3906 حدثنا إسماعيل قال حدثني أخي عن سليمان عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن سنان بن أبي سنان الدؤلي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخبره أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة فعلق بها سيفه قال جابر فنمنا نومة ثم إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا فقال لي من يمنعك مني قلت الله فها هو ذا جالس ثم لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبان حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من المشركين وسيف النبي صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة فاخترطه فقال تخافني قال لا قال فمن يمنعك مني قال الله فتهدده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع وللقوم ركعتان وقال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر اسم الرجل غورث بن الحارث وقاتل فيها محارب خصفة وقال أبو الزبير عن جابر كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بنخل فصلى الخوف وقال أبو هريرة صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة نجد صلاة الخوف وإنما جاء أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أيام خيبر
الشروح
قوله : ( فأدركتهم القائلة ) أي وسط النهار وشدة الحر .
- ص 492 - قوله : ( كثير العضاه ) بكسر المهملة وتخفيف الضاد المعجمة : كل شجر يعظم له شوك ، وقيل : هو العظيم من السمر مطلقا ، وقد تقدم غير مرة .
قوله : ( فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت سمرة ) أي شجرة كثيرة الورق ، وفي رواية معمر " فاستظل بها " ويفسره ما في رواية يحيى " فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي - صلى الله عليه وسلم - " .
قوله : ( قال جابر ) هو موصول بالإسناد المذكور ، وسقط ذلك من رواية معمر .
قوله : ( فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعونا ، فجئناه ، فإذا عنده أعرابي ) هذا السياق يفسر رواية يحيى ، فإن فيها " فجاء رجل من المشركين إلخ " فبينت هذه الرواية أن هذا القدر لم يحضره الصحابة وإنما سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن دعاهم واستيقظوا .
قوله : ( أعرابي جالس ) في رواية معمر " فإذا أعرابي قاعد بين يديه " وسيأتي ذكر اسمه قريبا .
قوله : ( وهو في يده صلتا ) بفتح المهملة وسكون اللام بعدها مثناة ، أي مجردا عن غمده .
قوله : ( فقال لي : من يمنعك مني ) ؟ في رواية يحيى " فقال : تخافني ؟ قال : لا . قال : فمن يمنعك مني ؟ " وكرر ذلك في رواية أبي اليمان في الجهاد ثلاث مرات ، وهو استفهام إنكار ، أي لا يمنعك مني أحد ؛ لأن الأعرابي كان قائما والسيف في يده والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس لا سيف معه . ويؤخذ من مراجعة الأعرابي له في الكلام أن الله سبحانه وتعالى منع نبيه - صلى الله عليه وسلم - منه ، وإلا فما أحوجه إلى مراجعته مع احتياجه إلى الحظوة عند قومه بقتله ، وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في جوابه : " الله " أي يمنعني منك إشارة إلى ذلك ، ولذلك أعادها الأعرابي فلم يزده على الجواب ، وفي ذلك غاية التهكم به وعدم المبالاة به أصلا .
قوله : ( فها هو ذا جالس ثم لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) في رواية يحيى بن أبي كثير " فتهدده أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وظاهرها يشعر بأنهم حضروا القصة وأنه إنما رجع عما كان عزم عليه بالتهديد ، وليس كذلك ، بل وقع في رواية إبراهيم بن سعد في الجهاد بعد قوله : قلت : الله " فشام السيف " وفي رواية معمر " فشامه " والمراد أغمده ، وهذه الكلمة من الأضداد ، يقال : شامه إذا استله وشامه إذا أغمده ، قاله الخطابي وغيره ، وكأن الأعرابي لما شاهد ذلك الثبات العظيم وعرف أنه حيل بينه وبينه تحقق صدقه وعلم أنه لا يصل إليه فألقى السلاح وأمكن من نفسه . ووقع في رواية ابن إسحاق بعد قوله : قال : الله " فدفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : من يمنعك أنت مني ؟ قال : لا أحد . قال : قم فاذهب لشأنك . فلما ولى قال : أنت خير مني " وأما قوله في الرواية " فها هو جالس ثم لم يعاقبه " فيجمع مع رواية ابن إسحاق بأن قوله " فاذهب " كان بعد أن أخبر الصحابة بقصته ، فمن عليه لشدة رغبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في استئلاف الكفار ليدخلوا في الإسلام ، ولم يؤاخذه بما صنع ، بل عفا عنه . وقد ذكر الواقدي في نحو هذه القصة وأنه أسلم وأنه رجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير . ووقع في رواية ابن إسحاق التي أشرت إليها " ثم أسلم بعد " .
