*3* باب سَجْدَةِ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب سجدة إذا السماء انشقت) أورد فيه حديث أبي هريرة في السجود فيها.
وهشام هو ابن أبي عبد الله الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير.
وقوله فسجد بها في رواية الكشميهني فيها والباء للظرف.
وقول أبي سلمة لم أرك تسجد قيل هو استفهام إنكار من أبي سلمة يشعر بأن العمل استمر على خلاف ذلك ولذلك أنكره أبو رافع كما سيأتي بعد ثلاثة أبواب، وهذا فيه نظر، وعلى التنزل فيمكن أن يتمسك به من لا يرى السجود بها في الصلاة، أما تركها مطلقا فلا.
ويدل على بطلان المدعي أن أبا سلمة وأبا رافع لم ينازعا أبا هريرة بعد أن أعلمهما بالسنة في هذه المسألة ولا احتجا عليه بالعمل على خلاف ذلك.
قال ابن عبد البر: وأي عمل يدعي مع مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده؟ .
*3* باب مَنْ سَجَدَ لِسُجُودِ الْقَارِئِ حذف التشكيل
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِتَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ وَهُوَ غُلَامٌ فَقَرَأَ عَلَيْهِ سَجْدَةً فَقَالَ اسْجُدْ فَإِنَّكَ إِمَامُنَا فِيهَا
الشرح:
قوله: (باب من سجد سجود القارئ) قال ابن بطال: أجمعوا على أن القارئ إذا سجد لزم المستمع أن يسجد كذا أطلق، وسيأتي بعد باب قول من جعل ذلك مشروطا بقصد الاستماع.
وفي الترجمة إشارة إلى أن القارئ إذا لم يسجد لم يسجد السامع.
ويتأيد بما سأذكره.
قوله: (وقال ابن مسعود لتميم بن حذلم) بفتح المهملة واللام بينهما معجمة ساكنة.
قوله: (إمامنا) زاد الحموي " فيها " وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور من رواية مغيرة عن إبراهيم قال: قال تميم بن حذلم: قرأت القرآن على عبد الله وأنا غلام، فمررت بسجدة فقال عبد الله: أنت إمامنا فيها.
وقد روى مرفوعا أخرجه ابن أبي شيبة من رواية ابن عجلان عن زيد بن أسلم، أن غلاما قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم السجدة، فانتظر الغلام النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد، فلما لم يسجد قال: يا رسول الله أليس في هذه السجدة سجود؟ قال: " بلى، ولكنك كنت إمامنا فيها، ولو سجدت لسجدنا " رجاله ثقات إلا أنه مرسل.
وقد روى عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: بلغني، فذكر نحوه.
أخرجه البيهقي من رواية ابن وهب عن هشام بن سعد وحفص بن ميسرة معا عن زيد بن أسلم به.
وجوز الشافعي أن يكون القارئ المذكور هو زيد بن ثابت، لأنه يحكي أنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسجد، ولأن عطاء بن يسار روى الحديثين المذكورين.
انتهى.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَوْضِعَ جَبْهَتِهِ
الشرح:
قوله: (حدثنا يحيى) هو القطان، وسيأتي الكلام على المتن في الباب الأخير.
*3* باب ازْدِحَامِ النَّاسِ إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ السَّجْدَةَ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب ازدحام الناس إذا قرأ الإمام السجدة) أي لضيق المكان وكثرة الساجدين.
الحديث:
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ فَنَزْدَحِمُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا لِجَبْهَتِهِ مَوْضِعًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ
الشرح:
قوله: (حدثنا بشر بن آدم) هو الضرير البغدادي، بصري الأصل، ليس له في البخاري إلا هذا الموضع الواحد.
وفي طبقته بشر بن آدم بن يزيد بصري أيضا وهو ابن بنت أزهر السمان، وفي كل منهما مقال.
ورجح ابن عدي أن شيخ البخاري هنا هو ابن بنت أزهر، وعلى كل تقدير فلم يخرج له إلا في المتابعات، فسيأتي من طريق أخرى بعد باب ويأتي الكلام عليه.
ووافقه على هذه الرواية عن علي بن مسهر سويد بن سعيد، أخرجه الإسماعيلي.
