الحديث:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا النَّضْرُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَكَثَ بِهَا عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
قوله: (حدثنا النضر) هر ابن شميل.
قوله: (عن هشام) هو ابن حسان.
قوله: (عن عكرمة) في رواية روح عن هشام الآتية في الهجرة " حدثنا عكرمة".
قوله: (أنزله على رسوله الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين) هذا هو المقصود من هذا الحديث في هذا الباب، وهو متفق عليه، وقد مضى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم حديث أنس " أنه صلى الله عليه وسلم بعث على رأس أربعين " وتقدم في بدء الوحي أنه أنزل عليه في شهر رمضان، فعلى الصحيح المشهور أن مولده في شهر ربيع الأول يكون حين أنزل عليه ابن أربعين سنة وستة أشهر، وكلام ابن الكلبي يؤذن بأنه ولد في رمضان فإنه قال: مات وله اثنتان وستون سنة ونصف سنة، وقد أجمعوا على أنه مات في ربيع الأول فيستلزم ذلك أن يكون ولد في رمضان، وبه جزم الزبير بن بكار وهو شاذ، وفي مولده أقوال أخرى أشد شذوذا من هذا.
قوله: (بمكة ثلاث عشرة سنة) هذا أصح مما رواه مسلم من طريق عمار بن أبي عمار عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمس عشرة سنة " وسيأتي البحث في ذلك في أبواب الهجرة إن شاء الله تعالى.
*3* باب مَا لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِمكَّةَ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة) أي من وجه الأذى، وذكر فيه أحاديث في المعنى، وقد تقدم في " ذكر الملائكة " من بدء الخلق حديث عائشة أنها " قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت: منهم " فذكر قصته بالطائف.
وروى أحمد والترمذي وابن حبان من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد أوذيت في الله وما يؤذي أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحد " الحديث.
وأخرج ابن عدي من حديث جابر رفعه " ما أوذي أحد ما أوذيت " ذكره في ترجمة يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر، ويوسف ضعيف، وقد استشكل بما جاء من صفات ما أوذي به الصحابة كما سيأتي لو ثبت، وهو محمول على معنى حديث أنس، وقيل معناه أنه أوحي إليه ما أوذي به من قبله فتأذى بذلك زيادة على ما آذاه قومه به، وروى ابن إسحاق من حديث ابن عباس وذكر الصحابة فقال " والله كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضر، حتى يقولوا له: اللات والعزى إلهك من دون الله، فيقول: نعم " وروى ابن ماجه وابن حبان من طريق زر بن مسعود قال أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد.
فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وأوقفوهم في الشمس " الحديث.
وأجيب بأن جميع ما أوذي به أصحابه كان يتأذى هو به لكونه بسببه.
واستشكل أيضا بما أوذي به الأنبياء من القتل كما في قصة زكريا وولده يحيى.
ويجاب بأن المراد هنا غر إزهاق الروح.
الحديث:
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا بَيَانٌ وَإِسْمَاعِيلُ قَالَا سَمِعْنَا قَيْسًا يَقُولُ سَمِعْتُ خَبَّابًا يَقُولُ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَقَدْ لَقِينَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَدْعُو اللَّهَ فَقَعَدَ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ فَقَالَ لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ زَادَ بَيَانٌ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ
الشرح:
قوله: (حدثنا بيان) هو ابن بشر، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وخباب بالمعجمة والموحدتين الأولى ثقيلة.
قوله: (بردة) كذا للأكثر بالتنوين، وللكشميهني بالهاء والأول أرجح فقد تقدم في " علامات النبوة " من وجه آخر بلفظ " بردة له".
قوله: (ألا تدعو الله لنا) زاد في الرواية التي في المبعث " ألا تستنصر لنا".
قوله: (فقعد وهو محمر وجهه) أي من أثر النوم، ويحتمل أن يكون من الغضب وبه جزم ابن التين.
قوله: (لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد) كذا للأكثر بكسر الميم، وللكشميهني " أمشاط " هو جمع مشط بكسر الميم وبضمها، يقال مشاط وأمشاط كرماح وأرماح، وأنكر ابن دريد الكسر في المفرد، والأشهر في الجمع مشاط ورماح.
قوله: (ما دون عظامه من لحم أو عصب) في الرواية الماضية ما دون لحمه من عظم أو عصب.
