[size=16]مقدمة
ذكرنا في الدرس السابق أن سيدنا عمر بن الخطاب ترك الغنائم في بيت المال وذهب من ليلته لينام، في حين ترك سيدنا السائب بن أقرع المدينة متوجهًا إلى أرض الجهاد في فارس، ونام سيدنا علي بن أبي طالب في المسجد مع الغنائم، وكان في الغنائم سَفَطَان من حُلِيِّ كسرى لم يُعَدَّا من الخُمُس، أتى بهما السائب مع خُمس الغنائم؛ يقول سيدنا عمر بن الخطاب: والله إنْ هو إلا أن نمت في الليلة التي خرج السائب فيها، فباتت ملائكة الله تسحبني إلى ذينك السَّفَطيْن وهما يشتعلان نارًا، يقولون: لنكوِينَّك بهما. فأقول: إني سأقسمهما بين المسلمين. وبعد أن صلَّى سيدنا عمر الصبح ذهب إلى بيت المال وعرّف له سيدنا عليّ خمس الغنائم وأنَّ هذين السفطين من حلي كسرى ولم يُعَدَّا في خمس الغنائم؛ فلما رآهما سيدنا عمر قال: هما هما. أي هما السفطان اللذان رأيتهما في المنام، فقال: ما أحد من المسلمين أحق بهذين السفطين إلا الذي اغتنمهما.
ولم يرد سيدنا عمر أن يحتفظ بهذين السفطين ولكنه بعفَّته المعهودة أمر بردهما على المسلمين الذين غنموهما في المعركة، ثم يأتي بأسرع من في المدينة ليلحق بالسائب بن الأقرع، فما أدرك السائب حتى دخل الكوفة وهو ينيخ بعيره، فقال: الحقْ بأمير المؤمنين، فقد بعثني في طلبك فلم أقدر عليك إلا الآن. قال: فركبت معه فقدمت على عمر، فلما رآني قال: إليَّ وما لي وللسائب! قلت: ولماذا؟ قال: ويحك! والله ما هو إلا أن نمت الليلة التي خرجت فيها فباتت الملائكة تستحبني إلى ذينك السفطين يشتعلان نارًا فيقولون: لنكوينك بهما، فأقول: إني سأقسمهما بين المسلمين. فخذهما عني فبعهما في أعطية المسلمين وأرزاقهم. وكان من الممكن أن يبعثهما سيدنا عمر بدلاً من أن يرد السائب، ولكنه أراد أن يعلم السائب درسًا يعلمه لمن وراءه من المسلمين، وهو أن أربعة أخماس الغنائم تقسم على الجيش في أرض المعركة ويبعث بالخمس فقط إلى أمير المؤمنين. قال السائب: فخرجت بهما فوضعتهما في مسجد الكوفة، فابتاعهما مني عمرو بن حريث المخزومي بألفي ألف درهم. أي مليونين من الدراهم، ثم خرج بهما إلى أرض الأعاجم فباعهما بأربعة آلاف ألف، أي بأربعة ملايين درهم، فما زال أكثر أهل الكوفة مالاً حتى مات، ثم قسم ثمنهما بين الغانمين، فنال كل فارس أربعة آلاف درهم من ثمن السِّفْطَين.
وأراد عمر أن يرسخ العدل بين المسلمين، وكان بإمكانه أن يحتفظ بهذه الجواهر في بيت مال المسلمين ينفق منها على المسلمين في الضوائق، ولكنه أراد أن ينفذ العدل الذي شُرع أن أربعة أخماس الغنائم تُوزَّع على الجيش، والخمس إلى بيت المال، فليُقَسَّم كما أراد الله.
ولقد اختبر الله المسلمين بهذا المال الكثير فرغبوا عنه عفةً، والناظر إلى حال المسلمين مع ذينك السفطين يجد عفة متناهية سواء من الجيش أو من أمير المؤمنين، ولما فُتحت المدائن وأرسل المسلمون الغنائم إلى سيدنا عمر، قال: إن قومًا أَدَّوْا هذا لأمناء. فقال له سيدنا عليّ: عففتَ فعفُّوا، ولو رتعت لرتعوا.
