*3* باب مَا يُنْهَى مِنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب ما ينهى من سب الأموات) قال الزين بن المنير: لفظ الترجمة يشعر بانقسام السب إلى منهي وغير منهي، ولفظ الخبر مضمونه النهي عن السب مطلقا.
والجواب أن عمومه مخصوص بحديث أنس السابق حيث قال صلى الله عليه وسلم عند ثنائهم بالخير وبالشر " وجبت، وأنتم شهداء الله في الأرض " ولم ينكر عليهم.
ويحتمل أن اللام في الأموات عهدية والمراد به المسلمون، لأن الكفار مما يتقرب إلى الله بسبهم.
وقال القرطبي في الكلام على حديث " وجبت " يحتمل أجوبة، الأول أن الذي كان يحدث عنه بالشر كان مستظهرا به فيكون من باب لا غيبة لفاسق، أو كان منافقا.
ثانيها يحمل النهي على ما بعد الدفن، والجواز على ما قبله ليتعظ به من يسمعه.
ثالثها يكون النهي العام متأخرا فيكون ناسخا، وهذا ضعيف.
وقال ابن رشيد ما محصله: أن السب ينقسم في حق الكفار وفي حق المسلمين، أما الكافر فيمنع إذا تأذى به الحي المسلم، وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك كأن يصير من قبيل الشهادة، وقد يجب في بعض المواضع، وقد يكون فيه مصلحة للميت، كمن علم أنه أخذ ماله بشهادة زور ومات الشاهد فإن ذكر ذلك ينفع الميت إن علم أن ذلك المال يرد إلى صاحبه.
قال: ولأجل الغفلة عن هذا التفضيل ظن بعضهم أن البخاري سها عن حديث الثناء بالخير والشر، وإنما قصد البخاري أن يبين أن ذلك الجائز كان على معنى الشهادة، وهذا الممنوع هو على معنى السب، ولما كان المتن قد يشعر بالعموم أتبعه بالترجمة التي بعده.
وتأول بعضهم الترجمة الأولى على المسلمين خاصة.
والوجه عندي حمله على العموم إلا ما خصصه الدليل.
بل لقائل أن يمنع أن ما كان على جهة الشهادة وقصد التحذير يسمى سبا في اللغة.
وقال ابن بطال: سب الأموات يجري مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير - وقد تكون منه الفلتة - فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقا معلنا فلا غيبة له، فكذلك الميت.
ويحتمل أن يكون النهي على عمومه فيما بعد الدفن، والمباح ذكر الرجل بما فيه قبل الدفن ليتعظ بذلك فساق الأحياء، فإذا صار إلى قبره أمسك عنه لإفضائه إلى ما قدم.
وقد عملت عائشة راوية هذا الحديث بذلك في حق من استحق عندها اللعن فكانت تلعنه وهو حي، فلما مات تركت ذلك ونهت عن لعنه كما سأذكره.
الحديث:
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ عَنْ الْأَعْمَشِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ الْأَعْمَشِ تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ وَابْنُ عَرْعَرَةَ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ
الشرح:
قوله: (أفضوا) أي وصلوا إلى ما عملوا من خير أو شر، واستدل به على منع سب الأموات مطلقا، وقد تقدم أن عمومه مخصوص، وأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم للتحذير منهم والتنفير عنهم.
وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتا.
قوله: (ورواه عبد الله بن عبد القدوس ومحمد بن أنس عن الأعمش) أي متابعين لشعبة، وأنس والد محمد كالجادة، وهو كوفي سكن الدينور، وثقه أبو زرعة وغيره، وروى عنه من شيوخ البخاري إبراهيم بن موسى الرازي.
وأما ابن عبد القدوس فذكره البخاري في التاريخ فقال: إنه صدوق إلا أنه يروي عن قوم ضعفاء.
واختلف كلام غيره فيه، وليس له في الصحيح غير هذا الموضع الواحد.
ووقع لنا أيضا من رواية محمد بن فضيل عن الأعمش بزيادة فيه، أخرجه عمر بن شبة في " كتاب أخبار البصرة " عن محمد بن يزيد الرفاعي عنه بهذا السند إلى مجاهد " إن عائشة قالت: ما فعل يزيد الأرجي لعنه الله؟ قالوا: مات.
قالت: أستغفر الله.
قالوا: ما هذا؟ فذكرت الحديث " وأخرجه من طريق مسروق " إن عليا بعث يزيد بن قيس الأرجي في أيام الجمل برسالة فلم ترد عليه جوابا، فبلغها أنه عاب عليها ذلك فكانت تلعنه، ثم لما بلغها موته نهت عن لعنه وقالت: إن رسول الله نهانا عن سب الأموات " وصححه ابن حبان من وجه آخر عن الأعمش عن مجاهد بالقصة.
قوله: (تابعه علي بن الجعد) وصله المصنف في الرقاق عنه.
قوله: (ومحمد بن عرعرة وابن أبي عدي) لم أره من طريق محمد بن عرعرة موصولا، وطريق ابن أبي عدي ذكرها الإسماعيلي.
ووصله أيضا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة، وهو عند أحمد عنه.
*3* باب ذِكْرِ شِرَارِ الْمَوْتَى حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب ذكر شرار الموتى) تقدم في الباب قبله من شرح ذلك ما فيه كفاية.
وحديث الباب أورده هنا مختصرا، وسيأتي مطولا مع الكلام عليه في تفسير الشعراء إن شاء الله تعالى.
(خاتمة) حذف التشكيل : اشتمل كتاب الجنائز من الأحاديث المرفوعة على مائتي حديث وعشرة أحاديث، المعلق من ذلك والمتابعة ستة وخمسون حديثا، والبقية موصولة.
المكرر من ذلك فيه وفيما مضى مائة حديث وتسعة أحاديث، والخالص مائة حديث وحديث.
وافقه مسلم على تخريجها سوى أربعة وعشرين حديثا وهي: حديث عائشة " أقبل أبو بكر على فرسه"، وحديث أم العلاء في قصة عثمان ابن مظعون، وحديث أنس " أخذ الراية زيد فأصيب"، وحديثه " ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاثة"، وحديث عبد الرحمن بن عوف " قتل مصعب بن عمير"، وحديث سهل بن سعد " أن امرأة جاءت ببردة منسوجة"، وحديث أنس " شهدنا بنتا للنبي صلى الله عليه وسلم"، وحديث أبي سعيد " إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال"، وحديث ابن عباس في القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب، وحديث جابر في قصة قتلى أحد " زملوهم بدمائهم"، وحديثه في قصة استشهاد أبيه ودفنه، وحديث صفية بنت شيبة في تحريم مكة، وحديث أنس في قصة الغلام اليهودي، وحديث ابن عباس " كنت أنا وأمي من المستضعفين " وقد وهم المزي تبعا لأبي مسعود في جعله من المتفق، وقد تعقبه الحميدي على أبي مسعود فأجاد، وحديث أبي هريرة الذي يخنق نفسه كما أوضحته فيما مضى، وحديث عمر " أيما مسلم شهد له أربعة بخير"، وحديث بنت خالد بن سعيد في التعوذ، وحديث البراء لما توفي إبراهيم، وحديث سمرة في الرؤيا بطوله لكن عند مسلم طرف يسير من أوله، وحديث عائشة " توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين"، وحديثها في وصيتها أن لا تدفن معهم، وحديث عمر في قصة وصيته عند قتله، وحديث عائشة " لا تسبوا الأموات"، وحديث ابن عباس في قول أبي لهب.
وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة ومن بعدهم ثمانية وأربعون أثرا، منها ستة موصولة، والبقية معلقة.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.