*3* باب مَا يُصِيبُ مِنْ الطَّعَامِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب ما يصيب) أي المجاهد (من الطعام في أرض الحرب) أي هل يجب تخميسه في الغانمين، أو يباح أكله للمقاتلين؟ وهي مسألة خلاف، والجمهور على جواز أخذ الغانمين من القوت وما يصلح به وكل طعام يعتاد أكله عموما، وكذلك علف الدواب، سواء كان قبل القسمة أو بعدها، بإذن الإمام وبغير إذنه.
والمعنى فيه أن الطعام يعز في دار الحرب فأبيح للضرورة.
والجمهور أيضا على جواز الأخذ ولو لم تكن الضرورة ناجزة، واتفقوا على جواز ركوب دوابهم ولبس ثيابهم واستعمال سلاحهم في حال الحرب، ورد ذلك بعد انقضاء الحرب وشرط الأوزاعي فيه إذن الإمام، وعليه أن يرده كلما فرغت حاجته، ولا يستعمله في غير الحرب، ولا ينتظر برده انقضاء الحرب لئلا يعرضه للهلاك، وحجته حديث رويفع ابن ثابت مرفوعا " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذ دابة من المغنم فيركبها حتى إذا أعجفها ردها إلى المغانم " وذكر في الثوب مثل ذلك، وهو حديث حسن أخرجه أبو داود والطحاوي، ونقل عن أبي يوسف أنه حمله على ما إذا كان الآخذ غير محتاج يبقى دابته أو ثوبه بخلاف من ليس له ثوب ولا دابة.
وقال الزهري: لا يأخذ شيئا من الطعام ولا غيره إلا بإذن الإمام.
وقال سليمان بن موسى: يأخذ إلا إن نهى الإمام.
وقال ابن المنذر.
قد وردت الأحاديث الصحيحة في التشديد في الغلول، واتفق علماء الأمصار على جواز أكل الطعام، وجاء الحديث بنحو ذلك فليقتصر عليه، وأما العلف فهو في معناه.
وقال مالك: يباح ذبح الأنعام للأكل كما يجوز أخذ الطعام، وقيده الشافعي بالضرورة إلى الأكل حيث لا طعام، وقد تقدم في " باب ما يكره من ذبح الإبل " في أواخر الجهاد شيء من ذلك.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ فَنَزَوْتُ لِآخُذَهُ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ
الشرح:
قوله: (عن عبد الله بن مغفل) بالمعجمة والفاء وزن محمد.
وفي رواية بهز بن أسد عن شعبة عند مسلم " سمعت عبد الله بن مغفل " وفي رواية سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال " حدثني عبد الله بن مغفل " والإسناد كله بصريون.
قوله: (فرمى إنسان) لم أقف على اسمه ولأبي داود من طريق سليمان بن المغيرة " دلي بجراب يوم خيبر فالتزمته".
قوله: (بجراب) بكسر الجيم.
قوله: (فنزوت) بالنون والزاي أي وثبت مسرعا، ووقع في رواية سليمان ابن المغيرة " فالتزمته " فقلت لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا " وقد أخرج ابن وهب بسند معضل " أن صاحب المغانم كعب بن عمرو بن زيد الأنصاري أخذ منه الجراب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم خل بينه وبين جرابه " وبهذا يتبين معنى قوله " فاستحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولعله استحيا من فعله ذلك ومن قوله معا، وموضع الحجة منه عدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم، بل في رواية مسلم ما يدل على رضاه فإنه قال فيه " فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسما " وزاد أبو داود الطيالسي في آخره " فقال هو لك " وكأنه عرف شدة حاجته إليه فسوغ له الاستئثار به.
وفي قوله " فاستحييت " إشارة إلى ما كانوا عليه من توقير النبي صلى الله عليه وسلم، ومن معاناة التنزه عن خوارم المروءة.
وفيه جواز أكل الشحوم التي توجد عند اليهود، وكانت محرمة على اليهود، وكرهها مالك.
وعن أحمد تحريمها، وسيأتي ذلك في باب مفرد في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ
الشرح:
حديث ابن عمر " كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه " رواه يونس بن محمد عند أبي نعيم وأحمد بن إبراهيم عند الإسماعيلي عن حماد بن زيد فزاد فيه " والفواكه " ورواه الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن حماد بن زيد بلفظ " كنا نصيب العسل والسمن في المغازي فنأكله " ومن طريق جرير بن حازم عن أيوب بلفظ " أصبنا طعاما وأغناما يوم اليرموك فلم يقسم " وهذا الموقوف لا يغاير الأول لاختلاف السياق، وللأول حكم المرفوع للتصريح بكونه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما يوم اليرموك فكان بعده فهو موقوف يوافق المرفوع.
قوله: (ولا نرفعه) أي ولا نحمله على سبيل الادخار، ويحتمل أن يريد ولا نرفعه إلى متولي أمر الغنيمة أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا نستأذنه في أكله اكتفاء بما سبق منه من الإذن.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا فَلَمَّا غَلَتِ الْقُدُورُ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ فَلَا تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَقُلْنَا إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ وَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ
الشرح:
حديث عبد الله ابن أبي أوفى في ذبحهم الحمر الأهلية يوم خيبر، وفيه الأمر بإراقتها، وفيه اختلافهم في سبب النهي هل هو لكونها لم تخمس أو لتحريم الحمر الأهلية، وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الذبائح، والغرض منه هنا أنه يشعر بأن عادتهم جرت بالإسراع إلى المأكولات وانطلاق الأيدي فيها ولولا ذلك ما قدموا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقد ظهر أنه لم يأمرهم بإراقة لحوم الحمر إلا لأنها لم تخمس، وأما حديث ثعلبة بن الحكم قال " أصبنا يوم خيبر غنما " فذكر الأمر بإكفائها وفيه " فإنها لا تحل النهبة " قال ابن المنذر إنما كان ذلك لأجل ما وقع من النهبة، لأن أكل نعم أهل الحرب غير جائز.
ومن أحاديث الباب حديث عبد الله بن أبي أوفى أيضا " أصبنا طعاما يوم خيبر، فكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف " أخرجه أبو داود والحاكم والطحاوي ولفظه " فيأخذ منه حاجته".
قوله: (قال عبد الله) هو ابن أبي أوفى راوي الحديث، وبين ذلك في المغازي من وجه آخر عن الشيباني بلفظ " قال ابن أبي أوفى فتحدثنا " فذكر نحوه، ولمسلم من طريق علي بن مسهر عن الشيباني قال " فتحدثنا بيننا " أي الصحابة.
وقوله "وقال آخرون " أي من الصحابة.
والحاصل أن الصحابة اختلفوا في علة النهي عن لحم الحمر هل هو لذاتها أو لعارض، وسيأتي في المغازي في هذا الحديث قول من قال: لأنها كانت بأكل العذرة.
قوله: (وسألت سعيد بن جبير) قائل ذلك هو الشيباني ورواية الشيباني عن سعيد بن جبير لغير هذا الحديث عند النسائي.