*3* باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً حذف التشكيل
وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي إِلَى قَوْلِهِ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ يُقَالُ دَكَّهُ زَلْزَلَهُ فَدُكَّتَا فَدُكِكْنَ جَعَلَ الْجِبَالَ كَالْوَاحِدَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا وَلَمْ يَقُلْ كُنَّ رَتْقًا مُلْتَصِقَتَيْنِ أُشْرِبُوا ثَوْبٌ مُشَرَّبٌ مَصْبُوغٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ انْبَجَسَتْ انْفَجَرَتْ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ رَفَعْنَا
الشرح:
قوله: (باب قول الله تعالى: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة - إلى قوله - وأنا أول المؤمنين)) ساق في رواية كريمة الآيتين كلتيهما.
وقوله: (وأتممناها بعشر) فيه إشارة إلى أن المواعدة وقعت مرتين، وقوله: (صعقا) أي مغشيا عليه.
قوله: (يقال دكه زلزله) هذا ذكره هنا لقوله في قصة موسى عليه السلام (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) قال أبو عبيدة جعله دكا أي مستويا مع وجه الأرض، وهو مصدر جعل صفة، ويقال ناقة دكاء أي ذاهبة السنام مستوظهرها.
ووقع عند ابن مردويه مرفوعا " إن الجبل ساخ في الأرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة " وسنده واه، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي مالك رفعه " لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بمكة: حرى وثور وثبير، وثلاثة بالمدينة: أحد ورضوى وورقان " وهذا غريب مع إرساله.
قوله: (فدكتا فدككن جعل الجبال كالواحدة كما قال الله عز وجل (إن السماوات والأرض كانتا رتقا) ولم يقل كن رتقا) ذكر هذا استطرادا إذ لا تعلق له بقصة موسى، وكذا قوله: " رتقا ملتصقتين " وقال أبو عبيدة الرتق التي ليس فيها ثقب، ثم فتق الله السماء بالمطر وفتق الأرض بالشجر.
قوله: (أشربوا، ثوب مشرب مصبوغ) يشير إلى أنه ليس من الشرب.
وقال أبو عبيدة في قوله تعالى: (وأشربوا في قلوبهم العجل) أي سقوه حتى غلب عليهم، وهو من مجاز الحذف أي أشربوا في قلوبهم حب العجل.
ومن قال إن العجل أحرق ثم ذري في الماء فشربوه فلم يعرف كلام العرب، لأنها لا تقول في الماء: أشرب فلان في قلبه.
قوله: (قال ابن عباس: انبجست انفجرت) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه كذلك.
قوله: (وإذ نتقنا الجبل رفعنا) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه أيضا.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ
الشرح:
حديث أبي هريرة في أن الناس يصعقون (حديث الصعق إنما هو عن أبي سعيد) وسيأتي شرحه قريبا.
الحديث:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزْ اللَّحْمُ وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ
الشرح:
حديثه " لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم " وسبق شرحه في ترجمة آدم.
*3* باب طُوفَانٍ مِنْ السَّيْلِ حذف التشكيل
يُقَالُ لِلْمَوْتِ الْكَثِيرِ طُوفَانٌ الْقُمَّلُ الْحُمْنَانُ يُشْبِهُ صِغَارَ الْحَلَمِ حَقِيقٌ حَقٌّ سُقِطَ كُلُّ مَنْ نَدِمَ فَقَدْ سُقِطَ فِي يَدِهِ
الشرح:
قوله: (باب) كذا لهم بغير ترجمة، وهو كالفصل من الباب الذي قبله وتعلقه به ظاهر، وسقط جميعه من رواية النسفي.
قوله: (طوفان من السيل، ويقال للموت الكثير طوفان) قال أبو عبيدة: الطوفان مجاز من السيل، وهو من الموت المتتابع الذريع.
قوله: (القمل: الحمنان يشبه صغار الحلم) قال أبو عبيدة: القمل عند العرب هي الحمنان قال الأثرم الراوي عنه: والحمنان يعني بالمهملة ضرب من القردان، وقيل: هي أصغر، وقيل: أكبر، وقيل: الدبا بفتح المهملة وتخفيف الموحدة مقصور.
قوله: (حقيق حق) قال أبو عبيدة في قوله تعالى: (حقيق علي) مجازه حق علي أن لا أقول على الله إلا الحق، وهذا على قراءة من قرأ حقيق علي بالتشديد وأما من قرأها (على) فإنه يقول معناه حريص أو محق.
