*3* باب ذِكْرِ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَأَشْجَعَ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب ذكر أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع) هذه خمس قبائل كانت في الجاهلية في القوة والمكانة دون بني عامر بن صعصعة وبني تميم بن مر وغيرهما من القبائل، فلما جاء الإسلام كانوا أسرع دخولا فيه من أولئك فانقلب الشرف إليهم بسبب ذلك، فأما أسلم فقد تقدم ذكر نسبهم في الباب الماضي، وأما غفار فبكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وهم بنو غفار بن مليل بميم ولامين مصغر ابن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وسبق منهم إلى الإسلام أبو ذر الغفاري وأخوه أنيس كما سيأتي شرح ذلك قريبا، ورجع أبو ذر إلى قومه فأسلم الكثير منهم.
وأما مزينة فبضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتانية بعدها نون وهو اسم امرأة عمرو بن أد بن طابخة بالموحدة ثم المعجمة ابن إلياس بن مضر، وهي مزينة بنت كلب بن وبرة، وهي أم أوس وعثمان ابني عمرو، فولد هذين يقال لهم بنو مزينة والمزنيون، ومن قدماء الصحابة منهم عبد الله بن مغفل بن عبد نهم المزني وعمه خزاعي بن عبد نهم وإياس بن هلال وابنه قرة بن إياس وهذا جد القاضي إياس بن معاوية بن قرة وآخرون وأما جهينة فهم بنو جهينة بن زيد بن عقبة بن عامر الجهني وغيره، واختلف في قضاعة فالأكثر أنهم من حمير فيرجع نسبهم إلى قحطان، وقيل هم من ولد معد بن عدنان.
وأما أشجع فبالمعجمة والجيم وزن أحمر وهم بنو أشجع بن ريث بفتح الراء وسكون التحتانية بعدها مثلثة ابن غطفان بن سعد بن قيس، من مشهوري الصحابة منهم نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف.
والحاصل أن هذه القبائل الخمس من مضر، أما مزينة وغفار وأشجع فبالاتفاق، وأما أسلم وجهينة فعلى قول ويرجحه أن الذين ذكروا في مقابلهم وهم تميم وأسد وغطفان وهوازن جميعهم من مضر بالاتفاق، وكانت منازل بني أسد بن خزيمة ظاهر مكة حتى وقع بينهم وبين خزاعة فقتل فضالة بن عبادة بن مرارة الأسدي هلال بن أمية الخزاعي فقتلت خزاعة فضالة بصاحبها فنشبت الحرب بينهم فبرحت بنو أسد عن منازلهم فحالفوا غطفان فصار يقال للطائفتين الحليفان أسد وغطفان، وتأخر من بني أسد آل جحش بن رياب فحالفوا بن أمية، فلما أسلم آل جحش وهاجروا احتوى أبو سفيان على دورهم بذلك الحلف، ذكر ذلك عمر بن شبة في " أخبار مكة".
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ مَوَالِيَّ لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
الشرح:
قوله: (قريش والأنصار) تقدم ذكر قريش، وسيأتي ذكر الأنصار في أوائل الهجرة.
قوله: (موالي) بتشديد التحتانية إضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي أنصاري، وهذا هو المناسب هنا وإن كان للموالي عدة معان، ويروى بتخفيف التحتانية والمضاف محذوف أي موالي الله ورسوله، ويدل عليه قوله: " ليس لهم مولى دون الله ورسوله " وهذه فضيلة ظاهرة لهؤلاء القبائل، والمراد من آمن منهم، والشرف يحصل للشيء إذا حصل لبعضه، قيل إنما خصوا بذلك لأنهم بادروا إلى الإسلام فلم يسبوا كما سبي غيرهم، وهذا إذا سلم يحمل على الغالب، وقيل: المراد بهذا الخبر النهي عن استرقاقهم وأنهم لا يدخلون تحت الرق، وهذا بعيد.
الحديث:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحٍ حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ وَعُصَيَّةُ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
الشرح:
حديث " غفار غفر الله لها".
قوله: (حدثنا محمد بن غرير) هو بالمعجمة والراء المكررة مصغر.
قوله: (أن عبد الله) هو ابن عمر.
قوله: (غفار غفر الله لها) هو لفظ خبر يراد به الدعاء، ويحتمل أن يكون خبرا على بابه، ويؤيده قوله في آخره: " وعصية عصت الله ورسوله " وعصية هم بطن من بني سليم ينسبون إلى عصية بمهملتين مصغر ابن خفاف بضم المعجمة وفاءين مخفف ابن امرئ القيس بن بهثة بضم الموحدة وسكون الهاء بعدها مثلثة ابن سليم، وإنما قال فيهم صلى الله عليه وسلم ذلك لأنهم عاهدوه فغدروا كما سيأتي بيان ذلك في كتاب المغازي في غزوة بئر معونة، وقد تقدمت له طرق في الاستسقاء، وحكى ابن التين أن بني غفار كانوا يسرقون الحاج في الجاهلية فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلموا ليمحي عنهم ذلك العار، ووقع في هذا الحديث من استعمال جناس الاشتقاق ما يلذ على السمع لسهولته وانسجامه، وهو من الاتفاقات اللطيفة.
(تنبيه) : وقع هنا في رواية كريمة وغيرها " باب ابن أخت القوم منهم " وذكر فيه حديث أنس في ذلك، وهو عند ابن ذر قبل " باب قصة الحبش " وسيأتي.
ووقع بعده أيضا عندهم " باب قصة زمزم " وفيه حديث إسلام أبي ذر، وهو عند أبي ذر بعد " باب قصة خزاعة " وسيأتي شرح هذين البابين في مكانهما إن شاء الله تعالى.
