الحديث:
و حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ وَكَثِيرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَتْ إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ حَتَّى بَلَغَ يَشْكُرُونَ وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ فَوَجَدَتْ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ يَلِيهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَهَبَطَتْ مِنْ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتْ الْوَادِيَ ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ صَهٍ تُرِيدُ نَفْسَهَا ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا فَقَالَتْ قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنْ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنْ الْأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا قَالَ وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ فَقَالُوا أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ فَقَالَتْ نَعَمْ وَلَكِنْ لَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ قَالُوا نَعَمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الْإِنْسَ فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبَّ الْغُلَامُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ فَشَكَتْ إِلَيْهِ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا فَقَالَ هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ قَالَ فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ قَالَتْ نَعَمْ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكِ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا قَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ مَا طَعَامُكُمْ قَالَتْ اللَّحْمُ قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ قَالَتْ الْمَاءُ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ قَالَ فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ قَالَ فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ قَالَتْ نَعَمْ هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكِ أَبِي وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ ثُمَّ قَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ قَالَ فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ قَالَ وَتُعِينُنِي قَالَ وَأُعِينُكَ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولَانِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قَالَ فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولَانِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
الشرح:
قوله: (أول ما اتخذ النساء المنطق) بكسر الميم وسكون النون وفتح الطاء هو ما يشد به الوسط، ووقع في رواية ابن جريج النطق بضم النون والطاء وهو جمع منطق، وكان السبب في ذلك أن سارة كانت وهبت هاجر لإبراهيم فحملت منه بإسماعيل، فلما ولدته غارت منها فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فاتخذت هاجر منطقا فشدت به وسطها وهربت وجرت ذيلها لتخفي أثرها على سارة، ويقال إن إبراهيم شفع فيها وقال لسارة: حللي يمينك بأن تثقبي أذنيها وتخفضيها وكانت أول من فعل ذلك.
ووقع في رواية ابن علية عند الإسماعيلي " أول ما أحدت العرب جر الذيول عن أم إسماعيل " وذكر الحديث.
ويقال إن سارة اشتدت بها الغيرة فخرج إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة لذلك.
وروى ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وغيره " إن الله لما بوأ لإبراهيم مكان البيت خرج بإسماعيل وهو طفل صغير وأمه، قال وحملوا فيما حدثت على البراق".
قوله: (حتى وضعهما) في رواية الكشميهني " فوضعهما".
قوله: (عند دوحة) بفتح المهملة وسكون الواو ثم مهملة: الشجرة الكبيرة.
قوله: (فوق الزمزم) في رواية الكشميهني " فوق زمزم " وهو المعروف، وسيأتي شرح أمرها في أوائل السيرة النبوية.
قوله: (في أعلى المسجد) أي مكان المسجد، لأنه لم يكن حينئذ بني.
قوله: (وسقاء فيه ماء) السقاء بكسر أوله قربة صغيرة.
وفي رواية إبراهيم بن نافع عن كثير التي بعد هذه الرواية " ومعها شنة " بفتح المعجمة وتشديد النون وهي القربة العتيقة.
قوله: (ثم قفى إبراهيم) أي ولي راجعا إلى الشام.
وفي رواية ابن إسحاق " فانصرف إبراهيم إلى أهله بالشام وترك إسماعيل وأمه عند البيت".
قوله: (فتبعته أم إسماعيل) في رواية ابن جريج " فأدركته بكداء " وفي رواية عمر بن شبة من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير أنها " نادته ثلاثا فأجابها في الثالثة، فقالت له: من أمرك بهذا؟ قال: الله".
قوله: (إذن لا يضيعنا) في رواية عطاء بن السائب " فقالت لن يضيعنا " وفي رواية ابن جريج " فقالت حسبي " وفي رواية إبراهيم بن نافع عن كثير المذكورة بعد هذا الحديث في الباب " فقالت رضيت بالله".
قوله: (حتى إذا كان عند الثنية) بفتح المثلثة وكسر النون وتشديد التحتانية، وقوله: " من طريق كداء " بفتح الكاف ممدود هو الموضع الذي دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة منه وهو معروف وقد مضى الكلام عليه في الحج، ووقع في رواية الأصيلي " البنية " بالموحدة بدل المثلثة وهو تصحيف، وضبط ابن الجوزي كدى بالضم والقصر وقال: هي التي بأسفل مكة عند قعيقعان، قال: لأنه وقع في الحديث أنهم نزلوا بأسفل مكة.
قلت: وذلك ليس بمانع أن يرجع من أعلى مكة، فالصواب ما وقع في الأصول بفتح الكاف والمد.