قوله: (سقط، كل من ندم فقد سقط في يده) قال أبو عبيدة في قوله: (ولما سقط في أيديهم) : يقال لكل من ندم وعجز عن شيء سقط في يده.
*3* باب حَدِيثِ الْخَضِرِ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام) ذكر فيه حديث ابن عباس عن أبي بن كعب من وجهين، وسيأتي أولهما بأتم من سياقه في تفسير سورة الكهف ونستوفي شرحه هناك، ووقع هنا في رواية ابن ذر عن المستملي خاصة عن الفربري " حدثنا علي بن خشرم حدثنا سفيان بن عيينة " الحديث بطوله وقد تقدم التنبيه على مثل ذلك في كتاب العلم، والخضر قد اختلف في اسمه قبل ذلك وفي اسم أبيه وفي نسبه وفي نبوته وفي تعميره، فقال وهب بن منبه: هو بليا بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها تحتانية، ووجد بخط الدمياطي في أول الاسم بنقطتين، وقيل: كالأول بزيادة ألف بعد الباء، وقيل اسمه إلياس، وقيل اليسع، وقيل عامر، وقيل خضرون - والأول أثبت - ابن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفشخذ بن سام بن نوح، فعلى هذا فمولده قبل إبراهيم الخليل لأنه يكون ابن عم جد إبراهيم، وقد حكى الثعلبي قولين في أنه كان قبل الخليل أو بعده، قال وهب وكنيته أبو العباس، وروى الدار قطني في " الأفراد " من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال: هو ابن آدم له لصلبه، وهو ضعيف منقطع، وذكر أبو حاتم السجستاني في " المعمرين " أنه ابن قابيل بن آدم رواه عن أبي عبيدة وغيره، وقيل: اسمه ارميا بن طيفاء حكاه ابن إسحاق عن وهب، وارميا بكسر أوله وقيل بضمه وأشبعها بعضهم واوا، واختلف في اسم أبيه فقيل ملكا وقيل: كليان وقيل: عاميل وقيل: قابل والأول أشهر، وعن إسماعيل بن أبي أويس: هو العمر بن مالك بن عبد الله بن نصر بن الأزد، وحكى السهيلي عن قوم أنه كان ملكا من الملائكة وليس من بني آدم، وعن ابن لهيعة كان ابن فرعون نفسه، وقيل ابن بنت فرعون، وقيل: اسمه خضرون بن عاييل بن معمر بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم، وقيل: كان أبوه فارسيا رواه الطبري من طريق عبد الله بن شوذب، وحكى ابن ظفر في تفسيره أنه كان من ذرية بعض من آمن بإبراهيم، وقيل: إنه الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه فلا يموت حتى ينفخ في الصور، وروى الدار قطني في الحديث المذكور قال: مد للخضر في أجله حتى يكذب الدجال.
وقال عبد الرزاق في مصنفه عن معمر في قصة الذي يقتله الدجال ثم يحييه: بلغني أنه الخضر.
وكذا قال إبراهيم بن سفيان الراوي عن مسلم في صحيحه.
وروى ابن إسحاق في " المبتدأ " عن أصحابه أن آدم أخبر بنيه عند الموت بأمر الطوفان، ودعا لمن يحفظ جسده بالتعمير حتى يدفنه، فجمع نوح بنيه لما وقع الطوفان وأعلمهم بذلك فحفظوه، حتى كان الذي تولى دفنه الخضر.
وروى خيثمة بن سليمان من طريق جعفر الصادق عن أبيه أن ذا القرنين كان له صديق من الملائكة، فطلب منه أن يدله على شيء يطول به عمره فدله على عين الحياة وهي داخل الظلمة، فسار إليها والخضر على مقدمته فظفر بها الخضر ولم يظفر بها ذو القرنين.
وروي عن مكحول عن كعب الأحبار قال: أربعة من الأنبياء أحياء أمان لأهل الأرض: اثنان في الأرض الخضر وإلياس، واثنان في السماء إدريس وعيسى.
وحكى ابن عطية البغوي عن أكثر أهل العلم أنه نبي ثم اختلفوا هل هو رسول أم لا؟ وقالت طائفة منهم القشيري هو ولي.
وقال الطبري في تاريخه: كان الخضر في أيام أفريدون في قول عامة علماء الكتاب الأول، وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر.
