*3* باب صَدَقَةِ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ حذف التشكيل
لِقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
الشرح:
قوله: (باب صدقة الكسب والتجارة، لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) الآية إلى قوله حميد) هكذا أورد هذه الترجمة مقتصرا على الآية بغير حديث، وكأنه أشار إلى ما رواه شعبة عن الحكم عن مجاهد في هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) قال: من التجارة الحلال أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق آدم عنه، وأخرجه الطبري من طريق هشيم عن شعبة ولفظه (من طيبات ما كسبتم) قال: من التجارة، (ومما أخرجنا لكم من الأرض) قال: من الثمار.
ومن طريق أبي بكر الهذلي عن محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو عن علي قال في قوله: (وهما أخرجنا لكم من الأرض) قال: يعني من الحب والتمر كل شيء عليه زكاة.
قال الزين بن المنير لم يقيد الكسب في الترجمة بالطيب كما في الآية استغناء عن ذلك بما قدم في ترجمة " باب الصدقة من كسب طيب".
*3* باب عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب على كل مسلم صدقة، فمن لم يجد فليعمل بالمعروف) قال الزين بن المنير: نصب هذه الترجمة علما على الخبر مقتصرا على بعض ما فيه إيجازا.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ عَنْ الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ
الشرح:
قوله: (سعيد بن أبي بردة) أي ابن أبي موسى الأشعري.
ووقع التصريح به عند أبي عوانة في صحيحه.
قوله: (على كل مسلم صدقة) أي على سبيل الاستحباب المتأكد أو على ما هو أعم من ذلك، والعبارة صالحة للإيجاب والاستحباب كقوله عليه الصلاة والسلام " على المسلم ست خصال " فذكر.
منها ما هو مستحب اتفاقا، وزاد أبو هريرة في حديثه تقييد ذلك بكل يوم كما سيأتي في الصلح من طريق همام عنه، ولمسلم من حديث أبي ذر مرفوعا " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة " والسلامى بضم المهملة وتخفيف اللام: المفصل، وله في حديث عائشة " خلق الله كل إنسان من بني آدم على ستين وثلثمائة مفصل".
قوله: (فقالوا يا نبي الله فمن لم يجد) كأنهم فهموا من لفظ الصدقة العطية فسألوا عمن ليس عنده شيء، فبين لهم أن المراد بالصدقة ما هو أعم من ذلك ولو بإغاثة الملهوف والأمر بالمعروف، وهل تلتحق هذه الصدقة بصدقة التطوع التي تحسب يوم القيامة من الفرض الذي أخل به؟ فيه نظر، الذي يظهر أنها غيرها لما تبين من حديث عائشة المذكور أنها شرعت بسبب عتق المفاصل حيث قال في آخر هذا الحديث " فإنه يمسي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار".
قوله: (الملهوف) أي المستغيث وهو أعم من أن يكون مظلوما أو عاجزا.
قوله: (فليعمل بالمعروف) في رواية المصنف في الأدب من وجه آخر عن شعبة " فليأمر بالخير أو بالمعروف " زاد أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة " وينهى عن المنكر".
قوله: (وليمسك) في روايته في الأدب " قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: فليمسك عن الشر " وكذا لمسلم من طريق أبي أسامة عن شعبة وهو أصح سياقا، فظاهر سياق الباب أن الأمر بالمعروف والإمساك عن الشر رتبة واحدة، وليس كذلك بل الإمساك هو الرتبة الأخيرة.
قوله: (فإنها) كذا وقع هنا بضمير المؤنث، وهو باعتبار الخصلة من الخير وهو الإمساك، ووقع في رواية الأدب: فإنه أي الإمساك له أي للممسك.
