*3* باب حَمْلِ النِّسَاءِ الْقِرَبَ إِلَى النَّاسِ فِي الْغَزْوِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو) أي جواز ذلك.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ الْمَدِينَةِ فَبَقِيَ مِرْطٌ جَيِّدٌ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِ هَذَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي عِنْدَكَ يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ فَقَالَ عُمَرُ أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عُمَرُ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَزْفِرُ لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ تَزْفِرُ تَخِيطُ
الشرح:
قوله: (قال ثعلبة بن أبي مالك) في رواية بن وهب عن يونس عند أبي نعيم في " المستخرج " عن ثعلبة القرظي بضم القاف وفتح الراء بعدها معجمة مختلف في صحبته " قال ابن معين له رواية.
وقال ابن سعد قدم أبو مالك واسمه عبد الله بن سام من اليمن وهو من كندة فتزوج امرأة من بني قريظة فعرف بهم وحالف الأنصار.
قلت: وكانت اليهودية قد فشت في اليمين فلذلك صاهرهم أبو مالك، وكأنه قتل في بني قريظة فقد ذكر مصعب الزبيري أن ثعلبة ممن لم يكن أثبت قوله فترك، وكان ثعلبة إمام قومه، وله حديث مرفوع عند ابن ماجة، لكن جزم أبو حاتم بأنه مرسل، وقد صرح الزهري عنه بالإخبار في حديث آخر سيأتي في " باب لواء النبي صلى الله عليه وسلم".
قوله: (فقال له بعض من عنده) لم أقف على اسمه.
قوله: (يريدون أم كلثوم) كان عمر قد تزوج أم كلثوم بنت علي وأمها فاطمة ولهذا قالوا لها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت قد ولدت في حياته وهي أصغر بنات فاطمة عليها السلام.
قوله: (أم سليط) كذا فيه بفتح المهملة وكسر اللام وزن رغيف، ولم أر لها في كتب من صنف في الصحابة ذكرا إلا في الاستيعاب فذكرها مختصرة بالذي هنا، وقد ذكرها ابن سعد في طبقات النساء وقال: هي أم قيس بنت عبيد بن زياد بن ثعلبة من بني مازن، تزوجها أبو سليط بن أبي حارثة عمرو بن قيس من بني عدى بن النجار فولدت له سليطا وفاطمة، يعني فلذلك يقال لها أم سليط، وذكر أنها شهدت خيبر وحنينا، وغفل عن ذكر شهودها أحدا وهو ثابت بهذا الحديث، وذكر في ترجمة أم عمارة الأنصارية شبيها بهذه القصة من وجه آخر عن عمر لكن فيه " فقال بعضهم أعطه صفية بنت أبي عبيد زوت عبد الله بن عمر " وقال فيه أيضا " لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا وأنا أراها تقاتل دوني " فهذا يشعر بأن القصة تعددت.
قوله: (تزفر) بفتح أوله وسكون الزاي وكسر الفاء أي تحمل وزنا ومعنى.
قوله: (قال أبو عبد الله: تزفر تخيط) كذا في رواية المستملي وحده، وتعقب بأن ذلك لا يعرف في اللغة وإنما الزفر الحمل وهو بوزنه ومعناه، قال الخليل: " زفر بالحمل زفرا نهض به " والزفر أيضا القربة نفسها وقيل إذا كانت مملوءة ماء، ويقال للإماء إذا حملن الترب زوافر، والزفر أيضا البحر الفياض، وقيل الزافر الذي يعين في حمل القربة.
قلت: وقع عند أبي نعيم في " المستخرج؟ بعد أن أخرجه من طريق عبد الله بن وهب عن يونس قال عبد الله تزفر تحمل.
وقال أبو صالح كاتب الليث: تزفر تخرز.
قلت: فلعل هذا مستند البخاري في تفسيره، وسيأتي بقية الكلام على فوائد هذا الحديث في غزوة أحد إن شاء الله تعالى.
*3* باب مُدَاوَاةِ النِّسَاءِ الْجَرْحَى فِي الْغَزْوِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب مداواة النساء الجرحى) أى من الرجال وغيرهم (في الغزو) .
الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْقِي وَنُدَاوِي الْجَرْحَى وَنَرُدُّ الْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ
الشرح:
قوله: (عن الربيع) بالتشديد، وأبوها معوذ بالتشديد أيضا والذال المعجمة لها ولأبيها صحبة.
قوله: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي) كذا أورده في الأول مختصرا، وأورده في الذي بعده وسياقه أتم وأوفى بالمقصود، وزاد الإسماعيلي من طريق أخرى خالد بن ذكوان " ولا نقاتل " وفيه جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجل الأجنبي للضرورة قال ابن بطال: ويختص ذلك بذوات المحارم ثم بالمتجالات منهن لأن موضع الجرح لا يلتذ بلمسه بل يقشعر منه الجلد، فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة ولا مس، ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد امرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها من وراء حائل في قول بعضهم كالزهري وفي قول الأكثر تيمم.
