*3* باب مَنَاقِبِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ حذف التشكيل
أَبِي عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ وَقَالَ مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ
الشرح:
قوله: (باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي) هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبـد شمس بن عبـد مناف يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف.
وعدد ما بينهما من الآباء متفاوت، فالنبي صلى الله عليه وسلم من حيث العدد في درجة عفان كما وقع لعمر سواء، وأما كنيته فهو الذي استقر عليه الأمر، وقد نقل يعقوب بن سفيان عن الزهري أنه كان يكنى أبا عبد الله بابنه عبد الله الذي رزقه من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات عبد الله المذكور صغيرا وله ست سنين، وحكى ابن سعد أن موته كان سنة أربع من الهجرة، وماتت أمه رقية قبل ذلك سنة اثنتين والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، وكان بعض من ينتقصه يكنيه أبا ليلى يشير إلى لين جانبه، حكاه ابن قتيبة.
وقد اشتهر أن لقبه ذو النورين.
وروى خيثمة في " الفضائل " والدار قطني في " الأفراد " من حديث علي أنه ذكر عثمان فقال " ذاك امرؤ يدعى في السماء ذا النورين " وسأذكر اسم أمه ونسبها في الكلام على الحديث الثاني من ترجمته.
قوله: (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يحفر بئر رومة فله الجنة، فحفرها عثمان.
وقاله النبي صلى الله عليه وسلم: من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزه عثمان) هذا التعليق تقدم ذكر من وصله في أواخر كتاب الوقف وبسطت هناك الكلام عليه، وفيه من مناقب عثمان أشياء كثيرة استوعبتها هناك فأغنى عن إعادتها، والمراد بجيش العسرة تبوك كما سيأتي في المغازي.
وأخرج أحمد والترمذي من حديث عبد الرحمن بن حباب السلمي أن عثمان أعان فيها بثلاثمائة بعير، ومن حديث عبد الرحمن بن سمرة أن عثمان أتى فيها بألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مضى في الوقف بقية طرقه، وفي حديث حذيفة عند ابن عدي " فجاء عثمان بعشرة آلاف دينار " وسنده واه، ولعلها كانت بعشرة آلاف درهم فتوافق رواية ألف دينار.
الحديث:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ حَائِطًا وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ بَابِ الْحَائِطِ فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ فَإِذَا عُمَرُ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ فَسَكَتَ هُنَيْهَةً ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى سَتُصِيبُهُ فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَالَ حَمَّادٌ وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ وَعَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ سَمِعَا أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى بِنَحْوِهِ وَزَادَ فِيهِ عَاصِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَاعِدًا فِي مَكَانٍ فِيهِ مَاءٌ قَدْ انْكَشَفَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ أَوْ رُكْبَتِهِ فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ غَطَّاهَا
الشرح:
حديث أبي موسى في قصة القف أوردها مختصرة من طريق أبي عثمان عن أبي موسى، وقد تقدم شرحها في مناقب أبي بكر الصديق.
قوله: (فسكت هنيهة) بالتصغير أي قليلا.
قوله: (قال حماد وحدثنا عاصم) كذا للأكثر، وهو بقية الإسناد المتقدم، وحماد هو ابن زيد، ووقع في رواية أبي ذر وحده " وقال حماد بن سلمة حدثنا عاصم إلخ " والأول أصوب، فقد أخرجه الطبراني عن يوسف القاضي عن سليمان بن حرب " حدثنا حماد بن زيد عن أيوب " فذكر الحديث وفي آخره " قال حماد فحدثني علي بن الحكم وعاصم أنهما سمعا أبا عثمان يحدث عن أبي موسى نحوا من هذا، غير أن عاصما زاد، فذكر الزيادة.
وقد وقع لي من حديث حماد بن سلمة لكن عن علي بن الحكم وحده أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه عن موسى بن إسماعيل، والطبراني من طريق حجاج بن منهال وهدبة بن خالد كلهم عن حماد بن سلمة عن علي بن الحكم وحده به وليست فيه الزيادة، ثم وجدته في نسخة الصغاني مثل رواية أبي ذر، والله أعلم.
