الحمى.. في الطب النبوي
لعل أشهر ما جاء على لسان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بخصوص الحمى هو الحديث الثابت في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الحمى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء".
قال ابن القيم -رحمه الله- في معرض تعليقه على هذا الحديث: "أشكل هذا الحديث على كثير من جهلة الأطباء ورأوه منافيًا لداء الحمى وعلاجها، ونحن نبين -بحمد الله وقوته- وجهة فقهه؛ فنقول: خطاب النبي صلى الله عليه وسلم نوعان: عام لأهل الأرض، وخاص ببعضهم، وإذا عرف هذا فخطابه في هذا الحديث خاص بأهل الحجاز؛ إذ كانت الحميات التي تعرض لهم هي من الحمى اليومية العرضية الناتجة عن شدة حرارة الشمس". انتهى كلام ابن القيم.
وتعليقًا على هذا الكلام؛ فإننا نقول: إن ابن القيم قد اتهم أطباء عصره بالجهل؛ لأنهم ينكرون هذا الحديث، واجتهد في الرد عليهم لتبرئة ساحة الحديث الصحيح، فاستخدم واحدة من أشهر وسائل الدفاع عن الأحاديث وهي مقولة (الحديث العام والخاص). فرفع ابن القيم صفة العمومية عن هذا الحديث الشريف، واحتج بأن الحديث موجه إلى أهل الحجاز حيث إنهم أكثر الناس عرضة للإصابة بحمى ضربات الشمس، وهو النوع الوحيد من أنواع الحمى الذي أقر أطباء عصره علاجه بالماء. ونحن لا ندري من أين استقى ابن القيم خصوصية هذا الحديث لأهل الحجاز، فالماء يصلح لعلاج كل أنواع الحمى، سواء ما كان منها بسبب ضربات الشمس أو غيرها. وليعلم أن هذا الحديث لم يكن بحاجة للدفاع عنه بحجة "العام والخاص" بل إنه من الأحاديث التي سبق بها الرسول صلى الله عليه وسلم عصره، حيث إن الماء هو العلاج الفعال لكل أنواع الحمى، في كل زمان ومكان. ومما سبق نستطيع أن نؤكد على الآتي:
1- أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر أصيب وأخطئ" إنما هو قولٌ حق. ولقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم بخطئه في بعض الأمور الدنيوية. وها هو هنا يصيب في هذا الحديث الذي سبق به عصره وزمانه.
2- أن محاولة الدفاع عن السنة النبوية الخاصة بأمور الدنيا باستخدام وسائل معينة مثل تغليط الرواة الثقات أو الاحتجاج بمناسبة الحديث أو مقولة الخاص والعام وغيرها من الوسائل قد يضر في بعض الأحيان بهذه السنة ولا يخدمها كما رأينا في هذا الحديث وغيره.
السواك.. ومعجون الأسنان
ورد في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
وفي صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "السواك مطهرة للفهم مرضاة للرب".
يقول ابن القيم -رحمه الله- في كتاب "الطب النبوي": "في السواك عدة منافع: يطيب الفم، ويشد اللثة، ويقطع البلغم، ويجلو البصر، ويُصِحّ المعدة، ويصفي الصوت، ويعين على هضم الطعام، ويسهل مجاري الكلام، وينشط للقراءة والذكر والصلاة، ويطرد النوم".
ولا أدري من أين استقى ابن القيم كل هذه الفوائد الصحية الجمة للسواك. فإن كان استقاها من السنة النبوية فأين الأحاديث الدالة على ذلك؟! وإذا كان قد استقاها من المعلومات الطبية المطروحة في عصره وزمانه فنحن -وبكل أسف- لا نقر هذه المعلومات الآن، حيث إنه لم يثبت لدينا -حتى الآن- بطريقة علمية صحيحة أن السواك: يقطع البلغم، ويجلو البصر، ويصح المعدة... إلخ.
وبغض النظر عن أدبيات ابن القيم في السواك وهي غير موثقة شرعًا وطبًّا؛ فإننا نقول: إن ظاهر الحديث هو الأمر بالسواك، أما مقصد الحديث فهو نظافة الفم ، ولما كان السواك هو الوسيلة المستخدمة في نظافة الفم والأسنان في ذلك الزمان فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر باستخدامه، ولكن السؤال المطروح الآن هو: إذا ما توفرت وسيلة عصرية لنظافة الفم والأسنان أفضل من السواك أليس من الأفضل الاستغناء بهذه الوسيلة عن السواك؟. ولقد حاول كثير من أدعياء "الطب النبوي" إثبات أن السواك أفضل من معاجين الأسنان والفرشاة، ولكن دون جدوى حيث انصرف أغلب الناس إلى المعجون والفرشاة، ولما يئس أدعياء الطب النبوي من إقناع الناس بالأخذ بظاهر الحديث استحدثوا معاجين أسنان من خلاصة السواك. وحتى هذه المعاجين لم يكتب لها النجاح أيضًا، وبقيت الفرشاة والمعاجين التقليدية أكثر فاعلية وأكثر انتشارًا في نظافة الفم والأسنان، بالإضافة إلى أن الفرشاة سهلة التنظيف والحفظ، كما أن المعاجين المطروحة للاستخدام تُصنع بطريقة علمية وصحية سليمة، وتضاف إليها مواد لمقاومة التسوس ونخر الأسنان. ولقد ثبت أن الاعتماد على السواك دون الفرشاة والمعجون هو واحد من الأسباب الرئيسية لتفشي ظاهرة تسوس الأسنان في بعض المجتمعات الإسلامية، كما أنه قد يكون وسيلة لنقل العدوى والأمراض حيث يصعب تنظيفه وحفظه. وإذا استحدثت مستقبلاً طريقة لنظافة الفم والأسنان أفضل من الفرشاة والمعجون فلا مانع من ترك الفرشاة والمعجون إلى هذه الطريقة.