*3* باب لَا تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسٌ إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب لا يؤخذ في الصدقة هرمة - إلى قوله - ما شاء المصدق) اختلف في ضبطه فالأكثر على أنه بالتشديد والمراد المالك، وهذا اختيار أبي عبيد، وتقدير الحديث لا تؤخذ هرمة ولا ذات عيب أصلا، ولا يؤخذ التيس وهو فحل الغنم إلا برضا المالك لكونه يحتاج إليه، ففي أخذه بغير اختياره إضرار به والله أعلم.
وعلى هذا فالاستثناء مختص بالثالث، ومنهم من ضبطه بتخفيف الصاد وهو الساعي وكأنه يشير بذلك إلى التقويض إليه في اجتهاده لكونه يجري مجرى الوكيل فلا يتصرف بغير المصلحة فيتقيد بما تقتضيه القواعد، وهذا قول الشافعي في البويطي ولفظه: ولا تؤخذ ذات عوار ولا تيس ولا هرمة إلا أن يرى المصدق أن ذلك أفضل للمساكين فيأخذه على النظر انتهى.
وهذا أشبه بقاعدة الشافعي في تناول الاستثناء جميع ما ذكر قبله، فلو كانت الغنم كلها معيبة مثلا أو تيوسا أجزأه أن يخرج منها، وعن المالكية يلزم المالك أن يشتري شاه مجزئة تمسكا بظاهر هذا الحديث.
وفي رواية أخرى عندهم كالأول.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ الصَّدَقَةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسٌ إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ
الشرح:
قوله: (هرمة) بفتح الهاء وكسر الراء: الكبيرة التي سقطت أسنانها.
قوله: (ذات عوار) بفتح العين المهملة وبضمها أي معيبة، وقيل بالفتح العيب وبالضم العور، واختلف في ضبطها فالأكثر على أنه ما يثبت به الرد في البيع، وقيل ما يمنع الإجزاء في الأضحية، ويدخل في المعيب المريض والذكورة بالنسبة إلى الأنوثة والصغير سنا بالنسبة إلى سن أكبر منه.
*3* باب أَخْذِ الْعَنَاقِ فِي الصَّدَقَةِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب أخذ العناق) بفتح المهملة، أورد فيه طرفا من قصة عمر مع أبي بكر في قتال مانعي الزكاة وفيه قوله " لو منعوني عناقا " وكأن البخاري أشار بهذه الترجمة السابقة إلى جواز أخذ الصغيرة من الغنم في الصدقة لأن الصغيرة لا عيب فيها سوى صغر السن فهي أولى أن نؤخذ من الهرمة إذا رأى الساعي ذلك، وهذا هو السر في اختيار لفظ الأخذ في الترجمة دون الإعطاء، وخالف في ذلك المالكية فقالوا معناه كانوا يؤدون عنها ما يلزم أداؤه.
وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: لا يؤدي عنها إلا من غيرها، وقيل المراد بالعناق في هذا الحديث الجذعة من الغنم وهو خلاف الظاهر.
والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ح وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ أَنَّ اللَّهَ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ
الشرح:
قوله في أثناء الإسناد (وقاله الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد إلخ) وصله الذهلي في " الزهريات " عن أبي صالح عن الليث، ولليث فيه إسناد من طريق أخرى ستأتي في كتاب المرتدين عن عقيل عن ابن شهاب.
*3* باب لَا تُؤْخَذُ كَرَائِمُ أَمْوَالِ النَّاسِ فِي الصَّدَقَةِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة) هذه الترجمة مقيدة لمطلق الحديث لأن فيه " وتوق كرائم أموال الناس " بغير تقييد بالصدقة، وأموال الناس يستوي التوقي لها بين الكرائم وغيرها فقيدها في الترجمة بالصدقة وهو بين من سياق الحديث لأنه ورد في شأن الصدقة، والكرائم جمع كريمة يقال ناقة كريمة أي غزيرة اللبن، والمراد نفائس الأموال من أي صنف كان، وقيل له نفيس لأن نفس صاحبه تتعلق به وأصل الكريمة كثيرة الخير، وقيل للمال النفيس كريم لكثرة منفعته.
وسيأتي الكلام على بقية الحديث قبيل أبواب زكاة الفطر إن شاء الله تعالى.
*3* باب لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب ليس فيما دون خمس ذود صدقة) الذود بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة.
قال الزين بن المنير: أضاف خمس إلى ذود وهو مذكر لأنه يقع على المذكر والمؤنث، وأضافه إلى الجمح لأنه يقع على المفرد والجمع.
وأما قول ابن قتيبة إنه يقع على الواحد فقط فلا يدفع ما نقله غيره أنه يقع على الجمع انتهى.
والأكثر على أن الذود من الثلاثة إلى العشرة وأنه لا واحد له من لفظه.
وقال أبو عبيد: من الثنتين إلى العشرة.
قال: وهو يختص بالإناث.
وقال سيبويه: تقول ثلاث ذود لأن الذود مؤنث وليس باسم كسر عليه مذكر.
وقال القرطبي: أصله ذاد يذود إذا دفع شيئا فهو مصدر، وكأن من كان عنده دفع عن نفسه معرة الفقر وشدة الفاقة والحاجة.
وقوله "من الإبل " بيان للذود.
وأنكر ابن قتيبة أن يراد بالذود الجمع وقال: لا يصح أن يقال خمس ذود كما لا يصح أن يقال خمس ثوب.
وغلطه العلماء في ذلك، لكن قال أبو حاتم السجستاني: تركوا القياس في الجمع فقالوا خمس ذود لخمس من الإبل كما قالوا ثلثمائة على غير قياس.
قال القرطبي: وهذا صريح في أن الذود واحد في لفظه، والأشهر ما قاله المتقدمون إنه لا يقصر على الواحد.
قال الزين بن المنير أيضا: هذه الترجمة تتعلق بزكاة الإبل، وإنما اقتطعها من ثم لأن الترجمة المتقدمة مسوقة للإيجاب وهذه للنفي فلذلك فصل بينهما بزكاة الغنم وتوابعه.
كذا قال، ولا يخفى تكلفه والذي يظهر لي أن لها تعلقا بالغنم التي تعطي في الزكاة من جهة أن الواجب في الخمس شاة، وتعلقها بزكاة الإبل ظاهر فلها تعلق بهما كالتي قبلها.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ
الشرح:
قوله: (عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني) كذا وقع في رواية مالك، والمعروف أنه محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة نسب إلى جده ونسب جده إلى جده.
قوله: (عن أبيه) كذا رواه مالك.
وروى إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد هذا عن عمرو بن يحيى وعباد بن تميم كلاهما عن أبي سعيد.
ونقل البيهقي عن محمد بن يحيى الذهلي أن محمدا سمعه من ثلاثة أنفس وأن الطريقين محفوظان.
وقد سبق باقي الكلام على حديث الباب في " باب زكاة الورق".