*3* باب مَتَى يُدْفَعُ مِنْ جَمْعٍ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب متى يدفع من جمع) أي بعد الوقوف بالمشعر الحرام.
الحديث:
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يَقُولُ شَهِدْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى بِجَمْعٍ الصُّبْحَ ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَيَقُولُونَ أَشْرِقْ ثَبِيرُ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَهُمْ ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ
الشرح:
قوله: (عن أبي إسحاق) هو السبيعي.
قوله: (لا يفيضون) زاد يحيى القطان عن شعبة " من جمع " أخرجه الإسماعيلي، وكذا هو للمصنف في أيام الجاهلية من رواية سفيان الثوري عن أبي إسحاق، وزاد الطبراني من رواية عبيد الله بن موسى عن سفيان " حتى يروا الشمس على ثبير".
قوله: (ويقولون: أشرق ثبير) أشرق بفتح أوله فعل أمر من الإشراق أي أدخل في الشروق.
وقال ابن التين: وضبطه بعضهم بكسر الهمزة كأنه ثلاثي من شرق وليس ببين، والمشهور أن المعنى لتطلع عليك الشمس وقيل: معناه أضئ يا جبل، وليس ببين أيضا.
وثبير بفتح المثلثة وكسر الموحدة جبل معروف هناك، وهو على يسار الذاهب إلى منى، وهو أعظم جبال مكة، عرف برجل من هذيل اسمه ثبير دفن فيه.
زاد أبو الوليد عن شعبة " كيما نغير " أخرجه الإسماعيلي، ومثله لابن ماجه من طريق حجاج بن أرطاة عن أبي إسحاق، وللطبري من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق " أشرق ثبير لعلنا نغير " قال الطبري: معناه كيما ندفع للنحر، وهو من قتلهم أغار الفرس إذا أسرع في عدوه، قال ابن التين: وضبطه بعضهم بسكون الراء في ثبير وفي نغير لإرادة السجع.
قوله: (ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس) الإفاضة الدفعة قاله الأصمعي، ومنه أفاض القوم في الحديث إذا دفعوا فيه، ويحتمل أن يكون فاعل أفاض عمر فيكون انتهاء حديثه ما قبل هذا، ويحتمل أن يكون فاعل أفاض النبي صلى الله عليه وسلم لعطفه على قوله خالفهم، وهذا هو المعتمد.
وقد وقع في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عند الترمذي " فأفاض " وفي رواية الثوري " فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم فأفاض " وللطبري من طريق زكريا عن أبي إسحاق بسنده " كان المشركون لا ينفرون حتى تطلع الشمس، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك فنفر قبل طلوع الشمس " وله من رواية إسرائيل " فدفع لقدر صلاة القوم المسفرين لصلاة الغداة " وأوضح من ذلك ما وقع في حديث جابر الطويل عند مسلم " ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله تعالى وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا، فدفع قبل أن تطلع الشمس " وقد تقدم حديث ابن مسعود في ذلك وصنيع عثمان بما يوافقه، وروى ابن المنذر من طريق الثوري عن أبي إسحاق " سألت عبد الرحمن بن يزيد: متى دفع عبد الله من جمع؟ قال: كانصراف القوم المسفرين من صلاة الغداة " وروى الطبري من حديث علي قال " لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة غدا فوقف على قزح وأردف الفضل ثم قال: هذا الموقف، وكل المزدلفة موقف.
حتى إذا أسفر دفع " وأصله في الترمذي دون قوله " حتى إذا أسفر " ولابن خزيمة والطبري من طريق عكرمة عن ابن عباس " كان أهل الجاهلية يقفون بالمزدلفة، حتى إذا طلعت الشمس فكانت على رءوس الجبال كأنها العمائم على رءوس الرجال دفعوا، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسفر كل شيء قبل أن تطلع الشمس " وللبيهقي من حديث المسور بن مخرمة نحوه، وفي هذا الحديث فضل الدفع من الموقف بالمزدلفة عند الأسفار، وقد تقدم بيان الاختلاف فيمن دفع قبل الفجر.
