تنشر «الصباح» اليوم الجزء الثالث والأخير من الدراسة التي أعدّها الأستاذ الجامعي محمد لطفي الشايبي حول مساهمة تونس في ثورة التحرير الجزائرية (1954-1958):
- التآزر التونسي-الجزائري يعجّل بتصفية الإستعمار في المغرب العربي: III
إنّ حادثة ساقية سيدي يوسف وما أسفر عنها من نتائج على المستوى الفرنسي والمغاربي والتونسي لدليل ساطع على نجاعة وثبات التآزر التونسي - الجزائري. فالدعم الذي قدّمته تونس حكومة وشعبا للجزائر المكافحة لم يكن خيارا ظرفيا بل استراتجيا نسجت دعائمه عرى التواصل الثقافي والتاريخي والجغرافي بين البلدين الشقيقين ومتطلّبات الكفاح المشترك ضدّ الإستعمار. لذا نكون أوفياء للشهداء وللحقيقة التاريخية عندما نؤكد مرّة أخرى أن التفاعل الذي حصل بين سياسة دولة الاستقلال التونسي في طورها الأوّل ومسيرة الثورة الجزائرية في مرحلتها الأولى كان لصالح الشعبين الجزائري والتونسي. ولعلّ ما جاء من شهادات حيّة في مذكّرات المناضل الجزائري محمد لبجاوي يساعد على تلمّس ظرفية الطريق الوعر ولكن الصائب الذي بنى أسس الثقة المتبادلة بين الرئيس الحبيب بورقيبة وقيادة جبهة التحرير الجزائرية.
حيث يلاحظ ما يلي: "بالإختصار، كانت أشكال المعركة ومراحلها متفاوتة بصورة محسوسة بين بلد وآخر، بالإضافة إلى أن الرجال داخل كل حركة غالبا ما يختلفون، وهذا أمر طبيعي، حول الخطة المنوي اتباعها.
ثمة موقفان كانا ممكنين: إما العمل على التغلب على هذه الخلافات بأي ثمن، بغية توحيد المعركة، أو التسليم باختلاف وجهات النظر بالسعي، وفقا للظروف، إلى تحقيق صيغة تعاون أكثر مرونة.
كان الكثيرون من قادة جبهة التحرير، بين المنتدبين إلى الخارج خاصة، يتمسكون بالموقف الأول. أما أنا فقد كنت أمْيل إلى الثاني، إذ كان يبدو لي ترك كل "سلطة تنفيذية وطنية" سيدة تخطيطها في كل حين، أكثر واقعية من تكبيل هذه السلطة بمتطلبات "جبهة مشتركة دائمة". وحتى في حال عدم تحقيق المثل الأعلى هذا، فيكون من شأن تنازل ينتزعه الواحد أن يفيد الآخرين، بصورة مباشرة تقريبا...
بهذه الروح تابعت سنة 1955 حركة الحبيب بورقيبة الذي كنت أجد فيه منذ زمن بعيد، ليس رجلا خارق الذكاء فحسب بل وطنيا مغربيا كبيرا. وبالرغم من أن القضية لم تكن قد طرحت بعد، فقد كنت أعتقد أنه لن يلبث أن يحين، مع تصعيد معركتنا، الوقت الذي تظهر فيه المساعدة التونسية، ذات فائدة كبيرة. وكان يهم إذن ألا نتأخر في إرساء قواعدها.
إلا أن هذه القواعد لم تكن مضمونة. فقد كان بورقيبة يجهل تماما قادة جبهة التحرير الوطني، والكثيرون منا كانوا يأخذون عليه، من ناحيتهم، ليونة الموقف الذي يسمونه ببعض الانتهازية أو الاستغلال.
توضيحا للأمور، أخذت مبادرة الإجتماع به(...). استقبلنا بورقيبة بحفاوة، وعرضت له وجهة نظر جبهة التحرير حيال الوضع، وكيف بدأنا ننتشر في جميع الأراضي الجزائرية، وتنضم إلينا باستمرار متزايد الطبقات الشعبية. وإننا مصممون، ليس فقد على الصمود ما لزم، بل على تصعيد المعركة حتى تتحقق أهدافنا. لن نلقى السلاح ما لم يتم الاعتراف باستقلال الجزائر. ولا بد في هذه الظروف، من أن تطرح قضية علاقات جديدة نفسها مع تونس والمغرب - وهما إذ تكافحان كذلك من أجل استقلالهما - إن عاجلا أم آجلا.
قلت: إن للشعب التونسي الفضل في كونه البادىء في شن الكفاح المسلح في المغرب. ومن دواعي اعتزازنا نحن، أن نكون بحربنا، قد ساهمنا في حمل الحكومة الفرنسية على الإلقاء بثقلها في تونس والمغرب. وهي ما تزال تحاول الإبقاء على امتيازاتها في هذين البلدين بشكل مختلف. لكن الأمر سينتهي بها لا محالة، إلى منحهما الاستقلال مما سيسْهمٌ في تدعيم معركتنا بالمقابل.
أجاب بورقيبة بأن ما يحصل في الواقع، في أحد البلدان الثلاثة، سرعان ما يؤثر على البلدين الآخرين. ثم استطرد شارحا سياسته التي قال إنه يساء فهمها في الغالب:
- الإتفاقيات التي وقعت مع فرنسا تكرس استقلال بلدنا الداخلي. ويجدر ألا تعتبر سوى مرحلة. فبأسرع ما يظن، ستصبح تونس مستقلة تماما. وأوضع قائلا إن كثيرين من أصدقائه يخشون أن يكون توقيع هذه الاتفاقيات خطأ، وان يعمل على تأجيل ساعة الاستقلال عشرين سنة:
- أي خطأ! صاح بورقيبة، ان للمعركة في المغرب من الإتساع، ولتطور الأوضاع من السرعة، ما سيجعل الإتفاقيات ترَاجَع قبل أشهر ستة... وراح يصغي إليّ طويلا وانا أتحدث عن جبهة التحرير وعن أهدافنا السياسية، ثم تناول نقطة يبدو أنها تهمه بنوع خاص:
- الدعاية الاستعمارية لا تكف عن الترديد، ان جبهة التحرير إنما هي جسم بلا رأس، لا يعرف من يقودها، ولا ماذا يريد، فربما هو نفسه لا يدري. فلماذا لا تعلنون جهارا ما قلت هنا؟ من شأن البرنامج الذي ترسمه أمامي، لو كان معروفا، أن يعزز قوتكم تجاه الرأي العام، ويجعل حركتكم أكثر فعالية. وسألني إن كنت أقبل بأن أكرّر ما قلته في مقابلة صحيفة تنشرها باسم قيادة جبهة التحرير جريدة "العمل" فأجبت بالإيجاب.
وراح بورقيبة يعد مع بشير بن يحمد سلسلة من الأسئلة الواضحة الخالية من أية مواربة والتي تتناول بلا شك المشكلات التي تطرح بشأننا بقدر ما هي تستهدف الرغبة في تنوير الرأي العام. فرسمت شفاهيا الأجوبة التي أوجه، لكن، بالنظر إلى أهمية النص، أضفت قائلا: انه يتحتم عليّ أن أعود إلى الجزائر لأعرضه على مسؤولي جبهة التحرير، وبعد ذلك أرسل النص النهائي إلى تونس.
وقبل أن نفترق، كرر لي بورقيبة التأكيد على تضامن تونس التام مع معركة الثورة الجزائرية. وأضاف قوله إن بإمكاننا الإعتماد عليه في أي وقت حتى يتجلى هذا التعاون بشكل محسوس"29
هذا ما حصل وما أكّدته الأحداث من بعد ويمكن تصنيف النتائج على الأصعدة التونسية والجزائرية والفرنسية:
على الصعيد التونسي:
عمّت البلاد التونسية إثر الإعتداء الغاشم موجة من الغضب الشعبي وبادر الرئيس بورقيبة بالإعلان عن معركة الجلاء وهي المعركة قبل الأخيرة في مسيرة التحرير الوطني. وشهدت البلاد تحرّكا جماهيريا مؤطّرا وذلك بإقامة السدود (نقاط مراقبة) في كافة الطرقات المؤدّية إلى الثكنات العسكرية الفرنسية بالبلاد التونسية ومنعت السلطة التونسية حركة النشاط الملاحي بقاعدة بنزرت وإيقاف الاتصال الهاتفي بين الوحدات العسكرية الفرنسية. وتمّ ترحيل عددا هاما من المعمّرين الفرنسيين المستقرّين بسبيطلة والروحية وسوق الخميس. كما تمّ غلق القنصليات الفرنسية بالمدن الحدودية: قفصة، قابس، الكاف، سوق الإربعاء ومجاز الباب.
