*3* باب إِذَا قَالُوا صَبَأْنَا وَلَمْ يُحْسِنُوا أَسْلَمْنَا حذف التشكيل
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ وَقَالَ عُمَرُ إِذَا قَالَ مَتْرَسْ فَقَدْ آمَنَهُ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْأَلْسِنَةَ كُلَّهَا وَقَالَ تَكَلَّمْ لَا بَأْسَ
الشرح:
قوله: (باب إذا قالوا) أي المشركون حين يقاتلون (صبأنا) أي وأرادوا الإخبار بأنهم أسلموا (ولم يحسنوا أسلمنا) أي جريا منهم على لغتهم، هل يكون ذلك كافيا في رفع القتال عنهم أم لا؟ قال ابن المنير: مقصود الترجمة أن المقاصد تعتبر بأداتها كيفما كانت الأدلة لفظية أو غير لفظية بأي لغة كانت.
قوله: (وقال ابن عمر فجعل خالد يقتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبرأ إليك مما صنع خالد) هذا طرف من حديث طويل أخرجه المؤلف في غزوة الفتح من المغازي، ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك، وحاصله أن خالد بن الوليد غزا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم قوما فقالوا صبأنا وأرادوا أسلمنا، فلم يقبل خالد ذلك منهم وقتلهم بناء على ظهر اللفظ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأنكره، فدل على أنه يكتفى من كل قوم بما يعرف من لغتهم.
وقد عذر النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في اجتهاده، ولذلك لم يقد منه.
وقال ابن بطال: لا خلاف أن الحاكم إذا قضى بجور أو بخلاف قول أهل العلم أنه مردود، لكن ينظر فإن كان على وجه الاجتهاد فإن الإثم ساقط، وأما الضمان فيلزم عند الأكثر.
وقال الثوري وأهل الرأي وأحمد وإسحاق: ما كان في قتل أو جراح ففي بيت المال.
وقال الأوزاعي والشافعي وصاحبا أبي حنيفة: على العاقلة.
وقال ابن الماجشون لا يلزم فيه ضمان.
وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الأحكام، وهذا من المواضع التي يتمسك بها في أن البخاري يترجم ببعض ما ورد في الحديث وإن لم يورده في تلك الترجمة فإنه ترجم بقوله " صبأنا " ولم يوردها، واكتفى بطرف الحديث الذي وقعت هذه اللفظة فيه.
قوله: (وقال عمر إذا قال مترس فقد آمنه إن الله يعلم الألسنة كلها) وصله عبد الرزاق من طريق أبي وائل قال " جاءنا كتاب عمر ونحن نحاصر قصر فارس فقال: إذا حاصرتم قصرا فلا تقولوا أنزل على حكم الله فإنكم لا تدرون ما حكم الله، ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم اقضوا فيهم، وإذا لقي الرجل الرجل فقال لا تخف فقد أمنه، وإذا قال مترس فقد أمنه، إن الله يعلم الألسنة كلها " وأول هذا الأثر أخرجه مسلم من طريق بريدة مرفوعا في حديث طويل.
و " مترس " كلمة فارسية معناها لا تخف وهي بفتح الميم وتشديد المثناة وإسكان الراء بعدها مهملة وقد تخفف التاء وبه جزم بعض من لقيناه من العجم، وقيل بإسكان المثناة وفتح الراء ووقع في الموطأ رواية يحيى بن يحيى الأندلسي مطرس بالطاء بدل المثناة، قال ابن قرقول: هي كلمة أعجمية، والظاهر أن الراوي فخم المثناة فصارت تشبه الطاء كما يقع من كثير من الأندلسيين.
قوله: (وقال تكلم لا بأس) فاعل قال هو عمر، وروى ابن أبي شيبة ويعقوب بن سفيان في تاريخه من طرق بإسناد صحيح عن أنس بن مالك قال " حاصرنا تستر، فنزل الهرمزان على حكم عمر، فلما قدم به عليه استعجم، فقال له عمر: تكلم لا بأس عليك، وكان ذلك تأمينا من عمر " ورويناه مطولا في سنن سعيد ابن منصور حدثنا هشيم أخبرنا حميد، وفي نسخة إسماعيل بن جعفر من طريق ابن خزيمة عن علي بن حجر عنه عن حميد عن أنس قال " بعث معي أبو موسى بالهرمزان إلى عمر، فجعل عمر يكلمه فلا يتكلم، فقال له: تكلم، قال: أكلام حي أم كلام ميت؟ قال تكلم لا بأس " فذكر القصة، فأل فأراد قتله فقلت: لا سبيل إلى ذلك، قد قلت له تكلم لا بأس، فقال من يشهد لك؟ فشهد لي الزبير بمثل ذلك، فتركه فأسلم، وفرض له في العطاء.
قال ابن المنير.
يستفاد منه أن الحاكم إذا نسى حكمه فشهد عنده اثنان به نفذه، وأنه إذا توقف في قبول شهادة الواحد فشهد الثاني بوفقه انتفت الريبة ولا يكون ذلك قدحا في شهادة الأول، وقوله "إن الله يعلم الألسنة كلها " المراد اللغات، ويقال إنها ثنتان وسبعون لغة: ستة عشر في ولد سام، ومثلها في ولد حام، والبقية في ولد يافث.
*3* باب الْمُوَادَعَةِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ حذف التشكيل
وَإِثْمِ مَنْ لَمْ يَفِ بِالْعَهْدِ وَقَوْلِهِ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ الْآيَةَ
الشرح:
قوله: (باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره) أي كالأسرى.
