الحجامة في السنة النبوية:والحجامة عمود أساسي من أعمدة الطب النبوي إن لم تكن ذروة سنامه، وهي من الوسائل الطبية التي امتدحها الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث ورد في الحديث الصحيح: "خير ما تداويتم به الحجامة". وهناك ما يزيد على سبعين حديثًا نبويًا في الحجامة تختلف اختلافًا متباينًا في صحتها وضعفها، كما أن بعضها يختلف مع بعضه في المعاني والمقاصد، لدرجة أن مثل هذه الأحاديث يقع تحت بند "مُختلف الحديث". وبالرغم من هذا التباين في الصحة والضعف والمعاني والمقاصد، إلا أن الإخوة الحجَّامين لا يشغلهم ذلك ويتعاملون مع كل هذه الأحاديث على قدم المساواة، فيأخذون منها ما يتفق مع توجهاتهم ومصالحهم، ويتركون ما يتعارض مع هذه المصالح والتوجهات، بغض النظر عن الصحيح والضعيف والمختلف والمدسوس. وهذا ما سنأتي على تفصيله الآن.
5- مواعيد الحجامة الإسلامية:
هناك مواعيد للحجامة سنوية وفصلية وشهرية وأسبوعية، بل ويومية، وكل هذه المواعيد مدعومة بأحاديث نبوية شريفة. فهناك الأحاديث التي تُحبذ جعل الحجامة عادة سنوية، وهناك الأحاديث التي تحبذ إجراء الحجامة مع بداية الحر أي في فصل الربيع، كما أن هناك أحاديث تحدد أيامًا معينة في كل شهر قمري لإجراء الحجامة، وهناك الأحاديث التي تأمر بالحجامة على الريق، وإذا كانت هذه الأحاديث قد تباينت في صحتها وضعفها، إلا أن الأحاديث التي وردت بشأن أيام الأسبوع المحبذة وغير المُحبذة لإجراء الحجامة تتجاوز قضية "الصحيح والضعيف" لتدخل في منعطف "مختلف الحديث"، حيث إننا لو أخذنا بجملة الأحاديث الخاصة بأيام الأسبوع لوجدنا أن الحجامة منهي عنها تقريبًا في كل أيام الأسبوع، اللهم إلا يوم الاثنين، فعلى سبيل المثال هناك حديث جامع أخرجه ابن ماجه عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "الحجامة تزيد الحافظ حفظًا، والعاقل عقلاً، فاحتجموا على اسم الله تعالى، ولا تحتجموا الخميس والجمعة والسبت والأحد، واحتجموا الاثنين، وما كان من جذام ولا برص إلا نزل يوم الأربعاء".
وبالإضافة إلى اختلاف الأحاديث في شأن الأيام فإن الأمر يتعدى ذلك ويصل إلى مرحلة وجود أحاديث تختلف في أمر اليوم الواحد ما بين تحبيذ وعدم تحبيذ الحجامة في يوم معين، وذلك مثل يوم الخميس والثلاثاء.
وفي الحديث الشريف: "احتجموا يوم الاثنين والثلاثاء ولا تحتجموا يوم الأربعاء". وفي المقابل فقد روى أبو داود في سننه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كره الحجامة يوم الثلاثاء فقال: "يوم الثلاثاء يوم الدم، وفيه ساعة لا يرفأ فيها الدم".
ولقد أراح بعض كبار الحجامين المعاصرين أنفسهم وقالوا: إن الأحاديث الواردة بشأن أيام الأسبوع كلها مدسوسة ولا يؤخذ بها.
وبغض النظر عن قضية "أيام الحجامة"؛ فلقد اطلعنا في بعض كتب الحجامة الإسلامية على محاولات لإضفاء صفة "الشرعية العلمية" على الأحاديث التي تحدد مواعيد سنوية وفصلية وشهرية للحجامة، فأشاروا إلى أن ركود الدم وهيجانه وكثرة الشوائب والأخلاط بالدم إنما تحدث في أوقات محددة، وأنها ترتبط بدرجة حرارة الجو ودرجة نشاط الإنسان، بل إنهم ربطوا بين هذه المسائل وبين حركة القمر الشهرية، وفي حدود علمنا فإن حركة القمر لها علاقة بالمد والجزر في البحار، ولكننا لا نعرف مدى صحة علاقة هذه الحركة بركود الدم وهيجانه وبكمية الشوائب والأخلاط في الدم، ولقد سبق أن نقضنا هذه النظريات من حيث المبدأ.
6-أماكن الحجامة الإسلامية:
الثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم احتجم في أماكن محددة ذكر منها ابن القيم: الكاهل والأخدعين، والرأس، والورك، وظهر القدم. أما نقرة الرأس أو نقرة القفا ففيها خلاف؛ ففي حديث: "إن فيها شفاء من اثنين وسبعين داء". وفي حديث آخر أنها تورث النسيان