فتح هَمَذان
بعد سيطرة المسلمين على مدينة نهاوند وبعد استشهاد سيدنا النعمان بن مقرن، أصبح سيدنا حذيفة بن اليمان هو والي نهاوند، فأرسل فرقة لتتبع الفارين على رأسها القعقاع بن عمرو التميمي حتى وصل إلى ثنية العسل، وسميت بهذا الاسم بعد الحادثة المشهورة التي ذكرناها في الدرس السابق وقتل الفيرزان.
وأمر سيدنا حذيفة بن اليمان الجيش بأن يسير حتى همذان (تبعد عن نهاوند بمائة كيلو متر)، فوصلت مقدمة الجيش إلى همذان وخرج إليه صاحب همذان وأهلها يطلبون من سيدنا القعقاع الصلح على الجزية فصالحهم، مع أن حصون همذان من أقوى الحصون، وصدق الرسول r: "نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ". ويرسل سيدنا القعقاع إلى سيدنا حذيفة بخبر الفتح، وتفتح همذان في ذلك الوقت صُلحًا.
وكان سيدنا عمر t قد ألغى قراره السابق للجيوش عن الانسياح في بلاد فارس خوفًا عليهم من الغنائم، وكان سبب دخول المسلمين نهاوند هو تجمع أعداد من الفرس يقدر عددهم بمائة وخمسين ألفًا لمحاربة المسلمين.
وقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين، إنك نهيتنا عن الانسياح في البلاد، وإن ملك فارس بين أظهرهم، ولا يزالون يقاتلوننا ما دام ملكهم فيهم، ولم يجتمع ملكان متفقان حتى يخرج أحدهما صاحبه، وقد رأيت أنَّا لم نأخذ شيئًا بعد شيء إلا بانبعاثهم وغدرهم، وأن ملكهم هو الذي يبعثهم، ولا يزال هذا دأبهم حتى تأذن لنا بالانسياح، فنسيح في بلادهم ونزيل ملكهم، فهنالك ينقطع رجاء أهل فارس. فقال: صدقتني والله! ونظر في حوائجهم وسرَّحهم. وأتى عمرَ الكتابُ باجتماع أهل نهاوند، فأذن في الانسياح في بلاد الفرس.
فتح أصبهان
بعد فتح نهاوند وهمذان فكر سيدنا عمر في الانسياح في بلاد فارس، وتحير سيدنا عمر بأي بلاد فارس يبدأ، ولكن عاجله الفرس فتجمعوا في أصبهان، فقرر سيدنا عمر أن يبعث جيشًا إلى أصبهان، فيرسل رسالة إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبان والي الكوفة وكلِّ أراضي فارس بعد سيدنا سعد بن أبي وقاص (كما ذكرنا ذلك من قبل في عزل سيدنا سعد وتولية عبد الله بن عبد الله بن عتبان)، يأمره بتجهيز جيش إلى أصبهان، وأن يقود الجيش بنفسه لفتح أصبهان، وأن يترك على الكوفة زياد بن حنظلة ليصبح والي الكوفة وأراضي فارس، ولكن لم يبقَ في الولاية كثيرًا؛ فقد وجد صعوبة في التعامل مع أهل الكوفة، فهم الذين شكوا سيدنا سعد بن أبي وقاص إلى سيدنا عمر فعزله، واستعفى سيدنا زياد من الولاية، فأعفاه سيدنا عمر وولَّى مكانه سيدنا عمار بن ياسر y أجمعين.
وتحرك جيش سيدنا عبد الله بن عتبان من الكوفة إلى حلوان إلى نهاوند، وأمره سيدنا عمر أن يأخذ نصف قوات جيش سيدنا حذيفة بن اليمان ويتحرك بها إلى أصبهان، ثم أرسل سيدنا عمر برسالة إلى سيدنا أبي موسى الأشعري وهو والي البصرة في ذلك الحين، وكما ذكرنا من قبل أن أهم مدينتين في بلاد العراق وفارس هما الكوفة والبصرة، وتخرج من المدينتين الجيوش الإسلامية.
وأراد سيدنا عمر أن يحاصر أصبهان ويهاجمها من طريقين: من الطريق الشمالي الذي وجَّه إليه عبد الله بن عتبان، ومن الطريق الجنوبي. ورسالة سيدنا عمر إلى سيدنا أبي موسى الأشعري مضمونها أن يخرج سيدنا أبو موسى الأشعري على رأس الجيش القافل من البصرة ويتجه إلى أصبهان من جهة الجنوب، ولو نظرنا إلى أبعاد الخرائط نجد أن أصبهان في عمق الدولة الفارسية، فقد توغل المسلمون في داخل الأراضي الفارسية توغلاً كبيرًا.
ووصل عبد الله بن عبد الله بن عتبان إلى أصبهان قبل أبي موسى الأشعري، فيقابله جيش أصبهان خارج مدينة أصبهان بنحو خمسة كيلو مترات وقائد الجيوش بندار، وعلى مقدمته شهربراز بن جاذويه، شيخ كبير ومن المقاتلين المهرة، ولم يمنعه هذا السن الكبير عن القتال.
والتقى الجيشان وذلك قبل وصول جيش أبي موسى الأشعري؛ يقول الرواة: إنها كانت على مِنْوال معركة نهاوند، وينتصر عبد الله بن عبد الله بن عتبان على هذه الفرقة، ويقتل عبد الله بن ورقاء الرياحيُّ الشيخ الكبير قائد مقدمة جيوش أصبهان، وسمي ذلك الوادي "رُسْتاق" وادي الشيخ إلى اليوم. ثم انسحب الجيش الفارسي إلى داخل أصبهان وتحصَّن داخل مدينة "جَيّ"، ووقف المسلمون محاصرين الحصن، وعلى رأس الحصن رجل يسمى "فاذوسفان" وكان أمير مدينة أصبهان، فقاتل المسلمين، وكعادة الفرس يحاربون من وراء جدر؛ يحاربون المسلمين فإذا انهزموا تحصنوا وراء الجدر، وكل ذلك ما مَلَّ المسلمين من الحصار، ولم يأت بعدُ جيشُ أبي موسى الأشعري، وذلك من سرعة عبد الله بن عتبان لا من بطء أبي موسى t.
وطال الحصار حتى ظن الفرس الهزيمة، فيخرج الفاذوسفان رافعًا راية يريد أن يتحدث إلى قائد المسلمين، فقال لعبد الله بن عبد الله بن عتبان: لا تجعل أصحابك يقتلون أصحابي، ولكن اخرج لي فإن قتلتُك رجع أصحابك، وإن قتلتني سالمك أصحابي، وإن كان أصحابي لا يسقط لهم نشَّابة.