قوله: (ربنا إني أسكنت من ذريتي) في رواية الكشميهني " رب إني أسكنت " والأول هو الموافق للتلاوة.
قوله: (حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت) زاد الفاكهي من حديث أبي جهم " فانقطع لبنها " وفي رواية " وكان إسماعيل حينئذ ابن سنتين".
قوله: (فجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط) في رواية الكشميهني " يتلمظ " وهي رواية معمر أيضا، ومعنى يتلبط وهو بموحدة ومهملة يتمرغ ويضرب بنفسه الأرض، ويقرب منها رواية عطاء بن السائب " فلما ظمئ إسماعيل جعل يضرب الأرض بعقبيه " وفي رواية إبراهيم بن نافع " كأنه ينشغ للموت " وهو بفتح الياء وسكون النون وفتح المعجمة بعدها غين معجمة أي يشهق ويعلو صوته وينخفض كالذي ينازع.
قوله: (ثم استقبلت الوادي) في رواية عطاء بن السائب " والوادي يومئذ عميق " وفي حديث أبي جهم " تستغيث ربها وتدعوه".
قوله: (ثم سعت سعي الإنسان المجهود) أي الذي أصابه الجهد وهو الأمر المشق.
قوله: (سبع مرات) في حديث أبي جهم " وكان ذلك أول ما سعي بين الصفا والمروة " وفي رواية إبراهيم بن نافع " أنها كانت في كل مرة تتفقد إسماعيل وتنظر ما حدث له بعدها " وقال في روايته: " فلم تقرها نفسها " وهو بضم أوله وكسر القاف، ونفسها بالرفع الفاعل أي لم تتركها نفسها مستقرة فتشاهده في حال الموت فرجعت، وهذا في المرة الأخيرة.
قوله: (فقالت صه) بفتح المهملة وسكون الهاء وبكسرها منونة، كأنها خاطبت نفسها فقالت لها اسكتي.
وفي رواية إبراهيم بن نافع وابن جريج " فقالت أغثني إن كان عندك خير".
قوله: (إن كان عندك غواث) بفتح أوله للأكثر وتخفيف الواو وآخره مثلثة، قيل: وليس في الأصوات فعال بفتح أوله غيره، وحكى ابن الأثير ضم أوله والمراد به على هذا المستغيث، وحكى ابن قرقول كسره أيضا والضم رواية أبي ذر وجزاء الشرط محذوف تقديره فأغثني.
قوله: (فإذا هي بالملك) في رواية إبراهيم بن نافع وابن جريج فإذا جبريل، وفي حديث علي عند الطبري بإسناد حسن " فناداها جبريل فقال: من أنت؟ قالت: أنا هاجر أم ولد إبراهيم، قال: فإلى من وكلكما؟ قالت: إلى الله.
قال: وكلكما إلى كاف".
قوله: (فبحث بعقبه، أو قال بجناحه) شك من الراوي.
وفي رواية إبراهيم بن نافع " فقال بعقبه هكذا، وغمز عقبه على الأرض " وهي تعين أن ذلك كان بعقبه.
وفي رواية ابن جريج " فركض جبريل برجله " وفي حديث علي " ففحص الأرض بإصبعه فنبعت زمزم " وقال ابن إسحاق في روايته " فزعم العلماء أنهم لم يزالوا يسمعون أنها همزة جبريل".
قوله: (حتى ظهر الماء) في رواية ابن جريج " ففاض الماء " وفي رواية ابن نافع " فانبثق الماء " وهي بنون وموحدة ومثلثة وقال أي تفجر.
قوله: (فجعلت تحوضه) بحاء مهملة وضاد معجمة وتشديد أي تجعله مثل الحوض.
وفي رواية ابن نافع " فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفر " وفي رواية الكشميهني من رواية ابن نافع " تحفن " بنون بدل الراء والأول أصوب، ففي رواية عطاء بن السائب " فجعلت تفحص الأرض بيديها".
قوله: (وتقول بيدها هكذا) هو حكاية فعلها، وهذا من إطلاق القول على الفعل، وفي حديث علي " فجعلت تحبس الماء فقال دعيه فإنها رواء".
قوله: (لو تركت زمزم، أو قال لو لم تغرف من زمزم) شك من الراوي.
وفي رواية ابن نافع " لو تركته " وهذا القدر صرح ابن عباس برفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه إشعار بأن جميع الحديث مرفوع.
قوله: (عينا معينا) أي ظاهرا جاريا على وجه الأرض.
