الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنْ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ
الشرح:
حديث أبي هريرة في رؤيا النزع من القليب، وسيأتي شرحه في التعبير إن شاء الله تعالى.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ ثَوْبِي يَسْتَرْخِي إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلَاءَ قَالَ مُوسَى فَقُلْتُ لِسَالِمٍ أَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ قَالَ لَمْ أَسْمَعْهُ ذَكَرَ إِلَّا ثَوْبَهُ
الشرح:
حديث ابن عمر في الزجر عن جر الثوب خيلاء، وسيأتي شرحه في كتاب اللباس، وفيه فضيلة ظاهرة لأبي بكر لشحه على دينه، ولشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بما ينافي ما يكره.
قوله: (فقلت لسالم) هو مقولة موسى بن عقبة، وسيأتي هناك الإشارة إلى تسوية ابن عمر بين الثوب والإزار في الحكم.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ يَعْنِي الْجَنَّةَ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصِّيَامِ وَبَابِ الرَّيَّانِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا عَلَى هَذَا الَّذِي يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ وَقَالَ هَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ
الشرح:
حديث أبي هريرة فيمن أنفق زوجين أي شيئين.
قوله: (من شيء من الأشياء) أي من أصناف المال.
قوله: (في سبيل الله) أي في طلب ثواب الله، وهو أعم من الجهاد وغيره من العبادات.
قوله: (دعي من أبواب يعني الجنة) كذا وقع هنا وكأن لفظة " الجنة " سقطت من بعض الرواة فلأجل مراعاة المحافظة على اللفظ زاد " يعني"، وقد تقدم في الصيام من وجه آخر عن الزهري بلفظ " من أبواب الجنة " بغير تردد.
ومعنى الحديث أن كل عامل يدعى من باب ذلك العمل، وقد جاء ذلك صريحا من وجه آخر عن أبي هريرة " لكل عامل باب من أبواب الجنة يدعى منه بذلك العمل " أخرجه أحمد وابن شيبة بإسناد صحيح.
قوله: (يا عبد الله هذا خير) لفظ " خير " بمعنى فاضل لا بمعنى أفضل وإن كان اللفظ قد يوهم ذلك، ففائدته زيادة ترغيب السامع في طلب الدخول من ذلك الباب، وتقدم في أوائل الجهاد بيان الداعي من وجه آخر عن أبي هريرة ولفظه " دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب " أي خزنة كل باب " أي فل هلم"، ولفظة " فل " لغة في فلان، وهي بالضم، وكذا ثبت في الرواية، وقيل إنها ترخيمها فعلى هذا فتفتح اللام.
قوله: (فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة) وقع في الحديث ذكر أربعة أبواب من أبواب الجنة، وتقدم في أوائل الجهاد " وإن أبواب الجنة ثمانية " وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك، وأما الثلاثة الأخرى فمنها باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس رواه أحمد بن حنبل عن روح بن عبادة عن أشعث عن الحسن مرسلا " إن لله بابا في الجنة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة " ومنها الباب الأيمن وهو باب المتوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب، وأما الثالث فلعله باب الذكر فإن عند الترمذي ما يومئ إليه، ويحتمل أن يكون باب العلم والله أعلم، ويحتمل أن يكون بالأبواب التي يدعى منها أبواب من داخل أبواب الجنة الأصلية لأن الأعمال الصالحة أكثر عددا من ثمانية، والله أعلم.
قوله: (فقال أبو بكر ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة) زاد في الصيام " فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها " وفي الحديث إشعار بقلة من يدعى من تلك الأبواب كلها، وفيه إشارة إلى أن المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة لا واجباتها لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها، بخلاف التطوعات فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوعات، ثم من يجتمع له ذلك إنما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له، وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد، ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه والله أعلم.
وأما ما أخرجه مسلم عن عمر " من توضأ ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله " الحديث وفيه " فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء " فلا ينافي ما تقدم وإن كان ظاهره أنه يعارضه، لأنه يحمل على أنها تفتح له على سبيل التكريم، ثم عند دخوله لا يدخل إلا من باب العلم الذي يكون أغلب عليه كما تقدم، والله أعلم.
(تنبيه) : الإنفاق في الصلاة والجهاد والعلم والحج ظاهر، وأما الإنفاق في غيرها فمشكل، ويمكن أن يكون المراد بالإنفاق في الصلاة فيما يتعلق بوسائلها من تحصيل آلاتها من طهارة وتطهير ثوب وبدن ومكان، والإنفاق في الصيام بما يقويه على فعله وخلوص القصد فيه، والإنفاق في العفو عن الناس يمكن أن يقع بترك ما يجب له من حق، والإنفاق في التوكل بما ينفقه على نفسه في مرضه المانع له من التصرف في طلب المعاش مع الصبر على المصيبة، أو ينفق على من أصابه مثل ذلك طلبا للثواب، والإنفاق في الذكر على نحو من ذلك، والله أعلم.
