*3* باب أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ حذف التشكيل
الْكَهْفُ الْفَتْحُ فِي الْجَبَلِ وَالرَّقِيمُ الْكِتَابُ مَرْقُومٌ مَكْتُوبٌ مِنْ الرَّقْمِ رَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَلْهَمْنَاهُمْ صَبْرًا شَطَطًا إِفْرَاطًا الْوَصِيدُ الْفِنَاءُ وَجَمْعُهُ وَصَائِدُ وَوُصُدٌ وَيُقَالُ الْوَصِيدُ الْبَابُ مُؤْصَدَةٌ مُطْبَقَةٌ آصَدَ الْبَابَ وَأَوْصَدَ بَعَثْنَاهُمْ أَحْيَيْنَاهُمْ أَزْكَى أَكْثَرُ رَيْعًا فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ فَنَامُوا رَجْمًا بِالْغَيْبِ لَمْ يَسْتَبِنْ وَقَالَ مُجَاهِدٌ تَقْرِضُهُمْ تَتْرُكُهُمْ
الشرح:
قوله: (أم حسبت أن أصحاب الكهف) كذا لأبي ذر عن المستملي والكشميهني وحدهما إلى آخر الترجمة، ولغيره في أوله " باب " ولم يورد في ذلك إلا تفاسير مما وقع في قصة أصحاب الكهف، وسقط كله من رواية النسفي.
قوله: (الكهف الفتح في الجبل) هو قول الضحاك أخرجه عنه ابن أبي حاتم، واختلف في مكان الكهف فالذي تضافرت به الأخبار أنه في بلاد الروم، وروى الطبري بإسناد ضعيف عن ابن عباس أنه بالقرب من أيلة، وقيل: بالقرب من طرسوس، وقيل: بين أيلة وفلسطين، وقيل: بقرب زيزاء، وقيل: بغرناطة من الأندلس.
وفي تفسير ابن مردويه عن ابن عباس: أصحاب الكهف أعوان المهدي وسنده ضعيف، فإن ثبت حمل على أنهم لم يموتوا بل هم في المنام إلى أن يبعثوا لإعانة المهدي.
وقد ورد في حديث آخر بسند واه أنهم يحجون مع عيسى ابن مريم.
قوله: (والرقيم الكتاب مرقوم مكتوب من الرقم) روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الرقيم الكتاب، وقوله مرقوم مكتوب هو قول أبي عبيدة قاله في تفسير قوله: (وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم) ووراء ذلك أقوال أخرى، فأخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة ومن طريق عطية العوفي وكذا قال أبو عبيدة الرقيم الوادي الذي فيه الكهف.
وأخرج الطبري أيضا من طريق ابن عباس عن كعب الأحبار قال: هو اسم القرية.
وروى ابن أبي حاتم من طريق أنس بن مالك ومن طريق سعيد بن جبير أن الرقيم اسم الكلب، وقيل: الرقيم هو الغار كما سأبينه في حديث الغار، وقيل: الرقيم الصخرة التي أطبقت على الوادي، وسيأتي في تفسير سورة الكهف قول ابن عباس إن الرقيم لوح من رصاص كتبت فيه أسماء أصحاب الكهف لما توجهوا عن قومهم ولم يدروا أين توجهوا، وسأشير إليه هنا مختصرا.
وقيل: إن الذي كان مكتوبا في الرقيم شرعهم الذي كانوا عليه.
وقيل: الرقيم الدواة.
وقال قوم أخبر الله عن قصة أصحاب الكهف ولم يخبر عن قصة أصحاب الرقيم.
قلت: وليس كذلك، بل السياق يقتضي أن أصحاب الكهف هم أصحاب الرقيم والله أعلم.
قوله: (ربطنا على قلوبهم ألهمناهم صبرا) هو قول أبي عبيدة.
قوله: (شططا إفراطا) قال أبو عبيدة في قوله: (لقد قلنا إذا شططا) أي جورا وغلوا، قال الشاعر: ألا يا لقومي قد أشطت عـواذلي ويزعمن أن أودى بحقي باطلي وروى الطبري عن سعيد عن قتادة في قوله (شططا) قال كذبا.
قوله: (الوصيد الفناء) هو بكسر الفاء والمد، وهو قول ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير عن سعيد بن جبير.
قوله: (وجمعه وصائد ووصد، ويقال الوصيد الباب، مؤصدة مطبقة آصد الباب وأوصد) قال أبو عبيدة في قوله: (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) أي على الباب وبفناء الباب، لأن الباب يؤصد أي يغلق والجمع وصائد ووصد.
وقالوا الوصيد عتبة الباب أيضا تقول: أوصد بابك وآصده، وذكر الطبري عن أبي عمرو بن العلاء أن أهل اليمن وتهامة يقولون الوصيد، وأهل نجد يقولون الأصيد.
قوله: (مؤصدة مطبقة) قال أبو عبيدة في قوله: (نار مؤصدة) أي مطبقة تقول: أوصدت وآصدت أي أطبقت، وهذا ذكره المؤلف استطرادا.
