*3* باب ذِكْرِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب ذكر معاوية) أي ابن أبي سفيان واسمه صخر ويكنى أيضا أبا حنظلة بن حرب بن أمية بن عبد شمس، أسلم قبل الفتح، وأسلم أبواه بعده، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وكتب له، وولي إمرة دمشق عن عمر بعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان سنة تسع عشرة واستمر عليها بعد ذلك إلى خلافة عثمان، ثم زمان محاربته لعلي وللحسن، ثم اجتمع عليه الناس في سنة إحدى وأربعين إلى أن مات سنة ستين، فكانت ولايته بين إمارة ومحاربة ومملكة أكثر من أربعين سنة متوالية.
الحديث:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا الْمُعَافَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ أَوْتَرَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ الْعِشَاءِ بِرَكْعَةٍ وَعِنْدَهُ مَوْلًى لِابْنِ عَبَّاسٍ فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ دَعْهُ فَإِنَّهُ قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
قوله: (حدثنا المعافى) هو ابن عمران الأزدي الموصلي يكنى أبا مسعود، وكان من الثقات النبلاء، وقد لقي بعض التابعين، وتلمذ لسفيان الثوري، وكان يلقب ياقوتة العلماء، وكان الثوري شديد التعظيم له، مات سنة خمس أو ست وثمانين ومائة، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وموضع آخر تقدم في الاستسقاء، وفي الرواة آخر يقال له المعافى بن سليمان أصغر من هذا، ووهم من عكس ذلك على ما يظهر من كلام ابن التين، ومات المعافى بن سليمان سنة مائتين وأربع وثلاثين، أخرج له النسائي وحده وأخرج للمعافى بن عمران مع البخاري أبو داود والنسائي.
قوله: (وعنده مولى لابن عباس) هو كريب، روي ذلك محمد بن نصر المروزي في " كتاب الوتر " له من طريق ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن كريب.
وأخرج من طريق علي بن عبد الله بن عباس قال: " بت مع أبي عند معاوية، فرأيته أوتر بركعة، فذكرت ذلك لأبي فقال: يا بني، هو أعلم".
قوله: (فقال دعه) فيه حذف يدل عليه السياق تقديره: فأتى ابن عباس فحكى له ذلك فقال له: دعه، وقوله: " دعه " أي اترك القول فيه والإنكار عليه " فإنه قد صحت " أي فلم يفعل شيئا إلا بمستند.
وفي قوله في الرواية الأخرى (أصاب، إنه فقيه) ما يؤيد ذلك، ولا التفات إلى قول ابن التين: إن الوتر بركعة لم يقل به الفقهاء، لأن الذي نفاه قول الأكثر، وثبت فيه عدة أحاديث، نعم الأفضل أن يتقدمها شفع وأقله ركعتان، واختلف أيما الأفضل وصلهما بها أو فصلهما؟ وذهب الكوفيون إلى شرطية وصلهما وأن الوتر بركعة لا يجزئ وشهرة ذلك تغني عن الإطالة فيه.
الحديث:
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلَاةً لَقَدْ صَحِبْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ
الشرح:
حديث معاوية في النهي عن الصلاة بعد العصر، والغرض منه قوله: " لقد صحبنا النبي صلى الله عليه وسلم " والكلام على الصلاة بعد صلاة العصر تقدم في مكانه في كتاب الصلاة.
(تنبيه) : عير البخاري في هذه الترجمة بقوله ذكر ولم يقل فضيلة ولا منقبة لكون الفضيلة لا تؤخذ من حديث الباب، لأن ظاهر شهادة ابن عباس له بالفقه والصحبة دالة على الفضل الكثير، وقد صنف ابن أبي عاصم جزءا في مناقبه، وكذلك أبو عمر غلام ثعلب، وأبو بكر النقاش وأورد ابن الجوزي في الموضوعات بعض الأحاديث التي ذكروها ثم ساق عن إسحاق بن راهويه أنه قال لم يصح في فضائل معاوية شيء، فهذه النكتة في عدول البخاري عن التصريح بلفظ منقبة اعتمادا على قول شيخه، لكن بدقيق نظره استنبط ما يدفع به رءوس الروافض، وقصة النسائي في ذلك مشهورة، وكأنه اعتمد أيضا على قول شيخه إسحاق، وكذلك في قصة الحاكم.
وأخرج ابن الجوزي أيضا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي ما تقول في علي ومعاوية؟ فأطرق ثم قال: اعلم أن عليا كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له عيبا فلم يجدوا، فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كيادا منهم لعلي، فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له.
وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد، وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما، والله أعلم.
*3* باب مَنَاقِبِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام حذف التشكيل
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ
الشرح:
قوله: (باب مناقب فاطمة) أي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمها خديجة عليها السلام، ولدت فاطمة في الإسلام، وقيل: قبل البعثة، وتزوجها علي رضي الله عنه بعد بدر في السنة الثانية، وولدت له وماتت سنة إحدى عشرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر وقد ثبت في الصحيح من حديث عائشة، وقيل: بل عاشت بعده ثمانية وقيل: ثلاثة وقيل: شهرين وقيل: شهرا واحدا، ولها أربع وعشرون سنة وقيل: غير ذلك فقيل إحدى وقيل: خمس وقيل: تسع وقيل: عاشت ثلاثين سنة وسيأتي من مناقب فاطمة في ذكر أمها خديجة في أول السيرة النبوية.
وأقوى ما يستدل به على تقديم فاطمة على غيرها من نساء عصرها ومن بعدهن ما ذكر من قوله صلى الله عليه وسلم أنها سيدة نساء العالمين إلا مريم وأنها رزئت بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها من بناته فإنهن متن في حياته فكن في صحيفته ومات هو في حياتها فكان في صحيفتها، وكنت أقول ذلك استنباطا إلى أن وجدته منصوصا: قال أبو جعفر الطبري في تفسير آل عمران من التفسير الكبير من طريق فاطمة بنت الحسين بن علي: إن جدتها فاطمة قالت: " دخل رسول صلى الله عليه وسلم يوما وأنا عند عائشة فناجاني فبكيت، ثم ناجاني فضحكت، فسألتني عائشة عن ذلك فقلت: لقد علمت أأخبرك بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فتركتني.
فلما توفي سألت فقلت: " ناجاني " فذكر الحديث في معارضة جبريل له بالقرآن مرتين وأنه قال: " أحسب أني ميت في عامي هذا؛ وأنه لم ترزأ امرأة من نساء العالمين مثل ما رزئت، فلا تكوني دون امرأة منهن صبرا، فبكيت، فقال: أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم فضحكت".
قلت: وأصل الحديث في الصحيح دون هذه الزيادة.
قوله: (وقال النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة) هو طرف من حديث وصله المؤلف في " علامات النبوة " وعند الحاكم من حديث حذيفة بسند جيد " أتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك وقال إن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة " وقد تقدم في آخر أحاديث الأنبياء ما ورد في بعض طرقه من ذكر مريم عليها السلام وغيرها مشاركة لها في ذلك.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي
الشرح:
قوله: (عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة) كذا رواه عنه عمرو بن دينار، وتابعه الليث وابن لهيعة وغيرهما رواه أيوب عن ابن أبي مليكة فقال: عن عبد الله بن الزبير، أخرجه الترمذي وصححه وقال.
يحتمل أن يكون ابن أبي مليكة سمعه منهما جميعا، ورجح الدار قطني وغيره طريق المسور، والأول أثبت بلا ريب لأن المسور قد روى هذا الحديث قصة مطولة قد تقدمت في " باب أصهار النبي صلى الله عليه وسلم".
نعم يحتمل أن يكون ابن الزبير سمع هذه القطعة فقط أو سمعها من المسور فأرسلها.
قوله: (بضعة) بفتح الموحدة وحكي ضمها وكسرها أيضا وسكون المعجمة أي قطعة لحم.
قوله: (فمن أغضبها أغضبني) استدل به السهيلي على أن من سبها فإنه يكفر، وتوجيهه أنها تغضب ممن سبها، وقد سوى بين غضبها وغضبه ومن أغضبه صلى الله عليه وسلم يكفر، وفي هذا التوجيه نظر لا يخفى، وسيأتي بقية ما يتعلق بفضلها في ترجمة والدتها خديجة إن شاء الله تعالى، وفيه أنها أفضل بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما أخرجه الطحاوي وغيره من حديث عائشة في قصة مجيء زيد بن حارثة بزينب بنت رسول صلى الله عليه وسلم من مكة وفي آخره " قال النبي صلى الله عليه وسلم هي أفضل بناتي أصيبت في " فقد أجاب عنه بعض الأئمة بتقدير ثبوته بأن ذلك كان متقدما، ثم وهب الله لفاطمة من الأحوال السنية والكمال ما لم يشاركها أحد من نساء هذه الأمة مطلقا والله أعلم.
وقد مضى تقرير أفضليتها في ترجمة مريم من حديث الأنبياء، ويأتي أيضا في ترجمة خديجة إن شاء الله تعالى.