وكان سيدنا عبد الله بن عبد الله بن عتبان من أمهر المسلمين وأشدهم ضراوة في القتال؛ فوافق سيدنا عبد الله بن عبد الله بن عتبان ليقيَ المسلمين قتالاً عظيمًا ويكسب مدينة "جَيّ"، فيخرج سيدنا عبد الله إلى الفاذوسفان، واختارا أن يكون القتال بالرمح لا بالسيف، فقال عبد الله بن عبد الله بن عتبان: تحمل عليَّ أو أحمل عليك؟ (هامش: وكان القتال بالرمح في ذلك الوقت يسير بنظام معين، وهو أن يحمل أحد الفارسين على الآخر بالرمح وهو يتلقى ويدافع عن نفسه، فإذا فشل الأول في الهجوم يهجم الثاني عليه ويدافع الأول). فقال الفاذوسفان: بل أحمل عليك. فوافق عبد الله بن عبد الله بن عتبان، ويتترَّس بترسه فهجم عليه الفاذوسفان وضربه ضربة قوية تفاداها سيدنا عبد الله بمهارة عالية، ولكن أصاب الرمح سرج فرسه فقطعه، فوقع من على الفرس واقفًا، ثم اعتلى فرسه بقفزة واحدة، وقال للفاذوسفان: هذه نوبتي التي أهجم فيها. ولكن لما رأى الفاذوسفان مهارة سيدنا عبد الله، قال له في خبث ومكر: إنك رجل كامل ولا أشتهي قتلك، فارضَ مني الصلحَ (والكَرَّةُ لسيدنا عبد الله بن عتبان، ولا بد من بعض التنازل من الفاذوسفان ليقبل منه سيدنا عبد الله بن عبد الله بن عتبان). وقال له: اقبل مني الصلح على أن يعطيك أهل أصبهان الجزية كما تطلب، ومن شاء منهم ألا يعطيك الجزية ترك المدينة وترك لك أرضه وماله، والأرض التي امتلكتها عنوة هي لك. فوافق سيدنا عبد الله بن عبد الله بن عتبان، وأخذ منهم الجزية وترك لهم حرية الخروج، فخرج ثلاثون رجلاً فقط رفضوا أن يعيشوا مع المسلمين، وأَنِفُوا أن يدفعوا الجزية، وهربوا إلى منطقة محيطة، ثم فكروا في حلٍّ لا يدفعون به الجزية فدخلوا في الإسلام، وحسن إسلامهم بعد ذلك لما رأوا من معاملات المسلمين، وحسن أخلاقهم، ووفائهم في العهد، ومهارتهم في القتال.
ويسيطر سيدنا عبد الله بن عتبان على المنطقة بكاملها، وكتب عهدًا لفاذوسفان وأهل منطقة أصبهان، هذا العهد تكررت صورته في كل صلح جزية أقامه المسلمون بعد ذلك في كل أراضي فارس:
"كتاب من عبد الله بن عبد الله بن عتبان للفاذوسفان وأهل أصبهان وحواليها: إنكم آمنون ما أدَّيْتُم الجزية، وعليكم من الجزية قدر طاقتكم في كل سنة تؤدونها إلى من يليكم من المسلمين عن كل حالم (والذي يحدد الطاقة هو والي المسلمين، وكما ذكرنا من قبلُ كانت أقلَّ من نصف الضرائب التي كان يدفعها أهل فارس لوالي الفرس نفسه، فكان أهل فارس يستمتعون بهذه الجزية؛ لأنها أقل بكثير من الضرائب الفارسية)، وعليكم دلالة المسلم وإصلاح طريقه وقراه يومًا وليلةً (وفي بعض الروايات: قراه يومًا وليلة من أوسط طعامكم )، وحملان الرَّاجل إلى مرحلة (أي: إلى البلد التي تليكم)".
والبند الثاني تكرر في كل معاهدات المسلمين مع الفرس؛ لأنهم توغلوا في أرض فارس وهي ليست بأرضهم، فلا بُدَّ من نصيحة صادقة من أهل البلد للمسلمين، وإذا أخلَّ الفرس بهذا البند سقطت المعاهدة.
"ولا تَسَلَّطُوا على مسلم، ولكم الأمان ما فعلتم، فإن غيرتم شيئًا أو غيَّره مُغير منكم ولم تُسْلِمُوه فلا أمان لكم، ومن سبَّ مسلمًا بُلِغَ منه (أي: عُوقِب)، ومن ضرب مسلمًا قتلناه".
وكتب وشهد عبد الله بن قيس، وعبد الله بن ورقاء، وعصمة بن عبد الله، وكلهم من قواد الجيش الإسلامي.
وكل المعاهدات التي جاءت بعد ذلك كانت صيغت من هذه المعاهدة. وفي المعاهدة نرى عزة المسلمين، ومن يقوم بالمعاهدة من مركز القوة مع من في حالة الضعف. ودائمًا في حال المعاهدات بين القوي والضعيف يقدم الضعيف تنازلات كبيرة، ولا يتوقع أحد أن المعاهدة مكسبٌ للضعيف الذي يرجو القوي المسيطر على البلد ومن في حالة العزة.
