*3* باب حَرْقِ الدُّورِ وَالنَّخِيلِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب حرق الدور والنخيل) أي التي للمشركين.
كذا وقع في جميع النسخ " حرق " وضبطوه بفتح أوله وإسكان الراء، وفيه نظر لأنه لا يقال في المصدر حرق؛ وإنما يقال تحريق وإحراق لأنه رباعي، فلعله كان حرق بتشديد الراء بلفظ الفعل الماضي وهو المطابق للفظ الحديث والفاعل محذوف تقديره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله أو بإذنه.
وقد ترجم في التي قبلها " باب إذا حرق " وعلى هذا فقوله الدور منصوب بالمفعولية والنخيل كذلك نسقا عليه.
ثم ذكر فيه حديثين ظاهرين فيما ترجم له
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ قَالَ قَالَ لِي جَرِيرٌ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةِ قَالَ فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ قَالَ وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْوَفُ أَوْ أَجْرَبُ قَالَ فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ
الشرح:
حديث جرير في قصة ذي الخلصة بفتح المعجمة واللام والمهملة وحكي تسكين اللام، وسيأتي شرحه في أواخر المغازي.
وقوله فيه " كعبة اليمانية " أي كعبة الجهة اليمانية على رأي البصريين.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ
الشرح:
حديث ابن عمر " حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير " أورده مختصرا هكذا، وسيأتي بتمامه في المغازي مع شرحه إن شاء الله تعالى.
وقد ذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو، وكرهه الأوزاعي والليث وأبو ثور، واحتجوا بوصية أبي بكر لجيوشه أن لا يفعلوا شيئا من ذلك، وأجاب الطبري بأن النهي محمول على القصد لذلك بخلاف ما إذا أصابوا ذلك في خلال القتال كما وقع في نصب المنجنيق على الطائف، وهو نحو ما أجاب به في النهي عن قتل النساء والصبيان، وبهذا قال أكثر أهل العلم، ونحو ذلك القتل بالتغريق.
وقال غيره: إنما نهى أبو بكر جيوشه عن ذلك لأنه علم أن تلك البلاد ستفتح فأراد إبقاءها على المسلمين.
والله أعلم.
*3* باب قَتْلِ الْمُشْرِكِ النَّائِمِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب قتل المشرك النائم) ذكر فيه قصة قتل أبي رافع اليهودي من حديث البراء بن عازب، أورده من وجهين مطولا ومختصرا، وسيأتي شرحها في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى، وهي ظاهرة فيما ترجم له، لأن الصحابي طلب قتل أبي رافع وهو نائم، وإنما ناداه ليتحقق أنه هو لئلا يقتل غيره ممن لا غرض له إذ ذاك في قتله وبعد أن أجابه كان في حكم النائم لأنه حينئذ استمر على خيال نومه، بدليل أنه بعد أن ضربه لم يفر من مكانه ولا تحول من مضجعه حتى عاد إليه فقتله، وفية جواز التجسس على المشركين وطلب غربهم، وجواز اغتيال ذوي الأذية البالغة منهم، وكأن أبو رافع يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤلب عليه الناس.
ويؤخذ منه جواز قتل المشرك بغير دعوة إن كان قد بلغته الدعوة قبل ذلك، وأما قتله إذا كان نائما فمحله أن يعلم أنه مستمر على كفره وأنه قد يئس من فلاحه، وطريق العلم بذلك إما بالوحي وإما بالقرائن الدالة على ذلك.
*3* باب لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب لا تمنوا لقاء العدو) ذكر فيه حديث عبد الله بن أبي أوفى في ذلك، وقد تقدم مقطعا في أبواب منها " الجنة تحت البارقة " اقتصر على قوله " واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " ومنها " الصبر عند القتال " واقتصر على قوله " وإذا لقيتموهم فاصبروا " ومنها " الدعاء على المشركين بالهزيمة " واقتصر على الفصل المتعلق بالحديث منه، وقد تقدم الكلام فيه على شيء في إسناده في أول ترجمة، وأورده بتمامه في " القتال بعد الزوال " وتقدم الكلام فيما يتعلق بذلك فيه.
الحديث:
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ الْيَرْبُوعِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ كُنْتُ كَاتِبًا لَهُ قَالَ كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى حِينَ خَرَجَ إِلَى الْحَرُورِيَّةِ فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ
الشرح:
قوله: (لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا) قال ابن بطال: حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر، وهو نظير سؤال العافية من الفتن، وقد قال الصديق " لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر " وقال غيره: إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والإنكال على النفوس والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدو، وكل ذلك يباين الاحتياط والأخذ بالحزم.