*3* باب مَنْ رَأَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُوجِبْ السُّجُودَ حذف التشكيل
وَقِيلَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الرَّجُلُ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَجْلِسْ لَهَا قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ قَعَدَ لَهَا كَأَنَّهُ لَا يُوجِبُهُ عَلَيْهِ وَقَالَ سَلْمَانُ مَا لِهَذَا غَدَوْنَا وَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ اسْتَمَعَهَا وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لَا يَسْجُدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا فَإِذَا سَجَدْتَ وَأَنْتَ فِي حَضَرٍ فَاسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَإِنْ كُنْتَ رَاكِبًا فَلَا عَلَيْكَ حَيْثُ كَانَ وَجْهُكَ وَكَانَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ لَا يَسْجُدُ لِسُجُودِ الْقَاصِّ
الشرح:
قوله: (باب من رأى أن الله لم يوجب السجود) أي وحمل الأمر في قوله اسجدوا على الندب أو على أن المراد به سجود الصلاة أو في الصلاة المكتوبة على الوجوب وفي سجود التلاوة على الندب، على قاعدة الشافعي ومن تابعه في حمل المشترك على معنييه.
ومن الأدلة على أن سجود التلاوة ليس بواجب ما أشار إليه الطحاوي من أن الآيات التي في سجود التلاوة منها ما هو بصيغة الخبر ومنها ما هو بصيغة الأمر، وقد وقع الخلاف في التي بصيغة الأمر هل فيها سجود أو لا، وهي ثانية الحج وخاتمة النجم واقرأ، فلو كان سجود التلاوة واجبا لكان ما ورد بصيغة الأمر أولى أن يتفق على السجود فيه مما ورد بصيغة الخبر.
قوله: (وقيل لعمران بن حصين) وصله ابن أبي شيبة بمعناه من طريق مطرف قال " سألت عمران ابن حصين عن الرجل لا يدري أسمع السجدة أو لا؟ فقال: وسمعها أو لا فماذا؟".
وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن مطرف " أن عمران مر بقاص فقرأ القاص السجدة فمضى عمران ولم يسجد معه".
إسنادهما صحيح.
قوله: (وقال سلمان) هو الفارسي.
قوله: (ما لهذا غدونا) هو طرف من أثر وصله عبد الرزاق من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال " مر سلمان على قوم قعود، فقرؤوا السجدة فسجدوا، فقيل له، فقال: ليس لهذا غدونا " وإسناده صحيح.
قوله: (وقال عثمان: إنما السجدة على من استمعها) وصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب " أن عثمان مر بقاص فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان، فقال عثمان: إنما السجود على من استمع، ثم مضى ولم يسجد " ورواه ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب بلفظ " إنما السجدة على من سمعها " مختصرا، وروى ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب قال: قال عثمان " إنما السجدة على من جلس لها واستمع " والطريقان صحيحان.
قوله: (وقال الزهري الخ) وصله عبد الله بن وهب عن يونس عنه بتمامه، وقوله فيه " لا يسجد إلا أن يكون طاهرا " قيل ليس بدال على عدم الوجوب، لأن المدعي يقول: علق فعل السجود من القارئ والسامع على شرط وهو وجود الطهارة، فحيث وجد الشرط لزم؛ لكن موضع الترجمة من هذا الأثر قوله " فإن كنت راكبا فلا عليك حيث كان وجهك " لأن هذا دليل النفل، والواجب لا يؤدى على الدابة في الأمن.
قوله: (وكان السائب بن يزيد لا يسجد لسجود القاص) بالصاد المهملة الثقيلة: الذي يقص على الناس الأخبار والمواعظ، ولم أقف على هذا الأثر موصولا.
ومناسبة هذه الآثار للترجمة ظاهرة، لأن الذين يزعمون أن سجود التلاوة واجب لم يفرقوا بين قارئ ومستمع، قال صاحب الهداية من الحنفية: السجدة في هذه المواضع - أي مواضع سجود التلاوة - سوى ثانية الحج واجبة على التالي والسامع، سواء قصد سماع القرآن أو لم يقصد ا ه.
وفرق بعض العلماء بين السامع والمستمع بما دلت عليه هذه الآثار.
وقال الشافعي في البويطي: لا أؤكده على السامع كما أؤكده على المستمع.
