3* باب إِسْلَامُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب إسلام سعيد بن زيد) أي ابن عمرو بن نفيل، وأبو تقدم ذكره وأنه ابن ابن عم عمر بن الخطاب.
الحديث:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ يَقُولُ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوثِقِي عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عُمَرُ وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا ارْفَضَّ لِلَّذِي صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ لَكَانَ
الشرح:
قوله: (حدثنا سفيان) هو ابن عيينة، وإسماعيل هو ابن أبي خالد؛ وقيل هو ابن أبي حازم.
قوله: (لقد رأيتني) بضم المثناة، والمعنى رأيت نفسي (وإن عمر لموثقي على الإسلام) أي ربطه بسبب إسلامه إهانة له وإلزاما بالرجوع عن الإسلام.
وقال الكرماني في معناه: كان يثبتني على الإسلام ويسددني، كذا قال، وكأنه ذهل عن قوله هنا " قبل أن يسلم"، فإن وقوع التثبيت منه وهو كافر لضمره على الإسلام بعيد جدا، مع أنه خلاف الواقع، وسيأتي في كتاب الإكراه " باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر " وكأن السبب في ذلك أنه كان زوج فاطمة بنت الخطاب أخت عمر، ولهذا ذكر في آخر باب إسلام عمر " رأيتني موثقي عمر على الإسلام أنا وأخته " وكان إسلام عمر متأخرا عن إسلام أخته وزوجها، لأن أول الباعث له على دخوله في الإسلام ما سمع في بيتها من القرآن في قصة طويلة ذكرها الدار قطني وغيره.
قوله: (ولو أن أحدا ارفض) أي زال من مكانه، في الرواية الآتية " انقض " بالنون والقاف بدل الراء والفاء أي سقط، وزعم ابن التين أنه أرجح الروايات.
وفي رواية الكشميهني بالنون والفاء وهو بمعنى الأول.
قوله: (لكان) في الرواية الآتية " لكان محقوقا أن ينقض " وفي رواية الإسماعيلي " لكان حقيقا " أي واجبا تقول حق عليك أن تفعل كذا وأنت حقيق أن تفعله، وإنما قال ذلك سعيد لعظم قتل عثمان، وهو مأخوذ من قوله تعالى: (تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، أن دعوا للرحمن ولدا) قال ابن التين: قال سعيد ذلك على سبيل التمثيل.
وقال الداودي: معناه لو تحركت القبائل وطلبت بثار عثمان لكان أهلا لذلك، وهذا بعيد من التأويل.
*3* باب إِسْلَامُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب إسلام عمر بن الخطاب) قد تقدم نسبه في مناقبه.
الحديث:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ
الشرح:
قوله: (أنبأنا سفيان) هو الثوري.
قوله: (ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر) زاد الإسماعيلي من طريق أبي داود الحفري عن سفيان في حديث ذكره أي من كلام ابن مسعود، وقد تقدم في مناقب عمر الإلمام بشيء من ذلك.
الحديث:
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ فَأَخْبَرَنِي جَدِّي زَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَيْنَمَا هُوَ فِي الدَّارِ خَائِفًا إِذْ جَاءَهُ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ أَبُو عَمْرٍو عَلَيْهِ حُلَّةُ حِبَرَةٍ وَقَمِيصٌ مَكْفُوفٌ بِحَرِيرٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ وَهُمْ حُلَفَاؤُنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لَهُ مَا بَالُكَ قَالَ زَعَمَ قَوْمُكَ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونِي إِنْ أَسْلَمْتُ قَالَ لَا سَبِيلَ إِلَيْكَ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا أَمِنْتُ فَخَرَجَ الْعَاصِ فَلَقِيَ النَّاسَ قَدْ سَالَ بِهِمْ الْوَادِي فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُونَ فَقَالُوا نُرِيدُ هَذَا ابْنَ الْخَطَّابِ الَّذِي صَبَا قَالَ لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ فَكَرَّ النَّاسُ
الشرح:
قوله: (فأخبرني جدي) ظاهر السياق أنه معطوف على شيء تقدم، وقد رواه الإسماعيلي من طريق ابن وهب هذه فقال فيها عن ابن وهب " أخبرني عمر بن محمد".
قوله: (وعليه حلة حبر) بكسر المهملة وفتح الموحدة وهو برد مخطط بالوشي.
