وذكر ابن إسحاق نحوه وزاد " أن جبريل أمره لا يبيت على فراشه ، فدعا عليا فأمره أن يبيت على فراشه ويسجى ببرده الأخضر ، ففعل . ثم خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - على القوم ومعه حفنة من تراب ، فجعل ينثرها على رءوسهم وهو يقرأ " يس " إلى : فهم لا يبصرون . وذكر أحمد من حديث ابن عباس بإسناد حسن في قوله تعالى : وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية ، قال : " تشاورت قريش ليلة بمكة ، فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق . يريدون النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال بعضهم : بل اقتلوه . وقال بعضهم : بل أخرجوه . فأطلع الله نبيه على ذلك فبات علي على فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة ، وخرج - النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، يعني ينتظرونه حتى يقوم فيفعلون به ما اتفقوا عليه ، فلما - ص 279 - أصبحوا ورأوا عليا رد الله مكرهم فقالوا : أين صاحبك هذا ؟ قال : لا أدري . فاقتصوا أثره ، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم ، فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا : لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاث ليال " . وذكر نحو ذلك موسى بن عقبة عن الزهري قال : " مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الحج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر ، ثم إن مشركي قريش اجتمعوا " فذكر الحديث وفيه " وبات علي على فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - يوري عنه ، وباتت قريش يختلفون ويأتمرون أيهم يهجم على صاحب الفراش فيوثقه ، فلما أصبحوا إذا هم بعلي " وقال في آخره : " فخرجوا في كل وجه يطلبونه " وفي مسند أبي بكر الصديق لأبي بكر بن علي المروزي شيخ النسائي من مرسل الحسن في قصة نسج العنكبوت نحوه ، وذكر الواقدي أن قريشا بعثوا في أثرهما قائفين : أحدهما كرز بن علقمة ، فرأى كرز بن علقمة على الغار نسج العنكبوت فقال : هاهنا انقطع الأثر . ولم يسم الآخر وسماه أبو نعيم في " الدلائل " من حديث زيد بن أرقم وغيره سراقة بن جعشم . وقصة سراقة مذكورة في هذا الباب . وقد تقدم في " مناقب أبي بكر " حديث أنس عن أبي بكر .
قوله : ( فكمنا فيه ) بفتح الميم ويجوز كسرها أي اختفيا .
قوله : ( ثلاث ليال ) في رواية عروة بن الزبير " ليلتين " فلعله لم يحسب أول ليلة ، وروى أحمد والحاكم من رواية طلحة النضري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لبثت مع صاحبي - يعني أبا بكر - في الغار بضعة عشر يوما ما لنا طعام إلا ثمر البرير قال الحاكم : معناه مكثنا مختفين من المشركين في الغار وفي الطريق بضعة عشر يوما . قلت : لم يقع في رواية أحمد ذكر الغار ، وهي زيادة في الخبر من بعض رواته ، ولا يصح حمله على حالة الهجرة لما في الصحيح كما تراه من أن عامر بن فهيرة كان يروح عليهما في الغار باللبن ، ولما وقع لهما في الطريق من لقي الراعي كما في حديث البراء في هذا الباب ، ومن النزول بخيمة أم معبد وغير ذلك ، فالذي يظهر أنها قصة أخرى ، والله أعلم .
وفي " دلائل النبوة للبيهقي " من مرسل محمد بن سيرين أن أبا بكر ليلة انطلق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الغار كان يمشي بين يديه ساعة ومن خلفه ساعة ، فسأله فقال : أذكر الطلب فأمشي خلفك ، وأذكر الرصد فأمشي أمامك . فقال : لو كان شيء أحببت أن تقتل دوني ؟ قال : أي والذي بعثك بالحق ، فلما انتهيا إلى الغار قال : مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ لك الغار ، فاستبرأه وذكر أبو القاسم البغوي من مرسل ابن أبي مليكة نحوه ، وذكر ابن هشام من زياداته عن الحسن البصري بلاغا نحوه .
