*3* باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَذَكَرَ حَاجَةً فَتَخَطَّاهُمْ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم) الغرض من هذه الترجمة بيان أن المكث المذكور في الباب قبله محله ما إذا لم يعرض ما يحتاج معه إلى القيام.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ فَقَالَ ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ
الشرح:
قوله: (حدثنا محمد بن عبيد) أي ابن ميمون العلاف، وثبت كذلك في رواية ابن عساكر.
قوله: (عن عمر بن سعيد) أي ابن أبي حسين المكي.
قوله: (عن عقبة) هو ابن الحارث النوفلي، وللمصنف في الزكاة من رواية أبي عاصم عن عمر بن سعيد أن عقبة بن الحارث حدثه.
قوله: (فمسلم فقام) في رواية الكشميهني " ثم قام".
قوله: (ففزع الناس) أي خافوا، وكانت تلك عادتهم إذا رأوا منه غير ما يعهدونه خشية أن ينزل فيهم شيء يسوؤهم.
قوله: (فرأى أنهم قد عجبوا) في رواية أبي عاصم " فقلت أو فقيل له " وهو شك من الراوي، فإن كان قوله فقلت محفوظا فقد تعين الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة عن ذلك.
قوله: (ذكرت شيئا من تبر) في رواية روح عن عمر بن سعيد في أواخر الصلاة " ذكرت وأنا في الصلاة " وفي رواية أبي عاصم " تبرا من الصدقة " والتبر بكسر المثناة وسكون الموحدة الذهب الذي لم يصف ولم يضرب، قال الجوهري: لا يقال إلا للذهب.
وقد قاله بعضهم في الفضة.
انتهى.
وأطلقه بعضهم على جميع جواهر الأرض قبل أن تصاغ أو تضرب حكاه ابن الأنباري عن الكسائي، وكذا أشار إليه ابن دريد.
وقيل هو الذهب المكسور، حكاه ابن سيده.
قوله: (يحبسني) أي يشغلني التفكر فيه عن التوجه والإقبال على الله تعالى.
وفهم منه ابن بطال معنى آخر فقالا: فيه أن تأخير الصدقة تحبس صاحبها يوم القيامة.
قوله: (فأمرت بقسمته) في رواية أبي عاصم " فقسمته " وفي الحديث أن المكث بعد الصلاة ليس بواجب، وأن التخطي للحاجة مباح، وأن التفكر في الصلاة في أمر لا يتعلق بالصلاة لا يفسدها ولا ينقص من كمالها، وأن إنشاء العزم في أثناء الصلاة على الأمور الجائزة لا يضر، وفيه إطلاق الفعل على ما يأمر به الإنسان، وجواز الاستنابة مع القدرة على المباشرة.
*3* باب الِانْفِتَالِ وَالِانْصِرَافِ عَنْ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ حذف التشكيل
وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَنْفَتِلُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَيَعِيبُ عَلَى مَنْ يَتَوَخَّى أَوْ مَنْ يَعْمِدُ الِانْفِتَالَ عَنْ يَمِينِهِ
الشرح:
قوله: (باب الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال) قال الزين بن المنير: جمع في الترجمة بين الانفتال والانصراف للإشارة إلى أنه لا فرق في الحكم بين الماكث في مصلاه إذا انفتل لاستقبال المأمومين، وبين المتوجه لحاجته إذا انصرف إليها.
قوله: (وكان أنس بن مالك الخ) وصله مسدد في مسنده الكبير من طريق سعيد عن قتادة قال " كان أنس " فذكره وقال فيه " ويعيب على من يتوخى ذلك أن لا ينفتل إلا عن يمينه ويقول: يدور كما يدور الحمار " وقوله " يتوخى " بخاء معجمة مشددة أي يقصد، وقوله: (أو يعمد) شك من الراوي.
قلت: وظاهر هذا الأثر عن أنس يخالف ما رواه مسلم من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدي قال " سألت أنسا كيف أنصرف إذا صليت عن يميني أو عن يساري؟ قال: أما أنا فأكثر ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه " ويجمع بينهما بأن أنسا عاب من يعتقد تحتم ذلك ووجوبه، وأما إذا استوى الأمران فجهة اليمين أولى.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَجْعَلْ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ
الشرح:
قوله: (عن سليمان) هو الأعمش.
قوله: (عن عمارة) في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عن الأعمش " سمعت عمارة بن عمير " وفي الإسناد ثلاثة من التابعين كوفيون في نسق آخرهم الأسود وهو ابن يزيد النخعي.
قوله: (لا يجعل) في رواية الكشميهني " لا يجعلن " بزيادة نون التأكيد.
قوله: (شيئا من صلاته) في رواية وكيع وغيره عن الأعمش عند مسلم " جزءا من صلاته".
قوله: (يرى) بفتح أوله أي يعتقد، ويجوز الضم أي يظن.
و قوله: (أن حقا عليه) هو بيان للجعل في قوله " لا يجعل".
قوله: (أن لا ينصرف) أي يرى أن عدم الانصراف حق عليه، فهو من باب القلب قاله الكرماني في الجواب عن ابتدائه بالنكرة قال: أو لأن النكرة المخصوصة كالمعروفة.
قوله: (كثيرا ينصرف عن يساره) في رواية مسلم " أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله " فأما رواية البخاري فلا تعارض حديث أنس الذي أشرت إليه عند مسلم، وأما رواية مسلم فظاهرة التعارض لأنه عبر في كل منهما بصيغة أفعل، قال النووي: يجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة هذا وتارة هذا، فأخبر كل منهما بما اعتقد أنه الأكثر، وإنما كره ابن مسعود أن يعتقد وجوب الانصراف عن اليمين.
قلت: وهو موافق للأثر المذكور أولا عن أنس، ويمكن أن يجمع بينهما بوجه آخر، وهو أن يحمل حديث ابن مسعود على حالة الصلاة في المسجد، لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت من جهة يساره، ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر، ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأنس رجح ابن مسعود لأنه أعلم وأسن وأجل وأكثر ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرب إلى موقفه في الصلاة من أنس، وبان في إسناد حديث أنس من تكلم فيه وهو السدي، وبأنه متفق عليه بخلاف حديث أنس في الأمرين، وبأن رواية ابن مسعود توافق ظاهر الحال لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت على جهة يساره كما تقدم.
ثم ظهر لي أنه بمكن الجمع بين الحديثين بوجه آخر، وهو أن من قال كان أكثر انصرافه عن يساره نظر إلى هيئته في حال الصلاة، ومن قال كان أكثر انصرافه عن يمينه نظر إلى هيئته في حالة استقباله القوم بعد سلامه من الصلاة، فعلى هذا لا يختص الانصراف بجهة معينة، ومن ثم قال العلماء.
يستحب الانصراف إلى جهة حاجته.
.
لكن قالوا: إذا استوت الجهتان في حقه فاليمين أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بفضل التيامن كحديث عائشة المتقدم في كتاب الطهارة.
قال ابن المنير: فيه أن المندوبات قد تنقلب مكروهات إذا رفعت عن رتبتها، لأن التيامن مستحب في كل شيء أي من أمور العبادة، لكن لما خشي ابن مسعود أن يعتقدوا وجوبه أشار إلى كراهته، والله أعلم.