قوله: (وزاد فيه عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبته، فلما دخل عثمان غطاها) قال ابن التين: أنكر الداودي هذه الرواية وقال: هذه الزيادة ليست من هذا الحديث بل دخل لرواتها حديث في حديث، وإنما ذلك الحديث أن أبا بكر أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته قد انكشف فخذه فجلس أبو بكر، ثم دخل عمر، ثم دخل عثمان فغطاها الحديث.
قلت: يشير إلى حديث عائشة " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحالة " الحديث، وفيه " ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، فقال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة " وفي رواية لمسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال في جواب عائشة " إن عثمان رجل حيي، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحالة لا يبلغ إلي في حاجته انتهى، وهذا لا يلزم منه تغليط رواية عاصم، إذ لا مانع أن يتفق للنبي صلى الله عليه وسلم أن يغطي ذلك مرتين حين دخل عثمان، وأن يقع ذلك في موطنين، ولا سيما مع اختلاف مخرج الحديثين وإنما يقال ما قاله الداودي حيث تتفق المخارج فيمكن أن يدخل حديث في حديث لا مع افتراق المخارج كما في هذا، والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يُونُسَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالَا مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لِأَخِيهِ الْوَلِيدِ فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ فَقَصَدْتُ لِعُثْمَانَ حَتَّى خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ قُلْتُ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً وَهِيَ نَصِيحَةٌ لَكَ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ قَالَ مَعْمَرٌ أُرَاهُ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَانْصَرَفْتُ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمْ إِذْ جَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ مَا نَصِيحَتُكَ فَقُلْتُ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَكُنْتَ مِمَّنْ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَاجَرْتَ الْهِجْرَتَيْنِ وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ الْوَلِيدِ قَالَ أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ لَا وَلَكِنْ خَلَصَ إِلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا يَخْلُصُ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ فَكُنْتُ مِمَّنْ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ كَمَا قُلْتَ وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعْتُهُ فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مِثْلُهُ ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُهُ ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ أَفَلَيْسَ لِي مِنْ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ قُلْتُ بَلَى قَالَ فَمَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِدَهُ فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ
الشرح:
قوله: (ما يمنعك أن تكلم عثمان) في رواية معمر عن الزهري الآتية في هجرة الحبشة " أن تكلم خالك"، ووجه كون عثمان خاله أن أم عبيد الله هذا هي أم قتال بنت أسيد بن أبي العاص بن أمية وهي بنت عم عثمان، وأقارب الأم يطلق عليهم أخوال وأما أم عثمان فهي أروى بنت كريز بالتصغير ابن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب، وهي شقيقة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال إنهما ولدا توأما حكاه الزبير بن بكار، فكان ابن بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ابن خال والدته، وقد أسلمت أم عثمان كما بينت ذلك في كتاب الصحابة.
وروى محمد بن الحسين المخزومي في كتاب المدينة أنها ماتت في خلافة ابنها عثمان وأنه كان ممن حملها إلى قبرها.
وأما أبوه فهلك في الجاهلية.
قوله: (لأخيه) اللام للتعليل أي لأجل أخيه، ويحتمل أن تكون بمعنى عن، ووقع في رواية الكشميهني " في أخيه".
قوله: (الوليد) أي ابن عقبة، وصرح بذلك في رواية معمر، وعقبة هو ابن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس وكان أخا عثمان لأمه، وكان عثمان ولاه الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقاص، فإن عثمان كان ولاه الكوفة لما ولي الخلافة بوصية من عمر كما سيأتي في آخر ترجمة عثمان في قصة مقتل عمر، ثم عزله بالوليد وذلك سنة خمس وعشرين، وكان سبب ذلك أن سعدا كان أميرها وكان عبد الله بن مسعود على بيت المال فاقترض سعد منه مالا، فجاءه يتقاضاه فاختصما، فبلغ عثمان فغضب عليهما وعزل سعدا، واستحضر الوليد وكان عاملا بالجزيرة على عسر بها فولاه الكوفة، وذكر ذلك الطبري في تاريخه.
قوله: (فقد أكثر الناس فيه) أي في شأن الوليد أي من القول ووقع في رواية معمر وكان أكثر الناس فيما فعل به، أي من تركه إقامة الحد عليه، وإنكارهم عليه عزل سعد بن أبي وقاص به مع كون سعد أحد العشرة ومن أهل الشورى واجتمع له من الفضل والسنن والعلم والدين والسبق إلى الإسلام ما لم يتفق شيء منه للوليد بن عقبة، والعذر لعثمان في ذلك أن عمر كان عزل سعدا كما تقدم بيانه في الصلاة وأوصى عمر من يلي الخلافة بعده أن يولي سعدا قال " لأني لم أعزله عن خيانة ولا عجز " كما سيأتي ذلك في حديث مقتل عمر قريبا، فولاه عثمان امتثالا لوصية عمر، ثم عزله للسبب الذي تقدم ذكره وولى الوليد لما ظهر له من كفايته لذلك وليصل رحمه، فلما ظهر له سوء سيرته عزله، وإنما أخر إقامة الحد عليه ليكشف عن حال من شهد عليه بذلك، فلما وضح له الأمر أمر بإقامة الحد عليه.
وروى المدائني من طريق الشعبي أن عثمان لما شهدوا عنده على الوليد حبسه.
قوله: (فقصدت لعثمان حتى خرج) أي أنه جعل غاية القصد خروج عثمان.
وفي رواية الكشميهني " حين خرج " وهي تشعر بأن القصد صادف وقت خروجه، بخلاف الرواية الأخرى فإنها تشعر بأنه قصد إليه ثم انتظره حتى خرج، يؤيد الأول رواية معمر " فانتصبت لعثمان حين خرج".
قوله: (إن لي إليك حاجة، وهي نصيحة لك، فقال: يا أيها المرء منك) كذا في رواية يونس.
قوله: (قال معمر أعوذ بالله منك) هذا تعليق أراد به المصنف بيان الخلاف بين الروايتين، ورواية معمر قد وصلها في هجرة الحبشة كما قدمته ولفظه هناك " فقال يا أيها المرء أعوذ بالله منك " قال ابن التين: إنما استعاذ منه خشية أن يكلمه بشيء يقتضي الإنكار عليه وهو في ذلك معذور فيضيق بذلك صدره.
قوله: (فانصرفت فرجعت إليهما) زاد في رواية معمر " فحدثتهما بالذي قلت لعثمان وقال لي، فقالا: قد قضيت الذي كان عليك".
قوله: (إذ جاء رسول عثمان) في رواية معمر " فبينما أنا جالس معهما إذ جاءني رسول عثمان فقالا لي: قد ابتلاك الله، فانطلقت " ولم أقف في شيء من الطرق على اسم هذا الرسول.
قوله: (وكنت ممن استجاب) هو بفتح كنت على المخاطبة وكذا هاجرت وصحبت، وأراد بالهجرتين الهجرة إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة، وسيأتي ذكرهما قريبا، وزاد في رواية معمر " ورأيت هديه " أي هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بفتح الهاء وسكون الدال الطريقة.
وفي رواية شعيب عن الزهري الآتية في هجرة الحبشة " وكنت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قوله: (وقد أكثر الناس في شأن الوليد) زاد معمر " ابن عقبة " فحق عليك أن تقيم عليه الحد.
قوله: (قال أدركت رسول الله؟ فقلت لا) في رواية معمر " فقال لي: يا ابن أختي " وفي رواية صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عمر بن شبة " قال هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فال لا " ومراده بالإدراك إدراك السماع منه والأخذ عنه، وبالرؤية رؤية المميز له، ولم يرد هنا الإدراك بالسن فإنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فسيأتي في المغازي في قصة مقتل حمزة من حديث وحشي بن حرب ما يدل على ذلك، ولم يثبت أن أباه عدي بن الخيار قتل كافرا وإن ذكر ذلك ابن ماكولا وغيره، فإن ابن سعد ذكره في طبقة الفتحيين، وذكر المدائني وعمر بن شبة في " أخبار المدينة " أن هذه القصة المحكية هنا وقعت لعدي بن الخيار نفسه مع عثمان فالله أعلم.
