*3* باب فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ حذف التشكيل
وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ إِدْرِيسَ الرِّكَازُ دِفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْخُمُسُ وَلَيْسَ الْمَعْدِنُ بِرِكَازٍ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَعْدِنِ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ وَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ الْمَعَادِنِ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً وَقَالَ الْحَسَنُ مَا كَانَ مِنْ رِكَازٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَفِيهِ الْخُمُسُ وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ السِّلْمِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ وَجَدْتَ اللُّقَطَةَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَعَرِّفْهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْعَدُوِّ فَفِيهَا الْخُمُسُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْمَعْدِنُ رِكَازٌ مِثْلُ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَرْكَزَ الْمَعْدِنُ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ قِيلَ لَهُ قَدْ يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ أَوْ رَبِحَ رِبْحًا كَثِيرًا أَوْ كَثُرَ ثَمَرُهُ أَرْكَزْتَ ثُمَّ نَاقَضَ وَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتُمَهُ فَلَا يُؤَدِّيَ الْخُمُسَ
الشرح:
قوله: (باب في الركاز الخمس) الركاز بكسر الراء وتخفيف الكاف وآخره زاي المال المدفون مأخوذ من الركز بفتح الراء يقال ركزه يركزه ركزا إذا دفنه فهو مركوز، وهذا متفق عليه، واختلف في المعدن كما سيأتي.
قوله: (وقال مالك وابن إدريس: الركاز دفن الجاهلية إلخ) أما قول مالك فرواه أبو عبيد في " كتاب الأموال " حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير عن مالك قال: المعدن بمنزلة الزرع، تؤخذ منه الزكاة كما تؤخذ من الزرع حتى يحصد، قال: وهذا ليس بركاز إنما الركاز دفن الجاهلية الذي يؤخذ من غير أن يطلب بمال ولا يتكلف له كثير عمل انتهى.
وهكذا هو في سماعنا من " الموطأ " رواية يحيى بن بكير، لكن قال فيه " عن مالك عن بعض أهل العلم " وأما قوله " في قليله وكثيره الخمس " فنقله ابن المنذر عنه كذلك وفيه عند أصحابه عنه اختلاف، وقوله "دفن الجاهلية " بكسر الدال وسكون الفاء الشيء المدفون كذبح بمعنى مذبوح، وأما بالفتح فهو المصدر ولا يراد هنا.
وأما ابن إدريس فقال ابن التين قال أبو ذر: يقال أن ابن إدريس هو الشافعي، ويقال عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي وهو أشبه، كذا قال، وقد جزم أبو زيد المروزي أحد الرواة عن الفربري بأنه الشافعي، وتابعه البيهقي وجمهور الأئمة، ويؤيده أن ذلك وجد في عبارة الشافعي دون الأودي، فروى البيهقي في " المعرفة " من طريق الربيع قال قال الشافعي: والركاز الذي فيه الخمس دفن الجاهلية ما وجد في غير ملك لأحد، وأما قوله " في قليله وكثيره الخمس " فهو قوله في القديم كما نقله ابن المنذر واختاره، وأما الجديد فقال: لا يجب فيه الخمس حتى يبلغ نصاب الزكاة، والأول قول الجمهور كما نقله ابن المنذر أيضا وهو مقتضى ظاهر الحديث.
قوله: (وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المعدن جبار وفي الركاز الخمس) أي فغاير بينهما، وهذا وصله في آخر الباب من حديث أبي هريرة، ويأتي الكلام عليه.
قوله: (وأخذ عمر بن عبد العزيز من المعادن من كل مائتين خمسة) وصله أبو عبيد في " كتاب الأموال " من طريق الثوري عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم نحوه، وروى البيهقي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن عمر بن عبد العزيز جعل المعدن بمنزلة الركاز يؤخذ منه الخمس، ثم عقب بكتاب آخر فجعل فيه الزكاة.
قوله: (وقال الحسن: ما كان من ركاز في أرض الحرب ففيه الخمس، وما كان في أرض السلم ففيه الزكاة) وصله ابن أبي شيبة من طريق عاصم الأحول عنه بلفظ " إذا وجد الكنز في أرض العدو ففيه الخمس، وإذا وجد في أرض العرب ففيه الزكاة " قال ابن المنذر: ولا أعلم أحدا فرق هذه التفرقة غير الحسن.
قوله: (وإن وجدت اللقطة في أرض العدو فعرفها وإن كانت من العدو ففيها الخمس) لم أقف عليه موصولا وهو بمعنى ما تقدم عنه قوله: (وقال بعض الناس: المعدن ركاز إلخ) قال ابن التين: المراد ببعض الناس أبو حنيفة.
قلت: وهذا أول موضع ذكره فيه البخاري بهذه الصيغة، ويحتمل أن يريد به أبا حنيفة وغيره من الكوفيين ممن قال بذلك، قال ابن بطال: ذهب أبو حنيفة والثوري وغيرهما إلى أن المعدن كالركاز، واحتج لهم بقول العرب: أركز الرجل إذا أصاب ركازا، وهي قطع من الذهب تخرج من المعادن.