وأخرج النقاش أخبارا كثير تدل على بقائه لا تقوم بشيء منها حجة قاله ابن عطية، قال: ولو كان باقيا لكان له في ابتداء الإسلام ظهور، ولم يثبت شيء من ذلك.
وقال الثعلبي في تفسيره: هو معمر على جميع الأقوال، محجوب عن الأبصار.
قال وقد قيل إنه لا يموت إلا في آخر الزمان حين يرفع القرآن.
قال القرطبي: هو نبي عند الجمهور والآية تشهد بذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعلم ممن هو دونه، ولأن الحكم بالباطن لا يطلع عليه إلا الأنبياء.
وقال ابن الصلاح: هو حي عند جمهور العلماء والعامة معهم في ذلك، وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين.
وتبعه النووي وزاد أن ذلك متفق عليه بين الصوفية وأهل الصلاح، وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به أكثر من أن تحصر انتهى.
والذي جزم بأنه غير موجود الآن البخاري وإبراهيم الحربي وأبو جعفر بن المنادى وأبو يعلى بن الفراء وأبو طاهر العبادي وأبو بكر بن العربي وطائفة، وعمدتهم الحديث المشهور عن ابن عمر وجابر وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال في آخر حياته: " لا يبقى على وجه الأرض بعد مائة سنة ممن هو عليها اليوم أحد " قال ابن عمر: أراد بذلك انخرام قرنه.
وأجاب من أثبت حياته بأنه كان حينئذ على وجه البحر، أو هو مخصوص من الحديث كما خص منه إبليس بالاتفاق.
ومن حجج من أنكر ذلك قوله تعالى: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) وحديث ابن عباس " ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه " أخرجه البخاري ولم يأت في خبر صحيح أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا قاتل معه، وقد قال صلى الله عليه وسلم يوم بدر: " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض " فلو كان الخضر موجودا لم يصح هذا النفي.
وقال صلى الله عليه وسلم: " رحم الله موسى لوددنا لو كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما " فلو كان الخضر موجودا لما حسن هذا التمني ولأحضره بين يديه وأراه العجائب وكان أدعى لإيمان الكفرة لا سيما أهل الكتاب.
وجاء في اجتماعه مع النبي صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف أخرجه ابن عدي من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع وهو في المسجد كلاما فقال: يا أنس اذهب إلى هذا القائل فقل له يستغفر لي، فذهب إليه فقال: قل له إن الله فضلك على الأنبياء بما فضل به رمضان على الشهور.
قال فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر " إسناده ضعيف.
وروى ابن عساكر من حديث أنس نحوه بإسناد أو هي منه، وروى الدار قطني في " الأفراد " من طريق عطاء عن ابن عباس مرفوعا " يجتمع الخضر وإلياس كل عام في الموسم، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه، ويفترقان عن هؤلاء الكلمات: بسم الله ما شاء الله " الحديث، في إسناده محمد بن أحمد بن زيد بمعجمة ثم موحدة ساكنة وهو ضعيف.
وروى ابن عساكر من طريق هشام بن خالد عن الحسن بن يحيى عن ابن أبي رواد نحوه وزاد " ويشربان من ماء زمزم شربة تكفيهما إلى قابل " وهذا معضل.
ورواه أحمد في الزهد بإسناد حسن عن ابن أبي رواد وزاد أنهما " يصومان رمضان ببيت المقدس " وروى الطبري من طريق عبد الله بن شوذب نحوه.
وروي عن علي أنه " دخل الطواف فسمع رجلا يقول يا من لا يشغله سمع عن سمع " الحديث فإذا هو الخضر، أخرجه ابن عساكر من وجهين في كل منهما ضعف، وهو في " المجالسة " من الوجه الثاني.
وجاء في اجتماعه ببعض الصحابة فمن بعدهم أخبار أكثرها واهي الإسناد، منها ما أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي من حديث أنس " لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم دخل رجل فتخطاهم - فذكر الحديث في التعزية - فقال أبو بكر وعلي: هذا الخضر " في إسناده عباد بن عبد الصمد وهو واه.
وروى سيف في الردة نحوه بإسناد آخر مجهول.
وروى ابن أبي حاتم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي نحوه.