قوله : ( عبد الله بن أبي بكر ) وقع في نسخة " عبد الرحمن " وهو وهم .
قوله : ( ثقف ) بفتح المثلثة وكسر القاف ويجوز إسكانها وفتحها وبعدها فاء : الحاذق ، تقول : ثقفت الشيء إذا أقمت عوجه .
قوله : ( لقن ) بفتح اللام وكسر القاف بعدها نون : اللقن السريع الفهم .
قوله : ( فيدلج ) بتشديد الدال بعدها جيم أي يخرج بسحر إلى مكة .
قوله : ( فيصبح مع قريش بمكة كبائت ) أي مثل البائت ، يظنه من لا يعرف حقيقة أمره لشدة رجوعه - ص 280 - بغلس .
قوله : ( يكتادان به ) في رواية الكشميهني " يكادان به " بغير مثناة أي يطلب لهما فيه المكروه ، وهو من الكيد .
قوله : ( عامر بن فهيرة ) تقدم ذكره في " باب الشراء من المشركين " من كتاب البيوع ، وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن أبا بكر اشتراه من الطفيل بن سخبرة ، فأسلم ، فأعتقه .
قوله : ( منحة ) بكسر الميم وسكون النون بعدها مهملة ، تقدم بيانها في الهبة ، وتطلق أيضا على كل شاة . وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن الغنم كانت لأبي بكر ، فكان يروح عليهما بالغنم كل ليلة فيحلبان ، ثم تسرح بكرة فيصبح في رعيان الناس فلا يفطن له .
قوله : ( في رسل ) بكسر الراء بعدها مهملة ساكنة : اللبن الطري .
قوله : ( ورضيفهما ) بفتح الراء وكسر المعجمة بوزن رغيف أي اللبن المرضوف أي التي وضعت فيه الحجارة المحماة بالشمس أو النار لينعقد وتزول رخاوته ، وهو بالرفع ويجوز الجر .
قوله : ( حتى ينعق بها عامر ) ينعق بكسر العين المهملة أي يصيح بغنمه ، والنعيق صوت الراعي إذا زجر الغنم ووقع في رواية أبي ذر " حتى ينعق بهما " بالتثنية أي يسمعهما صوته إذا زجر غنمه ، ووقع في حديث ابن عباس عند ابن عائذ في هذه القصة " ثم يسرح عامر بن فهيرة فيصبح في رعيان الناس كبائت فلا يفطن به " وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب " وكان عامر أمينا مؤتمنا حسن الإسلام " .
قوله : ( من بني الديل ) بكسر الدال وسكون التحتانية ، وقيل : بضم أوله وكسر ثانيه مهموز .
قوله : ( من بني عبد بن عدي ) أي ابن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، ويقال : من بني عدي بن عمرو بن خزاعة ، ووقع في سيرة ابن إسحاق تهذيب ابن هشام اسمه عبد الله بن أرقد ، وفي رواية الأموي عن ابن إسحاق : ابن أريقد ، كذا رواه الأموي في المغازي بإسناد مرسل في غير هذه القصة ، قال : وهو دليل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة في الهجرة . وعند موسى بن عقبة أريقط بالتصغير أيضا لكن بالطاء وهو أشهر ، وعند ابن سعد عبد الله بن أريقط ، وعن مالك اسمه رقيط حكاه ابن التين وهو في " العتبية " .
قوله : ( هاديا خريتا ) بكسر المعجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة .
قوله : ( والخريت الماهر بالهداية ) هو مدرج في الخبر من كلام الزهري بينه ابن سعد ، ولم يقع ذلك في رواية الأموي عن ابن إسحاق ، قال ابن سعد : وقال الأصمعي : إنما سمي خريتا لأنه يهدي بمثل خرت الإبرة أي ثقبها ، وقال غيره : قيل له ذلك ؛ لأنه يهتدي لأخرات المفازة وهي طرقها الخفية .
