*3* باب مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَبِي حَفْصٍ الْقُرَشِيِّ الْعَدَوِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب مناقب عمر بن الخطاب) أي ابن نفيل بنون وفاء مصغر ابن عبد العزى بن رياح بكسر الراء بعدها تحتانية وآخره مهملة ابن عبد الله بن قرط بن رزاح بفتح الراء بعدها زاي وآخره مهملة ابن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب، وعدد ما بينهما من الآباء إلى كعب متفاوت بواحد، بخلاف أبي بكر فبين النبي صلى الله عليه وسلم وكعب سبعة آباء، وبين عمر وبين كعب ثمانية، وأم عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة ابنة عم أبي جهل والحارث ابني هشام بن المغيرة، ووقع عند ابن منده أنها بنت هشام أخت أبي جهل وهو تصحيف نبه عليه ابن عبد البر وغيره.
قوله: (أبي حفص القرشي العدوي) أما كنيته فجاء في السيرة لابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم كناه بها، وكانت حفصة أكبر أولاده، وأما لقبه فهو الفاروق باتفاق، فقيل أول من لقبه به النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو جعفر بن أبي شيبة في تاريخه عن طريق ابن عباس عن عمر، ورواه ابن سعد من حديث عائشة، وقيل أهل الكتاب أخرجه ابن سعد عن الزهري، وقيل جبريل رواه البغوي.
الحديث:
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ وَسَمِعْتُ خَشَفَةً فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ هَذَا بِلَالٌ وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا فَقَالَ لِعُمَرَ فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ فَقَالَ عُمَرُ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ
الشرح:
قوله: (حدثنا عبد العزيز بن الماجشون) كذا لأبي ذر، وسقط لفظ " ابن " من رواية غيره، وهو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة المدني، والماجشون لقب جده وتلقب به أولاده.
قوله: (حدثنا محمد بن المنكدر) هكذا رواه الأكثر عن ابن الماجشون، ورواه صالح بن مالك عنه " عن حميد عن أنس " أخرجه البغوي في فوائده فلعل لعبد العزيز فيه شيخين، ويؤيده اقتصاره في حديث حميد على قصة القصر فقط، وقد أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان من وجه آخر " عن حميد " كذلك.
قوله: (رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة) هي أم سليم، والرميصاء بالتصغير صفة لها لرمص كان بعينها، واسمها سهلة، وقيل رميلة، وقيل غير ذلك، وقيل هو اسمها، ويقال فيه بالغين المعجمة بدل الراء وقيل هو اسم أختها أم حرام.
وقال أبو داود هو اسم أخت أم سليم من الرضاعة، وجوز ابن التين أن يكون المراد امرأة أخرى لأبي طلحة.
وقوله "رأيتني " بضم المثناة والضمير من المتكلم، وهو من خصائص أفعال القلوب.
قوله: (وسمعت خشفة) بفتح المعجمتين والفاء أي حركة، وزنا ومعنى، ووقع لأحمد " سمعت خشفا " يعني صوتا، قال أبو عبيد: الخشفة الصوت ليس بالشديد، قيل وأصله صوت دبيب الحية، ومعنى الحديث هنا ما يسمع من حس وقع القدم.
قوله: (فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال) وهذا قد تقدم في صلاة الليل من حديث أبي هريرة مطولا، وتقدم من شرحه هناك ما يتعلق به، وتقدم بعض الكلام عليه في صفة الجنة حيث أورد هناك من حديث أبي هريرة.
قوله: (ورأيت قصرا بفنائه جارية) في حديث أبي هريرة الذي بعده " تتوضأ إلى جانب قصر " وفي حديث أنس عند الترمذي " قصر من ذهب " والفناء بكسر الفاء وتخفيف النون مع المد: جانب الدار.
قوله: (فقلت لمن هذا؟ فقال) في رواية الكشميهني " فقالوا " والظاهر أن المخاطب له بذلك جبريل أو غيره من الملائكة، وقد أفرد هذه القصة في النكاح وفي التعبير من وجه آخر عن ابن المنكدر.
قوله: (فذكرت غيرتك) في الرواية التي في النكاح " فأردت أن أدخله فلم يمنعني إلا علمي بغيرتك " ووقع في رواية ابن عيينة عن ابن المنكدر وعمرو بن دينار جميعا عن جابر في هذه القصة الأخيرة " دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا يسمع في ضوضاء، فقلت: لمن هذا؟ فقيل: لعمر " والضوضاء بمعجمتين مفتوحتين بينهما واو وبالمد، ووقع في حديث أبي هريرة " أن عمر بكى " ويأتي في النكاح بلفظ " فبكى عمر، وهو في المجلس " وقوله " بأبي وأمي " أي أفديك بهما، وقوله "أعليك أغار " معدود من القلب، والأصل أعليها أغار منك؟ قال ابن بطال: فيه الحكم لكل رجل بما يعلم من خلقه، قال وبكاء عمر يحتمل أن يكون سرورا، ويحتمل أن يكون تشوقا أو خشوعا.
ووقع في رواية أبي بكر بن عياش عن حميد من الزيادة " فقال عمر: وهل رفعني الله إلا بك؟ وهل هداني الله إلا بك "؟ رويناه في " فوائد عبد العزيز الحربي " من هذا الوجه وهي زيادة غريبة.