وروى ابن وهب من طريق ابن المنكدر " أن عمر صلى على جنازة، فسمع قائلا يقول: لا تسبقنا - فذكر القصة - وفيها: أنه دعا للميت، فقال عمر: خذوا الرجل، فتوارى عنهم فإذا أثر قدمه ذراع، فقال عمر: هذا والله الخضر " في إسناده مجهول مع انقطاعه.
وروى أحمد في الزهد من طريق مسعر عن معن بن عبد الرحمن عن عون بن عبد الله قال: بينا رجل بمصر في فتنة ابن الزبير مهموما إذ لقيه رجل فسأله فأخبره باهتمامه بما فيه الناس من الفتن، فقال: قل اللهم سلمني وسلم مني، قال فقالها فسلم.
قال معسر: يرون أنه الخضر.
وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه وأبو عروبة من طريق رياح بالتحتانية ابن عبيدة قال: رأيت رجلا يماشي عمر بن عبد العزيز معتمدا على يديه فلما انصرف قلت له من الرجل؟ قال: رأيته؟ قلت: نعم.
قال أحسبك رجلا صالحا، ذاك أخي الخضر بشرني أني سأولى وأعدل.
لا بأس برجاله.
ولم يقع لي إلى الآن خبر ولا أثر بسند جيد غيره، وهذا لا يعارض الحديث الأول في مائة سنة فإن ذلك كان قبل المائة.
وروى ابن عساكر من طريق كرز بن وبرة قال: أتاني أخ لي من أهل الشام فقال اقبل مني هذه الهدية، إن إبراهيم التيمي حدثني قال: كنت جالسا بفناء الكعبة أذكر الله، فجاءني رجل فسلم علي؛ فلم أر أحسن وجها منه ولا أطيب ريحا، فغلت: من أنت؟ فقال أنا أخوك الخضر.
قال فعلمه شيئا إذا فعله رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام.
وفي إسناده مجهول وضعيف.
وروى ابن عساكر في ترجمة أبي زرعة الرازي بسند صحيح أنه رأى وهو شاب رجلا نهاه عن غشيان أبواب الأمراء، ثم رآه بعد أن صار شيخا كبيرا على حالته الأولى فنهاه عن ذلك أيضا، قال فالتفت لأكلمه فلم أره، فوقع في نفسي أنه الخضر.
وروى عمر الجمحي في فرائده والفاكهي في " كتاب مكة " بسند فيه مجهول عن جعفر بن محمد أنه رأى شيخا كبيرا يحدث أباه ثم ذهب، فقال له أبوه رده علي، قال فتطلبته فلم أقدر عليه، فقال لي أبي: ذاك الخضر.
وروى البيهقي من طريق الحجاج بن قرافصة أن رجلين كانا يتبايعان عند ابن عمر، فقام عليهم رجل فنهاهما عن الحلف بالله ووعظهم بموعظة، فقال ابن عمر لأحدهما: اكتبها منه، فاستعاده حتى حفظها ثم تطلبه فلم يره، قال: وكانوا يرون أنه الخضر.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ ابْنُ الْأَصْبِهَانِيِّ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرَ أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ
الشرح:
حديث أبي هريرة " إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء " وتعلقه بالباب ظاهر من جهة ذكر الخضر فيه، وقد زاد عبد الرزاق في مصنفه بعد أن أخرجه بهذا الإسناد: الفرو الحشيش الأبيض وما أشبهه.
قال عبد الله بن أحمد بعد أن رواه عن أبيه عنه: أظن هذا تفسيرا من عبد الرزاق انتهى.
وجزم بذلك عياض.
وقال الحربي: الفروة من الأرض قطعة يابسة من حشيش، وهذا موافق لقول عبد الرزاق.
وعن ابن الأعرابي: الفروة أرض بيضاء ليس فيها نبات، وبهذا جزم الخطابي ومن تبعه، وحكي عن مجاهد أنه قيل له الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله.
الحديث:
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ وَقَالُوا حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ
الشرح:
قوله: (باب) كذا لأبي ذر وغيره بغير ترجمة، وهو كالفصل من الباب الذي قبله، وتعلقه به ظاهر، وأورد فيه أحاديث: حديث أبي هريرة " قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا " وسيأتي شرحه في تفسر الأعراف.
