*3* باب الصَّلَاةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ وَالْبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب الصلاة إلى الراحلة والبعير) قال الجوهري: الراحلة الناقة التي تصلح لأن يوضع الرحل عليها.
وقال الأزهري: الراحلة المركوب النجيب ذكرا كان أو أنثى.
والهاء فيها للمبالغة، والبعير يقال لما دخل في الخامسة.
قوله: (والشجر والرحل) المذكور في حديث الباب الراحلة والرحل، فكأنه ألحق البعير بالراحلة بالمعنى الجامع بينهما، ويحتمل أن يكون أشار إلى ما ورد في بعض طرقه، فقد رواه أبو خالد الأحمر عن عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ " كان يصلي إلى بعيره".
انتهى.
فإن كان هذا حديثا آخر حصل المقصود، وإن كان مختصرا من الأول - أن يكون المراد يصلي إلى مؤخرة رحل بعيره - اتجه الاحتمال الأول.
ويؤيد الاحتمال الثاني ما أخرجه عبد الرزاق أن ابن عمر كان يكره أن يصلي إلى بعير إلا وعليه رحل، وسأذكره بعد.
وألحق الشجر بالرحل بطريق الأولوية، ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى حديث على قال " لقد رأيتنا يوم بدر وما فينا إنسان إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يصلي إلى شجرة يدعو حتى أصبح " رواه النسائي بإسناد حسن.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا قُلْتُ أَفَرَأَيْتَ إِذَا هَبَّتْ الرِّكَابُ قَالَ كَانَ يَأْخُذُ هَذَا الرَّحْلَ فَيُعَدِّلُهُ فَيُصَلِّي إِلَى آخِرَتِهِ أَوْ قَالَ مُؤَخَّرِهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَفْعَلُهُ
الشرح:
قوله: (يعوض) بتشديد الراء، أي يجعلها عرضا.
قوله: (قلت أفرأيت) ظاهره أنه كلام نافع والمسئول ابن عمر، لكن بين الإسماعيلي من طريق عبيدة ابن حميد عن عبيد الله بن عمر أنه كلام عبيد الله والمسئول نافع، فعلى هذا هو مرسل لأن فاعل يأخذ هو النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدركه نافع.
قوله: (هبت الركاب) أي هاجت الإبل، يقال هب الفحل إذا هاج، وهب البعير في السير إذا نشط.
والركاب الإبل التي يسار عليها ولا واحد لها من لفظها، والمعنى أن الإبل إذا هاجت شوشت على المصلي لعدم استقرارها، فيعدل عنها إلى الرحل فيجعله سترة.
وقوله: (فيعدله) بفتح أوله وسكون العين وكسر الدال، أي يقيمه تلقاء وجهه.
ويجوز التشديد.
وقوله: (إلى أخرته) بفتحات بلا مد ويجوز المد، (ومؤخرته) بضم أوله ثم همزة ساكنة، وأما الخاء فجزم أبو عبيد بكسرها وجوز الفتح، وأنكر ابن قتيبة الفتح، وعكس ذلك ابن مكي فقال: لا يقال مقدم ومؤخر بالكسر إلا في العين خاصة، وأما في غيرها فيقال بالفتح فقط.
ورواه بعضهم بفتح الهمزة وتشديد الخاء.
والمراد بها العود الذي في آخر الرحل الذي يستند إليه الراكب.
قال القرطبي: في هذا الحديث دليل على جواز التستر بما يستقر من الحيوان، ولا يعارضه النهي في معاطن الإبل لأن المعاطن مواضع إقامتها عند الماء، وكراهة الصلاة حينئذ عندها إما لشدة نتنها وإما لأنهم كانوا يتخلون بينها مستترين بها.
انتهى.
وقال غيره: علة النهي عن ذلك كون الإبل خلقت من الشياطين، وقد تقدم ذلك، فيحمل ما وقع منه في السفر من الصلاة إليها على حالة الضرورة ونظيره صلاته إلى السرير الذي عليه المرأة لكون البيت كان ضيقا.
وعلى هذا فقول الشافعي في البويطي: لا يستتر بامرأة ولا دابة، أي في حال الاختيار.
وروى عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عبد الله بن دينار أن ابن عمر كان يكره أن يصلي إلى بعير إلا وعليه رحل، وكأن الحكمة في ذلك أنها في حال شد الرحل عليها أقرب إلى السكون من حال تجريدها.
(تكملة) اعتبر الفقهاء مؤخرة الرحل في مقدار أقل السترة، واختلفوا في تقديرها بفعل ذلك.
فقيل ذراع، وقيل ثلثا ذراع وهو أشهر، لكن في مصنف عبد الرزاق عن نافع أن مؤخرة رحل ابن عمر كانت قدر ذراع.