والحجة للجمهور تفرقة النبي صلى الله عليه وسلم بين المعدن والركاز بواو العطف فصح أنه غيره، قال وما ألزم به البخاري القائل المذكور قد يقال لمن وهب له الشيء أو ربح ربحا كثيرا أو كثر ثمره: أركزت حجة بالغة، لأنه لا يلزم من الاشتراك في الأسماء الاشتراك في المعنى، إلا إن أوجب ذلك من يجب التسليم له، وقد أجمعوا على أن المال الموهوب لا يجب فيه الخمس، وإن كان يقال له أركز فكذلك المعدن.
وأما قوله " ثم ناقض " إلى آخر كلامه فليس كما قال، وإنما أجاز له أبو حنيفة أن يكتمه إذا كان محتاجا، بمعنى أنه يتأول أن له حقا في بيت المال ونصيبا في الفيء فأجاز له أن يأخذ الخمس لنفسه عوضا عن ذلك لا أنه أسقط الخمس عن المعدن ا هـ.
وقد نقل الطحاوي المسألة التي ذكرها ابن بطال ونقل أيضا أنه لو وجد في داره معدنا فليس عليه شيء، وبهذا يتجه اعتراض البخاري.
والفرق بين المعدن والركاز في الوجوب وعدمه أن المعدن يحتاج إلى عمل ومئونة ومعالجة لاستخراجه بخلاف الركاز، وقد جرت عادة الشرع أن ما غلظت مؤونته خفف عنه في قدر الزكاة وما خفت زيد فيه.
وقيل إنما جعل في الركاز الخمس لأنه مال كافر فنزل من وجده منزلة الغنائم فكان له أربعة أخماسه.
وقال الزين بن المنير: كأن الركاز مأخوذ من أركزته في الأرض إذا غرزته فيها، وأما المعدن فإنه ينبت في الأرض بغير وضع واضع.
هذه حقيقتهما، فإذا افترقا في أصلهما فكذلك في حكمهما.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ
الشرح:
قوله: (العجماء جبار) في رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة " العجماء عقلها جبار " وسيأتي في الديات مع الكلام عليه إن شاء الله تعالى، وسميت البهيمة عجماء لأنها لا تتكلم.
قوله: (والمعدن جبار) أي هدر، وليس المراد أنه لا زكاة فيه، إنما المعنى أن من استأجر رجلا للعمل في معدن مثلا فهلك فهو هدر ولا شيء على من استأجره، وسيأتي بسطه في الديات.
قوله: (وفي الركاز الخمس) قد تقدم ذكر الاختلاف في الركاز، وأن الجمهور ذهبوا إلى أنه المال المدفون، لكن حصره الشافعية فيما يوجد في الموات، بخلاف ما إذا وجده في طريق مسلوك أو مسجد فهو لقطة، وإذا وجده في أرض مملوكة فإن كان المالك الذي وجده فهو له، وإن كان غيره فإن ادعاه المالك فهو له وإلا فهو لمن تلقاه عنه إلى أن ينتهي الحال إلى من أحيا تلك الأرض، قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العبد: من قال من الفقهاء بأن في الركاز الخمس إما مطلقا أو في أكثر الصور فهو أقرب إلى الحديث، وخصه الشافعي أيضا بالذهب والفضة.
وقال الجمهور: لا يختص، واختاره ابن المنذر.
واختلفوا في مصرفه فقال مالك وأبو حنيفة والجمهور: مصرفه مصرف خمس الفيء، وهو اختيار المزني.
وقال الشافعي في أصح قوليه: مصرفه مصرف الزكاة.
وعن أحمد روايتان.
وينبني على ذلك ما إذا وجده ذمي فعند الجمهور يخرج منه الخمس وعند الشافعي لا يؤخذ منه شيء، واتفقوا على أنه لا يشترط فيه الحول بل يجب إخراج الخمس في الحال.
وأغرب ابن العربي في " شرح الترمذي " فحكى عن الشافعي الاشتراط، ولا يعرف ذلك في شيء من كتبه ولا من كتب أصحابه.
*3* باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَمُحَاسَبَةِ الْمُصَدِّقِينَ مَعَ الْإِمَامِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب قول الله تعالى (والعاملين عليها) ومحاسبة المصدقين مع الإمام) قال ابن بطال: اتفق العلماء على أن العاملين عليها السعاة المتولون لقبض الصدقة.
وقال المهلب: حديث الباب أصل في محاسبة المؤتمن، وأن المحاسبة تصحيح أمانته.
وقال ابن المنير في الحاشية: يحتمل أن يكون العامل المذكور صرف شيئا من الزكاة في مصارفه فحوسب على الحاصل والمصروف.
قلت: والذي يظهر من مجموع الطرق أن سبب مطالبته بالمحاسبة ما وجد معه من جنس مال الصدقة وادعى أنه أهدي إليه.
الحديث:
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَسْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ
الشرح:
حديث أبي حميد في قصة ابن اللتبية وفيه " فلما جاء حاسبه " سيأتي الكلام عليه حيث ذكره المصنف مستوفى في الأحكام إن شاء الله تعالى.
وابن اللتبية المذكور اسمه عبد الله فيما ذكر ابن سعد وغيره، ولم أعرف اسم أمه.
وقوله "على صدقات بني سليم " أفاد العسكري بأنه بعث على صدقات بني ذبيان، فلعله كان على القبيلتين.
واللتبية بضم اللام وسكون المثناة بعدها موحدة من بني لتب حي من الأزد قاله ابن دريد، قيل إنها كانت أمه فعرف بها، وقيل اللتبية بفتح اللام والمثناة.