قوله : ( قد غمس ) بفتح الغين المعجمة والميم بعدها مهملة ( حلفا ) بكسر المهملة وسكون اللام أي كان حليفا ، وكانوا إذا تحالفوا غمسوا أيمانهم في دم أو خلوق أو في شيء يكون فيه تلويث فيكون ذلك تأكيدا - ص 281 - للحلف .
قوله : ( فأمناه ) بكسر الميم .
قوله : ( فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث ) زاد مسلم بن عقبة عن ابن شهاب " حتى إذا هدأت عنهما الأصوات جاء صاحبهما ببعيرهما فانطلق معهما بعامر بن فهيرة يخدمهما ويعينهما يردفه أبو بكر ويعقبه ليس معهما غيره .
قوله : ( فأخذ بهم طريق الساحل ) في رواية موسى بن عقبة " فأجاز بهما أسفل مكة ثم مضى بهما حتى جاء بهما الساحل أسفل من عسفان ، ثم أجاز بهما حتى عارض الطريق " وعند الحاكم من طريق ابن إسحاق " حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة " نحوه وأتم منه وإسناده صحيح ، وأخرج الزبير بن بكار في " أخبار المدينة " مفسرا منزلة منزلة إلى قباء ، وكذلك ابن عائذ من حديث ابن عباس ، وقد تقدم في " علامات النبوة " وفي " مناقب أبي بكر " ما اتفق لهما حين خرجا من الغار من لقيهما راعي الغنم وشربهما من اللبن .
- ص 282 - - ص 283 - الحديث الثاني عشر حديث سراقة بن جعشم - في الهجرة - . قوله : ( قال ابن شهاب ) هو موصول بإسناد حديث عائشة ، وقد أفرده البيهقي في " الدلائل " وقبله الحاكم في " الإكليل " من طريق ابن إسحاق " حدثني محمد بن مسلم هو الزهري به " وكذلك أورده الإسماعيلي منفردا من طريق معمر والمعافي في الجليس من طريق صالح بن كيسان كلاهما عن الزهري .
قوله : ( المدلجي ) بضم الميم وسكون المهملة وكسر اللام ثم جيم من بني مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة . وعبد الرحمن بن مالك هذا اسم جده مالك بن جعشم ، ونسب أبوه في هذه الرواية إلى جده كما سنبينه في سراقة ، وأبوه مالك بن جعشم له إدراك ، ولم أر من ذكره في الصحابة بل ذكره ابن حبان في التابعين ، وليس له ولا لأخيه سراقة ولا لابنه عبد الرحمن في البخاري غير هذا الحديث .
قوله : ( ابن أخي سراقة بن جعشم ) في رواية أبي ذر " ابن أخي سراقة بن مالك بن جعشم " ثم قال : " إنه سمع سراقة بن جعشم " والأول هو المعتمد ، وحيث جاء في الروايات سراقة بن جعشم يكون نسب إلى جده ، وسيأتي في حديث البراء بعدها بقليل أنه سراقة بن مالك بن جعشم ولم يختلف عليه فيه ، جعشم بضم الجيم والشين المعجمة بينهما عين مهملة هو ابن مالك بن عمرو وكنية سراقة أبو سفيان ، وكان ينزل قديدا وعاش إلى خلافة عثمان .
قوله : ( دية كل واحد ) أي مائة من الإبل ، وصرح بذلك موسى بن عقبة وصالح بن كيسان في روايتهما عن الزهري ، وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني وخرجت قريش حين فقدوهما في بغائهما ، وجعلوا في النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة ناقة ، وطافوا في جبال مكة حتى انتهوا إلى الجبل الذي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو بكر : يا رسول الله إن هذا الرجل ليرانا . وكان مواجهه - فقال : كلا إن ملائكة تسترنا بأجنحتها ، جلس ذلك الرجل يبول مواجهة الغار ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان يرانا ما فعل هذا .
قوله : ( رأيت آنفا ) أي في هذه الساعة .
