باب غزوة الخندق وهي الأحزاب قال موسى بن عقبة كانت في شوال سنة أربع
3871 حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه
الشروح
قوله : ( باب غزوة الخندق وهي الأحزاب ) يعني أن لها اسمين ، وهو كما قال ، والأحزاب جمع حزب أي طائفة ، فأما تسميتها الخندق فلأجل الخندق الذي حفر حول المدينة بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان الذي أشار بذلك سلمان فيما ذكر أصحاب المغازي منهم أو معشر قال : " قال سلمان للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق حول المدينة ، وعمل فيه بنفسه ترغيبا للمسلمين ، فسارعوا إلى عمله حتى فرغوا منه ، وجاء المشركون فحاصروهم " وأما تسميتها الأحزاب فلاجتماع طوائف من المشركين على حرب المسلمين ، وهم قريش وغطفان واليهود ومن تبعهم ، وقد أنزل الله تعالى - ص 454 - في هذه القصة صدر سورة الأحزاب ، وذكر موسى بن عقبة في المغازي قال : " خرج حيي بن أخطب بعد قتل بني النضير إلى مكة يحرض قريشا على حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وخرج كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق يسعى في بني غطفان ويحضهم على قتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن لهم نصف ثمر خيبر ، فأجابه عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري إلى ذلك ، وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد فأقبل إليهم طلحة بن خويلد فيمن أطاعه ، وخرج أبو سفيان بن حرب بقريش فنزلوا بمر الظهران ، فجاءهم من أجابهم من بني سليم مددا لهم فصاروا في جمع عظيم ، فهم الذين سماهم الله تعالى الأحزاب " .
وذكر ابن إسحاق بأسانيده أن عدتهم عشرة آلاف ، قال : وكان المسلمون ثلاثة آلاف ، وقيل : كان المشركون أربعة آلاف والمسلمون نحو الألف ، وذكر موسى بن عقبة أن مدة الحصار كانت عشرين يوما ، ولم يكن بينهم قتال إلا مراماة بالنبل والحجارة ، وأصيب منها سعد بن معاذ بسهم فكان سبب موته كما سيأتي . وذكر أهل المغازي سبب رحيلهم ، وأن نعيم بن مسعود الأشجعي ألقى بينهم الفتنة فاختلفوا ، وذلك بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - له بذلك . ثم أرسل الله عليهم الريح فتفرقوا ، وكفى الله المؤمنين القتال .
قوله : ( قال موسى بن عقبة : كانت في شوال سنة أربع ) هكذا رويناه في مغازيه . قلت : وتابع موسى على ذلك مالك ، وأخرجه أحمد عن موسى بن داود عنه ، وقال ابن إسحاق . كانت في شوال سنة خمس ، وبذلك جزم غيره من أهل المغازي ، ومال المصنف إلى قول موسى بن عقبة وقواه بما أخرجه أول أحاديث الباب من قول ابن عمر أنه عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة ويوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فيكون بينهما سنة واحدة . وأحد كانت سنة ثلاث ، فيكون الخندق سنة أربع ، ولا حجة فيه إذا ثبت أنها كانت سنة خمس لاحتمال أن يكون ابن عمر في أحد كان في أول ما عرض في الرابعة عشر وكان في الأحزاب قد استكمل الخمس عشرة ، وبهذا أجاب البيهقي ، ويؤيد قول ابن إسحاق أن أبا سفيان قال للمسلمين لما رجع من أحد : موعدكم العام المقبل ببدر فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من السنة المقبلة إلى بدر ، فتأخر مجيء أبي سفيان تلك السنة للجدب الذي كان حينئذ ، وقال لقومه : إنما يصلح الغزو في سنة الخصب ، فرجعوا بعد أن وصلوا إلى عسفان أو دونها ، ذكر ذلك ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي . وقد بين البيهقي سبب هذا الاختلاف ، وهو أن جماعة من السلف كانوا يعدون التاريخ من المحرم الذي وقع بعد الهجرة ويلغون الأشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الأول ، وعلى ذلك جرى يعقوب بن سفيان في تاريخه فذكر أن غزوة بدر الكبرى كانت في السنة الأولى ، وأن غزوة أحد كانت في الثانية ، وأن الخندق كانت في الرابعة وهذا عمل صحيح على ذلك البناء ، لكنه بناء واه مخالف لما عليه الجمهور من جعل التاريخ من المحرم سنة الهجرة ، وعلى ذلك تكون بدر في الثانية وأحد في الثالثة والخندق في الخامسة وهو المعتمد . ثم ذكر المصنف في الباب سبعة عشر حديثا :
الحديث الأول حديث ابن عمر .