الحديث:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ قَالُوا لِعُمَرَ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
الشرح:
حديث أبي هريرة في المعنى، ذكره مقتصرا على قصة رؤيا المرأة إلى جانب القصر وزاد فيه " قالوا: لعمر، فذكرت غيرته فوليت مدبرا " وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من مراعاة الصحبة، وفيه فضيلة ظاهرة لعمر.
وقوله فيه " تتوضأ " يحتمل أن يكون على ظاهره ولا ينكر كونها تتوضأ حقيقة لأن الرؤيا وقعت في زمن التكليف، والجنة وإن كان لا تكليف فيها فذاك في زمن الاستقرار بل ظاهر قوله " تتوضأ إلى جانب قصر " أنها تتوضأ خارجة منه، أو هو على غير الحقيقة.
ورؤيا المنام لا تحمل دائما على الحقيقة بل تحتمل التأويل، فيكون معنى كونها تتوضأ أنها تحافظ في الدنيا على العبادة، أو المراد بقوله تتوضأ أي تستعمل الماء لأجل الوضاءة على مدلوله اللغوي وفيه بعد.
وأغرب ابن قتيبة وتبعه الخطابي فزعم أن قوله تتوضأ تصحيف وتغيير من الناسخ، وإنما الصواب امرأة شوهاء، ولم يستند في هذه الدعوى إلا إلى استبعاد أن يقع في الجنة وضوء لأنه لا عمل فيها، وعدم الاطلاع على المراد من الخبر لا يقتضي تغليط الحفاظ.
ثم أخذ الخطابي في نقل كلام أهل اللغة في تفسير الشوهاء فقيل هي الحسناء ونقله عن أبي عبيدة، وإنما تكون حسناء إذا وصفت بها الفرس، قال الجوهري: فرس شوهاء صفة محمودة و " الشوهاء " الواسعة الفم وهو مستحسن في الخيل والشوهاء من النساء القبيحة كما جزم به ابن الأعرابي وغيره، وقد تعقب القرطبي كلام الخطابي لكن نسبه إلى ابن قتيبة فقط، قال ابن قتيبة: بدل تتوضأ شوهاء ثم نقل أن الشوهاء تطلق على القبيحة والحسناء، قال القرطبي: والوضوء هنا لطلب زيادة الحسن لا للنظافة لأن الجنة منزهة عن الأوساخ والأقذار، وقد ترجم عليه البخاري في كتاب التعبير " باب الوضوء في المنام " فبطل ما تخيله الخطابي، وفي الحديث فضيلة الرميصاء وأنها كانت مواظبة على العبادة، كذا نقله ابن التين عن غيره وفيه نظر.
الحديث:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ شَرِبْتُ يَعْنِي اللَّبَنَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى الرِّيِّ يَجْرِي فِي ظُفُرِي أَوْ فِي أَظْفَارِي ثُمَّ نَاوَلْتُ عُمَرَ فَقَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ قَالَ الْعِلْمَ
الشرح:
قوله: (حدثنا محمد بن الصلت أبو جعفر) هو الأسيدي، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وله شيخ آخر يقال له محمد بن الصلت يكنى أبا يعلى وهو بصري؛ وأبو جعفر أكبر من أبي يعلى وأقدم سماعا.
قوله: (شربت يعني اللبن) كذا أورده مختصرا، وسيأتي في التعبير عن عبدان عن ابن المبارك بلفظ " بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه " أي من ذلك اللبن.
قوله: (حتى أنظر إلى الري) في رواية عبدان " حتى أني " ويجوز فتح همزة أني وكسرها ورؤية الري على سبيل الاستعارة كأنه لما جعل الري جسما أضاف إليه ما هو من خواص الجسم، وهو كونه مرئيا، وأما قوله " أنظر " فإنما أتى به بصيغة المضارعة والأصل أنه ماض استحضارا لصورة الحال، وقوله "أنظر " يؤيد أن قوله " أرى " في الرواية التي في العلم من رؤية البصر لا من العلم، والري بكسر الراء ويجوز فتحها.
قوله: (يجري) أي اللبن أو الري وهو حال.
قوله: (في ظفري أو أظفاري) شك من الراوي.
وفي رواية عبدان " من أظفاري " ولم يشك، وكذا في رواية عقيل في العلم لكن قال " في أظفاري".
قوله: (ثم ناولت عمر) في رواية عبدان " ثم ناولت فضلي " يعني عمر.
وفي رواية عقيل في العلم " ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب".
قوله: (قالوا فما أولته) أي عبرته (قال العلم) بالنصب أي أولته العلم، وبالرفع أي المؤول به هو العلم، ووقع في " جزء الحسين بن عرفة " من وجه آخر عن ابن عمر " قال فقالوا: هذا العلم الذي آتاكه الله، حتى امتلأت فضلت منه فضلة فأخذها عمر، قال: أصبتم " وإسناده ضعيف فإن كان محفوظا احتمل أن يكون بعضهم أول وبعضهم سأل، ووجه التعبير بذلك من جهة اشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع، وكونهما سببا للصلاح، فاللبن للغذاء البدني والعلم للغذاء المعنوي.
وفي الحديث فضيلة عمر وأن الرؤيا من شأنها أن لا تحمل على ظاهرها وإن كانت رؤيا الأنبياء من الوحي، لكن منها ما يحتاج إلى تعبير ومنها ما يحمل على ظاهره، وسيأتي تقرير ذلك في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى.