3* باب فَضْلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ يَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ حذف التشكيل
قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
قوله: (باب فضل استقبال القبلة.
يستقبل بأطراف رجليه القبلة - قاله أبو حميد) يعني الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني في صفة صلاته كما سيأتي بعد موصولا من حديثه، والمراد بأطراف رجليه رءوس أصابعها، وأراد بذكره هنا بيان مشروعية الاستقبال بجميع ما يمكن من الأعضاء.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمَهْدِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ
الشرح:
قوله: (حدثنا عمرو بن عباس) بالموحدة ثم المهملة، وميمون بن سياه بكسر المهملة وتخفيف التحتانية ثم هاء منونة ويجوز ترك صرفه، وهو فارسي معرب معناه الأسود، وقيل عربي.
قوله: (ذمة الله) أي أمانته وعهده.
قوله: (فلا تخفروا) بالضم من الرباعي، أي لا تغدروا، يقال أخفرت إذا غدرت، وخفرت إذا حميت، ويقال إن الهمزة في أخفرت للإزالة، أي تركت حمايته.
قوله: (فلا تخفروا الله في ذمته) أي ولا رسوله، وحذف لدلالة السياق عليه، أو لاستلزام المذكور المحذوف، وقد أخذ بمفهومه من ذهب إلى قتل تارك الصلاة، وله موضع غير هذا.
وفي الحديث تعظيم شأن القبلة، وذكر الاستقبال بعد الصلاة للتنويه به، وإلا فهو داخل في الصلاة لكونه من شروطها.
وفيه أن أمور الناس محمولة على الظاهر، فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك.
الحديث:
حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا وَصَلَّوْا صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ قَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ سَأَلَ مَيْمُونُ بْنُ سِيَاهٍ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا يُحَرِّمُ دَمَ الْعَبْدِ وَمَالَهُ فَقَالَ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَصَلَّى صَلَاتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَهُوَ الْمُسْلِمُ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ
الشرح:
قوله: (حدثنا نعيم) هو ابن حماد الخزاعي، ووقع في رواية حماد بن شاكر عن البخاري " قال نعيم ابن حماد " وفي رواية كريمة والأصيلي " قال ابن المبارك " بغير ذكر نعيم، وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج، وقد وقع لنا من طريق نعيم موصولا في سنن الدارقطني، وتابعه حماد بن موسى وسعيد بن يعقوب وغيرهما عن ابن المبارك.
قوله: (حتى يقولوا لا إله إلا الله) اقتصر عليها ولم يذكر الرسالة وهي مرادة كما تقول قرأت الحمد وتريد السورة كلها، وقيل أول الحديث ورد في حق من جحد التوحيد فإذا أقر به صار كالموحد من أهل الكتاب يحتاج إلى الإيمان بما جاء به الرسول، فلهذا عطف الأفعال المذكورة عليها فقال " وصلوا صلاتنا الخ " والصلاة الشرعية متضمنة للشهادة بالرسالة، وحكمة الاقتصار على ما ذكر من الأفعال أن من يقر بالتوحيد من أهل الكتاب وإن صلوا واستقبلوا وذبحوا لكنهم لا يصلون مثل صلاتنا ولا يستقبلون قبلتنا، ومنهم من يذبح لغير الله، ومنهم من لا يأكل ذبيحتنا، ولهذا قال في الرواية الأخرى " وأكل ذبيحتنا " والاطلاع على حال المرء في صلاته وأكله يمكن بسرعة في أول يوم، بخلاف غير ذلك من أمور الدين.
قوله: (فقد حرمت) فتح أوله وضم الراء، ولم أره في شيء من الروايات بالتشديد، وقد تقدمت سائر مباحثه في " باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة " من كتاب الإيمان.
قوله: (وقال علي بن عبد الله) و ابن المديني، وفائدة إيراد هذا الإسناد تقوية رواية ميمون بن سياه لمتابعة حميد له.
قوله: (وما يحرم) بالتشديد هو معطوف على شيء محذوف، كأنه سأل عن شيء قبل هذا وعن هذا، والواو استئنافية وسقطت من رواية الأصيلي وكريمة، ولما لم يكن في قول حميد " سأل ميمون أنسا " التصريح بكونه حضر ذلك عقبه بطريق يحيى بن أيوب التي فيها تصريح حميد بأن أنسا حدثهم لئلا يظن أنه دلسه، ولتصريحه أيضا بالرفع، وإن كان للأخرى حكمة.
وقد روينا طريق يحيى بن أيوب موصولة في الإيمان لمحمد بن نصر ولابن منده وغيرهما من طريق ابن أبي مريم المذكور.
وأعل الإسماعيلي طريق حميد المذكورة فقال: الحديث حديث ميمون، وحميد إنما سمعه منه، واستدل على ذلك برواية معاذ بن معاذ عن حميد عن ميمون قال: سألت أنسا، قال وحديث يحيى بن أيوب لا يحتج به - يعني في التصريح بالتحديث - قال: لأن عادة المصريين والشاميين ذكر الخبر فيما يروونه.
قلت هذا التعليل مردود، ولو فتح هذا الباب، لم يوثق برواية مدلس أصلا ولو صرح بالسماع، والعمل على خلافه.
ورواية معاذ لا دليل فيها على أن حميدا لم يسمعه من أنس لأنه لا مانع أن يسمعه من أنس ثم يستثبت فيه من ميمون - لعلمه بأنه كان السائل عن ذلك - فكان حقيقا بضبطه فكان حميد تارة يحدث به عن أنس لأجل العلو، وتارة عن ميمون لكونه ثبته فيه، وقد جرت عادة حميد بهذا يقول " حدثني أنس وثبتني فيه ثابت " وكذا وقع لغير حميد.
*3* باب قِبْلَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّأْمِ وَالْمَشْرِقِ لَيْسَ فِي الْمَشْرِقِ وَلَا فِي الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ حذف التشكيل
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا
الشرح:
قوله: (باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق) نقل عياض أن رواية الأكثر ضم قاف المشرق فيكون معطوفا على باب، ويحتاج إلى تقدير محذوف، والذي في روايتنا بالخفض، ووجه السهيلي رواية الضم بأن الحامل على ذلك كون حكم المشرق في القبلة مخالفا لحكم المدينة، بخلاف الشام فإنه موافق.
وأجاب ابن رشيد بأن المراد بيان حكم القبلة من حيث هو سواء توافقت البلاد أم اختلفت.
قوله: (ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة) هذه جملة مستأنفة من تفقه المصنف، وقد نوزع في ذلك لأنه يحمل الأمر في قوله " شرقوا أو غربوا " على عمومه، وإنما هو مخصوص بالمخاطبين وهم أهل المدينة، ويلحق بهم من كان على مثل سمتهم ممن إذا استقبل المشرق أو المغرب لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها، أما من كان في المشرق فقبلته في جهة المغرب وكذلك عكسه، وهذا معقول لا يخفى مثله على البخاري فيتعين تأويل كلامه بأن يكون مراده: ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة، أي لأهل المدينة والشام، ولعل هذا هو السر في تخصيصه المدينة والشام بالذكر.
وقال ابن بطال: لم يذكر البخاري مغرب الأرض اكتفاء بذكر المشرق، إذ العلة مشتركة، ولأن المشرق أكثر الأرض المعمورة، ولأن بلاد الإسلام في جهة مغرب الشمس قليلة.
انتهى.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا قَالَ أَبُو أَيُّوبَ فَقَدِمْنَا الشَّأْمَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
الشرح:
قوله: (وعن الزهري) يعني بالإسناد المذكور، والمراد أن سفيان حدث به عليا مرتين: مرة صرح بتحديث الزهري له وفيه عنعنة عطاء، ومرة أتى بالعنعنة عن الزهري وبتصريح عطاء بالسماع.
وادعى بعضهم أن الرواية الثانية معلقة، وليس كذلك على ما قررته.
وقال الكرماني: قال في الأول عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الثاني سمعت أبا أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الثاني أقوى لأن السماع أقوى من العنعنة والعنعنة أقوى من " أن " لكن فيه ضعف من جهة التعليق حيث قال " وعن الزهري " انتهى، وفي دعواه ضعف " أن " بالنسبة إلي " عن " نظر، فكأنه قلد في ذلك نقل ابن الصلاح عن أحمد ويعقوب بن شيبة، وقد بين شيخنا في شرحه منظومته وهم ابن الصلاح في ذلك وأن حكمهما واحد، إلا أنه يستثنى من التعبير بأن ما إذا أضاف إليها قصة ما أدركها الراوي، وأما جزمه بكون السند الثاني معلقا فهو بحسب الظاهر وإلا فحمله على ما قبله ممكن، وقد رويناها في مسند إسحاق بن راهويه قال: حدثنا سفيان.
فذكر مثل سياقها سواء، فعلى هذا فلا ضعف فيه أصلا.
والله أعلم.
وقد تقدمت فوائد المتن في أوائل كتاب الطهارة.