هذه التعبئة الداخلية العامة أدخلت الإرتباك في الصفّ الفرنسي فبادرت وحدات من الجيش الفرنسي بالجنوب التونسي باحتلال رمادة يوم 19 فيفري 1958 ومحاصرة مقرّ المعتمدية ومركز الحرس الوطني ولم يرفع الحصار إلا يوم 22 فيفري إثر تدخّل الجنرال Gambiez. في تلك الظروف تعاطفت كلّ البلدان المحّبة للسلام والمناصرة لقضية تحرير الشعوب المستعمرة مع الدولة التونسية التي رفعت شكوى إلى مجلس الأمن يوم 14 فيفري. وحتى تتجنّب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مناقشة هذه الشكوى في مجلس الأمن واحراج الدولة الفرنسية حليفتيهما في منظمة الحلف الأطلسي، توسّطا بمساعيهم للنظر في المسألة. وتمّ قبول وساطة روبار مرفي (الولايات المتحدة الأمريكية) وهارولد بلاّي (بريطانيا) من الطرفين التونسي والفرنسي. إلا أن الدولة التونسية اشترطت مقابل ذلك، حتمية جلاء القوات الفرنسية عن الأراضي التونسية، وإنهاء حرب الجزائر مع احتفاظها بحقّ عرض القضية من جديد على مجلس الأمن، في حالة فشل المساعي الحميدة الأمريكية البريطانية.
وعندما تمّ تعيين الوسيطين الأمريكي والبريطاني وشرعا في مهمّتهما حسب وجهة النظر التونسية، تراجعت فرنسا عن قبول الوساطة، بعد أن كانت قد قبلت بها أوّل الأمر، ورفضت أي نقاش حول الوجود العسكري الفرنسي بتونس، وكذلك القضية الجزائرية التي تعتبرها قضية داخلية، تخصّ فرنسا وحدها ولا حقّ للوسطاء، أن يتطّرقوا إليها في مساعيهم وحاولت أن تحصر القضية كلّها في حراسة الحدود التي تريد أن تجعل منها (القضية الأساسية) والتي سبق للرئيس بورقيبة أن رفضها رفضا باتا في تصريحه الذي قال فيه بالخصوص: "إن الحكومة التونسية، لن تساعد الجيوش الفرنسية التي بقيت في تونس، لمنع نقل الأسلحة والذخيرة عبر الحدود الشرقية الجزائرية. وأنه لا يمكننا منع مساعدة أشقّائنا الجزائريين، مهما كانت الضغوطات، والتهديدات التي تتعرّض لها (...) طبعا نحن لسنا مستعدّين لإعلان الحرب على فرنسا، لكن في حالة دخول متطوّعين تونسيين إلى الثورة الجزائرية باسم التضامن العربي، للمشاركة في الكفاح المسلّح، كما حدث أثناء حرب فلسطين، فليس في وسعي الاعتراض عليه أبدا"30 ونفس التوجّه، عبّرت عنه صحيفة L'Action عندما كتبت: "إن جيش التحرير الوطني الجزائري، وجد وسيجد في ترابنا، وعلى أرضنا الملجأ والعون وأن المتطوّعين التونسيين، سيدخلون إن اقتضى الأمر المعركة، من أجل الحريّة إلى جانب إخوانهم الجزائريين الذين سنساعدهم ماديا ومعنويا وبجميع الوسائل التي بحوزتنا"31
على الصعيد الفرنسي:
وكان ردّ الرئيس الأمريكي أيْزنْهَاِورْ على الموقف الفرنسي المتصلّب الذي أتى في شكل رسالة خاصة إلى رئيس الحكومة الفرنسية فليكس قايار بتاريخ 11 أفريل 1958 قد أثار غضب السلطة العسكرية الفرنسية بالجزائر التي اعتبرته تدخّلا في شؤون فرنسا الداخلية. فسقطت حكومة قايار يوم 15 أفريل 1958 وبدأ العدّ التنازلي لانهيار الجمهورية الرابعة الفرنسية. ففي يوم 18 ماي 1958 شهدت عاصمة الجزائر حركة تمرديّة بقيادة الجنرال Salan والجنرال Massu فاستغلّ العقيدMollot الوضع للخروج بوحداته من مركزه برمادة نحو الشمال في عمق 40 كلم واحتلال موقع للجيش التونسي ببئر أمير وسارعت اللجنة العسكرية بالجزائر بتقديم الدعم جوّا عن طريق بنزرت وتبسة.
