*3* باب عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْغِيبَةِ وَالْبَوْلِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب عذاب القبر من الغيبة والبول) قال الزين بن المنير: المراد بتخصيص هذين الأمرين بالذكر تعظيم أمرهما.
لا نفي الحكم عما عداهما، فعلى هذا لا يلزم من ذكرهما حصر عذاب القبر فيهما، لكن الظاهر من الاقتصار على ذكرهما أنهما أمكن في ذلك من غيرهما، وقد روى أصحاب السنن من حديث أبي هريرة " استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه".
الحديث:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ بَلَى أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ قَالَ ثُمَّ أَخَذَ عُودًا رَطْبًا فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ ثُمَّ قَالَ لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا
الشرح:
حديث ابن عباس أورده المصنف في قصة القبرين، وليس فيه للغيبة ذكر، وإنما ورد بلفظ النميمة، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في الطهارة.
وقيل مراد المصنف أن الغيبة تلازم النميمة لأن النميمة مشتملة على ضربين: نقل كلام المغتاب إلى الذي اغتابه، والحديث عن المنقول عنه بما لا يريده.
قال بن رشيد: لكن لا يلزم من الوعيد على النميمة ثبوته على الغيبة وحدها، لأن مفسدة النميمة أعظم، وإذا لم تساوها لم يصح الإلحاق إذ لا يلزم من التعذيب على الأشد التعذيب على الأخف، لكن يجوز أن يكون ورد على معنى التوقع والحذر فيكون قصد التحذير من المغتاب لئلا يكون له في ذلك نصيب انتهى.
وقد وقع في بعض طرق هذا الحديث بلفظ الغيبة كما بيناه في الطهارة، فالظاهر أن البخاري جرى على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث والله أعلم.
*3* باب الْمَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي) أورد فيه حديث ابن عمر " أن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي " قال ابن التين: يحتمل أن يريد بالغداة والعشي غداة واحدة وعشية واحدة يكون العرض فيها.
ومعنى قوله " حتى يبعثك الله " أي لا تصل إليه إلى يوم البعث.
ويحتمل أن يريد كل غداة وكل عشي، وهو محمول على أنه يحيا منه جزء ليدرك ذلك فغير ممتنع أن تعاد الحياة إلى جزء من الميت أو أجزاء وتصح مخاطبته والعرض عليه انتهى.
والأول موافق للأحاديث المتقدمة قبل بابين في سياق المسألة وعرض المقعدين على كل أحد.
وقال القرطبي: يجوز أن يكون هذا العرض على الروح فقط، ويجوز أن يكون عليه مع جزء من البدن.
قال: والمراد بالغداة والعشي وقتهما وإلا فالموتى لا صباح عندهم ولا مساء.
قال: وهذا في حق المؤمن والكافر واضح، فأما المؤمن المخلط فمحتمل في حقه أيضا، لأنه يدخل الجنة في الجملة، ثم هو مخصوص بغير الشهداء لأنهم أحياء وأرواحهم تسرح في الجنة.
ويحتمل أن يقال: إن فائدة العرض في حقهم تبشير أرواحهم باستقرارها في الجنة مقترنة بأجسادها، فإن فيه قدرا زائدا على ما هي فيه الآن.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الشرح:
قوله: (إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة) اتحد فيه الشرط والجزاء لفظا ولا بد فيه من تقدير، قال التوربشتي: التقدير إن كان من أهل الجنة فمقعده من مقاعد أهل الجنة يعرض عليه.
وقال الطيبي: الشرط والجزاء إذا اتحدا لفظا دل على الفخامة، والمراد أنه يرى بعد البعث من كرامة الله ما ينسيه هذا المقعد انتهى.
ووقع عند مسلم بلفظ " إن كان من أهل الجنة فالجنة " أي فالمعروض الجنة.
وفي هذا الحديث إثبات عذاب القبر، وأن الروح لا تفنى بفناء الجسد لأن العرض لا يقع إلا على حي.
وقال ابن عبد البر: استدل به على أن الأرواح على أفنية القبور.
قال: والمعنى عندي أنها قد تكون على أفنية قبورها لا أنها لا تفارق الأفنية، بل هي كما قال مالك إنه بلغه أن الأرواح تسرح حيث شاءت.
قوله: (حتى يبعثك الله يوم القيامة) في رواية مسلم عن يحيى بن مالك " حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة " وحكى ابن عبد البر فيه الاختلاف بين أصحاب مالك، وأن الأكثر رووه كرواية البخاري وأن ابن القاسم رواه كرواية مسلم، قال.
والمعنى حتى يبعثك الله إلى ذلك المقعد.
ويحتمل أن يعود الضمير إلى الله.