وقيل المراد بالإنفاق في الصلاة والصيام بذل النفس فيهما، فإن العرب تسمي ما يبذله المرء من نفسه نفقة كما يقال أنفقت في طلب العلم عمري وبذلت فيه نفسي، وهذا معنى حسن.
وأبعد من قال المراد بقوله: زوجين النفس والمال لأن المال في الصلاة والصيام ونحوهما ليس بظاهر إلا بالتأويل المتقدم، وكذلك من قال النفقة في الصيام تقع بتفطير الصائم والإنفاق عليه، لأن ذلك يرجع إلى باب الصدقة.
قوله: (وأرجو أن تكون منهم) قال العلماء: الرجاء من الله ومن نبيه واقع، وبهذا التقرير يدخل الحديث في فضائل أبي بكر.
ووقع في حديث ابن عباس عند ابن حبان في نحو هذا الحديث التصريح بالوقوع لأبي بكر ولفظه " قال أجل وأنت هو يا أبا بكر " وفي الحديث من الفوائد أن من أكثر من شيء عرف به، وأن أعمال البر قل أن تجتمع جميعها لشخص واحد على السواء، وأن الملائكة يحبون صالحي بني آدم ويفرحون بهم، فإن الإنفاق كلما كان أكثر كان أفضل، وأن تمني الخير في الدنيا والآخرة مطلوب.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ قَالَ إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي بِالْعَالِيَةِ فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ وَقَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ وَقَالَ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وَقَالَ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ قَالَ فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ قَالَ وَاجْتَمَعَتْ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ فَقَالَ فِي كَلَامِهِ نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَقَالَ عُمَرُ بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ فَقَالَ قَائِلٌ قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالَ عُمَرُ قَتَلَهُ اللَّهُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ شَخَصَ بَصَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَقَصَّ الْحَدِيثَ قَالَتْ فَمَا كَانَتْ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلَّا نَفَعَ اللَّهُ بِهَا لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ وَإِنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا فَرَدَّهُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ ثُمَّ لَقَدْ بَصَّرَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ الْهُدَى وَعَرَّفَهُمْ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ وَخَرَجُوا بِهِ يَتْلُونَ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إِلَى الشَّاكِرِينَ
الشرح:
حديث عائشة في الوفاة وقصة السقيفة، وسيأتي ما يتعلق بالوفاة في مكانها في أواخر المغازي، وأما السقيفة فتتضمن بيعة أبي بكر بالخلافة، وقد أوردها المصنف أيضا من طريق ابن عباس عن عمر في الحدود، وذكر شيئا منها في الأحكام من طريق أنس عن عمر أيضا، وأتمها رواية ابن عباس، وسأذكر هنا ما فيها من فائدة زائدة.
قوله: (مات النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بالسنح) تقدم ضبطه في أول الجنائز وأنه بسكون النون، وضبطه أبو عبيد البكري بضمها وقال: إنه منازل بني الحارث من الخزرج بالعوالي، وبينه وبين المسجد النبوي ميل.
قوله: (قال إسماعيل) هو شيخ المصنف فيه وهو ابن أبي أويس، وقوله: " يعني بالعالية " أراد تفسير قول عائشة بالسنح.
قوله: (ما كان يقع في نفسي إلا ذاك) يعني عدم موته صلى الله عليه وسلم حينئذ، وقد ذكر عمر مستنده في ذلك كما سأبينه في موضعه.
قوله: (لا يذيقك الله الموتتين) تقدم شرحه في أوائل الجنائز، وقد تمسك به من أنكر الحياة في القبر، وأجيب عن أهل السنة المثبتين لذلك بأن المراد نفي الموت اللازم من الذي أثبته عمر بقوله " وليبعثه الله في الدنيا ليقطع أيدي القائلين بموته " وليس فيه تعرض لما يقع في البرزخ، وأحسن من هذا الجواب أن يقال: إن حياته صلى الله عليه وسلم في القبر لا يعقبها موت بل يستمر حيا، والأنبياء أحياء في قبورهم، ولعل هذا هو الحكمة في تعريف الموتتين حيث قال لا يذيقك الله الموتتين أي المعروفتين المشهورتين الواقعتين لكل أحد غير الأنبياء، وأما وقوع الحلف من عمر على ما ذكره فبناه على ظنه الذي أداه إليه اجتهاده، وفيه بيان رجحان علم أبي بكر على عمر فمن دونه، وكذلك رجحانه عليهم لثباته في مثل ذلك الأمر العظيم.
قوله: (أيها الحالف على رسلك) بكسر الراء أي هينتك ولا تستعجل، وتقدم في الطريق الذي بالجنائز أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال: اجلس، فأبى، فتشهد أبو بكر، فمال الناس إليه وتركوا عمر.
