*3* باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ارْكُضْ اضْرِبْ يَرْكُضُونَ يَعْدُونَ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب قول الله تعالى: (وأيوب إذ نادى ربه) الآية) يقال هو أيوب بن ساري بن رغوال بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم، وقيل: اسم أبيه موص والباقي سواء، وقيل: موص بن رزاح بن عيص، وقيل: أيوب بن رزاح بن موص بن عيصو، ومنهم من زاد بين موص وعيص ليقرن، وزعم بعض المتأخرين أنه من ذرية روم بن عيص ولا يثبت ذلك، وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط عليه السلام وأن أباه كان ممن آمن بإبراهيم وعلى هذا فكان قبل موسى.
وقال ابن إسحاق: الصحيح أنه كان من بني إسرائيل ولم يصح في نسبة شيء إلا أن اسم أبيه امص والله أعلم.
وقال الطبري: كان بعد شعيب.
وقال ابن أبي خيثمة: كان بعد سليمان، وكان عيصو تزوج بشمت بنت عمه إسماعيل فرزق منها رغوال وهو بغين معجمة.
قوله: (اركض اصرب، يركضون يعدون) روى ابن جرير من طريق شعبة عن قتادة في قوله: (اركض برجلك) قال: ضرب برجله الأرض فإذا عينان تنبعان فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى.
وقال الفراء في قوله تعالى: (إذا هم منها يركضون) أي يهربون.
وأخرج الطبري من طريق مجاهد في قوله: (لا تركضوا) أي لا تفروا.
الحديث:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى قَالَ بَلَى يَا رَبِّ وَلَكِنْ لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ
الشرح:
قوله: (بينا أيوب) أصل " بينا " بين أشبعت الفتحة، ويغتسل خبر المبتدأ والجملة في محل الجر بإضافة بين إليه والعامل " خر عليه " أو هو مقدر وخر مفسر له، ووقع عند أحمد وابن حبان من طريق بشير بن نهيك عن أبي هريرة " لما عافى الله أيوب أمطر عليه جرادا من ذهب".
قوله: (عريانا) تقدم القول فيه في كتاب الغسل.
قوله: (خر عليه) أي سقط عليه، وقوله: (رجل جراد) أي جماعة جراد، والجراد اسم جمع واحده جرادة كتمر وتمرة، وحكى ابن سيده أنه يقال للذكر جراد وللأنثى جرادة.
قوله: (يحثي) بالمثلثة أي يأخذ بيديه جميعا.
وفي رواية بشير بن نهيك " يلتقط".
قوله: (في ثوبه) في حديث ابن عباس عند ابن أبي حاتم " فجعل أيوب ينشر طرف ثوبه فيأخذ الجراد فيجعله فيه فكلما امتلأت ناحية نشر ناحية".
قوله: (فناداه ربه) يحتمل أن يكون بواسطة أو بإلهام، ويحتمل أن يكون بغير واسطة.
قوله: (قال بلى) أي أغنيتني.
قوله: (ولكن لا غنى لي) بالقصر بغير تنوين وخبر لا قوله لي أو قوله عن بركتك.
وفي رواية بشير بن نهيك " فقال ومن يشبع من رحمتك " أو قال: " من فضلك".
وفي الحديث جواز الحرص على الاستكثار من الحلال في حق من وثق من نفسه بالشكر عليه، وفيه تسمية المال الذي يكون من هذه الجهة بركة، وفيه فضل الغني الشاكر، وسيأتي بقية مباحث هذه الخصلة الأخيرة في الرقاق إن شاء الله تعالى.
واستنبط منه الخطابي جواز أخذ النثار في الأملاك، وتعقبه ابن التين فقال: هو شيء خص الله به نبيه أيوب، وهو بخلاف النثار فإنه من فعل الآدمي فيكره لما فيه من السرف، ورد عليه بأنه أذن فيه من قبل الشارع إن ثبت الخبر، ويستأنس فيه بهذه القصة والله أعلم.
(تنبيه) : لم يثبت عند البخاري في قصة أيوب شيء، فاكتفى بهذا الحديث الذي على شرطه.
وأصح ما ورد في قصته ما أخرجه ابن أبي حاتم وابن جريج وصححه ابن حبان والحاكم من طريق نافع بن يزيد عن عقيل عن الزهري عن أنس " أن أيوب عليه السلام ابتلي فلبث في بلائه ثلاث عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه فكانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما للآخر: لقد أذنب أيوب ذنبا عظيما وإلا لكشف عنه هذا البلاء، فذكره الآخر لأيوب، يعني فحزن ودعا الله حينئذ فخرج لحاجته وأمسكت امرأته بيده فلما فرغ أبطأت عليه، فأوحي الله إليه أن اركض برجلك، فضرب برجله الأرض فنبعت عين فاغتسل منها فرجع صحيحا، فجاءت امرأته فلم تعرفه، فسألته عن أيوب فقال: إني أنا هو، وكان له أندران: أحدهما: للقمح والآخر: للشعير، فبعث الله له سحابة فأفرغت في أندر القمح الذهب حتى فاض، وفي أندر الشعير الفضة حتى فاض".
