قوله: (وإذا كره شيئا عرف في وجهه) أي أن ابن بشار زاد هذا على رواية مسدد، وهذا يحتمل أن يكون في رواية عبد الرحمن بن مهدي وحده، وأن يكون في رواية يحيى أيضا ولم يقع لمسدد والأول المعتمد فقد أخرجه الإسماعيلي من رواية المقدمي وأبي خيثمة وابن خلاد عن يحيى بن سعيد وليس فيه الزيادة، وأخرجه من رواية أبي موسى عن عبد الرحمن بن مهدي فذكرها، وكذا أخرجه مسلم عن زهير بن حرب وأبي موسى محمد بن المثنى وأحمد بن سنان القطان كلهم عن ابن مهدي، وأخرجه من حديث معاذ والإسماعيلي من حديث علي بن الجعد كلاهما عن شعبة كذلك، وأخرجه ابن حبان من طريق عبد الله بن المبارك عن شعبة كذلك، وقوله "عرفناه في وجهه، إشارة إلى تصحيح ما تقدم من أنه لم يكن يواجه أحدا بما يكرهه بل يتغير وجهه فيفهم أصحابه كراهيته لذلك.
الحديث:
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا عَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ إِنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ
الشرح:
حديث أبي هريرة: قوله: (عن أبي حازم) هو الأشجعي واسمه سلمان، وليس هو أبا حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد.
قوله: (ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط) في رواية غندر عن شعبة عند الإسماعيلي " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاب طعاما قط " وهو محمول على الطعام المباح ما سيأتي تقرير ذلك في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى.
الحديث:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ الْأَسْدِيِّ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى نَرَى إِبْطَيْهِ قَالَ وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا بَكْرٌ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ
الشرح:
حديث عبد الله بن مالك ابن بحينة، هو بتنوين مالك وإعراب ابن بحينة إعراب بن مالك لأن مالكا أبوه وبحينة أمه.
قوله: (الأسدي) هو بسكون المهملة، ويقال فيه الأزدي بسكون الزاي، وهذا مشهور في هذه النسبة يقال بالزاي وبالسين، وغفل الداودي فقرأه فتح السين ثم أنكره، وقد تقدم هذا الحديث في كتاب الصلاة، وكذا قوله: " قال ابن بكير " أي يحيى بن عبد الله بن بكير (حدثنا بكر) أي ابن مضر بالإسناد المذكور.
قوله: (بياض إبطيه) أي أن يحيى، زاد لفظ " بياض " لأن في رواية قتيبة " حتى يرى إبطيه " واختلف في المراد بوصف إبطيه بالبياض فقيل: لم يكن تحتهما شعر فكانا كلون جسده، ثم قيل لم يكن تحت إبطيه شعر البتة، وقيل كان لدوام تعهده له لا يبقى فيه شعر، ووقع عند مسلم في حديث " حتى رأينا عفرة إبطيه " ولا تنافي بينهما لأن الأعفر ما بياضه ليس بالناصع، وهذا شأن المغابن يكون لونها في البياض دون لون بقية الجسد.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ وَقَالَ أَبُو مُوسَى دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ
الشرح:
حديث أنس في رفع اليدين في الاستسقاء، تقدم في موضعه مشروحا، والغرض منه ذكر إبطيه، والمراد بالحصر فيه الرفع على هيئة مخصوصة لا أصل الرفع فإنه ثابت عنه كما في الخبر الذي بعده.
الحديث:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ قَالَ سَمِعْتُ عَوْنَ بْنَ أَبِي جُحَيْفَةَ ذَكَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دُفِعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ فِي قُبَّةٍ كَانَ بِالْهَاجِرَةِ خَرَجَ بِلَالٌ فَنَادَى بِالصَّلَاةِ ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ فَضْلَ وَضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَأْخُذُونَ مِنْهُ ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ الْعَنَزَةَ وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ سَاقَيْهِ فَرَكَزَ الْعَنَزَةَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ
الشرح:
حديث أبي موسى، ذكر منه طرفا معلقا، هو طرف من حديث سيأتي موصولا في المناقب في ترجمة أبي عامر الأشعري، وقد علق طرفا منه في الوضوء أيضا.
قوله: (حدثنا الحسن بن الصباح) هو البزار الذي أخرج عنه الحديث الذي بعده، وقيل بل هذا هو الزعفراني نسبه إلى جده لأنه الحسن بن محمد بن الصباح.
قوله: (سمعت عون بن أبي جحيفة ذكر عن أبيه) في رواية شعبة عن عون " سمعت أبي " كما تقدم في أوائل الصلاة.