قوله: (وإن جنحوا للسلم - جنحوا طلبوا السلم - فاجنح لها) أي أن هذه الآية دالة على مشروعية المصالحة مع المشركين، وتفسير جنحوا بطلبوا هو للمصنف.
وقال غيره: معنى جنحوا مالوا.
وقال أبو عبيدة: السلم والسلم واحد وهو الصلح.
وقال أبو عمر: والسلم بالفتح الصلح، والسلم بالكسر الإسلام.
ومعنى الشرط في الآية أن الأمر بالصلح مقيد بما إذا كان الأحظ للإسلام المصالحة، أما إذا كان الإسلام ظاهرا على الكفر ولم تظهر المصلحة في المصالحة فلا.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ هُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ إِلَى خَيْبَرَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ فَتَفَرَّقَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَتَشَمَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ كَبِّرْ كَبِّرْ وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ فَسَكَتَ فَتَكَلَّمَا فَقَالَ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ قَالُوا وَكَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ قَالَ فَتُبْرِيكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ فَقَالُوا كَيْفَ نَأْخُذُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ
الشرح:
حديث سهل بن أبي حثمة في قصة عبد الله ابن سهل وقتله بخيبر.
والغرض منه قوله " انطلق إلى خيبر وهي يومئذ صلح " وفهم المهلب من قوله في آخره " فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده " أنه يوافق قوله في الترجمة " والمصالحة مع المشركين بالمال " فقال: إنما وداه من عنده استئلافا لليهود وطمعا في دخولهم في الإسلام.
وهذا الذي قاله يرده ما في نفس الحديث من غير هذه الطريق " فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه " فإنه مشعر بأن سبب إعطائه ديته من عنده كان تطيبا لقلوب أهله.
ويحتمل أن يكون كل منهما سببا لذلك.
وبهذا تتم الترجمة.
وأما أصل المسألة فاختلف فيه.
فقال الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي عن موادعة إمام المسلمين أهل الحرب على مال يؤدونه إليهم فقال: لا يصلح ذلك إلا عن ضرورة كشغل المسلمين عن حربهم.
وقال لا بأس أن يصالحهم على غير شيء يؤدونه إليهم كما وقع في الحديبية.
وقال الشافعي: إذا ضعف المسلمون عن قتال المشركين جازت لهم مهادنتهم على غير شيء يعطونهم، لأن القتل للمسلمين شهادة، وإن الإسلام أعز من أن يعطى المشركون على أن يكفرا عنهم، إلا في حالة مخافة اصطلام المسلمين لكثرة العدو، لأن ذلك من معاني الضرورات، وكذلك إذا أسر رجل مسلم فلم يطلق إلا بفدية جاز.
وأما قول المصنف " وإثم من لم يف بالعهد " فليس في حديث الباب ما يشعر به، وسيأتي البحث فيه في كتاب القسامة من كتاب الديات إن شاء الله تعالى.
(تنبيه) : قوله في نسب محيصة بن مسعود " ابن زيد " يقال إن الصواب " كعب " بدل زيد.
*3* باب فَضْلِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب فضل الوفاء بالعهد) ذكر فيه طرفا من حديث أبي سفيان في قصة هرقل، قال ابن بطال: أشار البخاري بهذا إلى أن الغدر عند كل أمة قبيح مذموم، وليس هو من صفات الرسل.
*3* باب هَلْ يُعْفَى عَنْ الذِّمِّيِّ إِذَا سَحَرَ حذف التشكيل
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ سُئِلَ أَعَلَى مَنْ سَحَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ قَتْلٌ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صُنِعَ لَهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْتُلْ مَنْ صَنَعَهُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
الشرح:
قوله: (باب هل يعفى عن الذمي إذا سحر) قال ابن بطال: لا يقتل ساحر أهل العهد لكن يعاقب، إلا إن قتل بسحره فيقتل، أو أحدث حدثا فيؤخذ به.
وهو قول الجمهور.
وقال مالك: إن أدخل بسحره ضررا على مسلم نقض عهده بذلك.
وقال أيضا: يقتل الساحر ولا يستتاب، وبه قال أحمد وجماعة، وهو عندهم كالزنديق.
وقوله "وقال ابن وهب إلخ " وصله ابن وهب في جامعه هكذا.
قوله: (وكان من أهل الكتاب) قال الكرماني: ترجم بلفظ الذمي وسئل الزهري بلفظ أهل العهد وأجاب بلفظ أهل الكتاب، فالأولان متقاربان، وأما أهل الكتاب فمراده من له منهم عهد، وكان الأمر في نفس الأمر كذلك.
قال ابن بطال: لا حجة لابن شهاب في قصة الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان لا ينتقم لنفسه، ولأن السحر لم يضره في شيء من أمور الوحي ولا في بدنه، وإنما كان اعتراه شيء من التخيل، وهذا كما تقدم أن عفريتا تفلت عليه ليقطع صلاته فلم يتمكن من ذلك، وإنما ناله من ضرر السحر ما ينال المريض من ضرر الحمى.
قلت: ولهذا الاحتمال لم يجزم المصنف بالحكم.
الحديث:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ صَنَعَ شَيْئًا وَلَمْ يَصْنَعْهُ
الشرح:
الحديث طرف من حديث عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر " وأشار بالترجمة إلى ما وقع في بقية القصة " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عوفي أمر بالبئر فردمت وقال: كرهت أن أثير على الناس شرا " وسيأتي الكلام على شرحه مستوفي حيث ذكره المصنف تاما في كتاب الطب إن شاء الله تعالى.