وقال الزين بن المنير: إنما يحصل ذلك للممسك عن الشر إذا نوى بالإمساك القربة، بخلاف محض الترك، والإمساك أعم من أن يكون عن غيره فكأنه تصدق عليه بالسلامة منه، فإن كان شره لا يتعدى نفسه فقد تصدق على نفسه بأن منعها من الإثم، قال: وليس ما تضمنه الخبر من قوله " فإن لم يجد " ترتيبا، وإنما هو للإيضاح لما يفعله من عجز عن خصلة من الخصال المذكورة فإنه يمكنه خصلة أخرى، فمن أمكنه أن يعمل بيده فيتصدق وأن يغيث الملهوف وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويمسك عن الشر فليفعل الجميع، ومقصود هذا الباب أن أعمال الخير تنزل منزلة الصدقات في الأجر ولا سيما في حق من لا يقدر عليها.
ويفهم منه أن الصدقة في حق القادر عليها أفضل من الأعمال القاصرة، ومحصل ما ذكر في حديث الباب أنه لا بد من الشفقة على خلق الله، وهي إما بالمال أو غيره، والمال إما حاصل أو مكتسب، وغير المال إما فعل وهو الإغاثة وإما ترك وهو الإمساك انتهى.
وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به: ترتيب هذا الحديث أنه ندب إلى الصدقة، وعند العجز عنها ندب إلى ما يقرب منها أو يقوم مقامها وهو العمل والانتفاع، وعند العجز عن ذلك ندب إلى ما يقوم مقامه وهو الإغاثة، وعند عدم ذلك ندب إلى فعل المعروف أي من سوى ما تقدم كإماطة الأذى، وعند عدم ذلك ندب إلى الصلاة، فإن لم يطق فترك الشر وذلك آخر المراتب.
قال: ومعنى الشر هنا ما منعه الشرع، ففيه تسلية للعاجز عن فعل المندوبات إذا كان عجزه عن ذلك من غير اختيار.
قلت: وأشار بالصلاة إلى ما وقع في آخر حديث أبي ذر عند مسلم " ويجزئ عن ذلك كله ركعتا الضحى " وهو يؤيد ما قدمناه أن هذه الصدقة لا يكمل منها ما يختل من الفرض، لأن الزكاة لا تكمل الصلاة ولا العكس فدل على افتراق الصدقتين.
واستشكل الحديث مع تقدم ذكر الأمر بالمعروف وهو من فروض الكفاية فكيف تجزئ عنه صلاة الضحى وهي من التطوعات؟ وأجيب بحمل الأمر هنا على ما إذا حصل من غيره فسقط به الفرض، وكأن في كلامه هو زيادة في تأكيد ذلك فلو تركه أجزأت عنه صلاة الضحى، كذا قيل وفيه نظر، والذي يظهر أن المراد أن صلاة الضحى تقوم مقام الثلثمائة وستين حسنة التي يستحب للمرء أن يسعى في تحصيلها كل يوم ليعتق مفاصله التي هي بعددها، لا أن المراد أن صلاة الضحى تغني عن الأمر بالمعروف وما ذكر معه، وإنما كان كذلك لأن الصلاة عمل بجميع الجسد فتتحرك المفاصل كلها فيها بالعبادة، ويحتمل أن يكون ذلك لكون الركعتين تشتملان على ثلثمائة وستين ما بين قول وفعل إذا جعلت كل حرف من القراءة مثلا صدقة، وكأن صلاة الضحى خصت بالذكر لكونها أول تطوعات النهار بعد الفرض وراتبته، وقد أشار في حديث أبي ذر إلى أن صدقة السلامى نهارية لقوله " يصبح على كل سلامى من أحدكم " وفي حديث أبي هريرة " كل يوم تطلع فيه الشمس " وفي حديث عائشة " فيمسي وقد زحزح نفسه عن النار " وفي الحديث أن الأحكام تجري على الغالب، لأن في المسلمين من يأخذ الصدقة المأمور بصرفها، وقد قال " على كل مسلم صدقة " وفيه مراجعة العالم في تفسير المجمل وتخصيص العام.
وفيه فضل التكسب لما فيه من الإعانة، وتقديم النفس على الغير والمراد بالنفس ذات الشخص وما يلزمه.
والله أعلم.