وأقوى الأدلة على نفي الوجوب حديث عمر المذكور في هذا الباب صلى الله عليه وسلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ التَّيْمِيِّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَبِيعَةُ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ عَمَّا حَضَرَ رَبِيعَةُ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ حَتَّى إِذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَزَادَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ
الشرح:
قوله: (أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة) هو أخو محمد صلى الله عليه وسلم، وعثمان بن عبد الرحمن التيمي وثقه أبو حاتم، وليس له في البخاري غير هذا الحديث، ولأبيه صحبة ورواية، وهو ابن عثمان بن عبيد الله ابن أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة، وربيعة بن عبد الله بن الهدير هو عم أبي بكر بن المنذر بن عبد الله ابن الهدير الراوي عنه، والهدير بلفظ التصغير، ذكر ابن سعد أن ربيعة ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس له أيضا في البخاري غير هذا الحديث الواحد.
قوله: (عما حضر ربيعة من عمر) متعلق بقوله " أخبرني " أي أخبرني راويا عن عثمان عن ربيعة عن قصة حضوره مجلس عمر.
ووقع عند الإسماعيلي من طريق حجاج عن ابن جريج " أخبرني أبو بكر ابن أبي مليكة أن عبد الرحمن بن عثمان التيمي أخبره عن ربيعة بن عبد الله أنه حضر عمر " فذكره ا ه.
وقوله "عبد الرحمن بن عثمان " مقلوب والصواب ما تقدم، وكذا أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج.
قوله: (قرأ) أي أنه قرأ يوم الجمعة.
قوله: (إنا نمر بالسجود) في رواية الكشميهني " إنما".
قوله: (ومن لم يسجد فلا أثم عليه) ظاهر في عدم الوجوب قوله: (ولم يسجد عمر) فيه توكيد لبيان جواز ترك السجود بغير ضرورة.
قوله: (وزاد نافع) هو مقول ابن جريج، والخبر متصل بالإسناد الأول، وقد بين ذلك عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج " أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة " فذكره وقال في آخره " قال ابن جريج: وزادني نافع عن ابن عمر أنه قال: لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء " وكذلك رواه الإسماعيلي والبيهقي وغيرهما من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج فذكر الإسناد الأول، قال وقال حجاج قال ابن جريج وزاد نافع فذكره، وفي هذا رد على الحميدي في زعمه أن هذا معلق، وكذا علم عليه المزي علامة التعليق، وهو وهم، وله شاهد من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عمر لكنه منقطع بين عروة وعمر.
(تنبيه) : قوله في رواية عبد الرزاق " أنه قال " الضمير يعود على عمر، أشار إلى ذلك الترمذي في جامعه حيث نسب ذلك إلى عمر في هذه القصة بصيغة الجزم، واستدل بقوله " لم يفرض " على عدم وجوب سجود التلاوة، وأجاب بعض الحنفية على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب بأن نفي الفرض لا يستلزم نفي الوجوب.
وتعقب بأنه اصطلاح لهم حادث، وما كان الصحابة يفرقون بينهما، ويغني عن هذا قول عمر " ومن لم يسجد فلا إثم عليه " كما سيأتي تقريره.
واستدل بقوله " إلا أن نشاء " على أن المرء مخير في السجود فيكون ليس بواجب.
وأجاب من أوجبه بأن المعنى إلا أن نشاء قراءتها فيجب ولا يخفى بعده، ويرده تصريح عمر بقوله " ومن لم يسجد فلا إثم عليه " فإن انتفاء الإثم عمن ترك الفعل مختارا يدل على عدم وجوبه، استدل به على أن من شرع في السجود وجب عليه إتمامه، وأجيب بأنه استثناء منقطع، والمعنى لكن ذلك موكول إلى مشيئة المرء بدليل إطلاقه " ومن لم يسجد فلا إثم عليه " وفي الحديث من الفوائد أن للخطيب أن يقرأ القرآن في الخطبة، وأنه إذا مر بآية ينزل إلى الأرض ليسجد بها إذا لم يتمكن من السجود فوق المنبر، وأن ذلك لا يقطع الخطبة.
ووجه ذلك فعل عمر حضور الصحابة ولم ينكر عليه أحد منهم، وعن مالك يمر في خطبته ولا يسجد، وهذا الأثر وارد عليه.