قوله: (ويوضع الميشار) بكسر الميم وسكون التحتانية بهمز وبغير همز، تقول وشرت الخشبة وأشرتها، ويقال فيه بالنون وهي أشهر في الاستعمال ووقع في الرواية الماضية " يحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار " قال ابن التين: كان هؤلاء الذين فعل بهم ذلك أنبياء أو أتباعهم، قال: وكان في الصحابة من لو فعل به ذلك لصبر، إلى أن قال: وما زال خلق من الصحابة وأتباعهم فمن بعدهم يؤذون في الله، ولو أخذوا بالرخصة لساغ لهم.
قوله: (وليتمن الله هذا الأمر) بالنصب، وفي الرواية الماضية " والله ليتمن هذا الأمر " بالرفع، والمراد بالأمر الإسلام.
قوله: (زاد بيان: والذئب على غنمه) هذا يشعر بأن في الرواية الماضية إدراجا، فإنه أخرجها من طريق يحيى القطان عن إسماعيل وحده وقال في آخرها " ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه"، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن الصباح بن أسلم وعبدة بن عبد الرحيم كلهم عن ابن عيينة به مدرجا، وطريق الحميدي أصح، وقد وافقه ابن أبي عمر أخرجه الإسماعيلي من طريقه مفصلا أيضا.
(تنبيه) : قوله " والذئب " هو بالنصب عطفا على المستثنى منه لا المستثنى، كذا جزم به الكرماني، ولا يمتنع أن يكون عطفا على المستثنى، والتقدير: ولا يخاف إلا الذئب على غنمه، لأن مساق الحديث إنما هو للأمن من عدوان بعض الناس على بعض كما كانوا في الجاهلية، لا للأمن من عدوان الذئب فإن ذلك إنما يكون في آخر الزمان عند نزول عيسى.
الحديث:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجْمَ فَسَجَدَ فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلَّا سَجَدَ إِلَّا رَجُلٌ رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًا فَرَفَعَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ وَقَالَ هَذَا يَكْفِينِي فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا بِاللَّهِ
الشرح:
حديث ابن مسعود قرأ النبي صلى الله عليه وسلم النجم فسجد " سبق الكلام عليه في سجود القرآن من كتاب الصلاة، ويأتي بقيته في تفسير سورة النجم، وقد تقدم هناك تسمية الذي لم يسجد، وزعم الواقدي أن ذلك كان في رمضان سنة خمس من المبعث.
(تنبيه) : كان حق هذا الحديث أن يذكر في " باب الهجرة إلى الحبشة " المذكور بعد قليل فسيأتي فيها أن سجود المشركين المذكور فيه سبب رجوع من هاجر الهجرة الأولى إلى الحبشة لظنهم أن المشركين كلهم أسلموا، فلما ظهر لهم خلاف ذلك هاجروا الهجرة الثانية.
الحديث:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَى جَزُورٍ فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام فَأَخَذَتْهُ مِنْ ظَهْرِهِ وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ الْمَلَأَ مِنْ قُرَيْشٍ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ أَوْ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ شُعْبَةُ الشَّاكُّ فَرَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ غَيْرَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَوْ أُبَيٍّ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ فَلَمْ يُلْقَ فِي الْبِئْرِ
الشرح:
حديث ابن مسعود في قصة عقبة بن أبي معيط وإلقائه سلا الجزور على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، وقد سبق الكلام عليه مستوفى في أواخر كتاب الوضوء.
(تنبيه) : كانت هذه القصة بعد الهجرة الثانية إلى الحبشة، لأن من جملة من دعى عليه عمارة بن الوليد أخو أبي جهل، وقد ذكر ابن إسحاق وغيره أن قريشا بعثوه مع عمرو بن العاص إلى النجاشي ليرد إليهم من هاجر إليه فلم يفعل، واستمر عمارة بالحبشة إلى أن مات.
(تنبيه آخر) : أغرب الشيخ عماد الدين بن كثير فزعم أن الحديث الوارد عن خباب عند مسلم وأصحاب السنن " شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا " طرف من حديث الباب، وأن المراد أنهم شكوا ما يلقونه من المشركين من تعذيبهم بحر الرمضاء وغيره، فسألوه أن يدعو على المشركين فلم يشكهم، أي لم يزل شكواهم، وعدل إلى تسليتهم بمن مضى ممن قبلهم، ولكن وعدهم بالنصر انتهى.
ويبعد هذا الحمل أن في بعض طرق حديث مسلم عند ابن ماجه " الصلاة في الرمضاء " وعند أحمد " يعني الظهر وقال: إذا زالت الشمس فصلوا " وبهذا تمسك من قال إنه ورد في تعجيل الظهر، وذلك قبل مشروعية الإيراد، وهو المعتمد، والله أعلم.