*3* باب قَدْرُ كَمْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَنْ أَعْطَى شَاةً حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب قدر كم يعطي من الزكاة والصدقة، ومن أعطى شاة) أورد فيه حديث أم عطية في إهدائها الشاة التي تصدق بها عليها.
قال الزين بن المنير: عطف الصدقة على الزكاة من عطف العام على الخاص، إذ لو اقتصر على الزكاة لأفهم أن غيرها بخلافها، وحذف مفعول يعطي اختصارا لكونهم ثمانية أصناف، وأشار بذلك إلى الرد على من كره أن يدفع إلى شخص واحد قدر النصاب، وهو محكي عن أبي حنيفة.
وقال محمد بن الحسن: لا بأس به انتهى.
وقال غيره: لفظ الصدقة يعم الفرض والنفل، والزكاة كذلك لكنها لا تطلق غالبا إلا على المفروض دون التطوع فهي أخص من الصدقة من هذا الوجه، ولفظ الصدقة من حيث الإطلاق على الفرض مرادف الزكاة لا من حيث الإطلاق على النفل، وقد تكرر في الأحاديث لفظ الصدقة على المفروضة ولكن الأغلب التفرقة.
والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ بُعِثَ إِلَى نُسَيْبَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ بِشَاةٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنْهَا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْتُ لَا إِلَّا مَا أَرْسَلَتْ بِهِ نُسَيْبَةُ مِنْ تِلْكَ الشَّاةِ فَقَالَ هَاتِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا
الشرح:
قوله: (بعث إلى نسيبة الأنصارية) هي أم عطية كذا وقع في رواية ابن السكن عن الفربري عن البخاري في آخر هذا الحديث، وكان السياق يقتضي أن يقول " بعث إلي " بلفظ ضمير المتكلم المجرور كما وقع عند مسلم من طريق ابن علية عن خالد، لكنه في هذا السياق وضع الظاهر موضع المضمر إما تجريدا وإما التفاتا، وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في " باب إذا حولت الصدقة " في أواخر كتاب الزكاة إن شاء الله تعالى.
*3* باب زَكَاةِ الْوَرِقِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب زكاة الورق) أي الفضة، يقال " ورق " بفتح الواو وبكسرها وبكسر الراء وسكونها، قال ابن المنير: لما كانت الفضة هي المال الذي يكثر دورانه في أيدي الناس ويروج بكل مكان كان أولى بأن يقدم على ذكر تفاصيل الأموال الزكوية.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو سَمِعَ أَبَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا
الشرح:
قوله: (عن عمرو بن يحيى المازني) في موطأ ابن وهب " عن مالك أن عمرو بن يحيى حدثه".
قوله: (عن أبيه) في مسند الحميدي عن سفيان " سألت عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي الحسن المازني فحدثني عن أبيه " وفي رواية يحيى بن سعيد وهو الأنصاري التي ذكرها المصنف عقب هذا الإسناد التصريح بسماع عمرو وهو ابن يحيى المذكور له من أبيه، وهذا هو السر في إيراده للإسناد خاصة، وقد حكى ابن عبد البر عن بعض أهل العلم أن حديث الباب لم يأت إلا من حديث أبي سعيد الخدري، قال: وهذا هو الأغلب، إلا أنني وجدته من رواية سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، ومن طريق محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن جابر انتهى.
ورواية سهيل في " الأموال لأبي عبيد " ورواية مسلم في " المستدرك " وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن جابر، وجاء أيضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة وأبي رافع ومحمد بن عبد الله بن جحش أخرج أحاديث الأربعة الدارقطني، ومن حديث ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة وأبو عبيد أيضا.
قوله: (خمس ذود) بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد.
قوله: (خمس أواق) زاد مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد " خمس أواق من الورق صدقة " وهو مطابق للفظ الترجمة، وكأن المصنف أراد أن يبين بالترجمة ما أبهم في لفظ الحديث اعتمادا على الطريق الأخرى.