*3* باب الصَّلَاةِ إِلَى السَّرِيرِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب الصلاة إلى السرير) أورد فيه حديث الأسود عن عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسط السرير الذي هي مضطجعة عليه.
واعترضه الإسماعيلي بأنه دال على الصلاة على السرير لا إلى السرير.
ثم أشار إلى أن رواية مسروق عن عائشة دالة على المراد، لأن لفظه " كان يصلي والسرير بينه وبين القبلة " كما سيأتي، فكان ينبغي له ذكرها في هذا الباب.
وأجاب الكرماني عن أصل الاعتراض بأن حروف الجر تتناوب، فمعنى قوله في الترجمة " إلى السرير " أي على السرير، وادعى قبل ذلك أنه وقع في بعض الروايات بلفظ على السرير.
قلت: ولا حاجة إلى الحمل المذكور، فإن قولها " فيتوسط السرير " يشمل ما إذا كان فوقه أو أسفل منه، وقد بان من رواية مسروق عنها أن المراد الثاني.
الحديث:
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَعَدَلْتُمُونَا بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي مُضْطَجِعَةً عَلَى السَّرِيرِ فَيَجِيءُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَتَوَسَّطُ السَّرِيرَ فَيُصَلِّي فَأَكْرَهُ أَنْ أُسَنِّحَهُ فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْ السَّرِيرِ حَتَّى أَنْسَلَّ مِنْ لِحَافِي
الشرح:
قوله: (أعدلتمونا) هو استفهام إنكار من عائشة، قالته لمن قال بحضرتها " يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة " كما سيأتي من رواية مسروق عنها بعد خمسة أبواب، وهناك نذكر مباحث هذا المتن إن شاء الله تعالى.
وقولها " رأيتني " بضم المثناة وقولها " أن أسنحه " بفتح النون والحاء المهملة أي أظهر له من قدامه.
وقال الخطابي: هو من قولك سنح لي الشيء إذا عرض لي، تريد أنها كانت تخشى أن تستقبله وهو يصلي ببدنها، أي منتصبة.
وقولها " أنسل " بفتح السين المهملة وتشديد اللام، أي أخرج بخفية أو برفق.
*3* باب يَرُدُّ الْمُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ حذف التشكيل
وَرَدَّ ابْنُ عُمَرَ فِي التَّشَهُّدِ وَفِي الْكَعْبَةِ وَقَالَ إِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ تُقَاتِلَهُ فَقَاتِلْهُ
الشرح:
قوله: (باب يرد المصلي من مر بين يديه) أي سواء كان آدميا أم غيره.
قوله (ورد ابن عمر في التشهد) أي رد المار بين يديه في حال التشهد، وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة وعبد الرزاق، وعندهما أن المار المذكور هو عمرو بن دينار.
قوله: (وفي الكعبة) قال ابن قرقول: وقع في بعض الروايات " وفي الركعة " وهو أشبه بالمعنى.
قلت: ورواية الجمهور متجهة، وتخصيص الكعبة بالذكر لئلا يتخيل أنه يغتفر فيها المرور لكونها محل المزاحمة.
وقد وصل الأثر المذكور بذكر الكعبة فيه أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له من طريق صالح بن كيسان قال " رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة فلا يدع أحدا يمر بين يديه يبادره " قال: أي يرده.
قوله: (إن أبى) أي المار (إلا أن يقاتله) أي المصلي (قاتله) كذا للأكثر بصيغة الفعل الماضي وهو على سبيل المبالغة.
وللكشميهني (إلا أن يقاتله) بصيغة المخاطبة (فقاتله) بصيغة الأمر.
وهذه الجملة الأخيرة من كلام ابن عمر أيضا، وقد وصلها عبد الرزاق ولفظه عن ابن عمر قال " لا تدع أحدا يمر بين يديك وأنت تصلي، فإن أبى إلا أن تقاتله فقاتله " وهذا موافق لسياق الكشميهني.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَدَوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ يُصَلِّي إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إِلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ فَعَادَ لِيَجْتَازَ فَدَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ أَشَدَّ مِنْ الْأُولَى فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِيَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ خَلْفَهُ عَلَى مَرْوَانَ فَقَالَ مَا لَكَ وَلِابْنِ أَخِيكَ يَا أَبَا سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ
الشرح:
قوله: (يونس) هو ابن عبيد، وقد قرن البخاري روايته برواية سليمان بن المغيرة، وتبين من إيراده أن القصة المذكورة في رواية سليمان لا في رواية يونس، ولفظ المتن الذي ساقه هنا هو لفظ سليمان أيضا لا لفظ يونس، وإنما ظهر لنا ذلك من المصنف حيث ساق الحديث في كتاب بدء الخلق بالإسناد المذكور الذي ساقه هنا من رواية يونس بعينه، ولفظ المتن مغاير للفظ الذي ساقه هنا، وليس فيه تقييد الدفع بما إذا كان المصلي يصلي إلى سترة.
