*3* باب مَنْ لَبَّى بِالْحَجِّ وَسَمَّاهُ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب من لبى بالحج وسماه) أورد فيه حديث جابر مختصرا من طريق مجاهد عنه وهو بين فيما ترجم له، ويؤخذ منه فسخ الحج إلى العمرة.
وقد ذهب الجمهور إلى أنه منسوخ، وذهب ابن عباس إلى أنه محكم وبه قال أحمد وطائفة يسيرة.
*3* باب التَّمَتُّعِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب التمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) كذا في رواية أبي ذر، وسقط لغيره " على عهد إلخ " ولبعضهم " باب " بغير ترجمة، وكذا ذكره الإسماعيلي، والأول أولى.
وفي الترجمة إشارة إلى الخلاف في ذلك وإن كان الأمر استقر بعد على الجواز.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ عِمْرَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ
الشرح:
قوله: (حدثني مطرف) هو ابن عبد الله بن الشخير، ورجال الإسناد كلهم بصريون.
قوله: (عن عمران) هو ابن حصين الخزاعي، ولمسلم من طريق شعبة عن قتادة عن مطرف " بعث إلي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال: إني كنت محدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك " فذكر الحديث.
قوله: (ونزل القرآن) أي بجوازه يشير إلى قوله تعالى (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) الآية.
ورواه مسلم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن همام بلفظ " ولم ينزل فيه القرآن " أي بمنعه، وتوضحه رواية مسلم الأخرى من طريق شعبة وسعيد بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة بلفظ " ثم لم ينزل فيها كتاب الله ولم ينه عنها نبي الله " وزاد من طريق شعبة عن حميد بن هلال عن مطرف " ولم ينزل فيه القرآن بحرمة " وله من طريق أبي العلاء عن مطرف " فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم تنه عنه حتى مضى لوجهه " وللإسماعيلي من طريق عفان عن همام " تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيه القرآن ولم ينهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينسخها شيء " وقد أخرجه المصنف في تفسير البقرة من طريق أبي رجاء العطاردي عن عمران بلفظ " أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل قرآن بحرمة فلم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء".
قوله: (قال رجل برأيه ما شاء) وفي رواية أبي العلاء " ارتأى كل امرئ بعدما شاء أن يرتئي " قائل ذلك هو عمران بن حصين، ووهم من زعم أنه مطرف الراوي عنه لثبوت ذلك في رواية أبي رجاء عن عمران كما ذكرته قبل، وحكى الحميدي أنه وقع البخاري في رواية أبي رجاء عن عمران قال البخاري يقال إنه عمر، أي الرجل الذي عناه عمران بن حصين، ولم أر هذا في شيء من الطرق التي اتصلت لنا من البخاري، لكن نقله الإسماعيلي عن البخاري كذلك فهو عمدة الحميدي في ذلك، وبهذا جزم القرطبي والنووي وغيرهما، وكأن البخاري أشار بذلك إلى رواية الجريري عن مطرف فقال في آخره " ارتأى رجل برأيه ما شاء " يعني عمر، كذا في الأصل أخرجه مسلم عن محمد بن حاتم عن وكيع عن الثوري عنه.
وقال ابن التين: يحتمل أن يريد عمر أو عثمان، وأغرب الكرماني فقال: ظاهر سياق كتاب البخاري أن المراد به عثمان، وكأنه لقرب عهده بقصة عثمان مع علي جزم بذلك، وذلك غير لازم فقد سبقت قصة عمر مع أبي موسى في ذلك، ووقعت لمعاوية أيضا مع سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم قصة في ذلك، والأولى أن يفسر بعمر فإنه أول من نهى عنها وكأن من بعده كان تابعا له في ذلك، وفي مسلم أيضا أن ابن الزبير كان ينهى عنها وابن عباس يأمر بها، فسألوا جابرا فأشار إلى أن أول من نهى عنها عمر، ثم في حديث عمران هذا ما يعكر على عياض وغيره في جزمهم أن المتعة التي نهى عنها عمر وعثمان هي فسخ الحج إلى العمرة لا العمرة التي يحج بعدها، فإن في بعض طرقه عند مسلم التصريح بكونها متعة الحج.