قال ابن التين: إنما استثبت عثمان في ذلك لينبهه على أن الذي ظنه من مخالفة عثمان ليس كما ظنه.
قلت: ويفسر المراد من ذلك ما رواه أحمد من طريق سماك بن حرب عن عبادة بن زاهر " سمعت عثمان خطب فقال: إنا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر إن ناسا يعلموني سنته عسى أن لا يكون أحدهم رآه قط".
قوله: (خلص) بفتح المعجمة وضم اللام ويجوز فتحها بعدها مهملة أي وصل، وأراد ابن عدي بذلك أن علم النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مكتوما ولا خاصا بل كان شائعا حتى وصل إلى العذراء المستترة، فوصوله إليه مع حرصه عليه أولى.
قوله: (ثم أبو بكر مثله ثم عمر مثله) يعني قال في كل منهما فما عصيته ولا غششته.
وصرح بذلك في رواية معمر.
قوله: (ثم استخلفت) بضم التاء الأولى والثانية.
قوله: (أفليس لي من الحق مثل الذي لهم) في رواية معمر " أفليس لي عليكم من الحق مثل الذي كان لهم علي " ووقع في رواية الأصيلي وهم يأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم) كأنهم كانوا يتكلمون في سبب تأخيره إقامة الحد على الوليد، وقد ذكرنا عذره في ذلك.
قوله: (فأمره أن يجلد) في رواية الكشميهني " أن يجلده".
قوله: (فجلده ثمانين) في رواية معمر " فجلد الوليد أربعين جلدة " وهذه الرواية أصح من رواية يونس، والوهم فيه من الراوي عنه شبيب بن سعيد، ويرجح رواية معمر ما أخرجه مسلم من طريق أبي ساسان قال " شهدت عثمان أتى بالوليد وقد صلى الصبح ركعتين ثم قال أزيدكم، فشهد عليه رجلان أحدهما حمران يعني مولى عثمان أنه قد شرب الخمر، فقال عثمان يا علي قم فاجلده، فقال علي قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن ول حارها من تولى قارها، فكأنه وجد عليه فقال: يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده، فجلده، وعلي يعد، حتى بلغ أربعين فقال: أمسك.
ثم قال: جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل ذلك سنة، وهذا أحب إلي " انتهى والشاهد الآخر الذي لم يسم في هذه الرواية قيل هو الصعب بن جثامة الصحابي المشهور رواه يعقوب بن سفيان في تاريخه، وعند الطبري من طريق سيف في الفتوح أن الذي شهد عليه ولد الصعب واسمه جثامة كاسم جده.
وفي رواية أخرى أن ممن شهد عليه أبا زينب بن عوف الأسدي وأبا مورع الأسدي، وكذلك روى عمر بن شبة في " أخبار المدينة " بإسناد حسن إلى أبي الضحى وقال: " لما بلغ عثمان قصة الوليد استشار عليا فقال: أرى أن تستحضره فإن شهدوا عليه بمحضر منه حددته، ففعل فشهد عليه أبو زينب وأبو مورع وجندب بن زهير الأزدي وسعد بن مالك الأشعري " فذكر نحو رواية أبي ساسان وفيه " فضربه بمخصرة لها رأسان، فلما بلغ أربعين قال له: أمسك".
وأخرج من طريق الشعبي قال: قال الحطيئة في ذلك: شهد الحطيئة يوم يلقى ربـه أن الوليد أحق بالعذر نادى وقد تمت صلاتهـم أأزيدكم سفها ومـا يدري فأتوا أبا وهب ولو أذنوا لقرنت بين الشفع والـوتـر كفـوا عنانك إذ جريت ولـو تـركوا عنانك لم تزل تجري وذكر المسعودي في " المروج " أن عثمان قال للذين شهدوا: وما يدريكم أنه شرب الخمر؟ قالوا: هي التي كنا نشربها في الجاهلية.
وذكر الطبري أن الوليد ولي الكوفة خمس سنين، قالوا وكان جوادا، فولى عثمان بعده سعيد بن العاص فسار فيهم سيرة عادلة فكان بعض الموالي يقول: ويلنا قد عزل الوليد وجاءنا مجوعا سعيـد ينقص في الصاع ولا يزيد