وقال الأوزاعي تدفن كما هي، قال ابن المنير: الفرق لبين حال المداواة وتغسيل الميت أن الغسل عبادة والمداواة ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات.
*3* باب رَدِّ النِّسَاءِ الْجَرْحَى وَالْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ حذف التشكيل
الشرح:
وقوله: (باب رد النساء الجرحى والقتلى) كذا للأكثر وزاد الكشميهني " إلى المدينة".
*3* باب نَزْعِ السَّهْمِ مِنْ الْبَدَنِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب نزع السهم من البدن) ذكر فيه حديث أبي موسى في قصة عمه أبا عامر باختصار.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ قَالَ انْزِعْ هَذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ
الشرح:
حديث أبي موسى في قصة عمه أبا عامر باختصار، وساقه في غزوة حنين بتمامه، وسيأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى قال المهلب: فيه جواز نزع السهم من البدن وإن كان في غبه الموت، وليس ذلك من الإلقاء إلى التهلكة إذا كان يرجو الانتفاع بذلك، قال: ومثله البط والكي وغير ذلك من الأمور التي يتداوى بها وقال ابن المنير: لعله ترجم بهذا لئلا يتخيل أن الشهيد لا ينزع منه السهم بل يبقى فيه، كما أمر بدفنه بدمائه حتى يبعث كذلك، فبين بهذه الترجمة أن هذا مما شرع انتهى والذي قاله المهلب أول لأن حديث الباب يتعلق بمن أصابه ذلك وهو في الحياة بعد، والذي أبداه ابن المنير يتعلق بنزعه بعد الوفاة.
*3* باب الْحِرَاسَةِ فِي الْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب الحراسة في الغزو في سبيل الله) أى بيان ما فيها من الفضل.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهِرَ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ لَيْتَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِي صَالِحًا يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ سِلَاحٍ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقَالَ أَنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ جِئْتُ لِأَحْرُسَكَ وَنَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
حديث عائشة قوله: (أخبرنا يحيى بن سعيد) هو الأنصاري، وعبد الله بن عامر بن ربيعة هو العنزي له رؤية ولأبيه صحبة.
قوله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم سهر، فلما قدم المدينة قال: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة) هكذا في هذه الرواية ولم يبين زمان السهر، وظاهره أن السهر كان قبل القدوم والقول بعده، وقد أخرجه مسلم من طريق الليث عن يحيى بن سعيد وقال فيه " سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة فقال " فذكره، وظاهره أن السهر والقول مها كانا بعد القدوم، وقد أخرجه النسائي من طريق أبي إسحاق الفزاري عن يحيى بن سعيد بلفظ " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة يسهر من الليل " وليس المراد بقدومه المدينة أول قدومه إليها من الهجرة لأن عائشة إذ ذاك لم تكن عنده ولا كان سعد أيضا ممن سبق، وقد أخرجه أحد عن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد بلفظ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهر ذات ليلة وهي إلى جنبه، قالت فقلت: ما شأنك يا رسول الله " الحديث وقد روى الترمذي من طريق عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت " كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية: " والله يعصمك من الناس " وإسناده حسن واختلف في وصله وإرساله.
قوله: (جئت لأحرسك) في رواية الليث المذكورة " فقال وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قوله: (فنام النبي صلى الله عليه وسلم) زاد المصنف في التمني من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد " حتى سمعنا غطيطه " وفي الحديث الأخذ بالحذر والاحتراس من العدو، وأن على الناس أن يحرسوا سلطانهم خشية القتل وفيه الثناء على من تبرع بالخير وتسميته صالحا، وإنما عانى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع قوة توكله للاستنان به في ذلك، وقد ظاهر بين درعين مع أنهم كانوا إذا اشتد البأس كان أمام الكل وأيضا فالتوكل لا ينافي تعاطي الأسباب لأن التوكل عمل القلب وهي عمل البدن وقد قال إبراهيم عليه السلام (ولكن ليطمئن قلبي) وقال عليه الصلاة والسلام " اعقلها وتوكل " قال ابن بطال: نسخ ذلك كما دل عليه حديث عائشة؛ وقال القرطبي: ليس في الآية ما ينافي الحراسة كما أن إعلام الله نصر دينه وإظهاره ما يمنع الأمر بالقتال وإعداد العدد، وعلى هذا فالمراد العصمة من الفتنة والإضلال أو إزهاق الروح والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ لَمْ يَرْفَعْهُ إِسْرَائِيلُ وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ وَزَادَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ إِنْ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ وَقَالَ فَتَعْسًا كَأَنَّهُ يَقُولُ فَأَتْعَسَهُمْ اللَّهُ طُوبَى فُعْلَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ طَيِّبٍ وَهِيَ يَاءٌ حُوِّلَتْ إِلَى الْوَاوِ وَهِيَ مِنْ يَطِيبُ
الشرح:
قوله: (وزاد لنا عمرو) ابن مرزوق هكذا، وعمرو هو من شيوخ البخاري وقد صرح بسماعه منه في مواضع أخرى، وجميع الإسناد سواء مدنيون، وفيه تابعيان عبد الله بن دينار وأبو صالح، والمراد بالزيادة قوله في آخره " تعس وانتكس إلخ " وقد وصله أبو نعيم من طريق أبي مسلم الكجي وغيره عن عمرو بن مرزوق وسيأتي مزيدا لهذا في التمني إن شاء الله تعالى.