وفي رواية له أيضا " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمر بعض أهله في العشر " وفي رواية له " جمع بين حج وعمرة " ومراده التمتع المذكور وهو الجمع بينهما في عام واحد كما سيأتي صريحا في الباب بعده في حديث ابن عباس، وقد تقدم البحث فيه في حديث أبي موسى.
وفيه من الفوائد أيضا جواز نسخ القرآن بالقرآن ولا خلاف فيه، وجواز نسخه بالسنة وفيه اختلاف شهير، ووجه الدلالة منه قوله " ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم " فإن مفهومه أنه لو نهى عنها لامتنعت ويستلزم رفع الحكم ومقتضاه جواز النسخ، وقد يؤخذ منه أن الإجماع لا ينسخ به لكونه حصر وجوه المنع في نزول آية أو نهي من النبي صلى الله عليه وسلم وفيه وقوع الاجتهاد في الأحكام بين الصحابة، وإنكار بعض المجتهدين على بعض بالنص.
*3* باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حذف التشكيل
وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ الْبَرَّاءُ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَقَالَ أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ وَقَالَ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ فَإِذَا فَرَغْنَا مِنْ الْمَنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَلَيْنَا الْهَدْيُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى أَمْصَارِكُمْ الشَّاةُ تَجْزِي فَجَمَعُوا نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَسَنَّهُ نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَاحَهُ لِلنَّاسِ غَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ اللَّهُ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَشْهُرُ الْحَجِّ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابهِ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحَجَّةِ فَمَنْ تَمَتَّعَ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ أَوْ صَوْمٌ وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ وَالْفُسُوقُ الْمَعَاصِي وَالْجِدَالُ الْمِرَاءُ
الشرح:
قوله: (باب قول الله تعالى: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) أي تفسير قوله، وذلك في الآية إشارة إلى التمتع لأنه سبق فيها (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) إلى أن قال (ذلك) .
واختلف السلف في المراد بحاضري المسجد فقال نافع والأعرج: هم أهل مكة بعينها وهو قول مالك واختاره الطحاوي ورجحه.
وقال طاوس وطائفة: هم أهل الحرم وهو الظاهر.
وقال مكحول: من كان منزله دون المواقيت وهو قول الشافعي في القديم.
وقال في الجديد: من كان من مكة على دون مسافة القصر، ووافقه أحمد.
وقال مالك: أهل مكة ومن حولها سوى أهل المناهل كعسفان وسوى أهل منى وعرفة.
قوله: (وقال أبو كامل) وصله الإسماعيلي قال " حدثنا القاسم المطرز حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو كامل " فذكره بطوله لكنه قال " عثمان بن سعد " بدل عثمان بن غياث وكلاهما بصري وله رواية عن عكرمة، لكن عثمان بن غياث ثقة وعثمان بن سعد ضعيف، وقد أشار الإسماعيلي إلى أن شيخه القاسم وهم في قوله عثمان بن سعد، ويؤيده أن أبا مسعود الدمشقي ذكر في " الأطراف " أنه وجده من رواية مسلم بن الحجاج عن أبي كامل كما ساقه البخاري قال: فأظن البخاري أخذه عن مسلم لأنني لم أجده إلا من رواية مسلم، كذا قال وتعقب باحتمال أن يكون البخاري أخذه عن أحمد بن سنان فإنه أحد مشايخه، ويحتمل أيضا أن يكون أخذه عن أبي كامل نفسه فإنه أدركه وهو من الطبقة الوسطى من شيوخه ولم نجد له ذكرا في كتابه غير هذا الموضع.
وأبو معشر البراء اسمه يوسف بن يزيد والبراء بالتشديد نسبة له إلى بري السهام.
قوله: (فلما قدمنا مكة) أي قربها لأن ذلك كان بسرف كما تقدم عن عائشة.
قوله: (اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة) الخطاب بذلك لمن كان أهل بالحج مفردا كما تقدم واضحا عن عائشة أنهم كانوا ثلاث فرق.
قوله: (طفنا) في رواية الأصيلي " فطفنا " بزيادة فاء وهو الوجه، ووجه الأول بالحمل على الاستئناف أو هو جواب لما وقال جملة حالية وقد مقدرة فيها.
قوله: (ونسكنا المناسك) أي من الوقوف والمبيت وغير ذلك.
قوله: (وأتينا النساء) المراد به غير المتكلم لأن ابن عباس لم يكن إذ ذاك بالغا.