ونقل الطبري الإجماع على أن من لم يقف فيه حتى طلعت الشمس فاته الوقوف قال ابن المنذر: وكان الشافعي وجمهور أهل العلم يقولون بظاهر هذه الأخبار، وكان مالك يرى أن يدفع قبل الأسفار، واحتج له بعض أصحابه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعجل الصلاة مغلسا إلا ليدفع قبل الشمس، فكل من بعد دفعه من طلوع الشمس كان أولى.
*3* باب التَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ غَدَاةَ النَّحْرِ حِينَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ وَالِارْتِدَافِ فِي السَّيْرِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب التلبية والتكبير غداة النحر حتى يرمي) في رواية الكشميهني " حين يرمي " وهو أصوب.
قال الكرماني: ليس في الحديث ذكر التكبير، فيحتمل أن يكون أشار إلى الذكر الذي في خلال التلبية، وأراد أن يستدل على أن التكبير غير مشروع حينئذ لأن قوله " لم يزل " يدل على إدامة التلبية وإدامتها تدل على ترك ما عداها، أو هو مختصر من حديث فيه ذكر التكبير انتهى.
والمعتمد أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما جرت به عادته، فعند أحمد وابن أبي شيبة والطحاوي من طريق مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله " خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة إلا أن يخلطها بتكبير".
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَ الْفَضْلَ فَأَخْبَرَ الْفَضْلُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ
الشرح:
قوله: (فأخبر الفضل) في رواية مسلم من طريق عيسى بن يونس عن ابن جريج عن عطاء " فأخبرني ابن عباس أن الفضل أخبره".
الحديث:
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ الْأَيْلِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى قَالَ فَكِلَاهُمَا قَالَا لَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ
الشرح:
قوله: (فكلاهما) أي الفضل بن عباس وأسامة بن زيد، وفي ذكر أسامة إشكال لما تقدم في " باب النزول بين عرفة وجمع " أن عند مسلم في رواية إبراهيم بن عقبة عن كريب أن أسامة قال " وانطلقت أنا في سباق قريش على رجلي " لأن مقتضاه أن يكون أسامة سبق إلى رمي الجمرة فيكون إخباره بمثل ما أخبر به الفضل من التلبية مرسلا، لكن لا مانع أنه يرجع مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجمرة أو يقيم بها حتى يأتي النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أخرج مسلم أيضا من حديث أم الحصين قالت " فرأيت أسامة بن زيد وبلالا في حجة الوداع وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة".
(تنبيه) : زاد ابن أبي شيبة من طريق علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل في هذا الحديث " فرماها سبع حصيات يكبر مع كل حصاة " وسيأتي هذا الحكم بعد نيف وثلاثين بابا، وفي هذا الحديث أن التلبية تستمر إلى رمي الجمرة يوم النحر، وبعدها يشرع الحاج في التحلل، وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه كان يقول " التلبية شعار الحج، فإن كنت حاجا فلب حتى بدء حلك، وبدء حلك أن ترمي جمرة العقبة " وروى سعيد بن منصور من طريق ابن عباس قال " حججت مع عمر إحدى عشرة حجة، وكان يلبي حتى يرمي الجمرة " وباستمرارها قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأتباعهم.
وقالت طائفة: يقطع المحرم التلبية إذا دخل الحرم، وهو مذهب ابن عمر، لكن كان يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة.
وقالت طائفة: يقطعها إذا راح إلى الموقف، رواه ابن المنذر وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة عن عائشة وسعد بن أبي وقاص وعلي، وبه قال مالك وقيده بزوال الشمس يوم عرفة، وهو قول الأوزاعي والليث، وعن الحسن البصري مثله لكن قال " إذا صلى الغداة يوم عرفة " وهو بمعنى الأول.
وقد روى الطحاوي بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن يزيد قال " حججت مع عبد الله، فلما أفاض إلى جمع جعل يلبي، فقال رجل: أعرابي هذا؟ فقال عبد الله: أنسي الناس أم ضلوا " وأشار الطحاوي إلى أن كل من روي عنه ترك التلبية من يوم عرفة أنه تركها للاشتغال بغيرها من الذكر لا على أنها لا تشرع، وجمع في ذلك بين ما اختلف من الآثار والله أعلم.