قوله : ( أسودة ) أي أشخاصا ، في رواية موسى بن عقبة وابن إسحاق " لقد رأيت ركبة ثلاثة إني لأظنه محمدا وأصحابه " ونحوه في رواية صالح بن كيسان .
قوله : ( رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا ) أي في نظرنا معاينة يبتغون ضالة لهم ، في رواية موسى بن عقبة وابن إسحاق " فأومأت إليه أن اسكت ، وقلت : إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم ، قال : لعل ، وسكت " ونحوه في رواية معمر ، وفي حديث أسماء " فقال سراقة : إنهما راكبان ممن بعثنا في طلب القوم " .
قوله : ( فأمرت جاريتي ) لم أقف على اسمها ، وفي رواية موسى بن عقبة وصالح بن كيسان وأمرت بفرسي فقيد إلى بطن الوادي وزاد : ثم أخذت قداحي - بكسر القاف أي الأزلام - فاستقسمت بها ، فخرج الذي أكره ، لا تضر ، وكنت أرجو أن أرده فآخذ المائة ناقة " .
- ص 284 - قوله : ( فخططت ) بالمعجمة ، وللكشميهني والأصيلي بالمهملة أي أمكنت أسفله وقوله : ( بزجه ) الزج بضم الزاي بعدها جيم الحديدة التي في أسفل الرمح ، وفي رواية الكشميهني : " فخططت به " وزاد موسى بن عقبة وصالح بن كيسان وابن إسحاق " فأمرت بسلاحي فأخرج من ذنب حجرتي ، ثم انطلقت فلبست لأمتي " .
قوله : ( وخفضت ) أي أمسكه بيده وجر زجه على الأرض فخطها به لئلا يظهر بريقه لمن بعد منه ; لأنه كره أن يتبعه منهم أحد فيشركوه في الجعالة . ووقع في رواية الحسن عن سراقة عند ابن أبي شيبة " وجعلت أجر الرمح مخافة أن يشركني أهل الماء فيها " .
قوله : ( فرفعتها ) أي أسرعت بها السير .
قوله : ( تقرب بي ) التقريب السير دون العدو وفوق العادة ، وقيل : أن ترفع الفرس يديها معا وتضعهما معا .
قوله : ( فأهويت يدي ) أي بسطهما للأخذ ، والكنانة الخريطة المستطيلة .
قوله : ( فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا ) والأزلام هي الأقداح وهي السهام التي لا ريش لها ولا نصل ، وسيأتي شرحها وكيفيتها وصنيعهم بها في تفسير المائدة .
قوله : ( فخرج الذي أكره ) أي لا تضرهم ، وصرح به الإسماعيلي وموسى وابن إسحاق وزاد " وكنت أرجو أن أرده فآخذ المائة ناقة " وفي حديث ابن عباس عند ابن عائذ : " وركب سراقة ، فلما أبصر الآثار على غير الطريق وهو وجل أنكر الآثار فقال : والله ما هذه بآثار نعم الشام ولا تهامة ، فتبعهم حتى أدركهم " .
قوله : ( حتى إذا سمعت ) في حديث البراء عن أبي بكر الآتي عقب هذا " فدعا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية أبي خليفة في حديث البراء عند الإسماعيلي فقال : اللهم اكفناه بما شئت وفي حديث ابن عباس مثله ، ونحوه في رواية الحسن عن سراقة ، وفي حديث أنس وهو الثامن عشر من أحاديث الباب فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : اللهم اصرعه فصرعه فرسه .
قوله : ( ساخت ) بالخاء المعجمة أي غاصت ، وفي حديث أسماء بنت أبي بكر " فوقعت لمنخريها " .
قوله : ( حتى بلغتا الركبتين ) في رواية البراء " فارتطمت به فرسه إلى بطنها " وفي رواية أبي خليفة " في الأرض إلى بطنها " .