قوله: (عشية التروية) أي بعد الظهر ثامن ذي الحجة، وفيه حجة على من استحب تقديمه على يوم التروية كما نقل عن الحنفية، وعن الشافعية يختص استحباب يوم التروية بعد الزوال بمن ساق الهدي.
قوله: (فقد تم حجنا) للكشميهني " وقد " بالواو.
ومن هنا إلى آخر الحديث موقوف على ابن عباس، ومن هنا إلى أوله مرفوع.
قوله: (فصيام ثلاثة أيام في الحج) سيأتي عن ابن عمر وعائشة موقوفا أن آخرها يوم عرفة فإن لم يفعل صام أيام مني أي الثلاثة التي بعد يوم النحر وهي أيام التشريق، وبه قال الزهري والأوزاعي ومالك والشافعي في القديم، ثم رجع عنه وأخذ بعموم النهي عن صيام أيام التشريق.
قوله: (وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم) كذا أورده ابن عباس، وهو تفسير منه للرجوع في قوله تعالى (إذا رجعتم) ويوافقه حديث ابن عمر الأتي في " باب من ساق البدن معه " من طريق عقيل عن الزهري عن سالم عن ابن عمر مرفوعا " قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل " إلى أن قال " فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " وهذا قول الجمهور، وعن الشافعي معناه الرجوع إلى مكة، وعبر عنه مرة بالفراغ من أعمال الحج، ومعنى الرجوع التوجه من مكة فيصومها في الطريق إن شاء وبه قال إسحاق بن راهويه.
قوله: (الشاة تجزي) أي عن الهدي، وهي جملة حالية وقعت بدون واو وسيأتي في أبواب الهدي بيان ذلك.
قوله: (بين الحج والعمرة) بيان للمراد بقوله " فجمعوا النسكين " وهو بإسكان السين قال الجوهري النسك بالإسكان العبادة وبالضم الذبيحة.
قوله: (فإن الله أنزله) أي الجمع بين الحج والعمرة وأخذ بقوله: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) .
قوله: (وسنه نبيه) أي شرعه حيث أمر أصحابه به.
قوله: (غير أهل مكة) بنصب غير ويجوز كسره، وذلك إشارة إلى التمتع، وهذا مبني على مذهبه بأن أهل مكة لا متعة لهم وهو قول الحنفية، وعند غيرهم أن الإشارة إلى حكم التمتع وهو الفدية فلا يجب على أهل مكة بالتمتع دم إذا أحرموا من الحل بالعمرة، وأجاب الكرماني بجواب ليس طائلا.
قوله: (التي ذكر الله) أي بعد آية التمتع حيث قال (الحج أشهر معلومات) وقد تقدم نقل الخلاف في ذي الحجة هل هو بكماله أو بعضه.
قوله: (فمن تمتع في هذه الأشهر) ليس لهذا القيد مفهوم لأن الذي يعتمر في غير أشهر الحج لا يسمى متمتعا ولا دم عليه وكذلك المكي عند الجمهور، وخالفه فيه أبو حنيفة كما تقدم والله أعلم.
ويدخل في عموم قوله " فمن تمتع " من أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده ثم حج منها وبه قال الحسن البصري، وهو مبني على أن التمتع إيقاع العمرة في أشهر الحج فقط، والذي ذهب إليه الجمهور أن التمتع أن يجمع الشخص الواحد بينهما في سفر واحد في أشهر الحج في عام واحد وأن يقدم العمرة وأن لا يكون مكيا، فمتى اختل شرط من هذه الشروط لم يكن متمتعا.
قوله: (والجدال المراء) روى ابن أبي نسيبة من طريق مقسم عن ابن عباس قال " ولا جدال في الحج: تماري صاحبك حتى تغضبه " وكذا أخرجه عن ابن عمر مثله، ومن طريق عكرمة وإبراهيم النخعي وعطاء بن يسار وغيرهم نحو قول ابن عباس.
وأخرج من طريق عبد العزيز بن رفيع عن مجاهد قال: قوله: " ولا جدال في الحج " قال: قد استقام أمر الحج.
ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قد صار الحج في ذي الحجة لا شهر ينسأ ولا شك في الحج، لأن أهل الجاهلية كانوا يحجون في غير ذي الحجة.