وفي رواية حبرة بزيادة هاء.
قوله: (أن أسلمت) بفتح الألف وتخفيف النون أي لأجل إسلامي.
قوله: (لا سبيل عليك بعد أن قالها) أي الكلمة المذكورة، وهي قوله: " لا سبيل عليك".
قوله: (أمنت) بفتح الهمزة وكسر الميم وسكون النون وضم المثناة أي حصل الأمان في نفسي بقوله ذلك، ووقع في رواية الأصيلي بمد الهمزة، وهو خطأ فإنه كان قد أسلم قبل ذلك، ذكر عياض أن في رواية الحميدي بالقصر أيضا لكنه بفتح المثناة، وهو خطأ أيضا لأنه يصير من كلام العاص بن وائل، وليس كذلك بل هو من كلام عمر، يريد أنه أمن لما قال له العاص بن وائل تلك المقالة، ويؤيده الحديث الذي بعده.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُهُ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عِنْدَ دَارِهِ وَقَالُوا صَبَا عُمَرُ وَأَنَا غُلَامٌ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِي فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ فَقَالَ قَدْ صَبَا عُمَرُ فَمَا ذَاكَ فَأَنَا لَهُ جَارٌ قَالَ فَرَأَيْتُ النَّاسَ تَصَدَّعُوا عَنْهُ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ
الشرح:
قوله: (اجتمع الناس عند داره) في رواية الكشميهني " اجتمع الناس إليه".
قوله: (وأنا غلام) في رواية أخرى أنه " كان ابن خمس سنين " وإذا كان كذلك خرج منه أن إسلام عمر كان بعد المبعث بست سنين أو بسبع، لأن ابن عمر كما سيأتي في المغازي كان يوم أحد ابن أربع عشرة سنة وذلك بعد المبعث بست عشرة سنة فيكون مولده بعد المبعث بسنتين.
قوله: (على ظهر بيتي) قال الداودي هو غلط والمحفوظ " ظهر بيتنا " وتعقبه ابن التين بأن ابن عمر أراد أنه الآن بيته أي عند مقالته تلك، وكان قبل ذلك لأبيه.
ولا يخفى عدم الاحتياج إلى هذا التأويل، وإنما نسب ابن عمر البيت إلى نفسه مجازا، أو مراده المكان الذي كان يأوي فيه سواء كان ملكه أم لا، وأيضا فإنه إن أراد نسبته إليه حال مقالته تلك لم يصح، لأن بني عدي بن كعب رهط عمر لما هاجروا استولى غيرهم على بيوتهم كما ذكره ابن إسحاق وغيره فلم يرجعوا فيها، وأيضا فإن ابن عمر لم ينفرد بالإرث من عمر فتحتاج دعوى أن يكون اشترى حصص غيره إلى نقل، فيتعين الذي قلته.
قوله: (فما ذاك) أي فلا بأس، أو لا قتل أو لا يعترض له.
وقوله: (أنا له جار) أي أجرته من أن يظلمه ظالم، وقوله: (تصدعوا) أي تفرقوا عنه.
فقوله: (قالوا العاص بن وائل) زاد ابن أبي عمر في روايته عن سفيان قال: " فعجبت من عزته " وكذا عند الإسماعيلي من وجهين عن سفيان.
وفي رواية عبد الله بن داود عن عمر بن محمد عند الإسماعيلي " فقلت لعمر: من الذي ردهم عنك يوم أسلمت؟ قال: يا بني، ذاك العاص بن وائل " أي ابن هاشم بن سعيد بالتصغير بن سهم القرشي السهمي، مات على كفره قبل الهجرة بمدة، والعاص بمهملتين من العوص لا من العصيان، والصاد مرفوعة ويجوز كسرها، وقيل: إنه من العصيان فهو بالكسر جزما، ويجوز إثبات الياء كالقاضي، ويؤيده كتاب عمر إلى عمرو وهو عامله على مصر " إلى العاصي ابن العاصي " وأطلق عليه ذلك لكونه خالف شيئا مما كان أمره به في ولايته على مصر لما ظهر له من المصلحة.