قوله : ( عرضه يوم أحد ) عرض الجيش اختبار أحوالهم قبل مباشرة القتال للنظر في هيئتهم وترتيب منازلهم وغير ذلك .
قوله : ( وهو ابن أربع عشرة سنة ) في رواية مسلم " عرضني يوم أحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة " - ص 455 - وقد تقدم مع شرحه ومباحثه في كتاب الشهادات بما يغني عن إعادته وقوله : " فأجازه " أي أمضاه وأذن له في القتال ، وقال الكرماني : أجازه من الإجازة وهي الأنفال أي أسهم له ، قلت : والأول أولى ، ويرد الثاني هنا أنه لم يكن في غزوة الخندق غنيمة يحصل منها نفل . وفي حديث أبي واقد الليثي " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض الغلمان وهو يحفر الخندق ، فأجاز من أجاز ورد من رد إلى الذراري " فهذا يوضح أن المراد بالإجازة الإمضاء للقتال ؛ لأن ذلك كان في مبدأ الأمر قبل حصول الغنيمة أن لو حصلت غنيمة ، والله أعلم .
الحديث الثاني حديث سهل بن سعد .
3872 حدثني قتيبة حدثنا عبد العزيز عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهم يحفرون ونحن ننقل التراب على أكتادنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم لا عيش إلا عيش الآخره فاغفر للمهاجرين والأنصار
الشروح
قوله : ( كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخندق وهم يحفرون ) قد تقدم ذكر السبب في حفر الخندق في مغازي ابن عقبة ، ولما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - جمعهم أخذ في حفر الخندق حول المدينة ووضع يده في العمل معهم مستعجلين يبادرون قدوم العدو ، وكذا ذكر ابن إسحاق نحوه ، وعند موسى أنهم أقاموا في عمله قريبا من عشرين ليلة ، وعند الواقدي أربعا وعشرين ، وفي الروضة للنووي خمسة عشر يوما ، وفي الهدي لابن القيم أقاموا شهرا .
قوله : ( ونحن ننقل التراب على أكتادنا ) بالمثناة جمع كتد بفتح أوله وكسر المثناة وهو ما بين الكاهل إلى الظهر ، وقد تقدم في الجهاد من حديث أنس بلفظ " على متونهم " والمتن مكتنف الصلب بين اللحم والعصب ، ووهم ابن التين فعزا هذه اللفظة لحديث سهل بن سعد . ووقع في بعض النسخ " على أكبادنا " بالموحدة وهو موجه على أن يكون المراد به ما يلي الكبد من الجنب .
قوله : ( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ) قال ابن بطال : هو قول ابن رواحة ، يعني تمثل به النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو لم يكن من لفظه لم يكن بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - شاعرا ، قال : وإنما يسمى شاعرا من قصده وعلم السبب والوتد وجميع معانيه من الزحاف ونحو ذلك . كذا قال ، وعلم السبب والوتد إلى آخره إنما تلقوه من العروض التي اخترع ترتيبها الخليل بن أحمد ، وقد كان شعر الجاهلية والمخضرمين والطبقة الأولى والثانية من شعراء الإسلام قبل أن يصنفه الخليل كما قال أبو العتاهية : أنا أقدم من العروض ، يعني أنه نظم الشعر قبل وضعه . وقال أبو عبد الله بن الحجاج الكاتب :
قد كان شعر الورى قديما من قبل أن يخلق الخليل
وقال الداودي فيما نقله ابن التين : إنما قال ابن رواحة " لا هم إن العيش " بلا ألف ولام ، فأورد بعض الرواة على المعنى ، كذا قال وحمله على ذلك ظنه أنه يصير بالألف واللام غير موزون ، وليس كذلك بل يكون دخله الخزم ومن صوره زيادة شيء من حروف المعاني في أول الجزء .
قوله : ( فاغفر للمهاجرين والأنصار ) في حديث أنس بعده " فاغفر للأنصار والمهاجرة " وكلاهما غير موزون ، ولعله - صلى الله عليه وسلم - تعمد ذلك ، ولعل أصله فاغفر للانصار والمهاجرة بتسهيل لام الأنصار وباللام في المهاجرة ، وفي الرواية الأخرى " فبارك " بدل فاغفر .