واختلفوا أيضا هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة أو عند تمام الرمي؟ فذهب إلى الأول الجمهور، وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي، ويدل لهم ما روى ابن خزيمة من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال " أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة " قال ابن خزيمة: هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى، وأن المراد بقوله " حتى رمى جمرة العقبة " أي أتم رميها.
*3* باب فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ حذف التشكيل
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
الشرح:
قوله: (باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي - إلى قوله تعالى - حاضري المسجد الحرام) كذا في رواية أبي ذر وأبي الوقت، وساق في طريق كريمة ما بين قوله: (الهدي) قوله: (حاضري المسجد الحرام) وغرض المصنف بذلك تفسير الهدي، وذلك أنه لما انتهى في صفة الحج إلى الوصول إلى منى أراد أن يذكر أحكام الهدي والنحر، لأن ذلك يكون غالبا بمنى.
والمراد بقوله: (فمن تمتع) أي في حال الأمن لقوله: (فإذا أمنتم فمن تمتع) وفيه حجة للجمهور في أن التمتع لا يختص بالمحصر، وروى الطبري عن عروة قال في قوله: (فإذا أمنتم) أي من الوجع ونحوه، قال الطبري: والأشبه بتأويل الآية أن المراد بها الأمن من الخوف، لأنها نزلت وهم خائفون بالحديبية فبينت لهم ما يعملون حال الحصر، وما يعملون حال الأمن.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ الْمُتْعَةِ فَأَمَرَنِي بِهَا وَسَأَلْتُهُ عَنْ الْهَدْيِ فَقَالَ فِيهَا جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ قَالَ وَكَأَنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ إِنْسَانًا يُنَادِي حَجٌّ مَبْرُورٌ وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَقَالَ آدَمُ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَغُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ وَحَجٌّ مَبْرُورٌ
الشرح:
قوله: (أخبرنا النضر) هو ابن شميل صاحب العربية.
قوله: (أبو جمرة) بالجيم والراء وقد تقدم لهذا الحديث طريق في آخر " باب التمتع والقرآن " وقد تقدم الكلام عليه هناك، والغرض منه هنا بيان الهدي.
قوله: (وسألته) أي ابن عباس.
قوله: (عن الهدي) فقال فيها أي المتعة يعني يجب على من تمتع دم.
قوله: (جزور) بفتح الجيم وضم الزاي أي بعير ذكرا كان أو أنثى، وهو مأخوذ من الجزر أي القطع ولفظها مؤنث تقول هذه الجزور.
قوله: (أو شرك) بكسر الشين المعجمة وسكون الراء أي مشاركة في دم أي حيث يجزئ الشيء الواحد عن جماعة، وهذا موافق لما رواه مسلم عن جابر قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة " وبهذا قال الشافعي والجمهور، سواء كان الهدي تطوعا أو واجبا، وسواء كانوا كلهم متقربين بذلك أو كان بعضهم يريد التقرب وبعضهم يريد اللحم، وعن أبي حنيفة.
يشترط في الاشتراك أن يكونوا كلهم متقربين بالهدي، وعن زفر مثله بزيادة أن تكون أسبابهم واحدة، وعن داود وبعض المالكية: يجوز في هدي التطوع دون الواجب، وعن مالك: لا يجوز مطلقا، واحتج له إسماعيل القاضي بأن حديث جابر إنما كان بالحديبية حيث كانوا محصرين، وأما حديث ابن عباس فخالف أبا جمرة عنه ثقات أصحابه فرووا عنه أن ما استيسر من الهدي شاة، ثم ساق ذلك بأسانيد صحيحة عنهم عن ابن عباس قال: وقد روى ليث عن طاوس عن ابن عباس مثل رواية أبي جمرة، وليث ضعيف.
قال: وحدثنا سليمان عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن ابن عباس قال " ما كنت أرى أن دما واحدا يقضي عن أكثر من واحد " انتهى.