وبعد هذه المعاهدة دانت منطقة أصبهان وما حولها من المناطق للمسلمين، وتم فتح أصبهان سنة إحدى وعشرين هجرية.
وبدأ المسلمون يرتبون القوات والمسالح (أي الحاميات) في أماكن مختلفة على الحدود الواسعة، وأصبحت الأراضي الفارسية من تُسْتَر إلى أصبهان في أيدي المسلمين، وذلك في سنة إحدى وعشرين؛ ففي العام الثامن عشر دانت تُسْتَر، وفي العام التاسع عشر وصل المسلمون إلى نهاوند، وفي العام الحادي والعشرين وصلوا إلى أصبهان.
إسقاط الدولة الفارسية
بعد أن دانت هذه المنطقة بدأ تفكير سيدنا عمر بن الخطاب في تغيير خريطة العالم، فبدأ بإرسال الجيوش بكثرة من المدينتين العظيمتين: الكوفة والبصرة ليفتح المملكة التي بدأت تترنح.
ومملكة الفرس مملكة عريضة جدًّا؛ فالعراق على أطراف المملكة ومع ذلك خاض المسلمون فيها معارك كثيرة ليفتحوها، وأصبهان في منتصف فارس. فبدأ الفاروق عمر بإخراج الجيوش بكثرة ليُسقِط هذه المملكة العظيمة مملكة فارس، وليغير مجرى التاريخ كله، وكان ذلك عام اثنين وعشرين من الهجرة. ويتذكر سيدنا عمر والصحابة أنهم في السنة الأولى من الهجرة هاجروا من مكة إلى المدينة وهم في أشد حالات الاستضعاف حتى إن رسول الله r قائد الأمة في ذلك الوقت يخرج خُفْيَة، وكلنا نذكر حادث هجرة الرسول r، وظل المسلمون في حالة استضعاف إلى غزوة الأحزاب في العام الخامس الهجري، حيث بدأ المسلمون يغزون كما أخبرهم بذلك النبي r: "الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَنَا"، ثم صلح الحديبية في العام السادس الهجري، ولم يستطع المسلمون توسيع حيِّز السيطرة إلى أبعد من المدينة إلا بعد فتح مكة في العام الثامن الهجري، ثم دانت الجزيرة العربية للنبي r قبل موته في العام العاشر الهجري، وكانت هذه الدولة الإسلامية هي الجزيرة العربية فقط، وفي العام الحادي عشر حدثت حروب الردة، وفي العام الثاني عشر تبدأ الحروب لفتح فارس والروم، ونحن وإن كنا نتكلم في الجبهة الفارسية إلا أنه في جانب الروم تحدث معارك على نفس القدر من العظمة والعزة.
فهذا أمر عجيب جدًّا يسجله التاريخ للمسلمين: أن جيشًا من المسلمين في دولة صغيرة كالمدينة، يبدأ في التوسع حتى تدين له كل هذه المنطقة، وتسقط له دولة عندها من البشر ما لا يُحْصَى عدَدُه، ومن المهارة في الحرب ما يتعجب له الناس، وهزموا الروم قبل ذلك، وعليهم من الأمراء مَن له من الحكمة والمهارة في القتال ما يُضرَب به الأمثال، وعندهم من الأموال الكثير، ثم تسقط هذه الأرض تحت أيدي هؤلاء الأطهار صحابة رسول الله r ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فلا بُدَّ من التفكر في هذه الأمور ونحن نفصل حروب فارس حتى لا يظن البعض -كما يدرسون- أن المسلمين حاربوا فارس وانتصروا في القادسية، ثم المدائن، ثم نهاوند، ثم سقطت فارس.
لا بد أن نعي أن هذه الانتصارات استوجبت جهودًا ضخمة من رجال عظماء، وبوجود أمثالهم تتكرر هذه الانتصارات من جديد، وهذا الأمر ليس معجزة أنبياء وما قام بهذا الأمر إلا بشر وبشر مثلنا، ولكن الفارق هو أنهم طبَّقوا منهج الله U، فلما طبقوا المنهج دانت لهم الأرض. [/size]