قوله: (دفعت) بضم أوله أي أنه وصل إليه عن غير قصد، والأبطح هو الذي خارج مكة ينزل فيه الحاج إذا رجع من منى.
وقوله (وكان بالهاجرة) استئناف أو حال، وقد تقدم هذا الحديث من وجه آخر في هذا الباب وهو الحديث العاشر، والمراد منه قوله " كأني أنظر إلى وبيص ساقيه " والوبيص بالموحدة والمهملة البريق وزنا ومعنى.
الحديث:
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ الْبَّزَّارُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ أَلَا يُعْجِبُكَ أَبُو فُلَانٍ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْمِعُنِي ذَلِكَ وَكُنْتُ أُسَبِّحُ فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ
الشرح:
حديث عائشة: قوله: (حدثنا الحسن بن الصباح البزار) بتقديم الزاي على الراء، وهو واسطي سكن بغداد، وكان من أئمة الحديث.
وسفيان هو ابن عيينة فإن الحسن بن الصباح ما لحق الثوري، والثوري لا يروي عن الزهري إلا بواسطة.
قوله: (لو عده العاد لأحصاه) أي لو عد كلماته أو مفرداته أو حروفه لأطاق ذلك وبلغ آخرها، والمراد بذلك المبالغة في الترتيل والتفهيم.
هذا الحديث هو الحديث الذي بعده، اختلف الرواة في سياقه بسطا واختصارا.
قوله: (وقال الليث حدثني يونس) وصله الذهلي في " الزهريات " عن أبي صالح عن الليث.
قوله: (ألا يعجبك) بضم أوله وإسكان ثانيه من الإعجاب وبفتح ثانيه والتشديد من التعجيب.
قوله: (أبا فلان) كذا للأكثر، قال عياض: هو منادي بكنيته.
قلت وليس كذلك لما سأذكره، وإنما خاطبت عائشة عروة بقولها " ألا يعجبك " وذكرت له المتعجب منه فقالت " أبا فلان " وحق السياق أن تقول أبو فلان بالرفع على أنه فاعل، لكنه جاء هكذا على اللغة القليلة ثم حكت وجه التعجب فقالت " جاء فجلس إلخ " ووقع في رواية الأصيلي وكريمة " أبو فلان " ولا إشكال فيها.
وتبين من رواية مسلم وأبي داود أنه هو أبو هريرة، فأخرجه مسلم عن هارون بن معروف وأبو داود عن محمد بن منصور الطوسي كلاهما عن سفيان، لكن قال " هارون عن سفيان عن هشام بن عروة " وقال الطوسي " عن سفيان عن الزهري " وكذا أخرجه الإسماعيلي عن ابن عمر عن سفيان عن هشام عن أبي يعلى وعن أبي معمر عن سفيان عن الزهري، وكذا أخرجه أبو نعيم من طريق القعنبي عن سفيان عن الزهري، فكأن لسفيان فيه شيخين.
وفي رواية الجميع أنه أبو هريرة.
ووقع في رواية ابن وهب عند الإسماعيلي " ألا يعجبك أبو هريرة، جاء فجلس " ولأحمد ومسلم وأبي داود من هذا الوجه " ألا أعجبك من أبي هريرة " ووقع للقابسي بفتح الهمزة بعدها مثناة مفتوحة فعل ماض من الإتيان، وفلان بالرفع والتنوين وهو تصحيف لأنه تبين من الرواية الأخرى أنه بصيغة الكنية لا بلفظ الاسم المجرد عنها، والعجب أن القابسي أنكر عين روايته.
وقال عياض: هي الصواب لولا قوله بعده " جاء".
قلت: لأنه يصير تكرارا.
قوله: (وكنت أسبح) أي أصلي نافلة، أو على، ظاهره أي أذكر الله، والأول أوجه.
قوله: (ولو أدركته لرددت عليه) أي لأنكرت عليه وبينت له أن الترتيل في التحديث أولى من السرد.
قوله: (لم يكن يسرد الحديث كسردكم) أي يتابع الحديث استعجالا بعضه إثر بعض لئلا يلتبس على المستمع.
زاد الإسماعيلي من رواية بن المبارك عن يونس " إنما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلا، فهما تفهمه القلوب " واعتذر عن أبي هريرة بأنه كان واسع الرواية كثير المحفوظ، فكان لا يتمكن من المهل عند إرادة التحديث كما قال بعض البلغاء: أريد أن أقتصر فتتزاحم القوافي علي في.