الحديث:
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ وَخِلَاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا لَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ وَإِمَّا آفَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى فَخَلَا يَوْمًا وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الْحَجَرِ ثُمَّ اغْتَسَلَ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الْحَجَرَ فَجَعَلَ يَقُولُ ثَوْبِي حَجَرُ ثَوْبِي حَجَرُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ وَقَامَ الْحَجَرُ فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ فَوَاللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا
الشرح:
حديث أبي هريرة " إن موسى كان رجلا حييا " بفتح المهملة وكسر التحتانية الخفيفة بعدها أخرى مثقلة بوزن فعيل من الحياء وقوله: " ستيرا " بوزنه من الستر، ويقال ستيرا بالتشديد.
قوله في الإسناد (حدثنا عوف) هو الأعرابي.
قوله: (عن الحسن ومحمد وخلاس) أما الحسن فهو البصري وأما محمد فهو ابن سيرين وسماعه من أبي هريرة ثابت، فقد أخرج أحمد هذا الحديث عن روح عن عوف عن محمد وحده عن أبي هريرة.
وأما خلاس فبكسر المعجمة وتخفيف اللام وآخره مهملة هو ابن عمر بصري، يقال إنه كان على شرطة علي، وحديثه عنه في الترمذي والنسائي، وجزم يحيى القطان بأن روايته عنه من صحيفته.
وقال أبو داود عن أحمد: لم يسمع خلاص من أبي هريرة.
وقال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة كان يحيى القطان يقول: روايته عن علي من كتاب، وقد سمع من عمار وعائشة وابن عباس قلت: إذا ثبت سماعه من عمار وكان على شرطة علي كيف يمتنع سماعه من علي؟ وقال أبو حاتم: يقال وقعت عنده صحيفة عن علي، وليس بقوي، يعنى في علي.
وقال صالح بن أحمد عن أبيه: كان يحيى القطان يتوقى أن يحدث عن خلاس عن علي خاصة.
وأطلق بقية الأئمة توثيقه.
قلت: وما له في البخاري سوى هذا الحديث، وقد أخرجه له مقرونا بغيره، وأعاده سندا ومتنا في تفسير الأحزاب.
وله عنه حديث آخر أخرجه في الأيمان والنذور مقرونا أيضا بمحمد بن سيرين عن أبي هريرة، ووهم المزي فنسبه إلى الصوم.
وأما الحسن البصري فلم يسمع من أبي هريرة عند الحفاظ النقاد، وما وقع في بعض الروايات مما يخالف ذلك فهو محكوم بوهمه عندهم، وما له في البخاري عن أبي هريرة سوى هذا مقرونا.
وله حديث آخر في بدء الخلق مقرونا بابن سيرين، وثالث ذكره في أوائل الكتاب في الإيمان مقرونا بابن سيرين أيضا.
قوله: (لا يرى من جلده شيء استحياء منه) هذا يشعر بأن اغتسال بني إسرائيل عراة بمحضر منهم كان جائزا في شرعهم.
وإنما اغتسل موسى وحده استحياء.
قوله: (وإما أدرة) بضع الهمزة وسكون الدال على المشهور وبفتحتين أيضا فيما حكاه الطحاوي عن بعض مشايخه ورجح الأول وتقدم بيانه في كتاب الغسل، ووقع في رواية ابن مردويه من طريق عثمان بن الهيثم عن عوف الجزم بأنهم قالوا إنه آدر.
قوله: (فخلا يوما وحده فوضع ثيابه) في رواية الكشميهني ثيابا أي ثيابا له، والأول هو المعروف، وظاهره أنه دخل الماء عريانا.
وعليه بوب المصنف في الغسل " من اغتسل عريانا " وقد قدمت توجيهه في كتاب الغسل، ونقل ابن الجوزي عن الحسن بن أبي بكر النيسابوري أن موسى نزل إلى الماء مؤتزرا، فلما خرج تتبع الحجر والمئزر مبتل بالماء علموا عند رؤيته أنه غير آدر، لأن الأدرة تبين تحت الثوب المبلول بالماء انتهى.
هذا إن كان هذا الرجل قاله احتمالا فيحتمل لكن المنقول يخالفه، لأن في رواية علي بن زيد عن أنس عند أحمد في هذا الحديث " إن موسى كان إذا أراد أن يدخل الماء لم يلق ثوبه حتى يواري عورته في الماء".
قوله: (عدا بثوبه) بالعين المهملة أي مضى مسرعا.
قوله: (ثوبي حجر، ثوبي حجر) هو بفتح الياء الأخيرة من ثوبي أي أعطني ثوبي، أو رد ثوبي، وحجر بالضم على حذف حرف النداء، وتقدم في الغسل بلفظ ثوبي يا حجر.