الحديث:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ وَغِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا
الشرح:
قوله: (حدثنا محمد) هو ابن سلام، وقرأت بخط مغلطاي: قيل هو ابن سلام وقيل ابن يحيى الذهلي، وهذا الثاني وهم فإن الذهلي لم يدرك عبد الوهاب الثقفي، والصواب أنه ابن سلام كما ثبت عند أبي علي بن السكن في غير هذا الحديث، ويحتمل أن يكون ابن حوشب فقد خرج البخاري في تفسير (اقتربت) وفي الإكراه عن محمد بن عبد الله بن حوشب عن عبد الله الثقفي فهو أولى أن يفسر به من محمد بن يحيى، وقد أخرجه الإسماعيلي وأبو يعلى من طريق محمد بن المثنى عن عبد الوهاب فيحتمل أن يكون هو فإنه من شيوخ البخاري.
قوله: (عن أيوب) هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين، وذكر الإسماعيلي عن المنيعي أن عبد الوهاب الثقفي تفرد برواية هذا الحديث عن أيوب.
الحديث:
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ جُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي أَسَدٍ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفَانَ وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَقَالَ رَجُلٌ خَابُوا وَخَسِرُوا فَقَالَ هُمْ خَيْرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَمِنْ بَنِي أَسَدٍ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفَانَ وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ
الشرح:
قوله: (أرأيتم) المخاطب بذلك الأقرع بن حابس كما في الرواية التي بعدها.
قوله: (خيرا من بني تميم) أي ابن مر بضم الميم وتشديد الراء ابن أد بضم الألف وتشديد الدال ابن طابخة بن إلياس بن مضر، وفيهم بطون كثيرة جدا.
قوله: (وبني أسد) أي ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وكانوا عددا كثيرا، وقد ظهر مصداق ذلك عقب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتد هؤلاء مع طليحة بن خويلد، وارتد الذين قبلهم وهم بنو تميم مع سجاح.
قوله: (ومن بني عبد الله بن غطفان) بفتح المعجمة ثم المهملة ثم الفاء والتخفيف أي ابن سعد بن قيس عيلان بن مضر، وكان اسم عبد الله بن غطفان في الجاهلية عبد العزى فصيره النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، وبنوه يعرفون ببني المحولة، (ومن بني عامر بن صعصعة) أي ابن معاوية بن بكر بن هوازن، وسيأتي نسب هوازن في الحديث الذي بعده.
قوله: (فقال رجل نعم) هو الأقرع بن حابس التميمي كما في الرواية التي بعد هذه.
الحديث:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَايَعَكَ سُرَّاقُ الْحَجِيجِ مِنْ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ وَأَحْسِبُهُ وَجُهَيْنَةَ ابْنُ أَبِي يَعْقُوبَ شَكَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ وَأَحْسِبُهُ وَجُهَيْنَةُ خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي عَامِرٍ وَأَسَدٍ وَغَطَفَانَ خَابُوا وَخَسِرُوا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمْ لَخَيْرٌ مِنْهُمْ
الشرح:
قوله: (عن محمد بن أبي يعقوب) هو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب نسب إلى جده وهو بصري من بني تميم، قال شعبة: حدثني محمد بن أبي يعقوب وهو سيد بني تميم وهو ثقة عند الجميع.
قوله: (أن الأقرع بن حابس) بمهملة وموحدة مكسورة وبعدها سين مهملة.
قوله: (إنما بايعك سراق الحجيج) بالموحدة وبعد الألف تحتانية.
وفي رواية بالمثناة وبعد الألف موحدة.
قوله: (ابن أبي يعقوب شك) هو مقول شعبة وقد ظهر من الرواية التي قبلها أن لا أثر لشنكه، وأن ذلك ثابت في الخبر.
قوله: (لأخير منهم) كذا فيه بوزن أفعل وهي لغة قليلة، والمشهورة " لخير منهم " وثبت كذلك في رواية الترمذي، وإنما كانوا خيرا منهم لأنهم سبقوهم إلى الإسلام، والمراد الأكثر الأغلب.
الحديث:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَشَيْءٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ أَوْ قَالَ شَيْءٌ مِنْ جُهَيْنَةَ أَوْ مُزَيْنَةَ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ أَوْ قَالَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَسَدٍ وَتَمِيمٍ وَهَوَازِنَ وَغَطَفَانَ
الشرح:
قوله: (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أسلم وغفار) كذا فيه بحذف فاعل قال الثاني، وهو اصطلاح لمحمد بن سيرين إذا قال عن أبي هريرة قال: " قال " ولم يسم قائلا والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم وقد نبه على ذلك الخطيب وتبعه ابن الصلاح، وقد أخرج مسلم هذا الحديث عن زهير بن حرب عن ابن علية عن أيوب فقال فيه: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أخرجه أحمد من طريق معمر عن أيوب.
قوله: (وشيء من مزينة وجهينة) فيه تقييد لما أطلق في حديث أبي بكرة الذي قبله، وكذا في قوله: " يوم القيامة " لأن المعتبر بالخير والشر إنما يظهر في ذلك الوقت.
قوله: (وهوازن وغطفان) أما غطفان فتقدم ذكره في حديث أبي هريرة، وأما هوازن فذكرت في حديث أبي هريرة بدل بني عامر بن صعصعة، وبنو عامر بن صعصعة من بني هوازن من غير عكس، فذكر هوازن أشمل من ذكر بني عامر، ومن قبائل هوازن غير بني عامر بنو نصر بن معاوية وبنو سعد بن بكر بن هوازن وثقيف وهو قيس بن منبه بن بكر بن هوازن، والجميع يجمعهم هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة - بفتح المعجمة ثم المهملة ثم الفاء والتخفيف - ابن قيس.