وذكر الإسماعيلي أن سليم بن حيان تابع يونس عن حميد على عدم التقييد.
قلت: والمطلق في هذا محمول على المقيد، لأن الذي يصلي إلى غير سترة مقصر بتركها ولا سيما إن صلى في مشارع المشاة، وقد روى عبد الرزاق عن معمر التفرقة بين من يصلي إلى سترة وإلى غير سترة.
وفي الروضة تبعا لأصلها: ولو صلى إلى غير سترة أو كانت وتباعد منها فالأصح أنه ليس له الدفع لتقصيره ولا يحرم المرور حينئذ بين يديه ولكن الأولى تركه.
(تنبيه) : ذكر أبو مسعود وغيره أن البخاري لم يخرج لسليمان بن المغيرة شيئا موصولا إلا هذا الحديث.
قوله: (فأراد شاب من بني أبي معيط) وقع في كتاب الصلاة لأبي نعيم أنه الوليد بن عقبة بن أبي معيط أخرجه عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن زيد بن أسلم قال " بينما أبو سعيد قائم يصلي في المسجد فأقبل الوليد ابن عقبة بن أبي معيط فأراد أن يمر بين يديه، فدفعه، فأبى إلا أن يمر بين يديه فدفعه " هذا آخر ما أورده من هذه القصة.
وفي تفسير الذي وقع في الصحيح بأنه الوليد هذا نظر، لأن فيه أنه دخل على مروان.
زاد الإسماعيلي " ومروان يومئذ على المدينة " ا ه.
ومروان إنما كان أميرا على المدينة في خلافة معاوية، ولم يكن الوليد حينئذ بالمدينة لأنه لما قتل عثمان تحول إلى الجزيرة فسكنها حتى مات في خلافة معاوية، ولم يحضر شيئا من الحروب التي كانت بين علي ومن خالفه.
وأيضا فلم يكن الوليد يومئذ شابا، بل كان في عشر الخمسين فلعله كان فيه: فأقبل ابن الوليد بن عقبة فيتجه.
وروى عبد الرزاق حديث الباب عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه فقال فيه " إذ جاء شاب " ولم يسمه أيضا.
وعن معمر عن زيد بن أسلم وقال فيه " فذهب ذو قرابة لمروان".
ومن طريق أبي العلاء فيه عن أبي سعيد فقال فيه " مر رجل بين يديه من بني مروان".
وللنسائي من وجه آخر " فمر ابن لمروان " وسماه عبد الرزاق من طريق سليمان بن موسى " داود بن مروان " ولفظه " أراد داود بن مروان أن يمر بين يدي أبي سعيد ومروان يومئذ أمير المدينة " فذكر الحديث، وبذلك جزم ابن الجوزي ومن تبعه في تسمية المبهم الذي في الصحيح بأنه داود بن مروان، وفيه نظر لأن فيه أنه من بني أبي معيط وليس مروان من بنيه، بل أبو معيط ابن عم والد مروان، لأنه أبو معيط بن أبي عمرو بن أمية، ووالد مروان هو الحكم بن أبي العاص بن أمية، وليست أم داود ولا أم مروان ولا أم الحكم من ولد أبي معيط، فيحتمل أن يكون داود نسب إلى أبي معيط من جهة الرضاعة أو لكون جده لأمه عثمان بن عفان كان أخا للوليد بن عقبة بن أبي معيط لأمه فنسب داود إليه وفيه بعد، والأقرب أن تكون الواقعة تعددت لأبي سعيد مع غير واحد، ففي مصنف ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي سعيد في هذه القصة " فأراد عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن يمر بين يديه " الحديث، وعبد الرحمن مخزومي ما له من أبي معيط نسبة، والله أعلم.
قوله: (فلم يجد مساغا) بالغين المعجمة، أي ممرا.
وقوله "فنال من أبي سعيد"، أي أصاب من عرضه بالشتم.
قوله: (فقال مالك ولابن أخيك) ؟ أطلق الأخوة باعتبار الإيمان، وهذا يؤيد أن المار غير الوليد، لأن أباه عقبة قتل كافرا، واستدل الرافعي بهذه القصة على مشروعية الدفع ولو لم يكن هناك مسلك غيره، خلافا لإمام الحرمين.
ولابن الرفعة فيه بحث سنشير إليه في الحديث الذي بعده إن شاء الله تعالى.
