طب الأعشاب.. بين الوقاية والعلاج
قد يكون طب الأعشاب واحدًا من أقدم أنواع الطب في التاريخ، ولم يكن الإنسان من فجر التاريخ وحتى فجر الثورة العلمية يمتلك من الوسائل الطبية غير عدد محدود، مثل: الكي، والحجامة، والأعشاب، والأغذية. ولطب الأعشاب باعٌ وذراعٌ في الطب النبوي، ولعل "الحبة السوداء" أكثر الأعشاب حظًا وشأنًا في هذا الطب، وذلك بفضل الحديث النبوي الشريف الثابت في الصحيحين عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السَّام". والسام هو الموت.
وبالرغم من أن هناك أحاديث نبوية أخرى تضع بعض الأعشاب على قدم المساواة مع الحبة السوداء، إلا أن حظ هذه الحبة السوداء كان أفضل من غيرها. فهناك حديث ورد في الترمذي: "لو كان شيء يشفي من الموت لكان السنا". وورد في سنن ابن ماجه: "عليكم بالسنا والسنوت فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السَّام". وورد في الصحيحين: "خير ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري". والقسط البحري هو نوع من العود يسمى "العود الهندي".
وفي المسند: "عليكم بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب". أما "السنا" فهو نبتة حجازية تنسب إلى مكة المكرمة، فاسمها العلمي "سنامِكه"، واسمها الدارج "سنامكى"، وهو مادة مسهلة معروفة ومشهورة بهذه الفاعلية حتى وقتنا هذا، ولم يرد في كتاب الطب النبوي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد استخدم هذه المادة إلا لهذا الغرض، لذلك فإن الحديث النبوي الذي يشير إلى أنها تشفي من كل داء، إنما يؤكد الفكرة السائدة في ذلك الزمان، ألا وهي: أن إخراج السموم والأخلاط من البطن هو ركيزة أساسية من ركائز علاج كل الأمراض.
أما "السنوت والينسون" فهو بذور من فصيلة الكمون، وهو من النباتات التي تستخدم حتى الآن كمهدئ لاضطرابات الجهاز الهضمي وخاصة لدى الأطفال، ولكن كتاب "الطب النبوي" لم يشر إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد استخدمه كعلاج لمرض معين، بالرغم من الحديث سالف الذكر.
ونعود لـ"الحبة السوداء" فنقول: إن التحليل الكميائي لهذه البذور يشير إلى وجود: سكريات أحادية ومركبة، وأحماض دهنية، وأحماض أمينية، وبعض الأملاح المعدنية مثل الكالسيوم والبوتاسيوم ومادة الكاروتين التي يمكن تحويلها في الكبد إلى فيتامين (أ)، وهي بهذا المحتوى ليست فريدة ولا متميزة عن كثير من المواد الغذائية الأخرى، ولا تحتوي على أي مادة غذائية أو كميائية يندر وجودها في مواد غذائية أخرى، وهي مثل العسل ليس بها أي محتوى علاجي محدد لعلاج مرض معين. ولقد جرت أبحاث علمية منضبطة في عدد من الجامعات، وخاصة جامعات البلاد الإسلامية مثل السعودية ومصر وباكستان بغرض تقييم وضع هذه البذور العلاجي والوقائي، وكانت النتائج تشير إلى أن هذه البذور تحسن النشاط المناعي للجسم بصفة عامة، كما أن لها دورًا مضادًّا لبعض أنواع الميكروبات ودورًّا مضادًّا للالتهابات، ولكن لم يحدد لها دور معين في علاج مرض معين على الأقل حتى الآن.
الحبة السوداء لا تحتوي على أي مادة غذائية أو كيميائية يندر وجودها في مواد غذائية أخرى، وهي مثل العسل ليس بها أي محتوى علاجي محدد لعلاج مرض معين. |
|
وبهذا يكون شأنها كشأن العسل، ويكون دورها الوقائي أكثر من دورها العلاجي، وما يزال المجال مفتوحًا للبحث في هذا المجال، ولكن أدعياء الطب النبوي لم ينتظروا ولن ينتظروا أبحاثًا ولا دراسات، فلقد شمروا عن سواعدهم وكتبوا الحديث الشريف على واجهات المحلات، وجعلوا من الحبة السوداء - كما جعلوا من العسل - مدرسة طبية علاجية متكاملة، وجعلوا منها ألوانًا وأشكالاً؛ فهناك البذور، وهناك المسحوق، وهناك الزيت المستخلص من هذه البذور، بل إني عثرت في الأسواق على مراهم ومعاجين للحبة السوداء، وبهذا أصبحت الحبة السوداء مصدرًا من مصادر الكسب والتربح لا يقل شأنًا ولا ربحية عن العسل والحجامة!!.