*3* باب مَنْ بَاعَ ثِمَارَهُ أَوْ نَخْلَهُ أَوْ أَرْضَهُ أَوْ زَرْعَهُ وَقَدْ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ الصَّدَقَةُ فَأَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ حذف التشكيل
أَوْ بَاعَ ثِمَارَهُ وَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَلَمْ يَحْظُرْ الْبَيْعَ بَعْدَ الصَّلَاحِ عَلَى أَحَدٍ وَلَمْ يَخُصَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِمَّنْ لَمْ تَجِبْ
الشرح:
قوله: (باب من باع ثماره أو أرضه أو نخله أو زرعه وقد وجب فيه العشر أو الصدقة فأدى الزكاة من غيره، أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة إلخ) ظاهر سياق هذه الترجمة أن المصنف يرى جوازه بيع الثمرة بعد بدو الصلاح ولو وجبت فيها الزكاة بالخرص مثلا لعموم قوله " حتى يبدو صلاحها " وهو أحد قولي العلماء، والثاني لا يجوز بيعها بعد الخرص لتعلق حق المساكين بها، وهو أحد قولي الشافعي، وقائل هذا حمل الحديث على الجواز بعد الصلاح وقبل الخرص جمعا بين الحديثين.
وأما قوله " العشر أو الصدقة " فمن العام بعد الخاص، وفيه إشارة إلى الرد على من جعل في الثمار العشر مطلقا من غير اعتبار نصاب، ولم يرد أن الصدقة تسقط بالبيع.
وأما قوله " فأدى الزكاة من غيره " فلأنه إذا باع بعد وجوب الزكاة فقد فعل أمرا جائزا كما تقدم فتعلقت الزكاة بذمته فله أن يعطيها من غيره أو يخرج قيمتها على رأي من يجيزه وهو اختيار البخاري كما سبق.
وأما قوله " ولم يخص من وجبت عليه الزكاة ممن لم تجب " فيتوقف على مقدمة أخرى وهي أن الحق يتعلق بالصلاح، وظاهر القرآن يقتضي أن وجوب الإيتاء إنما هو يوم الحصاد على رأي من جعلها في الزكاة، إلا أن يقال إنما تعرضت الآية لبيان زمن الإيتاء لا لبيان زمان الوجوب، والظاهر أن المصنف اعتمد في تصحيح هذه المقدمة استعمال الخرص عند الصلاح لتعلق حق المساكين، فطواها بتقديمه حكم الخرص فيما سبق أشار إلى ذلك ابن رشيد.
وقال ابن بطال: أراد البخاري الرد على أحد قولي الشافعي بفساد البيع كما تقدم.
وقال أبو حنيفة المشتري بالخيار ويؤخذ العشر منه ويرجع هو على البائع، وعن مالك العشر على البائع إلا أن يشترطه على المشتري وهو قول الليث، وعن أحمد الصدقة على البائع مطلقا وهو قول الثوري والأوزاعي والله أعلم.
قوله: (وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الثمرة) أسنده في الباب بمعناه، وأما هذا اللفظ فمذكور عنده في موضعين من كتاب البيع من حديث ابن عمر، وسيأتي الكلام هناك على حديثه وعلى حديث أنس أيضا.
الحديث:
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاحِهَا قَالَ حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهُ
الشرح:
قوله "وكان إذا سئل عن صلاحها قال حتى تذهب عاهته " أي الثمر وفي رواية الكشميهني عاهتها وهو مقول ابن عمر بينه مسلم في روايته من طريق محمد بن جعفر عن شعبة ولفظه " فقيل لابن عمر ما صلاحه؟ قال تذهب عاهته".
*3* باب هَلْ يَشْتَرِي الرَّجُلُ صَدَقَتَهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ صَدَقَتَهُ غَيْرُهُ حذف التشكيل
لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَهَى الْمُتَصَدِّقَ خَاصَّةً عَنْ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَنْهَ غَيْرَهُ
الشرح:
قوله: (باب هل يشتري الرجل صدقته) قال الزين بن المنير: أورد الترجمة بالاستفهام لأن تنزيل حديث الباب على سببه يضعف معه تعميم المنع لاحتمال تخصيصه بالشراء بدون القيمة لقوله " وظننت أنه يبيعه برخص " وكذا إطلاق الشارع العود عليه بمعنى أنه في معنى رجوع بعضها إليه بغير عوض، قال: وقصد بهذه الترجمة التنبيه على أن الذي تضمنته الترجمة التي قبلها من جواز بيع الثمرة قبل إخراج الزكاة ليس من جنس شراء الرجل صدقته، والفرق بينهما دقيق وقال ابن المنذر ليس لأحد أن يتصدق ثم يشتريها للنهي الثابت، ويلزم من ذلك فساد البيع إلا إن ثبت الإجماع على جوازه.