وفي يوم 25 ماي 1958، بدأت معركة رمادة التي استشهد فيها المناضل مصباح الجربوع. ونتيجة للانتهاكات المتواصلة للتراب التونسي، بلغ التوتر ذروته وأصبح الوضع في البلاد التونسية على قاب قوسين أو أدنى من إعلان حرب شاملة ضدّ بقايا الحضور العسكري الفرنسي بالبلاد. وحدّد مجلس الأمن تاريخ 2 جوان للنظر في الشكوى التونسية. لكن في الأثناء، دعي الجنرال دي غول لتشكيل حكومة قادرة على التفاوض مع السلطة التونسية ومستعدة لايجاد حلّ للقضية الجزائرية وكان ذلك يوم 1 جوان 1958. وبعد مفاوضات متتالية بين الحكومتين التونسية والفرنسية تمّ الاتفاق على إجلاء كافة الوحدات العسكرية الفرنسية بتونس باستثناء بنزرت (17 جوان 1958).
على الصعيد الجزائري:
كانت النتيجة المباشرة للاعتداء وما ترتّب عنه من ردود فعل عربية ودولية دفن ذلك الادّعاء الذي كانت السلطة الفرنسية تطرحه دوما في المحافل الدولية وهو أنّ ما يحدث في الجزائر مسألة داخلية فرنسية. فبعد الدعم والتعاطف اللذين عبّرا عنهما الأشقاء العرب والمسلمين ودول عدم الإنحياز والمعسكر الشيوعي أنضمت عدّة دول من العالم الحرّ إلى صفّ الدّفاع عن حقّ الشعب الجزائري في تقرير مصيره. وبهذه الصّفة، تأكّد تدويل القضية الجزائرية.
وتبعا لذلك، أصبحت مداولات جمعية الأمم المتحدة أكثر جدّية وفاعلية عند مناقشة علاقة الاعتداء على الساقية بما يجري في الجزائر من حرب استعمارية شرسة منافية لأبسط حقوق الانسان. وبالتوازي، عملت قيادة جبهة التحرير الجزائريّة على إعادة تنظيم هياكل جيش التحرير التي اهتزّت إثر اغتيال المجاهد رمضان عبّان (27/12/1957) ، ومسكت لجنة التنسيق والتنفيد (C.C.E.) Comité de coordination et d'exécution بزمام الأمور. وأسفرت الاتصالات والتشاور بين مختلف قيادي الجبهة إلى بعث تنظيمين قياديين للعمليات العسكرية (C.O.M) Commandement d'organisation militaire يوم 10 أفريل 1958: الأوّل بالشرق تحت إشراف العقيد محمد سعيد ويساعده بن عودة وبغلس والعموري والثاني بالغرب تحت اشراف العقيد بومدين ويساعده دحيلس وسليمان المعروف ب صدّاق كذلك تمّ تركيز شبكة من الاتّصالات بين الولايات. وفي يوم 9 سبتمبر 1958، تمّ الاعلان عن تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية برئاسة فرحات عبّاس. وظهر إلى العيان بما لا يدعو إلى الشكّ والاختلاف بأن "جبهة التحرير لم ينته أمرها بل شهدت دفعا إلى الأمام" (شهادة دحلب.ص.98).
ففي الفترة الممتدة بين شهري أفريل وماي 1958، بلغت امكانيات جيش التحرير العسكرية ما يتراوح بين 60.000 و90.000 مجاهد داخل الجزائر وما بين 15.000 و20.000 مجاهد على طول الحدود التونسية والمغربية خلف السدود الاستعمارية. وليس بخفيّ أنّ قاعدة جيش التحرير الجزائرية بتونس كانت أكثر أهمّية لأسباب جغرافية وتاريخية وسياسية أشرنا إليها سابقا وأحسن دليل على فشل المخطّط الاستعماري في ضرب الثورة الجزائرية ما اعترف به الجنرال شال في فيفري 1959 أمام لجنة الدفاع Comité de défense "إن كنتم تنتظرون منّي أن أصرّح أن نصف الجزائر تمّت تهدئته نهائيا وأنّه سوف لا تحصل اغتيالات وأنه لا وجود لOPA ولا مجموعات ثوّار، فإنّي غير قادر على تأكيد مثل هذا البيان الانتصاري".
