*3* باب مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَنِيَّةً حذف التشكيل
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ
الشرح:
قوله: (باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية) قال الزين بن المنير: حذف الجواب إيجازا واعتمادا على ما في الحديث، وعطف قوله نية على قوله احتسابا لأن الصوم إنما يكون لأجل التقريب إلى الله، والنية شرط في وقوعه قربة.
قال: والأولى أن يكون منصوبا على الحال.
وقال غيره: انتصب على أنه مفعول له أو تمييز أو حال بأن يكون المصدر في معنى اسم الفاعل أي مؤمنا محتسبا، والمراد بالإيمان الاعتقاد بحق فرضية صومه، وبالاحتساب طلب الثواب من الله تعالى.
وقال الخطابي: احتسابا أي عزيمة، وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه.
قوله: (وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: يبعثون على نياتهم) هذا طرف من حديث وصله المصنف في أوائل البيوع من طريق نافع بن جبير عنها وأوله " يغزو جيش الكعبة، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم، ثم يبعثون على نياتهم " يعني يوم القيامة ووجه الاستدلال منه هنا أن للنية تأثيرا في العمل لاقتضاء الخبر أن في الجيش المذكور المكره والمختار فإنهم إذا بعثوا على نياتهم وقعت المؤاخذة على المختار دون المكره.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
الشرح:
قوله: (حدثنا يحيى) هو ابن أبي كثير.
قوله: (عن أبي سلمة) هو ابن عبد الرحمن، ووقع في رواية معاذ بن هشام عن أبيه عن مسلم " حدثني أبو سلمة " ونحوه في رواية شيبان عن يحيى عند أحمد.
قوله: (من قام ليلة القدر) يأتي الكلام عليه في الباب المعقود لها في أواخر الصيام.
قوله: (ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) زاد أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة " وما تأخر " وقد رواه أحمد أيضا عن يزيد بن هارون عن محمد ابن عمرو بدون هذه الزيادة، ومن طريق يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بدونها أيضا، ووقعت هذه الزيادة أيضا في رواية الزهري عن أبي سلمة أخرجها النسائي عن قتيبة عن سفيان عنه، وتابعه حامد بن يحيى عن سفيان، أخرجه ابن عبد البر في " التمهيد " واستنكره، وليس بمنكر، فقد تابعه قتيبة كما ترى، وهشام ابن عمار وهو في الجزء الثاني عشر من فوائده، والحسين بن الحسن المروزي أخرجه في كتاب الصيام له، ويوسف بن يعقوب النجاحي أخرجه أبو بكر المقري في فوائده كلهم عن سفيان، والمشهور عن الزهري بدونها.
وقد وقعت هذه الزيادة أيضا في حديث عبادة بن الصامت عند الإمام أحمد من وجهين وإسناده حسن.
وقد استوعبت الكلام على طرقه في " كتاب الخصال المكفرة، للذنوب المقدمة والمؤخرة " وهذا محصله.
وقوله "من ذنبه " اسم جنس مضاف فيتناول جميع الذنوب، إلا أنه مخصوص عند الجمهور، وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الوضوء وفي أوائل كتاب المواقيت.
قال الكرماني: وكلمة " من " إما متعلقة بقوله " غفر " أي غفر من ذنبه ما تقدم فهو منصوب المحل، أو هي مبنية لما تقدم وهو مفعول لما لم يسم فاعله فيكون مرفوع المحل.
*3* باب أَجْوَدُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان) أورد فيه حديث ابن عباس " كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير " وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في بدء الوحي.
قال الزين بن المنير: وجه التشبيه بين أجوديته صلى الله عليه وسلم بالخير وبين أجودية الريح المرسلة أن المراد بالريح ريح الرحمة التي برسلها الله تعالى لإنزال الغيث العام الذي يكون سببا لإصابة الأرض الميتة وغير الميتة، أي فيعم خيره وبره من هو بصفة الفقر والحاجة ومن هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعم الغيث الناشئة عن الريح المرسلة صلى الله عليه وسلم.
*3* باب مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فِي الصَّوْمِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب من لم يدع) أي يترك (قول الزور والعمل به) زاد في نسخة الصغاني " في الصوم".
قال الزبير بن المنير: حذف الجواب لأنه لو نص على ما في الخبر لطالت الترجمة، أو لو عبر عنه بحكم معين لوقع في عهدته فكان الإيجاز ما صنع.
الحديث:
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ
الشرح:
قوله: (حدثنا سعد المقبري عن أبيه) كذا في أكثر الروايات عن ابن أبي ذئب، وقد رواه ابن وهب عن ابن أبي ذئب فاختلف عليه: رواه الربيع عنه مثل الجماعة، ورواه ابن السراج عنه فلم يقل " عن أبيه " أخرجها النسائي، وأخرجه الإسماعيلي من طريق حماد بن خالد عن ابن أبي ذئب بإسقاطه أيضا، واختلف فيه على ابن المبارك فأخرجه ابن حبان من طريقه بالإسقاط، وأخرجه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة بإثباته، وذكر الدار قطني أن يزيد بن هارون ويونس بن يحيى روياه عن ابن أبي ذئب بالإسقاط أيضا، وقد أخرجه أحمد عن يزيد فقال فيه " عن أبيه"، والذي يظهر أن ابن أبي ذئب كان تارة لا يقول عن أبيه وفي أكثر الأحوال يقولها، وقد رواه أبو قتادة الحراني عن ابن أبي ذئب بإسناد آخر فقال " عن الزهري عن عبد الله ابن ثعلبة عن أبي هريرة " وهو شاذ والمحفوظ الأول.