قوله : ( فخررت عنها ) في رواية أبي خليفة " فوثبت عنها " زاد ابن إسحاق " فقلت : ما هذا ؟ ثم أخرجت قداحي " نحو الأول .
قوله : ( ثم زجرتها فنهضت فلم تكد ) وفي حديث أنس " ثم قامت تحمحم " الحمحمة بمهملتين هو صوت الفرس .
قوله : ( عثان ) بضم المهملة بعدها مثلثة خفيفة أي دخان ، قال معمر : قلت لأبي عمرو بن العلاء : - ص 285 - ما العثان ؟ قال : الدخان من غير نار . وفي رواية الكشميهني : غبا بمعجمة ثم موحدة ثم راء ، والأول أشهر . وذكر أبو عبيد في غريبه قال : وإنما أراد بالعثان الغبار نفسه ، شبه غبار قوائمها بالدخان ، وفي رواية موسى بن عقبة والإسماعيلي " وأتبعها دخان مثل الغبار " وزاد " فعلمت أنه منع مني " .
قوله : ( فناديتهم بالأمان ) وفي رواية أبي خليفة " قد علمت يا محمد أن هذا عملك ، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه ، والله لأعمين عليك من ورائي " أي الطلب . وفي رواية ابن إسحاق " فناديت القوم : أنا سراقة بن مالك بن جعشم ، انظروني أكلمكم ، فوالله لا آتيكم ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه " وفي حديث ابن عباس مثله وزاد " وأنا لكم نافع غير ضار ، وإني لا أدري لعل الحي - يعني قومه - فزعوا لركوبي ، وأنا راجع ورادهم عنكم " .
قوله : ( ووقع في نفسي حينما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) في رواية ابن إسحاق " أنه قد منع مني " .
قوله : ( وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم ) أي من الحرص على الظفر بهم ، وبذل المال لمن يحصلهم . وفي حديث ابن عباس " وعاهدهم أن لا يقاتلهم ولا يخبر عنهم ، وأن يكتم عنهم ثلاث ليال " .
قوله : ( وعرضت عليهم الزاد والمتاع ) في مرسل عمير بن إسحاق عند ابن أبي شيبة فكف ثم قال : هلما إلى الزاد والحملان ، فقالا : لا حاجة لنا في ذلك وفي حديث ابن عباس أن سراقة قال لهم : " وإن إبلي على طريقكم فاحتلبوا من اللبن وخذوا سهما من كنانتي أمارة إلى الراعي " .
قوله : ( فلم يرزآني ) براء ثم زاي ، أي لم ينقصاني مما معي شيئا ، وفي رواية أبي خليفة وهذه كنانتي فخذ سهما منها ، فإنك تمر على إبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك ، فقال لي : لا حاجة لنا في إبلك ، ودعا له .
قوله : ( أخف عنا ) لم يذكر جوابه ، ووقع في رواية البراء " فدعا له فنجا ، فجعل لا يلقى أحدا إلا قال له : قد كفيتم ما هاهنا ، فلا يلقى أحدا إلا رده " قال : " ووفى لنا " . وفي حديث أنس فقال : يا نبي الله مرني بما شئت . قال : فقف مكانك ، لا تتركن أحدا يلحق بنا . قال : فكان أول النهار جاهدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان آخر النهار مسلحة له أي حارسا له بسلاحه . وذكر ابن سعد " أنه لما رجع قال لقريش : قد عرفتم بصري بالطريق وبالأثر ، وقد استبرأت لكم فلم أر شيئا ، فرجعوا " .
قوله : ( كتاب أمن ) بسكون الميم ، وفي رواية الإسماعيلي " كتاب موادعة " وفي رواية إسحاق " كتابا يكون آية بيني وبينك " .