"Si ce qu'on attend de moi est que je puisse dire: la moitié de l'Algérie est totalement pacifiée, il ne s'y produit plus d'attentats, il n'y existe plus ni OPA ni bandes rebelles, je ne peux garantir au gouvernement un tel bulletin de victoire...".
كذلك جسّدت الاتفاقية التونسية الفرنسية المبرمة في جوان 1958 مرحلة حاسمة لمسيرة الثورة الجزائرية نحو الانتصار المؤكد والقريب. هذه الاتفاقية التي غلقت ملفّ ما سمّي بمعركة الساقية باعتراف الدولة الفرنسية بحرمة التراب الوطني التونسي وإنهاء مسألة المطالبة بحقّ الملاحقة للمجاهدين الجزائريين مكّنت الثورة الجزائرية من إعداد ضربات موجعة لغلاة الاستعمار في الجزائر والاسراع بتحقيق الانتصار بفضل ما كسبته من خبرة في الميدان العسكري وتنظيم ومتابعة في الميدان السياسي بالأرض التونسية.
الخاتمة:
لقد اقترن الدعم التونسي للثورة الجزائرية بفترة حاسمة في تاريخ تصفية الاستعمار الفرنسي بالمغرب العربي فترة تميّزت بتأسيس دعائم التضامن التونسي - الجزائري الذي لم يسبق له في الفترات التاريخية الماضية: التاريخ القديم والتاريخ الوسط والتاريخ الحديث أن يتبَلوَرَ بمثل هذا النسق والحمية. ذلك أن الحركة الوطنية التونسية منذ بدايتها وهي الأولى من حيث الانبعاث جعلت من تحقيق المغرب العربي هدفا ومن التضامن التونسي - الجزائري لبنَة.
ولم يكن التفاعل بين الثورة التونسية والثورة الجزائرية في معركتهما من أجل الإستقلال ذي اتجاه واحد بل لصالح الشعبَيْن ولعل الشاعر الجزائري أحمد بوعدو الذي هو غير معروف خير من عبّر عن هذه الحقيقة، وهذه المشاعر في أبياته الشعرية التي نشرت له في جريدة المنار الصادرة بالجزائر يوم 02 رجب 1371 ه الموافق ل 28 مارس 1952م العدد 19، إذ يقول:
سلام على مهد المعارف والهدى سلام كنفح الورد فيك توردا
سلام على الخضراء وهي شقيقة عزيز علينا أن تهان أو تصفدا
سلام على شعب بها متجلد يصون الحمى ضدّ المكاره والعدى
سلام على من بالجزائر قد سعى لدفع العوادي عن أخيه وأنجدا
فيا أمة الخضراء مابك قد عرى من الحادثات السود فتنت أكبدا
على أي ذنب ترهقين نكاية أم من وعي شعب فيك أمسى مرشدا
شباب من الأمجاد قام لحقه لا أن يعيش اليوم فيك مقيدا
فيا أختنا هبي لدفع محاصر ولا ترهبي إنا نمد لك اليدا
ويا تونس الخضراء لاتهني ولا تخافي إذا دوى الرصاص وغردا
ألا إن نيل أقدس مطلبا ومن شروطه أن لا نخاف من الردى
له سلم لا يرتقى بتهيب فكن هاجما كالليث لا مترددا
قم اليوم يا ابن العرب واجلي غياهبا لقد طال منك النوم فلتجفي مرقدا
فشعب شقيق بالفواجع يبتلى ويورد مر المكائد موردا
ففي المغرب الأقصى نفوس تحفزت وفي قطرنا صوت النذير له صدى
انتهى
الهوامش
29 - انظر النص الأصلي: Lebjaoui (Mohamed): Vérités sur la révolution algérienne. Paris, Gallinard, 1970, pp. 95 à 109. والنصّ المترجم: حقائق عن الثورة الجزائرية. بيرون، دار الفكر الحرّ، ص. 111 إلى 115.
30 - ورد في محاضرة المجاهد النقيب ابراهمي محمد (الشريعة، ولاية تبسة، الجزائر) بمناسبة إحياء الذكرى التاسعة والثلاثين للعدوان الفرنسي على ساقية سيدي يوسف (1997): الذكرى الرمز (صفحة 10).