قوله : ( وقال أبان ) هو ابن يزيد العطار ، وروايته هذه وصلها مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان عنه بتمامه .
- ص 493 - قوله : ( وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين إلخ ) هذه الكيفية مخالفة للكيفية التي في طريق أبي الزبير عن جابر ، وهو مما يقوي أنهما واقعتان .
قوله : ( وقال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر : اسم الرجل غورث بن الحارث ، وقاتل فيها محارب خصفة ) هكذا أورده مختصرا من الإسناد ومن المتن ، فأما الإسناد فأبو عوانة هو الوضاح البصري وأما أبو بشر فهو جعفر بن أبي وحشية ، وبقية الإسناد ظاهر فيما أخرجه مسدد في مسنده رواية معاذ بن المثنى عنه ، وكذلك أخرجها إبراهيم الحربي في كتاب " غريب الحديث " له عن مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس عن جابر ، وأما المتن فتمامه عن جابر قال : " غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محارب خصفة بنخل فرأوا من المسلمين غرة ، فجاء رجل منهم يقال له : غورث بن الحارث حتى قام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف " فذكره وفيه " فقال الأعرابي : غير أني أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك ، فخلى سبيله . فجاء إلى أصحابه فقال : جئتكم من عند خير الناس . فلما حضرت الصلاة صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس " . الحديث .
وغورث وزن جعفر وقيل : بضم أوله وهو بغين معجمة وراء ومثلثة مأخوذ من الغرث وهو الجوع ، ووقع عند الخطيب بالكاف بدل المثلثة ، وحكى الخطابي فيه غويرث بالتصغير ، وحكى عياض أن بعض المغاربة قال في البخاري بالعين المهملة قال : وصوابه بالمعجمة . ومحارب خصفة تقدم بيانه في أول الباب . ووقع عند الواقدي في سبب هذه القصة أن اسم الأعرابي دعثور وأنه أسلم ، لكن ظاهر كلامه أنهما قصتان في غزوتين فالله أعلم . وفي الحديث فرط شجاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوة يقينه وصبره على الأذى وحلمه عن الجهال . وفيه جواز تفرق العسكر في النزول ونومهم ، وهذا محله إذا لم يكن هناك ما يخافون منه .
قوله : ( وقال أبو الزبير عن جابر : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنخل فصلى الخوف ) تقدمت الإشارة إلى ذكر من وصله قبل مع التنبيه على ما فيه من المغايرة .
قوله : ( وقال أبو هريرة : صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة نجد صلاة الخوف ) وصله أبو داود وابن حبان والطحاوي من طريق أبي الأسود أنه سمع عروة يحدث عن مروان بن الحكم أنه سأل أبا هريرة هل صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف ؟ قال أبو هريرة : نعم . قال مروان : متى ؟ قال : عام غزوة نجد .
قوله : ( وإنما جاء أبو هريرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أيام خيبر ) يريد بذلك تأكيد ما ذهب إليه من أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر . لكن لا يلزم من كون الغزوة كانت من جهة نجد أن لا تتعدد ، فإن نجدا وقع القصد إلى جهتها في عدة غزوات ، وقد تقدم تقرير كون جابر روى قصتين مختلفتين في صلاة الخوف بما يغني عن إعادته ، فيحتمل أن يكون أبو هريرة حضر التي بعد خيبر لا التي قبل خيبر .