وفي رواية ابن نافع " كان الماء ظاهرا " فعلى هذا فقوله معينا صفة الماء فلذلك ذكره، ومعين بفتح أوله إن كان من عانه فهو بوزن مفعل وأصله معيون فحذفت الواو، وإن كان من المعين وهو المبالغة في الطلب فهو بوزن فعيل، قال ابن الجوزي: كان ظهور زمزم نعمة من الله محضة بغير عمل عامل، فلما خالطها تحويط هاجر داخلها كسب البشر فقصرت على ذلك فأغنى ذلك عن توجيه تذكير معين، مع أن الموصوف وهو المعين مؤنث.
قوله: (لا تخافوا الضيعة) بفتح المعجمة وسكون التحتانية أي الهلاك، وفي حديث أبي جهم " لا تخافي أن ينفد الماء " وفي رواية علي بن الوازع عن أيوب عند الفاكهي " لا تخافي على أهل هذا الوادي ظمأ فإنها عين يشرب بها ضيفان الله " زاد في حديث أبي جهم " فقالت بشرك الله بخير".
قوله: (فإن هذا بيت الله) في رواية الكشميهني " فإن هاهنا بيت الله".
قوله: (يبني هذا الغلام) كذا فيه بحذف المفعول.
وفي رواية الإسماعيلي " يبنيه " زاد ابن إسحاق في روايته " وأشار لها إلى البيت وهو يومئذ مدرة حمراء فقال: هذا بيت الله العتيق، واعلمي أن إبراهيم وإسماعيل يرفعانه".
قوله: (وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية) بالموحدة ثم المثناة، وروى ابن أبي حاتم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: " لما كان زمن الطوفان رفع البيت، وكان الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه الله لإبراهيم وأعلمه مكانه " وروى البيهقي في " الدلائل " من طريق أخرى عن عبد الله بن عمرو مرفوعا " بعث الله جبريل إلى آدم فأمره ببناء البيت فبناه آدم، ثم أمره بالطواف به وقيل له أنت أول الناس وهذا أول بيت وضع للناس " وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء " أن آدم أول من بنى البيت، وقيل: بنته الملائكة قبله " وعن وهب بن منبه " أول من بناه شيث بن آدم " والأول أثبت، وسيأتي مزيد لذلك آخر شرح هذا الحديث.
قوله: (فكانت) أي هاجر (كذلك) أي على الحال الموصوفة، وفيه إشعار بأنها كانت تغتذي بماء زمزم فيكفيها عن الطعام والشراب.
قوله: (حتى مرت بهم رفقة) بضم الراء وسكون الفاء ثم قاف وهم الجماعة المختلطون سواء كانوا في سفر أم لا.
قوله: (من جرهم) هو ابن قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، وقيل ابن يقطن، قال ابن إسحاق " وكان جرهم وأخوه قطورا أول من تكلم بالعربية عند تبلبل الألسن، وكان رئيس جرهم مضاض بن عمرو ورئيس قطورا السميدع ويطلق على الجميع جرهم " وفي رواية عطاء بن السائب " وكانت جرهم يومئذ بواد قريب من مكة، وقيل: إن أصلهم من العمالقة".
قوله: (مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة) وقع في جميع الروايات بفتح الكاف والمد، واستشكله بعضهم بأن كداء بالفتح والمد في أعلى مكة، وأما الذي في أسفل مكة فبالضم والقصر، يعني فيكون الصواب هنا بالضم والقصر، وفيه نظر لأنه لا مانع أن يدخلوها من الجهة العليا وينزلوا من الجهة السفلى.
قوله: (فرأوا طائرا عائفا) بالمهملة والفاء هو الذي يحوم على الماء ويتردد ولا يمضي عنه.
قوله: (فأرسلوا جريا) بفتح الجيم وكسر الراء وتشديد التحتانية أي رسولا، وقد يطلق على الوكيل وعلى الأجير، قيل: سمي بذلك لأنه يجري مجرى مرسله أو موكله، أو لأنه يجري مسرعا في حوائجه، وقوله: " جريا أو جريين " شك من الراوي (هل أرسلوا واحدا أو اثنين.
وفي رواية إبراهيم بن نافع " فأرسلوا رسولا " ويحتمل الزيادة على الواحد ويكون الأفراد باعتبار الجنس لقوله " فإذا هم بالماء " بصيغة الجمع، ويحتمل أن يكون الإفراد باعتبار المقصود بالإرسال والجمع باعتبار من يتبعه من خادم ونحوه.
قوله: (فألفى ذلك) بالفاء أي وجد (أم إسماعيل) بالنصب على المفعولية (وهي تحب الأنس) بضم الهمزة ضد الوحشة، ويجوز الكسر أي تحب جنسها.
قوله: (وشب الغلام) أي إسماعيل.