وقد اعتذر عمر عن ذلك كما سيأتي في " باب الاستخلاف " من كتاب الأحكام.
قوله: (فنشج الناس) بفتح النون وكسر المعجمة بعدها جيم أي بكوا بغير انتحاب، والنشج ما يعرض في حلق الباكي من الغصة، وقيل: هو صوت معه ترجيع كما يردد الصبي بكاءه في صدره.
قوله: (واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة) هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الخزرجي ثم الساعدي، وكان كبير الخزرج في ذلك الوقت.
وذكر ابن إسحاق في آخر السيرة أن أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل انحازوا إلى أبي بكر ومن معه وهؤلاء من الأوس.
وفي حديث ابن عباس عن عمر " تخلفت عنا الأنصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة " فيجمع بأنهم اجتمعوا أولا ثم افترقوا، وذلك أن الخزرج والأوس كانوا فريقين، وكان بينهم في الجاهلية من الحروب ما هو مشهور، فزال ذلك بالإسلام وبقي من ذلك شيء في النفوس، فكأنهم اجتمعوا أولا، فلما رأى أسيد ومن معه من الأوس أبا بكر ومن معه افترقوا من الخزرج إيثارا لتأمير المهاجرين عليهم دون الخزرج.
وفيه أن عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر.
قوله: (فذهب إليهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة) في رواية ابن عباس المذكورة " فقلت له: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار " وزاد أبو يعلى من رواية مالك عن الزهري فيه " فبينما نحن في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل ينادي من وراء الجدار أن اخرج إلي يا ابن الخطاب، فقلت: إليك عني فإنا عنك مشاغيل يعني بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: إنه قد حدث أمر، فإن الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمرا يكون فيه حرب.
فقلت لأبي بكر: انطلق - فذكره - قال فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فقالا: لا عليكم ألا تقربوهم، واقضوا أمركم.
قال فقلت: والله لنأتينهم.
فانطلقنا، فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل، فقلت: من هذا؟ قالوا: " سعد بن عبادة " وذكر في آخر الحديث عن عروة أن الرجلين الذين لقياهم هما عويم بن ساعدة بن عباس بن قيس بن النعمان من بني مالك بن عوف، ومعن بن عدي بن الجعد بن العجلان حليفهم وهما من الأوس أيضا وكذا وقعت تسميتهما في رواية ابن عيينة عن الزهري، أخرجه الزبير بن بكار.
قوله: (فذهب عمر يتكلم، فأسكته أبو بكر إلخ) وفي رواية ابن عباس " قال عمر: أردت أن أتكلم، وقد كنت زورت - أي هيأت وحسنت - مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري صنه بعض الحد - أي الحدة - فقال: على رسلك، فكرهت أن أغضبه".
قوله: (ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس) بنصب أبلغ على الحال، ويجوز الرفع على الفاعلية، أي تكلم رجل هذه صفته.
وقال السهيلي النصب أوجه ليكون تأكيدا لمدحه وصرف الوهم عن أن يكون أحد موصوفا بذلك غيره.
وفي رواية ابن عباس قال: " قال عمر: والله ما ترك كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل حتى سكت".
قوله: (فقال في كلامه) وقع في رواية حميد بن عبد الرحمن بيان ما قال في روايته " فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئا أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا ذكره " ووقع في رواية ابن عباس بيان بعض ذلك الكلام وهو " أما بعد فما ذكرتم من خير فأنتم أهله، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، وهم أوسط العرب نسبا ودارا " وعرف المراد بقوله بعد في هذه الرواية " هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا " والمراد بالدار مكة.
وقال الخطابي أراد بالدار أهل الدار ومنه قوله: " خير دور الأنصار بنو النجار " وقوله: " أحسابا " الحسب الفعال الحسان مأخوذ من الحساب إذا عدوا مناقبهم، فمن كان أكثر كان أعظم حسبا، ويقال النسب للآباء والحسب للأفعال.
قوله: (فقال حباب) بضم المهملة وموحدتين الأولى خفيفة (ابن المنذر) أي ابن عمرو بن الجموح الخزرجي ثم السلمي بفتحتين، وكان يقال له ذو الرأي.
قوله: (لا والله لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير) زاد في رواية ابن عباس أنه قال: " أنا جديلها المحكك، وعذيقها المرجب " وشرح هاتين الكلمتين أن العذيق بالذال المعجمة تصغير عذق وهو النخلة، والمرجب بالجيم والموحدة أي يدعم النخلة إذا كثر حملها، والجديل بالتصغير أيضا وبالجيم، والجدل عود ينصب للإبل الجرباء لتحتك قيه، والمحكك بكافين الأولى مفتوحة فأراد أنه يستشفى برأيه.