قوله: (فليدفعه) ، ولمسلم " فليدفع في نحره " قال القرطبي: أي بالإشارة ولطيف المنع.
و قوله: (فليقاتله) أي يزيد في دفعه الثاني أشد من الأول.
قال: وأجمعوا على أنه لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح، لمخالفة ذلك لقاعدة الإقبال على الصلاة والاشتغال بها والخشوع فيها ا ه.
وأطلق جماعة من الشافعية أن له أن يقاتله حقيقة، واستبعد ابن العربي ذلك في " القبس " وقال: المراد بالمقاتلة المدافعة.
وأغرب الباجي فقال: يحتمل أن يكون المراد بالمقاتلة اللعن أو التعنيف.
وتعقب بأنه يستلزم التكلم في الصلاة وهو مبطل، بخلاف الفعل اليسير.
ويمكن أن يكون أراد أنه يلعنه داعيا لا مخاطبا، لكن فعل الصحابي يخالفه، وهو أدرى بالمراد.
وقد رواه الإسماعيلي بلفظ " فإن أبى فليجعل يده في صدره ويدفعه " وهو صريح في الدفع باليد.
ونقل البيهقي عن الشافعي أن المراد بالمقاتلة دفع أشد من الدفع الأول، وما تقدم عن ابن عمر يقتضي أن المقاتلة إنما تشرع إذا تعينت في دفعه، وبنحوه صرح أصحابنا فقالوا: يرده بأسهل الوجوه، فإن أبى فبأشد، ولو أدى إلى قتله.
فلو قتل فلا شيء عليه لأن الشارع أباح له مقاتلته، والمقاتلة المباحة لا ضمان فيها.
ونقل عياض وغيره أن عندهم خلافا في وجوب الدية في هذه الحالة.
ونقل ابن بطال وغيره الاتفاق على أنه لا يجوز له المشي من مكانه ليدفعه، ولا العمل الكثير في مدافعته، لأن ذلك أشد في الصلاة من المرور.
وذهب الجمهور إلى أنه إذا مر ولم يدفعه فلا ينبغي له أن يرده لأن فيه إعادة للمرور، وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود وغيره أن له ذلك، ويمكن حمله على ما إذا رده فامتنع وتمادى، لا حيث يقصر المصلي في الرد.
وقال النووي: لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع، بل صرح أصحابنا بأنه مندوب.
انتهى.
وقد صرح بوجوبه أهل الظاهر، فكأن الشيخ لم يراجع كلامهم فيه أو لم يعتد بخلافهم.
قوله: (فإنما هو شيطان) أي فعله فعل الشيطان، لأنه أبى إلا التشويش على المصلي.
وإطلاق الشيطان على المارد من الإنس سائغ شائع، وقد جاء في القرآن قوله تعالى (شياطين الإنس والجن) .
وقال ابن بطال: في هذا الحديث جواز إطلاق لفظ الشيطان على من يفتن في الدين، وأن الحكم للمعاني دون الأسماء، لاستحالة أن يصير المار شيطانا بمجرد مروره.
انتهى.
وهو مبني على أن لفظ " الشيطان " يطلق حقيقة على الجني ومجازا على الإنسي، وفيه بحث.
ويحتمل أن يكون المعنى: فإنما الحامل له على ذلك الشيطان.
وقد وقع في رواية للإسماعيلي " فإنما هو شيطان " ونحوه لمسلم من حديث ابن عمر بلفظ " فإن معه القرين".
واستنبط ابن أبي جمرة من قوله " فإنما هو شيطان " أن المراد بقوله " فليقاتله " المدافعة اللطيفة لا حقيقة القتال، قال: لأن مقاتلة الشيطان إنما هي بالاستعاذة والتستر عنه بالتسمية ونحوها، وإنما جاز الفعل اليسير في الصلاة للضرورة، فلو قاتله حقيقة المقاتلة لكان أشد على صلاته من المار.
قال: وهل المقاتلة لخلل يقع في صلاة المصلي من المرور، أو لدفع الإثم عن المار؟ الظاهر الثاني.
انتهى.
وقال غيره: بل الأول أظهر لأن إقبال المصلي على صلاته أولى له من اشتغاله بدفع الإثم عن غيره.
وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود " أن المرور بين يدي المصلي يقطع نصف صلاته " وروى أبو نعيم عن عمر " لو يعلم المصلي ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه ما صلى إلا إلى شيء يستره من الناس".
فهذان الأثران مقتضاهما أن الدفع لخلل يتعلق بصلاة المصلي، ولا يختص بالمار، وهما وإن كانا موقوفين لفظا فحكمهما حكم الرفع، لأن مثلهما لا يقال بالرأي.