3* باب أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّكِينَةِ عِنْدَ الْإِفَاضَةِ وَإِشَارَتِهِ إِلَيْهِمْ بِالسَّوْطِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة عند الإفاضة) أي من عرفة.
الحديث:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى وَالِبَةَ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا وَصَوْتًا لِلْإِبِلِ فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ وَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ أَوْضَعُوا أَسْرَعُوا خِلَالَكُمْ مِنْ التَّخَلُّلِ بَيْنَكُمْ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا بَيْنَهُمَا
الشرح:
قوله: (حدثنا إبراهيم بن سويد) هو المدني وهو ثقة لكن قال ابن حبان: في حديثه مناكير انتهى.
وهذا الحديث قد تابعه عليه سليمان بن بلال عند الإسماعيلي، والراوي عنه إبراهيم بن سويد مدني أيضا واسم جده حبان، ووهم الأصيلي فسماه مولى حكاه الجياني وخطؤوه فيه.
قوله: (مولى المطلب) أي ابن عبد الله بن حنطب.
قوله: (مولى والبة) بكسر اللام بعدها موحدة خفيفة بطن من بني أسد.
قوله: (أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة) أي من عرفة.
قوله: (زجرا) بفتح الزاي وسكون الجيم بعدها راء أي صياحا لحث الإبل.
قوله: (وضربا) زاد في رواية كريمة " وصوتا " وكأنها تصحيف من قوله وضربا فظنت معطوفة.
قوله: (عليكم بالسكينة) أي في السير، والمراد السير بالرفق وعدم المزاحمة.
قوله: (فإن البر ليس بالإيضاع) أي السير السريع، ويقال هو سير مثل الخبب فبين صلى الله عليه وسلم أن تكلف الإسراع في السير ليس البر أي مما يتقرب به، ومن هذا أخذ عمر بن عبد العزيز قوله لما خطب بعرفة " ليس السابق من سبق بعيره وفرسه، ولكن السابق من غفر له " وقال المهلب: إنما نهاهم عن الإسراع إبقاء عليهم لئلا يجحفوا بأنفسهم مع بعد المسافة.
قوله: (أوضعوا أسرعوا) هو من كلام المصنف، وهو قول أبي عبيدة في المجاز.
قوله: (خلالكم من التخلل بينكم) هو أيضا من قول أبي عبيدة ولفظه " ولأوضعوا أي لأسرعوا، خلالكم أي بينكم وأصله من التخلل " وقال غيره المعنى وليسعوا بينكم بالنميمة يقال أوضع البعير أسرعه وخص الراكب لأنه أسرع من الماشي، وقوله: (وفجرنا خلالهما: بينهما) هو قول أبي عبيدة أيضا ولفظه " وفجرنا خلالهما أي وسطهما وبينهما " وإنما ذكر البخاري هذا التفسير لمناسبة أوضعوا للفظ الإيضاع، ولما كان متعلق أوضعوا الخلال ذكر تفسيره تكثيرا للفائدة.
*3* باب الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة) أي المغرب والعشاء، ذكر فيه حديث أسامة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى قبل باب.
*3* باب مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَتَطَوَّعْ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب من جمع بينهما) أي بين الصلاتين المذكورتين.
قوله: (ولم يتطوع) أي لم يتنفل بينهما.
الحديث:
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا وَلَا عَلَى إِثْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا
الشرح:
قوله: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء) كذا لأبي ذر، ولغيره " بين المغرب والعشاء".
قوله: (بجمع) بفتح الجيم وسكون الميم أي المزدلفة، وسميت جمعا لأن آدم اجتمع فيها مع حواء، وازدلف إليها أي دنا منها، وروي عن قتادة أنها سميت جمعا لأنها يجمع فيها بين الصلاتين، وقيل وصفت بفعل أهلها لأنهم يجتمعون بها ويزدلفون إلى الله أي يتقربون إليه بالوقوف فيها، وسميت المزدلفة إما لاجتماع الناس بها أو لاقترابهم إلى منى أو لازدلاف الناس منها جميعا أو للنزول بها في كل زلفة من الليل أو لأنها منزلة وقربة إلى الله أو لازدلاف آدم إلى حواء بها.
قوله: (بإقامة) لم يذكر الأذان، وسيأتي البحث فيه بعد باب.
قوله: (ولم يسبح بينهما) أي لم يتنفل، و قوله: (ولا على إثر كل واحدة منهما) أي عقبها، ويستفاد منه أنه ترك التنفل عقب المغرب وعقب العشاء، ولما لم يكن بين المغرب والعشاء مهلة صرح بأنه لم يتنفل بينهما، بخلاف العشاء فإنه يحتمل أن يكون المراد أنه لم يتنفل عقبها لكنه تنفل بعد ذلك في أثناء الليل، ومن ثم قال الفقهاء تؤخر سنة العشاءين عنهما، ونقل ابن المنذر الإجماع على ترك التطوع بين الصلاتين بالمزدلفة لأنهم اتفقوا على أن السنة الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، ومن تنفل بينهما لم يصح أنه جمع بينهما انتهى.
