3* باب الْإِيمَانُ يَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب الإيمان يأرز) بفتح أوله وسكون الهمزة وكسر الراء وقد تضم بعدها زاي، وحكى ابن التين عن بعضهم فتح الراء وقال إن الكسر هو الصواب، وحكى أبو الحسن بن سراج ضم الراء، وحكى القابسي الفتح ومعناه ينضم ويجتمع.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا
الشرح:
قوله: (حدثني عبيد الله) هو ابن عمر العمري.
قوله: (عن خبيب) بالمعجمة مصغرا وكذا رواه أكثر أصحاب عبيد الله، وخبيب هو خال عبيد الله المذكور، وقد روى عنه بهذا الإسناد عدة أحاديث.
وفي رواية يحيى بن سليم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أخرجه ابن حبان والبزار.
وقال البزار إن يحيى بن سليم أخطأ فيه، وهو كما قال، وهو ضعيف في عبيد الله بن عمر.
قوله: (عن حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب.
قوله: (كما تأرز الحية إلى جحرها) أي أنها كما تنتشر من جحرها في طلب ما تعيش به فإذا راعها شيء رجعت إلى جحرها كذلك الإيمان انتشر في المدينة، وكل مؤمن له من نفسه سائق إلى المدينة لمحبته في النبي صلى الله عليه وسلم، فيشمل ذلك جميع الأزمنة لأنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للتعلم منه، وفي زمن الصحابة والتابعين وتابعهم للاقتداء بهديهم، ومن بعد ذلك لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم والصلاة في مسجده والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه.
وقال الداودي: كان هذا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم والقرن الذي كان منهم والذين يلونهم والذين يلونهم خاصة.
وقال القرطبي: فيه تنبيه على صحة مذهب أهل المدينة وسلامتهم من البدع وأن عملهم حجة كما رواه مالك.
ا ه.
وهذا إن سلم اختص بعصر النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، وأما بعد ظهور الفتن وانتشار الصحابة في البلاد ولا سيما في أواخر المائة الثانية وهلم جرا فهو بالمشاهدة بخلاف ذلك.
*3* باب إِثْمِ مَنْ كَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب إثم من كاد أهل المدينة) أي أراد بأهلها سوءا، والكيد المكر والحيلة في المساءة.
الحديث:
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ عَنْ جُعَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ هِيَ بِنْتُ سَعْدٍ قَالَتْ سَمِعْتُ سَعْدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَكِيدُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ إِلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ
الشرح:
قوله: (أخبرنا الفضل) هو ابن موسى، الجعيد هو ابن عبد الرحمن، وعائشة بنت سعد أي ابن أبي وقاص، (قالت سمعت سعيدا) تعني أباها.
قوله: (إلا انماع) أي ذاب.
وفي رواية مسلم من طريق أبي عبد الله القراظ عن أبي هريرة وسعد جميعا فذكر حديثا فيه " من أراد أهلها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء".
وفي هذه الطريق تعقب على القطب الحلبي حيث زعم أن هذا الحديث من أفراد البخاري، نعم في أفراد مسلم من طريق عامر بن سعد عن أبيه في أثناء حديث " ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص، أو ذوب الملح في الماء".
قال عياض: هذه الزيادة تدفع إشكال الأحاديث الأخر، وتوضح أن هذا حكمه في الآخرة.
ويحتمل أن يكون المراد من أرادها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بسوء اضمحل أمره كما يضمحل الرصاص في النار، فيكون في اللفظ تقديم وتأخير، ويؤيده قوله " أو ذوب الملح في الماء"، ويحتمل أن يكون المراد لمن أرادها في الدنيا بسوء وأنه لا يمهل بل يذهب سلطانه عن قرب كما وقع لمسلم ابن عقبة وغيره فإنه عوجل عن قرب وكذلك الذي أرسله، قال ويحتمل أن يكون المراد من كادها اغتيالا وطلبا لغرتها في غفله فلا يتم له أمر، بخلاف من أتى ذلك جهارا كما استباحها مسلم بن عقبة وغيره.
وروى النسائي من حديث السائب بن خلاد رفعه " من أخاف أهل المدينة ظالما لهم أخافه الله وكانت عليه لعنة الله " الحديث.
ولابن حبان نحوه من حديث جابر.