قوله: (ولا بأس أن يشتري صدقة غيره) قد استدل له بما ذكر، ومراده قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث " لا تعد " وقوله: " العائد في صدقته " ولو كان المراد تعميم المنع لقال لا تشتروا الصدقة مثلا، وسيأتي لذلك مزيد بيان في " باب إذا حولت الصدقة".
ثم أورد المصنف حديث عمر في تصدقه بالفرس واستئذانه في شرائه بعد ذلك من طريقين فسياق الأولى يقتضي أنه من حديث ابن عمر والثانية أنه من مسند عمر، ورجح الدارقطني الأولى، لكن حيث جاء من طريق سالم وغيره من الرواة عن ابن عمر فهو من مسنده، وأما رواية أسلم مولى عمر فهي عن عمر نفسه والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْمَرَهُ فَقَالَ لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ فَبِذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يَتْرُكُ أَنْ يَبْتَاعَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِهِ إِلَّا جَعَلَهُ صَدَقَةً
الشرح:
قوله: (تصدق بفرس) أي حمل عليه رجلا في سبيل الله كما في الطريق الثانية والمعنى أنه ملكه له، ولذلك ساغ له بيعه ومنهم من قال كان عمر قد حبسه، وإنما ساغ للرجل بيعه لأنه حصل فيه هزال عجز لأجله عن اللحاق بالخيل وضعف عن ذلك وانتهى إلى حالة عدم الانتفاع به، وأجاز ذلك ابن القاسم، ويدل على أنه حمل تمليك قوله " ولا تعد في صدقتك " ولو كان حبسا لعلله به.
قوله في الطريق الأولى " ولهذا كان ابن عمر لا يترك أن يبتاع شيئا تصدق به إلا جعله صدقة " كذا في رواية أبي ذر، وعلى حرف لا تضبيب ولا أدري ما وجهه.
وبإثبات النفي يتم المعنى أي كان إذا اتفق له أن يشتري شيئا مما تصدق به لا يتركه في ملكه حتى يتصدق به، وكأنه فهم أن النهي عن شراء الصدقة إنما هو لمن أراد أن يتملكها لا لمن يردها صدقة.
وفي الحديث كراهة الرجوع في الصدقة وفضل الحمل في سبيل الله والإعانة على الغزو بكل شيء، وأن الحمل في سبيل الله تمليك وأن للمحمول بيعه والانتفاع بثمنه.
وسيأتي تكميل الكلام على هذا الحديث في أبواب الهبة إن شاء الله تعالى.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَشْتَرِي وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ
الشرح:
قوله فيها " فأضاعه الـذي كان عنده " أي بترك القيام عليه بالخدمة والعلف ونحوهما.
وقال في الأولى " فوجده يباع".
قوله: (وإن أعطاكه بدرهم) هو مبالغة في رخصه وهو الحامل له على شرائه.
قوله: (ولا تعد) في رواية أحمد من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم " ولا تعودن " وسمي شراءه برخص عودا في الصدقة من حيث أن الغرض منها ثواب الآخرة، فإذا اشتراها برخص فكأنه اختار عرض الدنيا على الآخرة، مع أن العادة تقتضي بيع مثل ذلك برخص لغير المتصدق فكيف بالمتصدق فيصير راجعا في ذلك المقدار الذي سومح فيه.
(فائدة) أفاد ابن سعد في الطبقات أن اسم هذا الفرس الورد وأنه كان لتميم الداري فأهداه للنبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه لعمر، ولم أقف على اسم الرجل الذي حمله عليه.
قوله: (كالعائد في قيئه) استدل به على تحريم ذلك لأن القيء حرام قال القرطبي: وهذا هو الظاهر من سياق الحديث، ويحتمل أن يكون التشبيه للتنفير خاصة لكون القيء مما يستقذر وهو قول الأكثر، ويلتحق بالصدقة الكفارة والنذر وغيرهما من القربات.
وأما إذا ورثه فلا كراهة.
وأبعد من قال يتصدق به.