ويعكر على نقل الاتفاق فعل ابن مسعود الآتي في الباب الذي بعده.
الحديث:
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْخَطْمِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ
الشرح:
قوله: (حدثنا يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري وفي روايته عن عدي بن ثابت رواية تابعي عن تابعي.
وفي رواية عبد الله بن يزيد شيخ عدي فيه رواية صحابي عن صحابي، والإسناد كله دائر بين مدني وكوفي، وزاد مسلم من رواية الليث عن يحيى عن عدي عن عبد الله بن يزيد " وكان أميرا على الكوفة على عهد ابن الزبير".
قوله: (بالمزدلفة) مبين لقوله في رواية مالك عن يحيى بن سعيد التي أخرجها المصنف في المغازي بلفظ " أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع المغرب والعشاء جميعا " وللطبراني من طريق جابر الجعفي عن عدي بهذا الإسناد " صلى بجمع المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة " وفيه رد على قول ابن حزم: أن حديث أبي أيوب ليس فيه ذكر أذان ولا إقامة، لأن جابرا وإن كان ضعيفا فقد تابعه محمد بن أبي ليلى عن عدي على ذكر الإقامة فيه عند الطبراني أيضا فيقوى كل واحد منهما بالآخر.
*3* باب مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما) أي من المغرب والعشاء بالمزدلفة.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ حَجَّ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ حِينَ الْأَذَانِ بِالْعَتَمَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَأَمَرَ رَجُلًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فَتَعَشَّى ثُمَّ أَمَرَ أُرَى فَأَذَّنَ وَأَقَامَ قَالَ عَمْرٌو لَا أَعْلَمُ الشَّكَّ إِلَّا مِنْ زُهَيْرٍ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ هُمَا صَلَاتَانِ تُحَوَّلَانِ عَنْ وَقْتِهِمَا صَلَاةُ الْمَغْرِبِ بَعْدَ مَا يَأْتِي النَّاسُ الْمُزْدَلِفَةَ وَالْفَجْرُ حِينَ يَبْزُغُ الْفَجْرُ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ
الشرح:
قوله: (زهير) هو الجعفي، وأبو إسحاق هو السبيعي، وشيخه هو النخعي، وعبد الله هو ابن مسعود.
قوله: (حج عبد الله) في رواية أحمد عن حسن بن موسى، وللنسائي من طريق حسين بن عياش كلاهما عن زهير بالإسناد " حج عبد الله بن مسعود فأمرني علقمة أن ألزمه فلزمته فكنت معه " وفي رواية إسرائيل الآتية بعد باب " خرجت مع عبد الله إلى مكة ثم قدمنا جمعا".
قوله: (حين الأذان بالعتمة أو قريبا من ذلك) أي من مغيب الشفق.
قوله: (فأمر رجلا) لم أقف على اسمه، ويحتمل أن يكون هو عبد الرحمن بن يزيد فإن في رواية حسن وحسين المذكورتين " فكنت معه فأتينا المزدلفة، فلما كان حين طلع الفجر قال قم، فقلت له إن هذه الساعة ما رأيتك صليت فيها".
قوله: (ثم أمر أرى رجلا فأذن وأقام، قال عمرو ولا أعلم الشك إلا من زهير) أرى بضم الهمزة أي أظن، وقد بين عمرو وهو ابن خالد شيخ البخاري فيه أنه من شيخه زهير، وأخرجه الإسماعيلي من طريق الحسن بن موسى عن زهير مثل ما رواه عنه عمرو ولم يقل ما قال عمرو، وأخرجه البيهقي من طريق عبد الرحمن بن عمرو عن زهير وقال فيه " ثم أمر قال زهير أرى فأذن وأقام " وسيأتي بعد باب رواية إسرائيل عن أبي إسحاق بأصرح مما قال زهير ولفظه " ثم قدمنا جمعا فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة والعشاء بينهما " والعشاء بفتح العين ورواه ابن خزيمة وأحمد من طريق ابن أبي زائدة عن أبي إسحاق بلفظ " فأذن وأقام ثم صلى المغرب ثم تعشى ثم قام فأذن وأقام وصلى العشاء ثم بات بجمع، حتى إذا طلع الفجر فأذن وأقام " ولأحمد من طريق جرير بن حازم عن أبي إسحاق " فصلى بنا المغرب، ثم دعا بعشاء فتعشى ثم قام فصلى العشاء ثم رقد " ووقع عند الإسماعيلي من رواية شبابة عن ابن أبي ذئب في هذا الحديث " ولم يتطوع قبل كل واحدة منهما ولا بعدها " ولأحمد من رواية زهير " فقلت له إن هذه لساعة ما رأيتك صليت فيها".
قوله: (فلما طلع الفجر) في رواية المستملي والكشميهني " فلما حين طلع الفجر " وفي رواية الحسين بن عياش عن زهير " فلما كان حين طلع الفجر".
قوله: (قال عبد الله) هو ابن مسعود.
قوله: (عن وقتهما) كذا للأكثر.