قوله: (بعثناهم أحييناهم) هو قول أبي عبيدة أيضا.
قوله: (أزكى أكثر ريعا) قال أبو عبيدة في قوله: (أيها أزكى طعاما) أي أكثر، قال الشاعر: قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة وللسبع أزكى من ثلاث وأطيب وروى عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة في قوله: (أزكى طعاما) قال: خير طعاما، وروى الطبري عن سعيد بن جبير أحل، ورجحه الطبري.
قوله: (فضرب الله على آذانهم فناموا) هو قول ابن عباس كما سأذكره من طريقه، وقيل معنى: (فضربنا على آذانهم) أي سددنا عن نفوذ الأصوات إليها.
قوله: (رجما بالغيب لم يستبن) قال عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة في قوله: (رجما بالغيب) قال: " قذفا بالظن.
وقال أبو عبيدة في قوله: (رجما بالغيب) قال: الرجم ما لم يستيقنه من الظن، قال الشاعر.
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم قوله: (وقال مجاهد تقرضهم تتركهم) يأتي الكلام عليه في التفسير.
(تنبيه) : لم يذكر المصنف في هذه الترجمة حديثا مسندا.
وقد روى عبد بن حميد بإسناد صحيح عن ابن عباس قصة أصحاب الكهف مطولة غير مرفوعة، وملخص ما ذكر أن ابن عباس غزا مع معاوية الصائفة فمروا بالكهف الذي ذكر الله في القرآن، فقال معاوية أريد أن أكشف عنهم، فمنعه ابن عباس، فصمم وبعث ناسا، فبعث الله ريحا فأخرجتهم، قال فبلغ ابن عباس فقال: إنهم كانوا في مملكة جبار يعبد الأوثان فلما رأوا ذلك خرجوا منها فجمعهم الله على غير ميعاد، فأخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق، فجاء أهاليهم يطلبونهم ففقدوهم، فأخبروا الملك فأمر بكتابة أسمائهم في لوح من رصاص وجعله في خزانته، فدخل الفتية الكهف فضرب الله على آذانهم فناموا.
فأرسل الله من يقلبهم وحول الشمس عنهم فلو طلعت عليهم لأحرقتهم، ولولا أنهم يقلبون لأكلتهم الأرض.
ثم ذهب ذلك الملك وجاء آخر فكسر الأوثان وعبد الله وعدل، فبعث الله أصحاب الكهف فأرسلوا واحدا منهم يأتيهم بما يأكلون فدخل المدينة مستخفيا فرأى هيئة وناسا أنكرهم لطول المدة، فدفع درهما إلى خباز فاستنكر ضربه وهم بأن يرفعه إلى الملك، فقال أتخوفني بالملك وأبي دهقانة؟ فقال من أبوك؟ فقال: فلان، فلم يعرفه، فاجتمع الناس فرفعوه إلى الملك فسأله فقال علي باللوح وكان قد سمع به فسمى أصحابه فعرفهم من اللوح، فكبر الناس وانطلقوا إلى الكهف وسبق الفتى لئلا يخافوا من الجيش، فلما دخل عليهم عمى الله على الملك ومن معه المكان فلم يدر أين ذهب الفتى، فاتفق رأيهم على أن يبنوا عليهم مسجدا فجعلوا يستغفرون لهم ويدعون لهم.
وذكر ابن أبي حاتم في تفسيره عن شهر بن حوشب قال: كان لي صاحب قوي النفس، فمر بالكف فأراد أن يدخله فنهي، فأبى فأشرف عليهم فابيضت عيناه وتغير شعره.
وعن عكرمة أن السبب فيما جرى لهم أنهم تذكروا هل يبعث الله الروح والجسد أو الروح فقط، فألقى الله عليهم النوم فناموا المدة المذكورة ثم بعثهم فعرفوا أن الجسد يبعث كما تبعث الروح.
وعن ابن عباس أن اسم الملك الأول دقيانوس واسم الفتية مكسلمينا ومخشليشا وتمليخا ومرطونس وكنشطونس وبيرونس ودينموس، وفي النطق بها اختلاف كثير، ولا يقع الوثوق من ضبطها بشيء.
وأخرج أيضا عن مجاهد أن اسم كلبهم قطميروا، وعن الحسن قطمير، وقيل: غير ذلك.
وأما لونه فقال مجاهد كان أصفر وقيل غير ذلك.
وعن مجاهد أن دراهمهم كانت كخفاف الإبل وأن تمليخا هو الذي كان رسولهم لشراء الطعام.
وقد ساق ابن إسحاق قصتهم في " المبتدأ " مطولة، وأفاد أن اسم الملك الصالح الذي عاشوا في زمنه بتدرسيس وروى الطبري من طريق عبد الله بن عبيد بن عمير أن الكلب الذي كان معهم كان كلب صيد، وعن وهب بن منبه أنه كان كلب حرث، وعن مقاتل كان الكلب لكبيرهم وكان كلب غنم، وقيل: كان إنسانا طباخا تبعهم وليس بكلب حقيقة، والأول المعتمد.