قوله : ( فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم ) وفي رواية ابن إسحاق " فكتب لي كتابا في عظم - أو ورقة أو خرقة - ثم ألقاه إلي ، فأخذته فجعلته في كنانتي ثم رجعت " وفي رواية موسى بن عقبة نحوه وعندهما فرجعت فسئلت فلم أذكر شيئا مما كان ، حتى إذا فرغ من حنين بعد فتح مكة خرجت لألقاه ومعي الكتاب ، فلقيته بالجعرانة حتى دنوت منه فرفعت يدي بالكتاب فقلت : يا رسول الله هذا كتابك فقال : يوم - ص 286 - وفاء وبر ، ادن ، فأسلمت وفي رواية صالح بن كيسان نحوه ، وفي رواية الحسن عن سراقة قال : فبلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي ، فأتيته فقلت : أحب أن توادع قومي ، فإن أسلم قومك أسلموا وإلا أمنت منهم ، ففعل ذلك ، قال : ففيهم نزلت : إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية . قال ابن إسحاق : قال أبو جهل لما بلغه ما لقي سراقة لامه في تركهم ، فأنشده :
أبا حكم واللات لو كنت شاهدا لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمه
عجبت ولم تشكك بأن محمدا نبي وبرهان فمن ذا يكاتمه
وذكر ابن سعد أن سراقة عارضهم يوم الثلاثاء بقديد . الحديث الثالث عشر :
قوله : ( قال ابن شهاب : فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقي الزبير في ركب ) هو متصل إلى ابن شهاب بالإسناد المذكور أولا ، وقد أفرده الحاكم من وجه آخر عن يحيى بن بكير بالإسناد المذكور ، ولم يستخرجه الإسماعيلي أصلا وصورته مرسل ، لكنه وصله الحاكم أيضا من طريق معمر عن الزهري قال : " أخبرني عروة أنه سمع الزبير " به ، وأفاد أن قوله " وسمع المسلمون إلخ " من بقية الحديث المذكور . وأخرجه موسى بن عقبة عن ابن شهاب به وأتم منه وزاد " قال : ويقال : لما دنا من المدينة كان طلحة قدم من الشام ، فخرج عائدا إلى مكة إما متلقيا وإما معتمرا ، ومعه ثياب أهداها لأبي بكر من ثياب الشام ، فلما لقيه أعطاه فلبس منها هو وأبو بكر " انتهى .
وهذا إن كان محفوظا احتمل أن يكون كل من طلحة والزبير أهدى لهما من الثياب . والذي في السير هو الثاني ، ومال الدمياطي إلى ترجيحه على عادته في ترجيح ما في السير على ما في الصحيح ، والأولى الجمع بينهما وإلا فما في الصحيح أصح ؛ لأن الرواية التي فيها طلحة من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة ، والتي في الصحيح من طريق عقيل عن الزهري عن عروة . ثم وجدت عند ابن أبي شيبة من طريق هشام بن عروة عن أبيه نحو رواية أبي الأسود ، وعند ابن عائذ في المغازي من حديث ابن عباس " خرج عمر والزبير وطلحة وعثمان وعياش بن ربيعة نحو المدينة ، فتوجه عثمان وطلحة إلى الشام " فتعين تصحيح القولين .
قوله : ( وسمع المسلمون بالمدينة ) في رواية معمر " فلما سمع المسلمون " قوله : ( يغدون ) بسكون الغين المعجمة أي يخرجون غدوة ، وفي رواية الحاكم من وجه آخر عن عروة عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة عن رجال من قومه قال : " لما بلغنا مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - كنا نخرج فنجلس له بظاهر الحرة نلجأ إلى ظل المدر حتى تغلبنا عليه الشمس ثم نرجع إلى رحالنا " .
قوله : ( حتى يردهم ) في رواية معمر " يؤذيهم " وفي رواية ابن سعد " فإذا أحرقتهم رجعوا إلى منازلهم . ووقع في رواية أبي خليفة في حديث أبي البراء " حتى أتينا المدينة ليلا " .
قوله : ( فانقلبوا يوما بعدما طال انتظارهم ) في رواية عبد الرحمن بن عويم " حتى إذا كان اليوم الذي جاء فيه جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا رجعنا جاء "