قوله: (قول الزور والعمل به) زاد المصنف في الأدب عن أحمد بن يونس عن ابن أبي ذئب " والجهل " وكذا لأحمد عن حجاج ويزيد بن هارون كلاهما عن ابن أبي ذئب.
وفي رواية ابن وهب " والجهل في الصوم " ولابن ماجة من طريق ابن المبارك " من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به " جعل الضمير في " به " يعود على الجهل، والأول جعله يعود على قول الزور والمعنى متقارب، ولما روى الترمذي حديث أبي هريرة هذا قال: وفي الباب عن أنس.
قلت: وحديث أنس أخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ " من لم يدع الخنا والكذب " ورجاله ثقات، والمراد بقول الزور: الكذب، والجهل: السفه، والعمل به أي بمقتضاه كما تقدم.
قوله: (فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) قال ابن بطال: ليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه، وإنما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه، وهو مثل قوله " من باع الخمر فليشقص الخنازير " أي يذبحها، ولم يأمره بذبحها ولكنه على التحذير والتعظيم لإثم بائع الخمر.
وأما قوله " فليس لله حاجة " فلا مفهوم له، فإن الله لا يحتاج إلى شيء، وإنما معناه فليس لله إرادة في صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة، وقد سبق أبو عمر بن عبد البر إلى شيء من ذلك.
قال ابن المنير في الحاشية: بل هو كناية عن عدم القبول كما يقول المغضب لمن رد عليه شيئا طلبه منه فلم يقم به: لا حاجة لي بكذا، فالمراد رد الصوم المتلبس بالزور وقبول السالم منه، وقريب من هذا قوله تعالى (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) فإن معناه لن يصيب رضاه الذي ينشأ عنه القبول.
وقال ابن العربي: مقتضى هذا الحديث أن من فعل ما ذكر لا يثاب على صيامه، ومعناه أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه.
وقال البيضاوي: ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش، بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر القبول، فقوله " ليس لله حاجة " مجاز عن عدم القبول، فنفى السبب وأراد المسبب والله أعلم.
واستدل به على أن هذه الأفعال تنقص الصوم، وتعقب بأنها صغائر تكفر باجتناب الكبائر.
وأجاب السبكي الكبير بأن في حديث الباب والذي مضى في أول الصوم دلالة قوية للأول، لأن الرفث والصخب وقول الزور والعمل به مما علم النهي عنه مطلقا والصوم مأمور به مطلقا، فلو كانت هذه الأمور إذا حصلت فيه لم يتأثر بها لم يكن لذكرها فيه مشروطة فيه معنى يفهمه، فلما ذكرت في هذين الحديثين نبهتنا على أمرين: أحدهما زيادة قبحها في الصوم على غيرها، والثاني البحث على سلامة الصوم عنها، وأن سلامته منها صفة كمال فيه، وقوة الكلام تقتضي أن يقبح ذلك لأجل الصوم، فمقتضى ذلك أن الصوم يكمل بالسلامة عنها.
قال: فإذا لم يسلم عنها نقص.
ثم قال: ولا شك أن التكاليف قد ترد بأشياء وينبه بها على أخرى بطريق الإشارة، وليس المقصود من الصوم العدم المحض كما في المنهيات لأنه يشترط له النية بالإجماع، ولعل القصد به في الأصل الإمساك عن جميع المخالفات، لكن لما كان ذلك يشق خفف الله وأمر بالإمساك عن المفطرات، ونبه الغافل بذلك على الإمساك عن المخالفات، وأرشد إلى ذلك ما تضمنته أحاديث المبين عن الله مراده، فيكون اجتناب المفطرات واجبا واجتناب ما عداها من المخالفات من المكملات، والله أعلم.
وقال شيخنا في شرح الترمذي: لما أخرج الترمذي هذا الحديث ترجم ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم، وهو مشكل لأن الغيبة ليست قول الزور ولا العمل به، لأنها أن يذكر غيره بما يكره، وقول الزور هو الكذب، وقد وافق الترمذي بقية أصحاب السنن فترجموا بالغيبة وذكروا هذا الحديث، وكأنهم فهموا من ذكر قول الزور والعمل به الأمر بحفظ النطق، ويمكن أن يكون فيه إشارة إلى الزيادة التي وردت في بعض طرقه وهي الجهل فإنه يصح إطلاقه على جميع المعاصي.
وأما قوله " والعمل به " فيعود على الزور، ويحتمل أن يعود أيضا على الجهل أي والعمل بكل منهما.
(تنبيه) : قوله " فليس لله " وقع عند البيهقي في " الشعب " من طريق يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب " فليس به " بموحدة وهاء ضمير، فإن لم يكن تحريفا فالضمير للصائم.