وقيل يحمل النهي على ما إذا وقع الشك في المصلحة أو حصول الضرر، وإلا فالقتال فضيلة وطاعة.
ويؤيد الأول تعقيب النهي بقوله " وسلوا الله العافية " وأخرج سعيد بن منصور من طريق يحيى بن أبي كثير مرسلا " لا تمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون عسى أن تبتلوا بهم " وقال ابن دقيق العيد: لما كان لقاء الموت من أشق الأشياء على النفس وكانت الأمور الغائبة ليست كالأمور المحققة لم يؤمن أن يكون عند الوقوع كما ينبغي فيكره التمني لذلك ولما فيه لو وقع من احتمال أن يخالف الإنسان ما وعد من نفسه، ثم أمر بالصبر عند وقوع الحقيقة انتهى.
واستدل بهذا الحديث على منع طلب المبارزة، وهو رأي الحسن البصري، وكان علي يقول: لا تدع إلى المبارزة، فإذا دعيت فأجب تنصر، لأن الداعي باغ.
وقد تقدم قول علي في ذلك.
قوله: (ثم قال اللهم منزل الكتاب إلخ) أشار بهذا الدعاء إلى وجوه النصر عليهم، فبالكتاب إلى قوله تعالى (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) وبمجرى السحاب إلى القدرة الظاهرة في تسخير السحاب حيث يحرك الريح بمشيئة الله تعالى، وحيث يستمر في مكانه مع هبوب الريح، وحيث تمطر تارة وأخرى لا تمطر، فأشار بحركته إلى إعانة المجاهدين في حركتهم في القتال، وبوقوفه إلى إمساك أيدي الكفار عنهم، وبإنزال المطر إلى غنيمة ما معهم حيث يتفق قتلهم، وبعدمه إلى هزيمتهم حيث لا يحصل الظفر بشيء منهم، وكلها أحوال صالحة للمسلمين.
وأشار بهازم الأحزاب إلى التوسل بالنعمة السابقة، وإلى تجريد التوكل، واعتقاد أن الله هو المنفرد بالفعلي.
وفيه التنبيه على عظم هذه النعم الثلاث، فإن بإنزال الكتاب حصلت النعمة الأخروية وهي الإسلام، وبإجراء السحاب حصلت النعمة الدنيوية وهي الرزق، وبهزيمة الأحزاب حصل حفظ النعمتين، وكأن قال: اللهم كما أنعمت بعظيم النعمتين الأخروية والدنيوية وحفظتهما فأبقهما.
وروى الإسماعيلي في هذا الحديث من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم دعا أيضا فقال " اللهم أنت ربنا وربهم، ونحن عبيدك وهم عبيدك نواصينا ونواصيهم بيدك، فاهزمهم وانصرنا عليهم " ولسعيد بن منصور من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا نحوه لكن بصيغة الأمر عطفا على قوله (وسلوا الله العافية: فإن بليتم بهم فقولوا اللهم) فذكره وزاد (وغضوا أبصاركم واحملوا عليهم على بركة الله) .
الحديث:
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ كُنْتُ كَاتِبًا لِعُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَأَتَاهُ كِتَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا
الشرح:
قوله: (وقال موسى بن عقبة إلخ) هو معطوف على الإسناد الماضي، وكأنه يشير إلى أنه عنده بالإسناد الواحد على وجهين مطولا ومختصرا، وهذا ما في رواية أبي ذر، واقتصر غيره لهذا المتن المختصر على الإسناد المذكور ولم يسوقوه مطولا والله أعلم.
قوله: (وقال أبو عامر) هو العقدي.
وقال الكرماني: لعله عبد الله بن براد الأشعري، كذا قال ولم يصب، فإنه ما لابن براده رواية عن المغيرة.
وقد وصله مسلم والنسائي والإسماعيلي وغيرهم من طرق عن أبي عامر العقدي عن مغيرة به، وفي الحديث استحباب الدعاء عند اللقاء والاستنصار، ووصية المقاتلين بما فيه صلاح أمرهم، وتعليمهم بما يحتاجون إليه، وسؤال الله تعالى بصفاته الحسنى وبنعمه السالفة، ومراعاة نشاط النفوس لفعل الطاعة، والحث على سلوك الأدب وغير ذلك.