وفي رواية السرخسي " عن وقتها " بالأفراد، وسيأتي في رواية إسرائيل بعد باب رفع هذه الجملة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (حين يبزغ) بزاي مضمومة وغين معجمة أي يطلع، وفي هذا الحديث مشروعية الأذان والإقامة لكل من الصلاتين إذا جمع بينهما، قال ابن حزم: لم نجده مرويا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو ثبت عنه لقلت به.
ثم أخرج من طريق عبد الرزاق عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق في هذا الحديث: قال أبو إسحاق فذكرته لأبي جعفر محمد بن علي فقال: أما نحن أهل البيت فهكذا نصنع، قال ابن حزم: وقد روي عن عمر من فعله، قلت أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح عنه، ثم تأوله بأنه محمول على أن أصحابه تفرقوا عنه فأذن لهم ليجتمعوا ليجمع بهم، ولا يخفى تكلفه، ولو تأتي له ذلك في حق عمر - لكونه كان الإمام الذي يقيم للناس حجهم - لم يتأت له في حق ابن مسعود لأنه إن كان معه ناس من أصحابه لا يحتاج في جمعهم إلى من يؤذن لهم، وقد أخذ بظاهره مالك، وهو اختيار البخاري.
وروى ابن عبد البر عن أحمد بن خالد أنه كان يتعجب من مالك حيث أخذ بحديث ابن مسعود وهو من رواية الكوفيين مع كونه موقوفا ومع كونه لم يروه ويترك ما روي عن أهل المدينة وهو مرفوع، قال ابن عبد البر: وأعجب أنا من الكوفيين حيث أخذوا بما رواه أهل المدينة وهو أن يجمع بينهما بأذان وإقامة واحدة وتركوا ما رووا في ذلك عن ابن مسعود مع أنهم لا يعدلون به أحدا.
قلت: الجواب عن ذلك أن مالكا اعتمد على صنيع عمر في ذلك وإن كان لم يروه في " الموطأ " واختار الطحاوي ما جاء عن جابر يعني في حديثه الطويل الذي أخرجه مسلم أنه جمع بينهما بأذان واحد وإقامتين، وهذا قول الشافعي في القديم ورواية عن أحمد وبه قال ابن الماجشون وابن حزم وقواه الطحاوي بالقياس على الجمع بين الظهر والعصر بعرفة.
وقال الشافعي في الجديد والثوري وهو رواية عن أحمد: يجمع بينهما بإقامتين فقط، وهو ظاهر حديث أسامة الماضي قربيا حيث قال " فأقام المغرب ثم أناخ الناس ولم يحلوا حتى أقام العشاء " وقد جاء عن ابن عمر كل واحد من هذه الصفات أخرجه الطحاوي وغيره، وكأنه كان يراه من الأمر الذي يتخير فيه الإنسان، وهو المشهور عن أحمد، واستدل بحديث ابن مسعود على جواز التنفل بين الصلاتين إن أراد الجمع بينهما لكون ابن مسعود تعشى بين الصلاتين، ولا حجة فيه لأنه لم يرفعه، ويحتمل أن لا يكون قصد الجمع، وظاهر صنيعه يدل على ذلك لقوله إن المغرب تحول عن وقتها فرأى أنه وقت هذه المغرب خاصة، ويحتمل أن يكون قصد الجمع وكان يرى أن العمل بين الصلاتين لا يقطعه إذا كان ناويا للجمع، ويحتمل قوله " تحول عن وقتها " أي المعتاد، وأما إطلاقه على صلاة الصبح أنها تحول عن وقتها فليس معناه أنه أوقع الفجر قبل طلوعها، وإنما أراد أنها وقعت قبل الوقت المعتاد فعلها فيه في الحضر، ولا حجة فيه لمن منع التغليس بصلاة الصبح لأنه ثبت عن عائشة وغيرها كما تقدم في المواقيت التغليس بها، بل المراد هنا أنه كان إذا أتاه المؤذن بطلوع الفجر صلى ركعتي الفجر في بيته ثم خرج فصلى الصبح مع ذلك بغلس، وأما بمزدلفة فكان الناس مجتمعين والفجر نصب أعينهم فبادر بالصلاة أول ما بزغ حتى أن بعضهم كان لم يتبين له طلوعه، وهو بين في رواية إسرائيل الآتية حيث قال " ثم صلى الفجر حين طلع الفجر، قائل يقول طلع الفجر وقائل يقول لم يطلع " واستدل الحنفية بحديث ابن مسعود هذا على ترك الجمع بين الصلاتين في غير يوم عرفة وجمع لقول ابن مسعود " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين " وأجاب المجوزون بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وقد ثبت الجمع بين الصلاتين من حديث ابن عمر وأنس وابن عباس وغيرهم وتقدم في موضعه بما فيه كفاية، وأيضا فالاستدلال به إنما هو من طريق المفهوم وهم لا يقولون به، وأما من قال به فشرطه أن لا يعارضه منطوق، وأيضا فالحصر فيه ليس على ظاهره لإجماعهم على مشروعية الجمع بين الظهر والعصر بعرفة.