وروى ابن أبي حاتم نحوه من حديث ابن عباس وفيه " فكساه الله حلة من حلل الجنة، فجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت: يا عبد الله هل أبصرت المبتلى الذي كان هنا، فلعل الذئاب ذهبت به؟ فقال: ويحك أنا هو " وروى ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عبيد بن عمير نحو حديث أنس، وفي أخره " قال فسجد وقال: وعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني فكشف عنه " وعن الضحاك عن ابن عباس " رد الله على امرأته شبابها حتى ولدت له ستة وعشرين ولدا ذكرا " وذكر وهب بن منبه ومحمد بن إسحاق في " المبتدأ " قصة مطولة جدا وحاصلها أنه كان بحوران، وكان له البثنية سهلها وجبلها، وله أهل ومال كثير وولد، فسلب ذلك كله شيئا فشيئا وهو يصبر ويحتسب، ثم ابتلي في جسده بأنواع من البلاء حتى ألقي خارجا من البلد، فرفضه الناس إلا امرأته، فبلغ من أمرها أنها كانت تخدم بالأجرة وتطعمه إلى أن تجنبها الناس خشية العدوى فباعت إحدى ضفيرتها من بعض بنات الأشراف وكانت طويلة حسنة فاشترت له به طعاما طيبا، فلما أحضرته له حلف أن لا يأكله حتى تخبره من أين لها ذلك، فكشفت عن رأسها، فاشتد حزنه وقال حينئذ: (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) فعافاه الله تعالى، وروى ابن أبي حاتم عن مجاهد أن أيوب أول من أصابه الجدري.
ومن طريق الحسن أن إبليس أتى امرأته فقال لها: إن أكل أيوب ولم يسم عوفي فعرضت ذلك على أيوب فحلف ليضربنها مائة، فلما) عوفي أمره الله أن يأخذ عرجونا فيه مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة، وقيل: بل قعد إبليس على الطريق في صورة طبيب فقال لها: إذا داويته فقال أنت شفيتني قنعت بذلك، فعرضت ذلك عليه فغضب وكان ما كان.
وذكر الطبري أن اسمها ليا بنت يعقوب، وقيل: رحمة بنت يوسف بن يعقوب، وقيل: بنت إفرائيم أو ميشا بن بوسف، وأفاد ابن خالويه أنه يقال لها أم زيد واختلف في مدة بلائه فقيل ثلاث عشرة سنة كما تقدم، وقيل ثلاث سنين وهذا قول وهب، وقيل: سبع سنين وهو عن الحسن وقتادة، وقيل: إن امرأته قالت له: ألا تدعو الله ليعافيك فقال: قد عشت صحيحا سبعين سنة أفلا أصبر سبع سنين؟ والصحيح ما تقدم أنه لبث في بلائه ثلاث عشرة سنة.
وروى الطبري أن مدة عمره كانت ثلاثا وتسعين سنة فعلى هذا فيكون عاش بعد أن عوفي عشر سنين، والله أعلم.
*3* باب وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا حذف التشكيل
وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا كَلَّمَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا يُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَللْاثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ نَجِيٌّ وَيُقَالُ خَلَصُوا نَجِيًّا اعْتَزَلُوا نَجِيًّا وَالْجَمِيعُ أَنْجِيَةٌ يَتَنَاجَوْنَ
الشرح:
قوله: (باب واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا - إلى قوله - نجيا) في رواية أبي ذر " قول الله واذكر إلخ " وليس فيه " باب " وساق في رواية كريمة إلى قوله: (أخاه هارون نبيا) .
قوله: (يقال للواحد والاثنين) زاد الكشميهني: والجمع نجي (ويقال خلصوا اعتزلوا نجيا والجمع أنجية، يتناجون) قال أبو عبيدة في قوله تعالى: (خلصوا نجيا) : أي اعتزلوا نجيا يتناجون، والنجي يقع لفظه على الواحد والجمع أيضا.
وقد يجمع فيقال نجي وأنجية، قال لبيد: وشهدت أنجية الإفاقة عاليا كعبي، وأرداف الملوك شهود وموسى هو ابن عمران بن لاهب بن عازر بن لاوي بن يعقوب عليه السلام لا اختلاف في نسبه، ذكر السدي في تفسيره بأسانيده أن بدء أمر موسى أن فرعون رأى كأن نارا أقبلت من بيت المقدس فأحرقت دور مصر وجميع القبط إلا دور بني إسرائيل، فلما استيقظ جمع الكهنة والسحرة فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء يكون خراب مصر على يده، فأمر بقتل الغلمان، فلما ولد موسى أوحي الله إلى أمه أن أرضعيه، فإذا خفت عليه فألقيه في اليم، قالوا فكانت ترضعه، فإذا خافت عليه جعلته في تابوت وألقته في البحر وجعلت الحبل عندها، فنسيت الحبل يوما فجرى به النيل حتى وقف على باب فرعون فالتقطه الجواري فأحضروه عند امرأته، ففتحت التابوت فرأته فأعجبها، فاستوهبته من فرعون فوهبه لها، فربته حتى كان من أمره ما كان.
قوله: (تلقف تلقم) هو تفسير أبي عبيدة قاله في سورة الأعراف.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ سَمِعْتُ عُرْوَةَ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَدِيجَةَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَانْطَلَقَتْ بِهِ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَكَانَ رَجُلًا تَنَصَّرَ يَقْرَأُ الْإِنْجِيلَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ وَرَقَةُ مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى وَإِنْ أَدْرَكَنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا النَّامُوسُ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي يُطْلِعُهُ بِمَا يَسْتُرُهُ عَنْ غَيْرِهِ
الشرح:
أورد المصنف طرفا من حديث بدء الوحي، وقد تقدم شرحه بتمامه في أول الكتاب، والغرض منه قوله: " الناموس الذي أنزل على موسى".
قوله: (الناموس صاحب السر الذي يطلعه بما يستره عن غيره) هو قول المصنف، وقد تقدم قول من خصه بسر الخير.