[size=12]حكم العرب المسلمون جزيرة صقلية طوال قرنين وعدة عقود، لكن تأثيرهم امتد أكثر من ذلك، تضاعف تحت إدارتهم عدد سكان الجزيرة، وتأسست مدن جديدة وبلدات بالعشرات، وعادت المدن المهجورة تسكن من جديد، لقد غير العرب نمط الزراعة في صقلية وكذلك الطبخ ونوعية وجبات الطعام.
كان دور العلماء والمهندسين العرب في صقلية ملحوظاً ومميزاً، فقد غيرت إنجازاتهم المجتمع الصقلي، وإلى يومنا هذا هنالك العديد من التقاليد الاجتماعية الصقلية تعكس التأثير العميق -وغالبا بطريقة تتسم بالرقة- الذي تركه المسلمون الذين حكموا هذه الجزيرة قبل ألف سنة، والذين هم (مع اليونانيين وآخرين) أجداد الصقالبة اليوم.
لم يكن العرب -والذين كان يطلق عليهم أحياناً في القرون الوسطى اسم "المور"- شعباً موحداً، حتى جاء الإسلام في أوائل القرون الوسطى فوحدهم وشكل دولتهم. في البدء كان معظم المسلمين من العرب، وخلال الحكم العربي لصقلية كانت هويتهم هي دينهم الإسلامي. نمت الثقافة العربية بسرعة وترافق ازدهارها مع انتشار الإسلام.
حكمت جزيرة صقلية مجموعتان عربيتان هما:
الأغالبة (عائلة صغيرة اتخذت من تونس قاعدة لها منفصلة عن الحكم العباسي في بغداد) وفيما بعد وبدءً من سنة 909 جاء دور الفاطميين (العبيديين) الذين عهدوا بالكثير من سلطاتهم إلى الكلبيين في سنة 948. و في تلك السنة أصبح حسن الكلبي أول أمير على كل أنحاء صقلية. وفي 969 نقل الفاطميون مركز سلطتهم الجغرافي إلى القاهرة، تاركين عواصمهم التونسية ومنها القيروان وتاركين مقاطعاتهم الغربية بعهدة خدامهم ،ثم ظهرت قيادات عربية جديدة بعد الفاطميين كانت أكثر حكمة فأدارت البلاد إدارة جيدة وحققت مكاسب كبيرة للمسلمين هناك.
انتشر الإسلام سريعاً في منطقة البحر الأبيض المتوسط، لكنه كان بطيئاً في صقلية. أصبحت"باليرمو" إمارة عربية عام 948، واستولى العرب على ميسينا في 843، أما "أينا" (وسماها العرب قصر ياني) ففتحت عام 858، وبسقوط سياركوس في 878 تمت السيطرة العربية تماماً على الجزيرة عدا بعض المرتفعات التي أخضعت فيما بعد.
اندمج المجتمع الصقلي بالمسلمين بشكل سريع حتى صار طابع البلد كله إسلامياً وإن لم يكن كل من فيه مسلمون ، وقد بدا هذا جلياً في تأثير المجتمع العربي في صقلية والمناطق الأخرى، رغم الجهود التي بذلت للمحافظة على أشياء من النظام الذي كان قائماً.
أنشأ العرب نظام ري متقدم، وما تزال بعض قنواتهم تجري تحت "باليرمو"، و أسسوا صناعة الحرير، وفي بلاط الملك النورماني روغر الثاني كان العلماء العرب مرحباً بهم، مثل الجغرافي عبدالله الإدريسي. أصبحت الزراعة متنوعة وفعالة بالإنتاج الواسع للأرز وقصب السكر والقطن والبرتقال. وهذا بدوره أثر على الأكلات الصقلية، فمعظم أكلات صقلية المشهورة اليوم ترجع أصولها إلى العهد العربي.
قامت مدن كثيرة وأخرى أعيد استيطانها خلال فترة الحكم العربي الإسلامي، وانتشرت الأسواق أكثر من ذي قبل. مدينة "باليرمو" زاد عدد سكانها بنسبة كبيرة وأصبحت واحدة من أكبر مدن العرب بعد بغداد وقرطبة، وواحدة من أجمل مدنهم. بدأ البناء في حي "الخالصة" من تلك المدينة قريباً من البحر عام 937 من قبل خالد بن إسحاق الذي كان حاكماً على صقلية. ووفقا للتقديرات السكانية فقد كان هنالك أكثر من 200 ألف نسمة يقطنون في المدينة وحولها عام 1050 وأصبحت عاصمة عرب صقلية، ففيها كان المقر الرسمي للحكام والأمراء، وكانت "الخالصة" (يطلق عليها الآن حي كالسا) المقر الإداري لهم.
كانت العربية طبيعياً هي اللغة الواسعة الانتشار وذات تأثير كبير على الصقالبة، وامتزجت بالرومانية (اللاتينية) في زمن النورمان اللاحق. وكانت العامية الصقلية ثابتة، لكن حتى وصول العرب كانت اللغة الشعبية الواسعة في صقلية هي العامية اليونانية. وتحت الحكم العربي، أصبحت صقلية مجتمعاً متعدد اللغات، فبعض الأهالي كانوا يتكلمون باليونانية، أما الآخرون فكانت لغتهم العربية . أصبحت صقلية في عام 948 بجهود المسلمين واحدة من مدن أوروبا المزدهرة فكرياً وفنياً واقتصادياً.
عندما كانت صقلية تحت النفوذ البيزنطي تمتعت ببعض الصلات مع الشرق، ولكن بعد أن أصبحت جزءاً من الحضارة العربية صارت لها صلات كبيرة مع الصين والهند، وبذلك حصلت على ما كان متطوراً في الشرق، كالورق (المصنوع من القطن أو الخشب) والبوصلة والأرقام العربية. كذلك مصنوعات العرب كالحناء ما زالت نساء الطبقة الوسطى في صقلية يصبغن شعورهن بها لإضفاء الشقرة (وجد الناس في صقلية وإسبانيا أنفسهم أكثر تقدماً مقارنة بإنجلترا وشمال قارة أوروبا).
لم تنس بيزنطة جزيرة صقلية، وفي 1040 توجه جورج مانياكيس على رأس جيش من البيزنطيين واليونانيين والنورمان واللومبارد لغزو الجزيرة، لكنه فشل.
وفي الخمسينيات من القرن الـ11 ازداد الشقاق بين عرب الجزيرة، وقام أمير سياركوس (العربي) بمساندة النورمان ضد إمارتي أينا وباليرمو (العربيتين).
احتل النورمان ميسينا في 1061 وأزاحوا بعد سنين أميرها يوسف بن عبدالله، لكنهم احترموا التقاليد العربية. كان تقدم النورمان أقل من تقدم ساكسون إنجلترا الذين بدؤوا معركة هاستنغس. كانت "قصر ياني" ما تزال تحت حكم أميرها ابن الحواس الذي صمد لسنوات طويلة، لكن من خلفه من بعده في الإمارة تخاذل وانهزم [/size]