فإلى الله ترجع الأمور، والأول أظهر ا ه.
ويؤيده رواية الزهري عن سالم عن أبيه بلفظ " ثم يقال: هذا مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة " أخرجه مسلم.
وقد أخرج النسائي رواية ابن القاسم لكن لفظه كلفظ البخاري.
*3* باب كَلَامِ الْمَيِّتِ عَلَى الْجَنَازَةِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب كلام الميت على الجنازة) أي بعد حملها، أورد فيه حديث أبي سعيد، وقد تقدم الكلام عليه قبل بضعة وثلاثين بابا، وترجم له " قول الميت وهو على الجنازة قدموني " قال ابن رشيد: الحكمة في هذا التكرير أن الترجمة الأولى مناسبة للترجمة التي قبلها وهي " باب السرعة بالجنازة " لاشتمال الحديث على بيان موجب الإسراع، وكذلك هذه الترجمة مناسبة للتي قبلها كأنه أراد أن يبين أن ابتداء العرض إنما يكون عند حمل الجنازة لأنها حينئذ يظهر لها ما تؤول إليه فتقول ما تقول.
*3* باب مَا قِيلَ فِي أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ حذف التشكيل
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ كَانَ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ
الشرح:
قوله: (باب ما قيل في أولاد المسلمين) أي غير البالغين.
قال الزين بن المنير: تقدم في أوائل الجنائز ترجمة " من مات له ولد فاحتسب " وفيها الحديث المصدر به، وإنما ترجم بهذه لمعرفة مآل الأولاد، ووجه انتزاع ذلك أن من يكون سببا في حجب النار عن أبويه أولى بأن يحجب هو لأنه أصل الرحمة وسببها.
وقال النووي: أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة.
وتوقف فيه بعضهم لحديث عائشة، يعني الذي أخرجه مسلم بلفظ " توفي صبي من الأنصار فقلت: طوبى له لم يعلم سوءا ولم يدركه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلا " الحديث.
قال والجواب عنه أنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير دليل، أو قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة انتهى.
وقال القرطبي: نفى بعضهم الخلاف في ذلك.
وكأنه عنى ابن أبي زيد فإنه أطلق الإجماع في ذلك، ولعله أراد إجماع من يعتد به.
وقال المازري: الخلاف في غير أولاد الأنبياء انتهى.
ولعل البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث أبي هريرة الذي بدأ به كما سيأتي، فإن فيه التصريح بإدخال الأولاد الجنة مع آبائهم.
وروى عبد الله بن أحمد في زيادات المسند عن علي مرفوعا " أن المسلمين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار " ثم قرأ (والذين آمنوا واتبعتهم) الآية، وهذا أصح ما ورد في تفسير هذه الآية وبه جزم ابن عباس.
قوله: (وقال أبو هريرة إلخ) لم أره موصولا من حديثه على هذا الوجه، نعم عند أحمد من طريق عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ " ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله وإياهم بفضل رحمته الجنة"، ولمسلم من طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا " لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسب إلا دخلت الجنة " الحديث.
وله من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة: دفنت ثلاثة؟ قالت: نعم.
قال: لقد احتظرت بحظار شديد من النار " وفي صحيح أبي عوانة من طريق عاصم عن أنس " مات ابن للزبير فجزع عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حجابا من النار".
قوله: (كان له) كذا للأكثر أي كان موتهم له حجابا، وللكشميهني " كانوا " أي الأولاد.
الحديث:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ النَّاسِ مُسْلِمٌ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ
الشرح:
قوله: (ثلاثة من الولد) سقط قوله " من الولد " في رواية أبي ذر، وكذا سبق من رواية عبد الوارث عن عبد العزيز في " باب فضل من مات له ولد فاحتسب " وتقدم الكلام عليه مستوفى هناك.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ
الشرح:
قوله: (لما توفي إبراهيم) زاد الإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة بسنده " ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم " وله من طريق معاذ عن شعبة بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم " توفي ابنه إبراهيم".
قوله: (إن له مرضعا في الجنة) قال ابن التين: يقال امرأة مرضع بلا هاء مثل حائض، وقد أرضعت فهي مرضعة إذا بني من الفعل، قال الله تعالى (تذهل كل مرضعة عما أرضعت) قال: وروي " مرضعا " بفتح الميم أي إرضاعا انتهى.
وقد سبق إلى حكاية هذا الوجه الخطابي، والأول رواية الجمهور.
وفي رواية عمرو المذكورة " مرضعا ترضعه في الجنة " وقد تقدم الكلام على قصة موت إبراهيم مستوفى في " باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إنا بك لمحزونون " وإيراد البخاري له في هذا الباب يشعر باختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة، فكأنه توقف فيه أولا ثم جزم به.