قوله: (تعس عبد الدينار) الحديث سيأتي بهذا الإسناد والمتن في كتاب الرقاق ونذكر شرحه هناك إن شاء الله تعالى، والغرض منه هنا قوله في الطريق الثانية " طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه " الحديث لقوله " إن كان في الحراسة كان في الحراسة".
قوله: (تعس) بفتح أوله وكسر المهملة ويجوز فتحها وهو ضد سعد، تقول تعس فلان أي شقي، وقيل معنى التعس الكب على الوجه، قال الخليل: التعس أن يعثر فلا يفيق من عثرته، وقيل التعس الشر وقيل البعد وقيل الهلاك، وقيل التعس أن يخر على وجهه والنكس أن يخر على رأسه، وقيل تعس أخطأ حجته وبغيته وقوله " وانتكس " بالمهملة أي عاوده المرض، وقيل إذا سقط اشتغل بسقطته حتى يسقط أخرى وحكى عياض أن بعضهم رواه " انتكش " بالمعجمة وفسره بالرجوع، وجعله دعاء له لا عليه، والأول أولى.
قوله: (وإذا شيك فلا انتقش) شيك: بكسر المعجمة وسكون التحتانية بعدها كاف، وانتقش: بالقاف والمعجمة، والمعنى إذا أصابته الشوكة فلا وجد من يخرجها منه بالمنقاش، تقول نقشت الشوك إذا استخرجته وذكر ابن قتيبة أن بعضهم رواه بالعين المهملة بدل القاف، ومعناه صحيح لكن مع ذكر الشوكة تقوى رواية القاف ووقع في رواية الأصيلي عن أبي زيد المروزي " وإذا شيت " بمثناة فوقانية بدل الكاف وهو تغيير فاحش، وفي الدعاء بذلك إشارة إلى عكس مقصوده لأن من عثر فدخلت في رجله الشوكة فلم يجد من يخرجها يصير عاجزا عن الحركة والسعي في تحصيل الدنيا وفي قوله " طوبى لعبد إلخ " إشارة إلى الحض على العمل بما يحصل به خير الدنيا والآخرة.
قوله: (أشعث) صفة لعبد وهو مجرور بالفتحة لعدم الصرف و " رأسه " بالرفع الفاعل، قال الطيبي " أشعث رأسه مغبرة قدماه " حالان من قوله " لعبد " لأنه موصوف وقال الكرماني: يجوز الرفع ولم يوجهه وقال غيره: ويجوز في أشعث الرفع على أنه صفة رأس، أي رأسه أشعث، وكذا قوله " مغبرة قدماه".
قوله: (إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة) هذا من المواضع التي اتحد فيها الشرط والجزاء لفظا لكن المعنى مختلف، والتقدير إن كان المهم في الحراسة كان فيها، وقيل معنى " فهو في الحراسة " أي فهو في ثواب الحراسة، وقيل هو للتعظيم أي إن كان في الحراسة فهو في أمر عظيم، والمراد منه لازمه أي فعليه أن يأتي بلوازمه ويكون مشتغلا بخويصة عمله وقال ابن الجوزي: المعنى أنه خامل الذكر لا يقصد السمو، فإن أنفق له السير سار؛ فكأنه قال: إن كان في الحراسة استمر فيها، وإن كان في الساقة استمر فيها قوله: (إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع) فيه ترك حب الرياسة والشهرة وفضل الخمول والتواضع، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى.
قوله: (فتعسا كأنه يقول فأتعسهم الله) وقع هذا في رواية المستملي، وهي على عادة البخاري في شرح اللفظة التي توافق ما في القرآن بتفسيرها، وهكذا قال أهل التفسير في قوله تعالى (والذين كفروا فتعسا لهم) .
قوله: (طوبى فعلى من كل شيء طيب وهي ياء حولت إلى الواو وهو من يطيب) كذا في رواية المستملي أيضا والقول فيه كالقول في الذي قبله.
وقال غيره: المراد الدعاء له بالجنة، لأن طوبى أشهر شجرها وأطيبه، فدعا له أن ينالها، ودخول الجنة ملزوم نيلها.
(تكميل) : ورد في فضل الحراسة عدة أحاديث ليست على شرط البخاري، منها حديث عثمان مرفوعا " حرس ليلة في سبيل الله خير من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها " أخرجه ابن ماجة والحاكم، وحديث سهل بن معاذ عن أبيه مرفوعا " من حرس وراء المسلمين متطوعا لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم " أخرجه أحمد، وحديث أبي ريحانه مرفوع " حرمت النار على عين سهرت في سبيل الله " أخرجه النسائي، ونحوه للترمذي عن ابن عباس، وللطبراني من حديث معاوية بن حيدة، ولأبي يعلى من حديث أنس وإسنادها حسن وللحاكم عن أبي هريرة نحوه.