين فهو مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم "ولن يستحل هذا البيت إلا أهله"، فوقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من علامات نبوته، وليس في الآية ما يدل على استمرار الأمن المذكور فيها.
والله أعلم.
*3* باب مَا ذُكِرَ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب ما ذكر في الحجر الأسود) أورد فيه حديث عمر في تقبيل الحجر وقوله " لا تضر ولا تنفع " وكأنه لم يثبت عنده فيه على شرطه شيء غير ذلك، وقد وردت فيه أحاديث: منها حديث عند الله بن عمرو بن العاص مرفوعا " إن الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما، ولولا ذلك لأضاءا ما بين المشرق والمغرب " أخرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان وفي إسناده رجاء أبو يحيى وهو ضعيف قال الترمذي: حديث غريب، ويروى عن عبد الله بن عمرو موقوفا.
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه وقفه أشبه والذي رفعه ليس بقوي.
ومنها حديث ابن عباس مرفوعا " نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن، فسودته خطايا بني آدم " أخرجه الترمذي وصححه، وفيه عطاء بن السائب وهو صدوق لكنه اختلط، وجرير ممن سمع منه بعد اختلاطه، لكن له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة فيقوى بها، وقد رواه النسائي من طريق حماد بن سلمة عن عطاء مختصرا ولفظه " الحجر الأسود من الجنة " وحماد ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط، وفي صحيح ابن خزيمة أيضا عن ابن عباس مرفوعا " أن لهذا الحجر لسانا وشفتين يشهدان لمن استلمه يوم القيامة بحق " وصححه أيضا ابن حبان والحاكم، وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم أيضا.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ فَقَالَ إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ
الشرح:
قوله: (عن إبراهيم) هو ابن يزيد النخعي، وقد رواه سفيان وهو الثوري بإسناد آخر عن إبراهيم وهو ابن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة عن عمر أخرجه مسلم.
قوله: (إني أعلم أنك حجر) في رواية أسلم الآتية بعد باب عن عمر أنه قال " أما والله إني لأعلم أنك".
قوله: (لا تضر ولا تنفع) أي إلا بإذن الله، وقد روى الحاكم من حديث أبي سعيد أن عمر لما قال هذا قال له علي بن أبي طالب إنه يضر وينفع، وذكر أن الله لما أخذ المواثيق على ولد آدم كتب ذلك في رق وألقمه الحجر، قال: وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد " وفي إسناده أبو هارون العبدي وهو ضعيف جدا، وقد روى النسائي من وجه آخر ما يشعر بأن عمر رفع قوله ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه من طريق طاوس عن ابن عباس قال: " رأيت عمر قبل الحجر ثلاثا ثم قال: إنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك " ثم قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك " قال الطبري: إنما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان.
وقال المهلب: حديث عمر هذا يرد على من قال إن الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده، ومعاذ الله أن يكون لله جارحة، وإنما شرع تقبيله اختيارا ليعلم بالمشاهدة طاعة من يطيع، وذلك شبيه بقصة إبليس حيث أمر بالسجود لآدم.
وقال الخطابي: معنى أنه يمين الله في الأرض أن من صافحه في الأرض كان له عند الله عهد، وجرت العادة بأن العهد يعقده الملك بالمصافحة لمن يريد موالاته والاختصاص به فخاطبهم بما يعهدونه.
وقال المحب الطبري: معناه أن كل ملك إذا قدم عليه الوافد قبل يمينه فلما كان الحاج أول ما يقدم يسن له تقبيله نزل منزلة يمين الملك ولله المثل الأعلى.
وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله ولو لم يعلم الحكمة فيه، وفيه دفع ما وقع لبعض الجهال من أن في الحجر الأسود خاصة ترجع إلى ذاته، وفيه بيان السنن بالقول والفعل، وأن الإمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاده أن يبادر إلى بيان الأمر ويوضح ذلك، وسيأتي بقية الكلام على التقبيل والاستلام بعد تسعة أبواب.
قال شيخنا في " شرح الترمذي ": فيه كراهة تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله، وأما قول الشافعي ومهما قبل من البيت فحسن فلم يرد به الاستحباب لأن المباح من جملة الحسن عند الأصوليين.
(تكميل) : اعترض بعض الملحدين على الحديث الماضي فقال: كيف سودته خطايا المشركين ولم تبيضه طاعات أهل التوحيد؟ وأجيب بما قال ابن قتيبة: لو شاء الله لكان ذلك، وإنما أجرى الله العادة بأن السواد يصبغ، ولا ينصبغ على العكس من البياض.
وقال المحب الطبري: في بقائه أسود عبرة لمن له بصيرة، فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر الصلد فتأثيرها في القلب أشد.
قال: وروي عن ابن عباس إنما غيره بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة، فإن ثبت فهذا هو الجواب.
قلت: أخرجه الحميدي في فضائل مكة بإسناد ضعيف والله أعلم.