وليس بين رواية أبي جمرة ورواية غيره منافاة لأنه زاد عليهم ذكر الاشتراك ووافقهم على ذكر الشاة، وإنما أراد ابن عباس بالاقتصار على الشاة الرد على من زعم اختصاص الهدي بالإبل والبقر، وذلك واضح فيما سنذكره بعد هذا.
وأما رواية محمد عن ابن عباس فمتقطعة، ومع ذلك لو كانت متصلة احتمل أن يكون ابن عباس أخبر أنه كان لا يرى ذلك من جهة الاجتهاد حتى صح عنده النقل بصحة الاشتراك فأفتى به أبا جمرة، وبهذا تجتمع الأخبار، وهو أولى من الطعن في رواية من أجمع العلماء على توثيقه والاحتجاج بروايته وهو أبو جمرة الضبعي.
وقد روي عن ابن عمر أنه كان لا يرى التشريك، ثم رجع عن ذلك لما بلغته السنة.
قال أحمد: حدثنا عبد الوهاب حدثنا مجاهد عن الشعبي قال " سألت ابن عمر قلت: الجزور والبقرة تجزئ عن سبعة؟ قال.
يا شعبي، ولها سبعة أنفس؟ قال قلت: فإن أصحاب محمد يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الجزور عن سبعة والبقرة عن سبعة.
قال فقال ابن عمر لرجل: أكذلك يا فلان؟ قال: نعم.
قال: ما شعرت بهذا".
وأما تأويل إسماعيل لحديث جابر بأنه كان بالحديبية فلا يدفع الاحتجاج بالحديث، بل روى مسلم من طريق أخرى عن جابر في أثناء حديث قال " فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحللنا أن نهدي ونجمع النفر منا في الهدية " وهذا يدل على صحة أصل الاشتراك، واتفق من قال بالاشتراك على أنه لا يكون في أكثر من سبعة، إلا إحدى الروايتين عن سعيد بن المسيب فقال: تجزئ عن عشرة، وبه قال إسحاق بن راهويه وابن خزيمة من الشافعية، واحتج لذلك في صحيحه وقواه، واحتج له ابن خزيمة بحديث رافع بن خديج " أنه صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عشرا من الغنم ببعير " الحديث وهو في الصحيحين، وأجمعوا على أن الشاة لا يصح الاشتراك فيها، وقوله "أو شاة " هو قول الجمهور، ورواه الطبري وابن أبي حاتم بأسانيد صحيحة عنهم، ورويا بإسناد قوي عن القاسم بن محمد عن عائشة وابن عمر أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلا من الإبل والبقر.
ووافقهما القاسم وطائفة.
قال إسماعيل القاضي في " الأحكام " له: أظنهم ذهبوا إلى ذلك لقوله تعالى (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله) فذهبوا إلى تخصيص ما يقع عليه اسم البدن، قال: ويرد هذا قوله تعالى (هديا بالغ الكعبة) وأجمع المسلمون أن في الظبي شاة فوقع عليها اسم هدي.
قلت: قد احتج بذلك ابن عباس فأخرج الطبري بإسناد صحيح إلى عبد الله بن عبيد بن عمير قال قال ابن عباس: الهدي شاة.
فقيل له في ذلك، قال: أنا أقرأ عليكم من كتاب الله ما تقوون به، ما في الظبي؟ قالوا شاة، قال: فإن الله تعالى يقول (هديا بالغ الكعبة) .
قوله: (ومتعة متقبلة) قال الإسماعيلي وغيره: تفرد النضر بقوله " متعة " ولا أعلم أحدا من أصحاب شعبة رواه عنه إلا قال " عمرة " وقال أبو نعيم: قال أصحاب شعبة كلهم عمرة إلا النضر فقال متعة.
قلت: وقد أشار المصنف إلى هذا بما علقه بعد.
قوله: (وقال آدم ووهب بن جرير وغندر عن شعبة عمرة إلخ) أما طريق آدم فوصلها عنه في " باب التمتع والقران " وأما طريق وهب بن جرير فوصلها البيهقي من طريق إبراهيم بن مرزوق عن وهب وأما طريق غندر فوصلها أحمد عنه، وأخرجها مسلم عن أبي موسى وبندار كلاهما عن غندر.