*3* باب آطَامِ الْمَدِينَةِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب آطام المدينة) بالمد، جمع أطم بضمتين وهي الحصون التي تبنى بالحجارة، وقيل هو كل بيت مربع مسطح، والآطام جمع قلة وجمح الكثرة أطؤم، والواحدة أطمة كأكمة.
وقد ذكر الزبير بن بكار في " أخبار المدينة " ما كان بها من الآطام قبل حلول الأوس والخزرج بها، ثم ما كان بها بعد حلولهم وأطال في ذلك.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ سَمِعْتُ أُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ
الشرح:
قوله: (أشرف) أي نظر من مكان مرتفع.
قوله: (مواقع) أي مواضع السقوط، و (خلال) أي نواحيها، شبه سقوط الفتن وكثرتها بسقوط القطر في الكثرة والعموم، وهذا من علامات النبوة لإخباره بما سيكون، وقد ظهر مصداق ذلك من قتل عثمان وهلم جرا ولا سيما يوم الحرة، والرؤية المذكورة يحتمل أن تكون بمعنى العلم أو رؤية العين بأن تكون الفتن مثلت له حتى رآها، كما مثلت له الجنة والنار في القبلة حتى رآهما وهو يصلي.
قوله: (تابعه معمر وسليمان بن كثير) أما رواية معمر فوصلها المؤلف في الفتن، وأما متابعة سليمان ابن كثير فوصلها المؤلف في " بر الوالدين " له خارج الصحيح، وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في كتاب الفتن.
*3* باب لَا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ الْمَدِينَةَ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب لا يدخل الدجال المدينة) أورد فيه أربعة أحاديث، الأول: حديث أبي بكرة، وسيأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب الفتن.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ
الشرح:
قوله: (عن جده) هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
قوله: (على كل باب) في رواية الكشميهني " لكل باب".
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ
الشرح:
قوله: (على أنقاب المدينة) جمع نقب بفتح النون والقاف بعدها موحدة، ووقع في حديث أنس وأبي سعيد اللذين بعده " على نقابها " جمع نقب بالسكون وما بمعنى.
قال ابن وهب: المراد بها المداخل، وقيل الأبواب.
وأصل النقب الطريق بين الجبلين، وقيل: الأنقاب الطرق التي يسلكها الناس، ومنه قوله تعالى (فنقبوا في البلاد) .
قوله: (لا يدخلها الطاعون ولا الدجال) سيأتي في الطب بيان من زاد في هذا الحديث مكة.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ
الشرح:
حديث أنس: قوله: (حدثنا أبو عمرو) هو الأوزاعي وإسحاق هو ابن عبد الله بن أبي طلحة.
قوله: (ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال) هو على ظاهره وعمومه عند الجمهور، وشذا ابن حزم فقال: المراد ألا يدخله بعثه وجنوده، وكأنه استبعد إمكان دخول الدجال جميع البلاد لقصر مدته، وغفل عما ثبت في صحيح مسلم أن بعض أيامه يكون قدر السنة.
قوله: (ثم ترجف المدينة) أي يحصل لها زلزلة بعد أخرى ثم ثالثة حتى يخرج منها من ليس مخلصا في إيمانه ويبقى بها المؤمن الخالص فلا يسلط عليه الدجال.
ولا يعارض هذا ما في حديث أبي بكرة الماضي أنه لا يدخل المدينة رعب الدجال، لأن المراد بالرعب ما يحدث من الفزع من ذكره والخوف من عتوه، لا الرجفة التي تقع بالزلزلة لإخراج من ليس بمخلص.
وحمل بعض العلماء الحديث الذي فيه أنها تنفي الخبث على هذه الحالة دون غيرها، وقد تقدم أن الصحيح في معناه أنه خاص بناس وبزمان، فلا مانع أن يكون هذا الزمان هو المراد، ولا يلزم من كونه مرادا نفي غيره.
الحديث:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا طَوِيلًا عَنْ الدَّجَّالِ فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْ قَالَ يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ فَيَقُولُونَ لَا فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَقْتُلُهُ فَلَا أُسَلَّطُ عَلَيْهِ
الشرح:
حديث أبي سعيد: قوله: (بعض السباخ) بكسر المهملة وبالموحدة الخفيفة وآخره معجمة، وسيأتي الكلام عليه أيضا في الفتن.
وحاصل ما في هذه الأحاديث إعلامه صلى الله عليه وسلم أن الدجال لا يدخل المدينة ولا الرعب منه كما مضى.