الحديث:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ فَقَالَ لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ عَلَيَّ الرَّجُلَ فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ قَالَ فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي قَالَ كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ فَقَالَتْ أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا قَالَ عُمَرُ صَدَقَ بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ يَا جَلِيحْ أَمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَوَثَبَ الْقَوْمُ قُلْتُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا ثُمَّ نَادَى يَا جَلِيحْ أَمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقُمْتُ فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ هَذَا نَبِيٌّ
الشرح:
قوله: (حدثني عمر) هو ابن محمد بن زيد، وهو شيخ ابن وهب في الحديث الثاني، ووهم من زعم أنه عمر بن الحارث كالكلاباذي فقد وقع في رواية الإسماعيلي عن عمر بن محمد.
قوله: (ما سمعت عمر يقول لشيء إني لأظنه كذا إلا كان) أي عن شيء، واللام قد تأتي بمعنى عن كقوله: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه) .
قوله: (إلا كان كما يظن) هو موافق لما تقدم في مناقبه أنه كان محدثا بفتح الدال، وتقدم شرحه.
قوله: (إذ مر به رجل جميل) هو سواد - بفتح المهملة وتخفيف الواو وآخره مهملة - ابن قارب بالقاف والموحدة، وهو سدوسي أو دوسي.
وقد أخرج ابن أبي خيثمة وغيره من طريق أبي جعفر الباقر قال: " دخل رجل يقال له سواد بن قارب السدوسي على عمر، فقال.
يا سواد أنشدك الله، هل تحسن من كهانتك شيئا " فذكر القصة.
وأخرج الطبراني والحاكم وغيرهما من طريق محمد بن كعب القرظي قال: " بينما عمر قاعد في المسجد " فذكر مثل سياق أبي جعفر وأتم منه، وهما طريقان مرسلان يعضد أحدهما الآخر.
وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني من طريق عباد بن عبد الصمد عن سعيد بن جبير قال: " أخبرني سواد بن قارب قال: كنت نائما " فذكر قصته الأولى دون قصته مع عمر.
وهذا إن ثبت ذلك على تأخر وفاته، لكن عبادا ضعيف.
ولابن شاهين من طريق أخرى ضعيفة عن أنس قال: " دخل رجل من دوس يقال له سواد بن قارب على النبي صلى الله عليه وسلم " فذكر قصته أيضا، وهذه الطرق يقوى بعضها ببعض، وله طرق أخرى سأذكر ما فيها من فائدة.
قوله: (لقد أخطأ ظني) في رواية ابن عمر عند البيهقي " لقد كنت ذا فراسة، وليس لي الآن رأي إن لم يكن هذا الرجل ينظر في الكهانة".
قوله: (أو) بسكون الواو (على دين قومه في الجاهلية) أي مستمر على عبادة ما كانوا يعبدون.
قوله: (أو) بسكون الواو أيضا (لقد كان كاهنهم) أي كان كاهن قومه.
وحاصله أن عمر ظن شيئا مترددا بين شيئين أحدهما يتردد بين شيئين كأنه قال: هذا الظن إما خطأ أو صواب فإن كان صوابا فهذا الآن إما باق على كفره وإما كان كاهنا.
وقد أظهر الحال القسم الأخير، وكأنه ظهرت له من صفة مشيه أو غير ذلك قرينة أثرت له ذلك الظن، فالله أعلم.
قوله: (علي) بالتشديد (الرجل) بالنصب أي أحضروه إلي وقربوه مني.
قوله: (فقال له ذلك) أي ما قاله في غيبته من التردد.
وفي رواية محمد بن كعب " فقال له فأنت على ما كنت عليه من كهانتك " فغضب، وهذا من تلطف عمر، لأنه اقتصر على أحسن الأمرين.
قوله: (ما رأيت كاليوم) أي رأيت شيئا مثل ما رأيت اليوم.
قوله: (استقبل) بضم التاء على البناء للمجهول.
قوله: (رجل مسلم) في رواية النسفي وأبي ذر " رجلا مسلما " ورأيته مجودا بفتح تاء " استقبل " على البناء للفاعل وهو محذوف تقديره أحد، وضبطه الكرماني استقبل بضم التاء وأعرب رجلا مسلما على أنه مفعول رأيت، وعلى هذا فالضمير في قوله " به " يعود على الكلام، ويدل عليه السياق، وبينه البيهقي في رواية مرسلة " قد جاء الله بالإسلام، فما لنا ولذكر الجاهلية".