و " أواق " بالتنوين وبإثبات التحتانية مشددا ومخففا جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد التحتانية، وحكى اللحياني " وقية " بحذف الألف وفتح الواو.
ومقدار الأوقية في هذا الحديث أربعون درهما بالاتفاق، والمراد بالدرهم الخالص من الفضة سواء كان مضروبا أو غير مضروب، قال عياض قال أبو عبيد: إن الدرهم لم يكن معلوم القدر حتى جاء عبد الملك بن مروان فجمع العلماء فجعلوا كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، قال: وهذا يلزم منه أن يكون صلى الله عليه وسلم أحال بنصاب الزكاة على أمر مجهول وهو مشكل، والصواب أن معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن شيء منها من ضرب الإسلام وكانت مختلفة في الوزن بالنسبة إلى العدد، فعشرة مثلا وزن عشرة وعشرة وزن ثمانية، فاتفق الرأي على أن تنقش بكتابة عربية ويصير وزنها وزنا واحدا.
وقال غيره: لم يتغير المثقال في جاهلية ولا إسلام، وأما الدرهم فأجمعوا على أن كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم، ولم يخالف في أن نصاب الزكاة مائتا درهم يبلغ مائة وأربعين مثقالا من الفضة الخالصة إلا ابن حبيب الأندلسي فإنه انفرد بقوله: إن كل أهل بلد يتعاملون بدراهمهم.
وذكر ابن عبد البر اختلافا في الوزن بالنسبة إلى دراهم الأندلس وغيرها من دراهم البلاد، وكذا خرق المريسي الإجماع فاعتبر النصاب بالعدد لا الوزن، وانفرد السرخسي من الشافعية بحكاية وجه في المذهب أن الدراهم المغشوشة إذا بلغت قدرا لو ضم إليه قيمة الغش من نحاس مثلا لبلغ نصابا فإن الزكاة تجب فيه كما نقل عن أبي حنيفة، واستدل بهذا الحديث على عدم الوجوب فيما إذا نقص من النصاب ولو حبة واحدة، خلافا لمن سامح بنقص يسير كما نقل عن بعض المالكية.
قوله: (أوسق) جمع وسق بفتح الواو ويجوز كسرها كما حكاه صاحب " المحكم " وجمعه حينئذ أوساق كحمل وأحمال، وقد وقع كذلك في رواية لمسلم، وهو ستون صاعا بالاتفاق، ووقع في رواية ابن ماجه من طريق أبي البختري عن أبي سعيد نحو هذا الحديث وفيه " والوسق ستون صاعا"، وأخرجها أبو داود أيضا لكن قال " ستون مختوما " والدارقطني من حديث عائشة أيضا والوسق ستون صاعا، ولم يقع في الحديث بيان المكيل بالأوسق لكن في رواية مسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حب صدقة " وفي رواية له " ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق " ولفظ " دون " في المواضع الثلاثة بمعنى أقل لا أنه نفى عن غير الخمس الصدقة كما زعم بعض من لا يعتد بقوله.
واستدل بهذا الحديث على وجوب الزكاة في الأمور الثلاثة، واستدل به على أن الزروع لا زكاة فيها حتى تبلغ خمسة أوسق، وعن أبي حنيفة تجب في قليله وكثيره لقوله صلى الله عليه وسلم "فيما سقت السماء العشر " وسيأتي البحث في ذلك في باب مفرد إن شاء الله تعالى.
ولم يتعرض الحديث للقدر الزائد على المحدود، وقد أجمعوا في الأوساق على أنه لا وقص فيها، وأما الفضة فقال الجمهور هو كذلك، وعن أبي حنيفة لا شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى يبلغ النصاب وهو أربعون فجعل لها وقصا كالماشية، واحتج عليه الطبراني بالقياس على الثمار والحبوب، والجامع كون الذهب والفضة مستخرجين من الأرض بكلفة ومؤونة، وقد أجمعوا على ذلك في خمسة أوسق فما زاد.
(فائدة) : أجمع العلماء على اشتراط الحول في الماشية والنقد دون المعشرات.
والله أعلم.