قوله: (وأبرأه مما يقولون) في رواية قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عند ابن مردويه وابن خزيمة " وأعدله صورة " وفي روايته " فقالت بنو إسرائيل قاتل الله الأفاكين وكانت براءته " وفي رواية روح بن عبادة المذكورة " فرأوه كأحسن الرجال خلقا، فبرأه مما قالوا".
قوله: (وقام حجر فأخذ بثوبه) قلت كذا فيه، وفي " مسند إسحاق بن إبراهيم " شيخ البخاري فيه " وقام الحجر " بالألف واللام، وكذا أخرجه أبو نعيم وابن مردويه من طريقه.
قوله: (فوالله إن بالحجر لندبا) ظاهره أنه بقية الحديث، بين في رواية همام في الغسل أنه قول أبي هريرة.
قوله: (ثلاثا أو أربعا أو خمسا) في رواية همام المذكور " ستة أو سبعة " ووقع عند ابن مردويه من رواية حبيب بن سالم عن أبي هريرة الجزم بست ضربات.
قول: (فذلك قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا) لم يقع هذا في رواية همام، وروى ابن مردويه من طريق عكرمة عن أبي هريرة قال: " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا الذين آذوا موسى) الآية، قال: إن بني إسرائيل كانوا يقولون: إن موسى آدر، فانطلق موسى إلى النهر يغتسل فذكر نحوه وفي رواية علي بن زيد المذكورة قريبا في آخره " فرأوه ليس كما قالوا؛ فأنزل تعالى: لا تكونوا كالذين آذوا موسى " وفي الحديث جواز المشي عريانا للضرورة.
وقال ابن الجوزي: لما كان موسى في خلوة وخرج من الماء فلم يجد ثوبه تبع الحجر بناء على أن لا يصادف أحدا وهو عريان، فاتفق أنه كان هناك قوم فاجتاز بهم، كما أن جوانب الأنهار وإن خلت غالبا لا يؤمن وجود قوم قريب منها، فبني الأمر على أنه لا يراه أحد لأجل خلاء المكان، فاتفق رؤية من رآه.
والذي يظهر أنه استمر يتبع الحجر على ما في الخبر حتى وقف على مجلس لبني إسرائيل كان فيهم من قال فيه ما قال.
وبهذا تظهر الفائدة، وإلا فلو كان الوقوف على قوم منهم في الجملة لم يقع ذلك الموقع وفيه جواز النظر إلى العورة عند الضرورة الداعية لذلك من مداواة أو براءة من عيب، كما لو ادعى أحد الزوجين على الآخر البرص ليفسخ النكاح فأنكر.
وفيه أن الأنبياء في خلقهم وخلقهم على غاية الكمال، وأن من نسب نبيا من الأنبياء إلى نقص في خلقته فقد آذاه ويخشى على فاعله الكفر.
وفيه معجزة ظاهرة لموسى عليه السلام، وأن الآدمي يغلب عليه طباع البشر، لأن موسى علم أن الحجر ما سار بثوبه إلا بأمر من الله، ومع ذلك عامله معاملة من يعقل حتى ضربه.
ويحتمل أنه أراد بيان معجزة أخرى لقومه بتأثير الضرب بالعصا في الحجر.
وفيه ما كان في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الصبر على الجهال واحتمال أذاهم، وجعل الله تعالى العاقبة لهم على من آذاهم، وقد روى أحمد بن منيع في مسنده بإسناد حسن والطحاوي وابن مردويه من حديث علي أن الآية المذكورة نزلت في طعن بني إسرائيل على موسى بسبب هارون لأنه توجه معه إلى زيارة فمات هارون فدفنه موسى، فطعن فيه بعض بني إسرائيل.
وقالوا: أنت قتلته، فبرأه الله تعالى بأن رفع لهم جسد هارون وهو ميت فخاطبهم بأنه مات.
وفي الإسناد ضعف ولو ثبت لم يكن فيه ما يمنع أن يكون في الفريقين معا لصدق أن كلا منهما آذى موسى فبرأه الله مما قالوا والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ يَرْحَمُ اللَّهَ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ
الشرح:
حديث ابن مسعود في قول الرجل " إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله " والغرض منه ذكر موسى، وقد تقدم في أواخر فرض الخمس من الجهاد في " باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي من المؤلفة " وعين هناك موضع شرحه، والله أعلم.