التعريف بها ونشأتها
ولدت لالة فاطمة بنت محمد بن عيسى بقرية ورجة بالجزائر سنة 1246هـ/ 1830م، واشتهرت بلقب فاطمة نسومر نسبة إلى قرية نسومر، وهي القرية التي عاشت فيها فيما بعد.
قالوا: التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، وكذلك التربة في الصغر، فمن غرس فيه خلق، أو تربى فيه فضيلة، أو نشأ على مكرمة يظل طوال حياته يعيش بها، فالتربية في الصغر لها كبير الأثر في حياة الإنسان.
نشأت لالة فاطمة نسومر في أحضان أسرة تنتمي في سلوكها الاجتماعي والديني إلى الطريقة الرحمانية، فأبوها سيدي محمد بن عيسى مقدم زاوية الشيخ سيدي أحمد أمزيان شيخ الطريقة الرحمانية. وكان يحظى بالمكانة المرموقة بين أهله، إذ كثيرًا ما كان يقصده العامة والخاصة لطلب النصح، وتلقي الطريقة. أما أمها فهي لالة خديجة التي تسمى بها جبل جرجرة، لقد تربت ونشأت دينية خالصة، إذن فلا عجب من مقاومتها للمحتل رغم أن هناك كثير من الرجال لم يقاوموا المحتل بل ساندوه ويرجع ذلك إلى التربية التي فقدها في صغره. كان لنشأتها الأثر في إيثار حياة التنسك والانقطاع والتفرغ للعبادة والتفقه في أمور الدين، وتولت بعد ذلك شئون زاوية الرحمانية بورجة.
تركت فاطمة نسومر مسقط رأسها متوجهًا إلى بلدة نسومر، التي نسبت إليها، وذلك حيث يقطن أخوها سي طاهر، وكان لأخيها كبير الأثر في حياتها وذلك لإلمامه بمختلف العلوم الدينية والدنيوية، وقاومت الاستعمار الفرنسي مقاومة عنيفة أبدت خلالها شجاعة وبطولة منفردتين.
جهادها وأهم المعارك ودورها فيها
جهاد النساء
شارك النساء الرجال في ساحات القتال ولم يقتصر دورهن على تمريض الجرحى، بل حملن السلاح جنبًا إلى جنب مع الرجال، وذلك منذ عصر النبوة، وسجل التاريخ جهاد السيدة أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية التي دافعت عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، وقاتلت يوم اليمامة، وغيرها من نساء المسلمين، وشارك النساء في الدفاع عن أوطانهن، وقاومن المحتل، ومنهن لالة فاطمة نسومر الجزائرية.
جاء الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر وفي قلبه كل الحقد على الإسلام والمسلمين لقد جاء الاحتلال وكل هدفه القضاء على الإسلام وأهله، ولكن الله عز وجل الذي تكفل بحفظ هذا الدين قيض له من يدافع ويذب عنه كيد الحاقدين.
أثبتت السيدة فاطمة نسومر أن ساحات الجهاد ليست حكرًا على الرجال بل شاركن الرجال في حمل السلاح وقاتلن معهم جنبًا إلى جنب، رغم أنها امرأة ورغم أنها قد انقطعت للعبادة والتبتل والتنسك، إلا أن هذه العبادة التي ملئت قلبها تحولت إلى قوة حقيقة تحركها نحو الجهاد في سبيل الله، ولم تمنعها العبادة من تتبع أخبار المجاهدين وما يحدث في بلاد القبائل من مقاومة زحف الغزاة الفرنسيين والمعارك التي وقعت بالمنطقة لا سيما معركة تادمايت التي قادها المجاهد الجزائري الحاج عمر بن زعموم ضد قوات الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال بيجو سنة 1844، كما أنها لم تكن غافلة على تمركز الغزاة الفرنسيين في تيزي وزو بين 1845-1846، وفي دلس 1847 تم محاولة الجنرال روندون من دخول الأربعاء ناث إيران عام 1850 التي هزم فيها هزيمة منكرة. ولما واتتها الظروف انضمت إلى المقاومة حيث شاركت بجانب بوبغلة في المقاومة والدفاع عن منطقة جرجرة وفي صد هجمات الاستعمار على أربعاء ناث إيراثن فقطعت عليه طريق المواصلات ولهذا انضم إليها عدد من قادة الأعراش وشيوخ الزوايا والقرى.
تزعمت لا لا فاطمة نسومر المقاومة في هذه المنطقة عام 1854، أي بعد أن وصلت القوات الفرنسية بقيادة راندون الرى جبل سبت ناث يحيى " عين الحمام " في شهر جوان.
ومن أشهر المعارك التي قادتها فاطمة نسومر هي تلك المعركة التي خاضتها إلى جانب الشريف بوبغلة (محمد بن عبد الله) في مواجهة الجيوش الفرنسية الزاحفة بقيادة الجنرالين روندون وماك ماهون فكانت المواجهة الأولى بربوة تمز قيدة حيث أبديا استاتة منقطعة النظير، إلا أن عدم تكافؤ القوات عدة وعددا إضطر الشريف بوبغلة بنصيحة من فاطمة نسومر على الانسحاب نحو بني يني، وهناك دعيا إلى الجهاد المقدس فاستجاب لهما شيوخ الزوايا ووكلاء مقامات أولياء الله فجندوا الطلبة والمريدين واتباعهم واتجهوا نحو ناحية واضية لمواجهة زحف العدو على قراها بقيادة الجنرالين زوندون ويوسف التركي ومعهما الباشا آغة الخائن الجودي، فاحتدمت المعركة وتلقت قوات العدو هزيمة نكراء، وتمكنت لالة فاطمة نسومر من قتل الخائن الجودي بيدها كما استطاعت أن تنقذ من موت محقق زميلها في السلاح الشريف بوبغلة حينما سقط جريحا في المعركة.
بالرغم من الهزيمة النكراء التي منيت بها قوات روندون يتشكرت، إلا أن ذلك لم يثنه من مواصلة التغلغل بجبال جرجرة، فاحتل عزازقة في سنة 1854 فوزع الأراضي الخصبة على المعمّرين الوافدين معه، وأنشأ معسكرات في كل المناطق التي تمكّن منها، وواصل هجومه على كل المنطقة. بالرغم من التغلغل والزحف لم يثبّط عزيمة لالة فاطمة نسومر من مواصلة هجوماتها الخاطفة على القوات الغازية فحققت انتصارات أخرى ضد العدو بنواحي يللتن والأربعاء وتخلجت وعين تاوريغ وتوريرت موسى، مما أدى بالقوات الفرنسية إلى الاستنجاد بقوات جديدة وعتاد حديث، إضطرت على إثرها فاطمة نسومر إلى إعطاء الأوامر بالانسحاب لقواتها إلى قرية تاخليجت ناث عيسو، لا سيما بعد اتّباع قوات الاحتلال أسلوب التدمير والإبادة الجماعية، بقتل كل أفراد العائلات دون تمييز ولارحمة.
ولم يكن انسحاب فاطمة نسومر انهزام أو تقهقر أمام العدو أو تحصنًا فقط بل لتكوين فرق سريعة من المجاهدين لضرب مؤخرات العدو الفرنسي وقطع طرق المواصلات والإمدادات عليه.
الشيء الذي أقلق جنرالات الجيش الفرنسي وعلى رأسهم روندون المعزز بدعم قوات الجنرال ماكمهون القادمة من قسنطينة. خشي هذا الجنرال من تحطم معنويات جيوشه أمام هجمات فاطمة نسومر، فجند جيشا قوامه 45 ألف رجل بقيادته شخصيا، واتجه به صوب قرية آيت تسورغ حيث تتمركز قوات فاطمة نسومر المتكونة من جيش من المتطوعين قوامه 7000رجل وعدد من النساء وعندما احتدمت الحرب بين الطرفين خرجت فاطمة في مقدمة الجميع تلبس لباسا حرير يا أحمر كان له الأثر البالغ في رعب عناصر جيش الاحتلال.
على الرغم من المقاومة البطولية للمجاهدين بقيادة فاطمة نسومر فإن الانهزام كان حتميا نظرا للفارق الكبير في العدد والعدة بين قوات الطرفين، الأمر الذي دفع فاطمة نسومر إلى طرح مسألة المفاوضات وإيقاف الحرب بشروط قبلها الطرفان.
إلا أن السلطات الاستعمارية كعادتها نقضت العهود، إذ غدرت بأعضاء الوفد المفاوض بمجرد خروجهم من المعسكر حيث تمّ اعتقالهم جميعا، ثم أمر الجنرال روندون بمحاصرة ملجأ لالة فاطمة نسومر وتم أسرها مع عدد من النساء.
وخوفا من تجدد الثورة بجبال جرجرة أبعدت لالة فاطمة نسومر مع 30 شخصًا من رجال ونساء إلى زاوية بني سليمان بتابلاط وبقيت هناك لمدة سبع سنوات إلى أن وافتها المنية عن عمر يناهز 33 سنة، على إثر مرض عضال تسبب في شللها.
عُرف عن السيدة فاطمة نسومر التدين وحبها الشديد للوطن، وعرف عنها أنها ساندت أخاها الأكبر سي الطاهر عندما تولى قيادة المقاومة وشرع في تجنيد المسلمين (أي الذين وهبوا أنفسهم للجهاد في سبيل الله)، كما ساندت الشريف بوبغلة في توجيه ضربات موجعة لقوات الاحتلال قبل أن تتمكن تلك القوات من إخضاع منطقة القبائل في سنة 1857م.
وفاتها
أُبعدت السيدة فاطمة نسومر بعد أسرها إلى زاوية بني سليمان بتابلاط، وذلك خشية من الثورة التي قد تحدثها ضد الاحتلال الفرنسي، ولم ترق لها الحياة فقد أصابها مرض عضال سبب لها شللاً، ووافتها المنية في سبتمبر 1863م، عن عمر يناهز 33 سنة. رحمها الله وأسكنها فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين